الجمعة 03 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

العمالة هى الحل.. «الإخوان» اتفقت مع أمريكا على تقسيم مصر إلى 4 دويلات لإنشاء «إسرائيل الكبرى»

حرف

- واشنطن استخدمت الجماعة لضرب الشيوعية ومحاربة الاتحاد السوفيتى 

- الرئيس أيزنهاور التقى سعيد رمضان شخصيًا ورشحه للعمل مع المخابرات الأمريكية 

- عمل لصالح الاستخبارات البريطانية ونسق شبكة العلاقات الدولية للجماعة 

- السفيرة الأمريكية آن باترسون التقت محمد بديع قبل تولى جماعته الحكم فى 2012

- إدارة بوش تبنت سياسة لتمكين الجماعة فى الشرق الأوسط

قد يكون تنظيم أعضاء جماعة «الإخوان» الإرهابية مظاهرات فى تل أبيب ضد مصر، بموافقة حكومة الإبادة الجماعية بقيادة بنيامين نتنياهو، مدعاة للاستغراب لدى البعض، لكن المتتبع والمدرك والعالم بحقيقة هذه الجماعة الانتهازية لن يبدى أى نوع من الاستغراب. فما نشاهده اليوم من تعاون بين «الإخوان» والإسرائيليين ليس إلا حلقة جديدة من تحالفات وتعاونات تكتيكية وانتهازية قديمة، ليس لها علاقة بفلسطين أو غزة أو أى من تلك الشعارات التى تروج لها الجماعة علنًا لاستقطاب المغيبين فى أوطاننا العربية. وتشير الكثير من التحليلات التاريخية إلى انخراط أعضاء جماعة «الإخوان» فى العديد من الأعمال لصالح إسرائيل والغرب، بتخطيط من المخابرات الأمريكية «CIA»، والبريطانية «MI6»، والإسرائيلية «الموساد»، ضد أعداء مشتركين مثل الحركات القومية العربية التى بدأها جمال عبدالناصر فى مصر.

وفضحت الكثير من الكتب والدراسات الأكاديمية الغربية هذه العلاقات المشبوهة بين «الإخوان والمخابرات الغربية، والتى تستهدف السيطرة على دول الوطن العربى، وفى مقدمتها مصر، لتنفيذ مخططات قذرة وألاعيب مفيدة للغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، وابنتهم الصغرى إسرائيل، وهو ما تستعرض «حرف» جزءًا منه فى السطور التالية.

لعبة الشيطان.. أمريكا موّلت «الإرهابية» لضرب عبدالناصر وإنهاء «القومية العربية»

صدر كتاب «لعبة الشيطان Devil›s Game»، عن دار نشر «بالجريف ماكميلان»، فى عام ٢٠٠٦، من تأليف الكاتب والصحفى الاستقصائى الأمريكى روبرت درايفوس، ضمن مجموعة «مشروع الإمبراطورية الأمريكية»، والذى تُرجم إلى العربية من قبل دار «الثقافة الجديدة» فى القاهرة.

يكشف الكتاب عن تفاصيل الشراكة التاريخية القاتلة والتحالفات القديمة الجديدة بين الولايات المتحدة والغرب، وذيولهما فى الشرق الأوسط، وعلى رأسها جماعات «الإسلام السياسى» وأهمها «الإخوان».

ويعد الكتاب أول سرد شامل للجهود المضللة التى بذلتها الولايات المتحدة على مدى عقود طويلة للسيطرة على الشرق الأوسط ذى الأهمية الاستراتيجية، من خلال مغازلة ورعاية «الإخوان»، مرفقًا به أبحاث مكثفة ومقابلات مع عشرات من صانعى السياسات ومسئولى وكالة المخابرات المركزية و«البنتاجون» والخدمة الخارجية.

ويتتبع «لعبة الشيطان» مسار التواطؤ الأمريكى، بدءًا من دعم جماعة «الإخوان» فى مصر، خلال خمسينيات القرن الماضى، وصولًا إلى العلاقات طويلة الأمد بين الجماعة والغرب خلال فترات معينة وعند الحاجة.

ويرى المؤلف أن نتيجة العلاقات بين «الإخوان» والغرب مأساوية بقدر ما هى متناقضة، قائلًا: «بعد أن استُخدموا فى الأصل كبيادق لإحباط القومية والشيوعية، أصبحوا يهيمنون على المشهد فى بعض المناطق والمواقف فى الشرق الأوسط»، مستعرضًا تاريخًا من الازدواج فى التعامل والاستغلال الساخر والإحراج المُهين، وكلها أمور مستمرة حتى وقتنا الحاضر.

وفيما يلى مقتطفات من الكتاب المكون من ٤٠٠ صفحة:

هناك فصلٌ لم يُكتب بعد فى تاريخ الحرب الباردة والنظام العالمى الجديد الذى تلاها. إنه قصة كيف موّلت الولايات المتحدة- علنًا أحيانًا وسرًا أحيانًا أخرى- جماعات «الإسلام السياسى»، وشجعتها، وهى الحلقة المفقودة التى أحاول سدها فى هذا الكتاب.

فى الواقع، صُممت الإمبراطورية الأمريكية المزعومة فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ووسط وجنوب آسيا لتستند جزئيًا إلى أساس «الإسلام السياسى». على الأقل هذا ما أمله مهندسوها، لكن تبيّن أنها «لعبة شيطانية».

أمضت الولايات المتحدة عقودًا فى رعاية جماعات «الإسلام السياسى»، والتلاعب بها وخداعها، واستخدامها وإساءة استغلالها بسخرية كحلفاء فى «الحرب الباردة». خلال «الحرب الباردة»، من عام ١٩٤٥ إلى عام ١٩٩١، لم يكن العدو الاتحاد السوفيتى فحسب، فقد «شيطنت» الولايات المتحدة القادة الذين لم ينضموا بحماس إلى الأجندة الأمريكية، أو الذين قد يتحدون الهيمنة الغربية، خاصة الأمريكية.

كانت الأفكار والأيديولوجيات التى قد تُلهم هؤلاء القادة موضع شك: القومية، والإنسانية، والاشتراكية. لكن أفكارًا كهذه كانت أيضًا الأكثر رعبًا لدى جماعات «الإسلام السياسى».

فى جميع أنحاء المنطقة، خاضت جماعات «الإسلام السياسى» معارك ضارية ضد حاملى هذه الأفكار، ليس فقط فى مجال الحياة الفكرية، بل فى الشوارع أيضًا. خلال الصراع الذى استمر عقودًا ضد القومية العربية، وجدت الولايات المتحدة أن من المصلحة السياسية التعاون مع تلك الجماعات وفى مقدمتها «الإخوان».

لم تتلاعب الولايات المتحدة بالإسلام، أى بالدين، أو النظام العقائدى التقليدى المنظم لمئات الملايين، بل بـ«الإسلام السياسى». على عكس الدين، الذى يمتد تاريخه لـ١٤ قرنًا، فإن جماعات «الإسلام السياسى» حديثة العهد. إنها عقيدة سياسية تعود أصولها إلى أواخر القرن الـ١٩، وفلسفة شاملة قد تبدو مبادئها غريبة لمعظم المسلمين على مر العصور، ولا تزال تبدو كذلك لكثير من المسلمين المتعلمين اليوم.

وسواء أُطلق عليها اسم جماعات «الإسلام السياسى»، أو أى اسم لجماعة اختاروها مثل «الإخوان»، فهى كيان مختلف تمامًا عن التفسير الروحى للحياة الإسلامية كما ورد فى أركان الإسلام الخمسة. إنها فى الواقع تحريف لتلك العقيدة الدينية. هذه هى الأيديولوجية المتحولة التى شجعتها الولايات المتحدة، ودعمتها ونظمتها وموّلتها. إنه نفس التيار الذى مثّلته جماعة «الإخوان» والمنظمات المنبثقة منها.

وجدت الولايات المتحدة فى «الإسلام السياسى» شريكًا ملائمًا فى كل مرحلة من مراحل مشروعها لبناء الإمبراطورية فى الشرق الأوسط، بدءًا من دخولها المبكر إلى المنطقة، مرورًا بتوغلها العسكرى التدريجى، وتوسعها فى الوجود العسكرى الميدانى، وصولًا إلى ظهور الولايات المتحدة كجيش احتلال فى العراق وأفغانستان ومناطق أخرى.

فى خمسينيات القرن الماضى، لم يكن العدو موسكو فحسب، بل كان القوميين الناشئين فى العالم الثالث، من جمال عبدالناصر فى مصر، إلى محمد مصدق فى إيران. استخدمت الولايات المتحدة وبريطانيا جماعة «الإخوان» ضد «عبدالناصر»، الزعيم الصاعد لـ«القوميين العرب».

دعمت الحكومات الغربية نمو جماعة «الإخوان» بهدف تخريب جهود قادة القوميين العرب، خاصة «عبدالناصر» فى مصر، الذى كانت أهدافه تتمثل فى إنهاء الهيمنة والسيطرة الغربية على الشرق الأوسط، فشكّل هذا تهديدًا كبيرًا للمصالح الغربية، فاستخدم الغرب جماعة «الإخوان» لزعزعة استقرار حكمه. 

وفى إيران، فى نفس التوقيت تقريبًا عام ١٩٥٣، موّلت الولايات المتحدة سرًا «آية الله»، الذى أسس جماعة تعد حليفًا إيرانيًا موازيًا لجماعة «الإخوان». وفى وقت لاحق من العقد نفسه، بدأت الولايات المتحدة تُفكّر فى فكرة صعود «الإخوان» كقوة مُضادة لـ«القومية».

فى ستينيات القرن الماضى، ورغم الجهود الأمريكية لاحتوائها، انتشرت القومية والاشتراكية العربية من مصر إلى الجزائر وسوريا والعراق وفلسطين. ولمواجهة هذا التهديد الظاهرى، أقامت الولايات المتحدة تحالفًا عمليًا مع «الإخوان»، عازمةً على استخدامها فى السياسة الخارجية، ساعية إلى بناء جماعات تمتد من شمال إفريقيا إلى باكستان وأفغانستان، مع إنشاء مؤسسات لتعبئة الجماعة.

أما فى سبعينيات القرن الماضى، ومع وفاة «عبدالناصر» وتراجع القومية العربية، أصبح «الإخوان» دعامة مهمة للغرب، وتحالفت الولايات المتحدة مع «الإخوان» فى مصر. فى الوقت نفسه، بدأت الولايات المتحدة تنظر إلى «الإخوان» كأداة هجوم ضد الاتحاد السوفيتى، خاصة فى أفغانستان وآسيا الوسطى، حيث استخدمتها الولايات المتحدة كسيف موجه إلى خاصرة الاتحاد السوفيتى، وأنفقت مليارات الدولارات لدعم «الإخوان» فى أفغانستان، عبر «مجاهدين» من جماعات متحالفة مع تنظيم حسن البنا.

كما أسندت الولايات المتحدة إلى إسرائيل دورًا لمساعدة أفراد من «الإخوان» سرًا، خلال الحرب الأهلية فى سوريا، مع تشجيعها على نشر «الإسلام السياسى» بين الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة، ما ساعد فى تأسيس حركة «حماس»، التى دعمت الحكومة الإسرائيلية نموها كأداة لمحاربة منظمة التحرير الفلسطينية، التى لطالما اعتُبرت التهديد الرئيسى لإسرائيل، لأنها كانت تضم الفلسطينيين الأكثر تعليمًا، والذين خاضوا حملةً فعّالةً للغاية ضد إسرائيل، بينما لم تُحقق «حماس» سوى نجاحٍ محدود.

روابطنا السرية مع الإخوان.. «CIA» جنّدت صهر حسن البنا لمقاومة المد الشيوعى

كتب الصحفى الكندى الأمريكى المخضرم إيان جونسون، الحائز على جائزة «بوليتزر»، دراسة أكاديمية موسعة نُشرت فى مجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس»، عام ٢٠١١، تحت عنوان «روابطنا السرية مع جماعة الإخوان المسلمين/ Our Secret Connections with the Muslim Brotherhood».

تناولت الدراسة تفاصيل التعاون الواسع بين الحكومة الأمريكية وجماعة «الإخوان»، ومن أبرز ما ورد فيها استضافة الرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور أكثر من ٣٠ عضوًا من الجماعة، لحضور مؤتمر أكاديمى رسمى فى جامعة برينستون عام ١٩٥٣، ضمن برنامج دعائى سرى أشرفت عليه وكالة المعلومات الأمريكية، وكان من أبرز الحاضرين سعيد رمضان، ممثل الجماعة وصهر مؤسسها حسن البنا.

ورغم أن تقارير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، التى رُفعت عنها السرية مؤخرًا، وصفت سعيد رمضان بشكل صريح بأنه «كتائبى» و«فاشى يسعى إلى حشد الأفراد لتحقيق السلطة»، ظل الدعم الأمريكى والغربى له قائمًا. وذكر إيان جونسون، فى دراسته، أن سعيد رمضان يمكن اعتباره بكل سهولة «أداة أمريكية تنفذ ما يُطلب منها، طالما أن ذلك يخدم الوصول إلى الحكم».

وهناك أدلة قوية تشير إلى أن الولايات المتحدة حافظت على اتصالات منتظمة مع جماعة «الإخوان»، منذ أوائل خمسينيات القرن الماضى، وفقًا لتصوراتها المتغيّرة بشأن الأوضاع السياسية فى القاهرة، والعلاقات المتوترة مع الرئيس جمال عبدالناصر ومن جاء بعده من الحكّام.

وعقب الإطاحة بالملك فاروق فى عام ١٩٥٢ على يد حركة «الضباط الأحرار»، سعت إدارة الرئيس أيزنهاور إلى ترسيخ علاقات إيجابية مع مصر، البلد العربى الأكبر من حيث عدد السكان، الحاضن لموقع قناة السويس الاستراتيجى الحيوى. ولتحقيق هذا الهدف، حاولت واشنطن استمالة مختلف مصادر النفوذ داخل البلاد، بما فيها «الإخوان».

فى عام ١٩٥٣، وقبل عام واحد من اتخاذ الرئيس جمال عبدالناصر قرار حظر «الإخوان»، أطلقت الحكومة الأمريكية، بقيادة الرئيس دوايت أيزنهاور برنامجًا دعائيًا سريًا تحت إشراف وكالة المعلومات الأمريكية. فى سياق هذا البرنامج، تم توجيه دعوة لأكثر من ٣٠ شخصًا من المنتمين إلى الجماعة لحضور مؤتمر أكاديمى رسمى انعقد فى جامعة برينستون.

هذا الحدث كان بمثابة خطوة ضمن جهود أمريكية لبناء قنوات تواصل مع جهات مؤثرة داخل مصر، فى ظل تصاعد التوترات السياسية فى المنطقة.

فى خطوة تعكس الانفتاح الأمريكى المبكر تجاه الجماعة، دعا الرئيس دوايت أيزنهاور عددًا من رموز الجماعة لزيارة البيت الأبيض، حيث التقوه شخصيًا والتُقطت لهم صورة داخل المكتب البيضاوى. 

ورأى «أيزنهاور» فى سعيد رمضان، صهر مؤسس الجماعة، شخصية يمكن التعويل عليها فى مواجهة المد الشيوعى، إذ كان يُنظر إليه آنذاك كـ«وزير خارجية الإخوان»، وهو والد الباحث السويسرى المعروف طارق رمضان.

مرشد الإخوان والسفيرة الأمريكية السابقة فى القاهرة آن باترسون

ومع نهاية خمسينيات القرن الماضى بدأت وكالة المخابرات المركزية تقدم دعمًا علنيًا لـ«رمضان»، وُصِف بسببه أحيانًا بأنه «عميل أمريكى»، رغم تعقيد السياق. 

كما تلقّى دعمًا ملموسًا عبر استيلائه على أحد المساجد فى مدينة ميونيخ الألمانية، حيث أخرج المصلّين المحليين منه، ليحوّله لاحقًا إلى أحد أبرز مراكز جماعة «الإخوان» فى أوروبا، ومأوى مهم لأفرادها فى الغرب.

وبعد تأسيسه «المركز الإسلامى فى جنيف»، الذى غدا لاحقًا منصة للأنشطة الدولية لجماعة «الإخوان»، انتقل سعيد رمضان إلى ألمانيا الغربية، وبقيت تحركاته وأنشطته طىّ الكتمان إلى حد كبير حتى يوليو ٢٠٠٥، حين نشر الصحفى والباحث إيان جونسون مقالًا فى صحيفة «وول ستريت جورنال»، استند فيه إلى وثائق ومصادر بحثية تكشف عن أن «رمضان» كان على صلة بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

وحسب المقال، عقد «الإخوان» ترتيبات عملية مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وهو ما تؤكده كذلك المحفوظات السويسرية، التى تُظهر أن «رمضان» لم يكن مرتبطًا فقط بالأمريكيين، بل كان أيضًا يعمل لصالح الاستخبارات البريطانية، ما يضعه فى موقع استثنائى ضمن شبكة العلاقات الدولية للجماعة فى تلك الحقبة.

فى تلك الفترة، جذب سعيد رمضان، المنسّق الدولى الأبرز للجماعة وأحد أشهر قياداتها، اهتمام كل من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز الاستخبارات البريطانى. وبعد لقائه الرئيس دوايت أيزنهاور فى المكتب البيضاوى، يُرجّح أنه جُنِّد عميلًا لصالح وكالة المخابرات المركزية، إما فى ذلك الوقت أو بعده بوقت قصير. وبحلول نهاية الخمسينيات، بات واضحًا أن الـ«CIA» كانت تقدم له دعمًا علنيًا، فى إطار استراتيجية أمريكية أوسع لاستخدامه كأداة فى مواجهة المد الشيوعى.

واستمرت الولايات المتحدة فى مدّ جسور التواصل مع جماعات «الإسلام السياسى» منذ خمسينيات القرن الماضى، متّخذةً من «الإخوان» نموذجًا رئيسيًا لهذا التقارب، حتى فى أعقاب هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١. 

وبحلول الولاية الثانية للرئيس جورج دبليو بوش، كانت واشنطن تعانى تداعيات حربين خاسرتين فى الشرق الأوسط، الأمر الذى دفعها إلى تعديل موقفها بشكل غير معلن.

وانطلاقًا من تلك المستجدات، وضعت إدارة «بوش الابن» استراتيجية جديدة تهدف إلى بناء علاقات أوثق مع هذه الجماعات، مستندة إلى رؤية مشابهة لما حدث فى منتصف القرن الماضى، حيث سعى المسئولون الأمريكيون إلى تقديم أنفسهم كحلفاء محتملين لـ«الإخوان». 

ومع تنامى نفوذ الجماعة فى مصر ومناطق أخرى، شرعت وزارة الخارجية الأمريكية، بدءًا من عام ٢٠٠٥، فى تنفيذ مبادرة تهدف إلى استمالة «الإخوان»، وتقديم نفسها بصورة أكثر قربًا وتفهّمًا لخطاب «الإسلام السياسى».

حسن البنا

وتبنّت إدارة الرئيس بوش سياسة تهدف إلى تمكين الجماعة فى الشرق الأوسط، ضمن استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل المنطقة سياسيًا بعد التورط فى حربين متعثرتين. 

وأثمرت هذه الأجندة عن نجاحات ملموسة، أبرزها فى الانتخابات البرلمانية المصرية عام ٢٠٠٥، حين فاز «الإخوان» بنحو ٢٠٪ من المقاعد، بعد أن كانت حصتهم لا تتجاوز ٣٪ فى انتخابات عام ٢٠٠٠.

وامتد هذا المد إلى الأراضى الفلسطينية أيضًا، حيث حققت حركة «حماس»، ذات الجذور الفكرية المشتركة مع «الإخوان»، انتصارًا فى الانتخابات بعد أشهر قليلة فى خضم هذه التحولات، ما دفع وكالة المخابرات المركزية نحو تعاون أكبر وأكثر انفتاحًا مع الجماعة، مستثمرةً فى قدرتهم التنظيمية وانتشارهم الشعبى كأداة محتملة لتحقيق مصالح أمريكية فى المنطقة.

إيان جونسون

تاريخ من العداء والارتباط .. صفقة بين واشنطن والجماعة فى 2002: الحكم مقابل الإبقاء على «كامب ديفيد»

الكتاب الثالث يحمل اسم «الإخوان المسلمون والغرب: تاريخ من العداوة والارتباط/ The Muslim Brotherhood and the West: A History of Enmity and Engagement»، من تأليف الكاتب والباحث البريطانى مارتن فرامبتون، الأستاذ فى جامعة لندن.

الكتاب الصادر عن مطبعة جامعة «هارفارد» فى عام ٢٠١٨ تناول تاريخ العلاقة المشبوهة والتعاون بين الولايات المتحدة والغرب من ناحية، وجماعة «الإخوان» الإرهابية من ناحية أخرى. وربما الجزء الأكثر أهمية فى هذا الكتاب ذلك الذى تحدث فيه عن ثورة يونيو ٢٠١٣، والتى كان المؤلف موجودًا فى مصر وقت اندلاعها.

ومما جاء فى الكتاب المكون من ٦٧٢ صفحة:

لطالما كنت مهتمًا بـ«الإسلام السياسى». لاحقًا، اهتممت بجماعة «الإخوان» تحديدًا. وفى حين أن الكثير من الكتب والدراسات المختلفة التى قرأتها قد أعطتنى رؤية واضحة للعديد من جوانب رؤية الجماعة وتاريخها، فإن إحدى القضايا التى تم التطرق إليها بشكل عابر فقط هى مسألة علاقة الجماعة بالغرب.

أثار هذا الأمر اهتمامى كموضوع يستحق المتابعة الأكاديمية، نظرًا لأهميته الدائمة، فقدمت فى هذا الكتاب جميع النظريات حول العلاقات الخارجية لـ«الإخوان»، خاصة مع القوى الغربية الكبرى، وكنتُ واضحًا منذ البداية أننى لا أهدف فقط إلى دراسة الأبعاد الملموسة لهذه العلاقة: مَن تحدث إلى مَن ومتى، بل أيضًا تاريخ الأفكار.

كنتُ آمل أن أفهم دور فكرة «الغرب» فى تشكيل وتطور رؤية «الإخوان» للعالم. وبالمثل، أردتُ أن أفهم كيف نظرت الأجيال المتعاقبة من صانعى السياسات والدبلوماسيين الغربيين إلى «الإخوان»، وكيف تداخلت تصوراتهم لهذه الجماعة مع اهتمامات أوسع.

للتوضيح، هذا ليس سردًا لتجربة مصر مع «الربيع العربى»، ولا للعلاقات بين «الإخوان» والقوى الغربية بعد عام ٢٠١١. بدلًا من ذلك، الهدف هنا هو إضفاء طابع تاريخى على النقاشات المعاصرة: دراسة مسار علاقة كانت، فى معظمها، موجودة فى الظل.

هذه القصة ليست حاسمة لفهم التطورات الأخيرة فى مصر فحسب، بل إنها أيضًا تلقى ضوءًا جديدًا على التاريخ الأوسع للتفاعل الغربى مع الشرق الأوسط، خلال النصف الثانى من القرن الـ٢٠، والعقد الأول من القرن الـ٢١.

علاوة على ذلك، فإن هذا الموضوع حاسم لفهم تاريخ «الإخوان» أنفسهم، والطريقة التى تنظر بها الجماعة إلى العالم. على مدى السنوات الـ٨٠ الماضية، كان الغرب- كمفهوم وكواقع سياسى- نقطة مرجعية مهمة لـ«الإخوان» وقادتهم. وليس من المبالغة القول إنه دون الغرب لما وُجدت الجماعة.

فى صيف ٢٠١٣، خرج المتظاهرون المصريون إلى الشوارع للتعبير عن معارضتهم للرئيس محمد مرسى، العضو فى جماعة «الإخوان»، فى مظاهرات حاشدة، وانتقادات واسعة النطاق. وكانت العديد من أخطر الاتهامات التى وُجهت إليه تتعلق بالعلاقة بين «الإخوان» والغرب.

على سبيل المثال، أشارت إحدى الملصقات اللافتة التى ظهرت فى المظاهرات المناهضة لـ«مرسى» إلى عنوان فيلم هوليوودى، مع عبارة «نعلم ما فعلتموه الصيف الماضى»، وذلك على صورة للسفيرة الأمريكية فى القاهرة، آن باترسون، وهى تصافح المرشد العام لجماعة «الإخوان»، محمد بديع. كان المضمون واضحًا: إن «مرسى» قد صعد إلى السلطة فى عام ٢٠١٢ بشكل رئيسى بسبب الضغط والتدخل من الولايات المتحدة. بينما نددت لافتات أخرى بالرئيس باراك أوباما لدعمه «نظامًا فاشيًا»، وأخرى تضمنت صورة «باترسون» تحت عنوان لاذع: «اطردوا هذه العاهرة من مصر». 

عبّرت مثل هذه الصور عن الاعتقاد السائد بأن واشنطن قد احتضنت «مرسى» و«الإخوان» بشكل حاسم. وقد اكتسبت هذه الفكرة رواجًا واسع النطاق، وأشار المسئولون إلى أن فكرة «العلاقة الخاصة» بين الولايات المتحدة و«الإخوان» قد ترسخت حتى لدى المثقفين المصريين آنذاك، إذ كتب العديد من الصحفيين أن الولايات المتحدة تآمرت فى البداية مع «الإخوان»، عبر اجتماعات سرية عُقدت فى دول عربية وشرق أوسطية منذ عام ٢٠٠٢ فصاعدًا. وعُقدت صفقة وافقت الولايات المتحدة بموجبها على دعم صعود الجماعة إلى السلطة مقابل وعدٍ باحترام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.

علاوةً على ذلك، قيل إن قرار واشنطن بدعم «الإخوان» كان المرحلة الأولى فى خطة أمريكية أوسع لبناء «شرق أوسط جديد»، يتم فيها تفكيك دول قائمة مثل سوريا، وبالطبع مصر إلى ٤ أجزاء. وقيل إن هذا من شأنه أن يسمح بانتصار حلم «إسرائيل الكبرى»، تماشيًا مع خطة سرية وضعها الأكاديمى برنارد لويس ووافق عليها الكونجرس الأمريكى عام ١٩٨٣.

لم يحمل هذا الاعتقاد طابعًا مصريًا خالصًا. تُظهر بعض الدراسات لأكاديميين غربيين، مثل فرانك جافنى، ومواقع إخبارية أمريكية مثل «فرونت بيج ماج» و«بريتبارت»، وجود علاقات بين جماعة «الإخوان» والغرب والإدارات الأمريكية المتعاقبة.

وهناك الكثير من النظريات لدى المصريين منذ عقود حول علاقة «الإخوان» بالغرب، وعلاقة الجماعة بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية «CIA»، وجهاز المخابرات البريطانى «MI٦»، وإنها كانت أداة لهما، وهى مبنية على بعض الحقائق الجوهرية، من بينها لحظاتٍ سابقة شهدت اتصالاتٍ بين الغرب و«الإخوان»، ولقاءات جرت معظمها خلف أبواب مغلقة، بعيدًا عن أعين العامة.