السبت 02 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

«قصيدة أبوزيد الحزينة على رزق ولده».. الصبر يا عم جابر!

عم جابر
عم جابر

- يمضى «عم جابر» فى قوله تشاهده كصورة مجزأة لرجل كلما قال شطرًا اختفى جزء

دارت الدنيا الغرورة على أهلها

خلت دموعى على الخدود بكيت

من بعد عزى وارتفاعى وهيبتى

كفاية بُكا.. يا دمعتى انبليت!

الحزن لا يحتاج إلى مقدمات. الحزن غالب يقتحم القلوب بلا أى استئذان. لا يستأنس ولا يُسلم على أهلها، وإن قلت له: «ارجع»، أخذته العزة بالإثم، وأقسم بالله ثلاثًا: «وبعزتك لأسكنهن أجمعين».

يحكى جابر أبوحسين، كما العادة، عن «الهلايل» وسيرتهم، عن «سلامة» و«حسن أبوعلى» و«الجازية» و«دياب أبوشناب». لكن هذه المرة مختلفة. مختلفة للغاية فى هذا التسجيل الشهير على «يوتيوب»، الذى يحمل عنوان: «قصيدة أبوزيد الحزينة على رزق ولده».

وبينما ينقل وجع «الهلالى سلامة» بعد وفاة ابنه «رزق»، يتذكر جابر أبوحسين ابنه الميت قبل وقت قصير، فتنبرى كل حواسه، ويدخل بـ«كحيلته» ساحة الحزن، لا يغنى عن «سلامة» ولا عن جرحه، بل الجرح جرحه هو والشجن شجنه!

لا يهم إن كانت الحكاية حدثت مع «ناعسة» و«أبوزيد». لا تهمه هنا تفاصيل ما جرى وحقيقته وأسماء أبطاله. نسى أنه «الشاعر» الذى جاء يحكى ويروى ويسامر. كل ما يسمعه الآن تلك «الربابة» التى تبكى، فيبكى معها بصوت أجش ويقول لائمًا زمانه:

لهو أنت ياك يا زمان مالاقيش خلافنا؟!

ما خدت العزاز... الكل ما خليت

يا «بين» صالحنى كفى ما فعلت بى

خدت الحبايب والفؤاد كَويت

يا «بين» صالحنى.. كفى ما جرى لنا

يا «بين» بزيادة... أنا انذليت!

يأتيه صوت عبدالرحمن الأبنودى من بعيد: «الصبر يا عم جابر!». لكن أين «عم جابر» يا «خال»؟ هل يسمعك؟! هل يراك؟ إنه الآن جالس مع «ننى عينه» الذى رحل، لا يسمع ولا يرى ولا يحس إلاه. وكلما تذكر أن ما أمامه مجرد «وهم»، ابن خطفه الموت، ماتت كل جوارحه، ما بقى منها سوى لسان «يُعدد» وينوح كما الحمام!

يمضى «عم جابر» فى قوله، تشاهده كصورة مُجزَئة لرجل، كلما قال شطرًا اختفى جزء، حتى بنهاية غناه يتلاشى تمامًا، فتنعيه «الرباب» وتبكيه.

وبعد أن يوجه حديثه اللائم إلى الزمن، جاء الدور على الفرقة «البين». يعرف «عم جابر» أن المُقدِر هو الله، وأن الزمن والفرقة من مخلوقاته، لكنه تأدبًا مع خالق الخلق لا يستطيع لومه... «بيجيبها فى غيره»!

يقول الشاعر الذى جاء من أخميم، هناك حيث كانت تُنسج أكفان الفراعنة، مُصورًا «البين» وقسوته:

مَثلتك يا «البين» لى ثعبان فى جبل

تُقرص وتِلبد فى الحشا عضيييت (يقولها وكأنه يتعرض للعض الآن)

مَثلتك يا «البين» لى مبرد على خشب

نَحلت فى تلك العظام وبريت

مثلتك يا «البين» لى بحر مالح

وأنا سفينة.. تُهت وما اندليت

موجة لتأخذنى وموجة تجيبنى

لو لى قلوع ساعة الغرق حليت.

هنا ينسى «عم جابر» أن «دموع الرجال عزيزة»، تغلبه عيناه فيسقى الخد من حزنه.. يلتفت إليه «الأبنودى» ويقول: «عم جابر بيبكى»، قبل أن يواصل من مات ولده بكلمات تجعل كل من يسمع «عم جابر» يشاركه البكاء:

ما كادنى إلا وفاة أبوعلى

ورزق ولدى... ورزق ولددددددى

اللى خرب البيت

ياليت موتى قبل موت أحبتى

أريد نفسى فى قبرى سديت

يا ليت موتى قبل موت أبوعلى

ولا كنت فى هذا العزا عزيت!

«صلى على النبى يا شييييخ.... صلى على النبى».. تأتى مواساة جديدة، لكنها لا تجدى نفعًا، ولا تقطع حديثه مع «البين»:

يا «بين» بزيادة... كفى ماجرالنا

يا بين بزيادة..... ده أنا انذليت!

يعقد «عم جابر» محاكمة خيالية لـ«الفُرقة»، وكله يقين أنها لو انعقدت واقعًا، لحكم القاضى لصالحه، فمن لا يحكم لمثل من هو فى حاله؟!:

لو كنت أنا و«البين» على يد حاكم

لكان ينصفنى إذا ما شكيت

لو كنت أنا و«البين» على يد قاضى

وقدمت شكواى... أنا اللى نُجيت

يقدم «دفوعه» فى «محكمة الأيام»، ويعود بتشبيهاته لـ«البين»:

مثلتك يا «البين» لى فيضان زايد

حتى على رءوس الجبال غطيت

مثلتك يا «البين» لى نبل صايب

حررت نبلك على الفؤاد ورميت.

ورغم كل هذا لا يفقد «عم جابر» إيمانه، وبعد أن لام «الزمن» و«البين» على فعل خالقهما، يعود إلى الخالق مُسلِمًا أمره له وراضيًا بقدره وحكمه:

أمرى لمن أنشأ الخلايق من عدم

من كل كلمة لا رحت ولا جيت!