الخميس 19 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز

امرأة قوية.. السلطة والموضة والرضاعة فى مذكرات جاسيندا وميشيل

حرف

- قادت نيوزيلندا فى الـ37 من عمرها بنموذج «الحكم اللطيف»

- جاسيندا أرديرن ارتدت الحجاب واحتوت غضب المسلمين بعد «هجوم كرايستشيرش»

- التقنيات ليست أسرًا يحكم الروائى وعليه أن يبحر فى عوالم مجهولة بلا قيود

المتجول فى أروقة المنصات العالمية المتخصصة فى نشر وتوزيع الكتب، سيلاحظ على الفور بروز كتابين جديدين لامرأتين كانتا على قمة السلطة يومًا ما، ومحبوبتين وشعبيتين فى بلديهما.

الأولى هى جاسيندا أرديرن، رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة، التى كانت آنذاك أصغر رئيسة حكومة فى العالم، وثانى رئيسة حكومة فى العالم تُرزق بمولود خلال بداية ولايتها.

الثانية هى ميشيل أوباما، سيدة أمريكا الأولى لـ8 سنوات، التى رسخت مكانتها ليس فقط كواحدة من أكثر النساء المحبوبات فى السلطة، بل أيضًا كواحدة من أكثرهن تأثيرًا فى المجتمع الأمريكى.

الكتابان اللذان أصدرتهما دار «كراون» للنشر، أصبحا على قائمة الأكثر مبيعًا فى فئتى «المذكرات» و«الموضة» على موقع «أمازون الشهير»، رغم أن الأول لم يمر على إصداره أيام معدودة، والثانى سيصدر فى خريف العام الجارى، ونسلط الضوء على أبرز ما يتضمناه فى السطور التالية.

جاسيندا أرديرن.

A Different  Kind  of Power .. جاسيندا أرديرن.. رئيسة الوزراء التى علمت بحملها أثناء حلف اليمين

فى ٣ يونيو الجارى، صدر كتاب «A Different Kind of Power/ نوع مختلف من القوة»، الذى يعد المذكرات الشخصية لرئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة، جاسيندا أرديرن، التى تروى قصة صعودها الاستثنائى من ابنة ضابط شرطة فى بلدة صغيرة إلى قمة السلطة فى بلادها وهى فى سن الـ٣٧.

الكتاب الجديد الذى يمثل رفضًا ضمنيًا لأسلوب القيادة القوى والخشن والمتسلط المنتشر فى جميع أنحاء العالم، تتبعه جولة عالمية لـ«جاسيندا أرديرن»، ثم فيلم وثائقى عنها بعنوان «رئيسة الوزراء»، يُعرض لاحقًا خلال الشهر الجارى.

فى ظلّ التبجح والتهديدات التى تسود الخطاب السياسى اليوم، تطرح «أرديرن» فى كتابها عدة تساؤلات منها: ماذا لو استطعنا إعادة تعريف القيادة؟ ماذا لو كان اللُطف أولًا؟ وإلى أى مدى يُمكن أن يكون القائد لطيفًا؟

وتستكشف «أرديرن» إمكانيات وحدود «اللُطف السياسى»، من خلال تجربتها الشخصية، بعدما كرّست نفسها لرعاية مواطنيها، ثم اختارت الاستقالة عندما شعرت بنفاد قوتها، مستعرضة لأول مرة التفاصيل الكاملة لقرارها بالتنحى خلال عامها السادس كرئيسة للوزراء.

ونالت رئيس الوزراء رقم ٤٠ فى نيوزيلندا احترامًا عالميًا واسع النطاق، فى ظل قيادتها المتعاطفة التى وضعت الناس فى المقام الأول، وصنعت تاريخًا سياسيًا، وغيّرت المفاهيم السائدة حول ماهية القائد العالمى.

عندما تولّت «أرديرن» رئاسة الوزراء فى سن الـ٣٧، انتبه العالمُ لهذا النهج القيادى، قبل أن يأتى ردها القوى على هجمات مسجدى «كرايستشيرش» عام ٢٠١٩، وسن قوانين سريعةٍ وشاملةٍ للسيطرة على الأسلحة، ليبرهن على قيادتها الاستثنائية. 

قادت «أرديرن» بلادها خلال تحدياتٍ غير مسبوقة: ثوران بركانى، وخرق كبير للأمن البيولوجى، وجائحة عالمية، فى الوقت الذى طوّرت فيه سياساتٍ جديدةً ثاقبةً لمعالجة تغيّر المناخ، والحدّ من فقر الأطفال، وإبرام صفقاتٍ تجاريةٍ دوليةٍ تاريخية، وأصبحت رمزًا عالميًا، علمًا بـأنها فعلت كل هذا وهى تُوازن بين الأمومة وعملها كحاكمة أمام الرأى العام.

تُجسّد «أرديرن» نوعًا جديدًا من القيادة، أثبتت من خلاله أن القادة يُمكن أن يكونوا لطفاء ومتعاطفين وفعّالين، متحدية التعريفات القديمة للقوة والنفوذ، من خلال تأكيد أهمية التعاطف واللطف، والأسلوب القيادى الذى يُقدّر الإنسانية ويجعلها فوق كل اعتبار، لتقدم بذلك نموذجًا جديدًا للجيل المقبل من القادة.

انتُخبت جاسيندا أرديرن رئيسةً لوزراء نيوزيلندا، وهى فى الـ٣٧ من عمرها، لتصبح أصغر رئيسة وزراء فى تاريخ البلاد، منذ أكثر من ١٥٠ عامًا، ولُقبت خلال فترة حكمها بـ«المعارضة لترامب».

وبعد مغادرتها منصبها، أسست «أرديرن» منظمة «فيلد» لـ«القيادة المتعاطفة»، وهى زميلة أولى فى جامعة «هارفارد»، ومهتمة بالعمل المناخى، وراعية لحملة «كرايستشيرش» للقضاء على المحتوى الإرهابى والعنيف والمتطرف.

وتعمل «أرديرن» أيضًا على عدد من المشاريع التى تدعم النساء والفتيات. لكنها تعتبر أن أعظم أدوارها هو ذلك الذى سيظل يشغلها طوال حياتها، بما فى ذلك دورها كأم ونيوزيلندية.

وفى كتابها الجديد، تغوص «أرديرن»، البالغة من العمر ٤٤ عامًا، فى التفاصيل الدقيقة لكيفية قيادة بلدٍ يمر بأزمات متعددة، وكيف كان يُنظر إليها خارج نيوزيلندا، كمثالٍ يُحتذى به فى «الليبرالية» بين قادة العالم، فخلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، برزت شعبيتها العالمية كنظيرة إنسانية حقيقية.

ويغطى ما يقرب من نصف مذكرات «أرديرن» الفترة التى سبقت دخولها البرلمان، وتكتب بصراحة عن كفاحها للتوفيق بين إيمانها «المورمونى» وموقف الكنيسة من المثلية الجنسية، إذ حاولت لفترة العيش فى عالمين، قبل أن تترك الكنيسة فى أوائل العشرينيات من عمرها.

فى ذلك الوقت، كانت تعمل مستشارة سياسية فى «ويلينجتون»، وكانت بالفعل موهبة صاعدة فى حزب «العمال»، وكان لا بد من إقناعها بالسعى إلى مقعد فى البرلمان، عام ٢٠٠٨، لكنها شعرت بأنها ليست جيدة بما يكفى للدخول فى معترك السياسة. 

بعد قرابة من عقد من الزمان، قبل ٧ أسابيع من انتخابات عام ٢٠١٧، وبينما كان حزب «العمال» يواجه خطر الفشل، دُفعت «أرديرن» إلى القيادة، فى حركة يائسة من الحزب، لكنها كانت الحصان الرابح، وفازت بفضل أسلوبها وتعهداتها خلال حملتها الانتخابية.

الفصول التى تتحدث عن سنواتها كرئيسة للوزراء مُختصرة فى سرد مباشر للأحداث، لكن تفاصيلها الشخصية مُذهلة، ومن بينها أنه خلال مراسم أداء اليمين، كادت تتقيأ من غثيان الصباح، بعد معرفتها بأنها حامل على الهواء مباشرة.

كوفيد - 19

معركة «تولت «أرديرن» رئاسة وزراء نيوزيلندا عام ٢٠١٧، وأعلنت بعد ذلك بوقت قصير أنها حامل. وفى العام التالى، اصطحبت ابنتها البالغة من العمر ٣ أشهر إلى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.

فى ٢٠١٩، عقب هجوم إرهابى على مسجد فى «كرايستشيرش»، ارتدت غطاء رأس «حجاب» لتواسى الناجين، ودفعت قدمًا فى حظر الأسلحة. ومع ذلك، كان وباء «كورونا» هو الذى بلور صورة نيوزيلندا فى عهد «أرديرن»، كمكان شبه خيالى.

فى مارس ٢٠٢٠، اتخذت «أرديرن» قرارًا جذريًا باتباع استراتيجية للقضاء على «كوفيد-١٩»، تضمنت إغلاق الحدود أمام الزوار، وفرض أحد أشد إجراءات الإغلاق صرامة فى العالم لفترة وجيزة.

طوال العام تقريبًا، لم تُسجل نيوزيلندا أى حالات إصابة جديدة بـ«كوفيد-١٩» خارج مرافق الحجر الصحى. وبينما كان عدد الوفيات فى خانة العشرات، كان هناك أطفال فى الفصول الدراسية، وحفلات موسيقية فى الملاعب، ولم تكن الكمامات ظاهرة.

مع هذا النجاح، لم يكن غريبًا أن تفز «أرديرن» بولاية ثانية بكل سهولة، أواخر عام ٢٠٢٠، مع إظهار استطلاعات الرأى أنها كانت الزعيمة الأكثر شعبية فى البلاد منذ قرن.

وبحلول الوقت الذى أُعيد فيه فتح الحدود، منتصف عام ٢٠٢٢، كان ٩٠٪ من السكان قد تلقوا اللقاح. ووجدت الأبحاث أن النهج الصارم الذى اتبعته البلاد فى التعامل مع الفيروس أدى إلى انخفاض معدل الوفيات بنسبة ٨٠٪ مقارنة بالولايات المتحدة، ما أنقذ قرابة ٢٠ ألف شخص.

لذا، لم يكن غريبًا أن يصرح الرئيس الأمريكى الأسبق، باراك أوباما، عندما استقالت «أرديرن»، فى أوائل ٢٠٢٣، قائلًا: «بلادها فى وضع أفضل بفضل قيادتها المتميزة»، عازيًا رحيلها إلى شعورها بالإرهاق من القيادة التى تطلبت منها جهدًا جسديًا ونفسيًا كبيرًا.

حديثها عن الجائحة استمر فى فصلين من الكتاب، وصفت فيهما صراعها بين أن تكون حاضرة عاطفيًا مع طفلتها الصغيرة، وعقلها الغارق فى مواجهة الوباء.

فى البداية، كانت حكومة نيوزيلندا تنوى اتباع نفس النهج الذى اتبعته معظم الدول تجاه «كوفيد-١٩»، والمتمثل فى استخدام القيود لإبطاء انتشار العدوى، وليس وقفها بشكل كامل، مع العمل على تجنب إرهاق المستشفيات.

لكن، فى منتصف مارس، وصلت المستشارة العلمية لرئيسة الوزراء إلى مكتبها، ومعها رسم بيانى مُقلق، خلص إلى أنه حتى لو نجحت الدولة فى قمع الفيروس، فإن نظامها الصحى الذى يعانى من نقص التمويل، ويضم أقل من ٣٠٠ سرير فى وحدات العناية المركزة، لن يتمكن أبدًا من التعامل مع الحالات المُقدرة، وهو ١٠٠ ألف حالة.

وفقًا لـ«أرديرن»، كان هذا الرسم البيانى «يُنبئنى بأنه لا توجد طريقة لجعل كوفيد محدودًا. سيكون هائلًا، وإلا فسنضطر إلى محاولة جعله شبه معدوم»، لذا صمم فريقها على عجل نظام إغلاق تدريجى.

فى ٢٣ مارس، أعلنت «أرديرن» عن تطبيق النموذج الأكثر صرامة: «المستوى الرابع»، وكان أمام الناس ٤٨ ساعة لبدء عزلة اختيارية والبقاء فيها. باستثناء ممارسة الرياضة داخل الحى، لم يُسمح بالسفر، وكان السوبر ماركت هو المكان الوحيد لشراء البقالة، مع تنفيذ القواعد من قبل الشرطة. شرحت «أرديرن» منطق «فريق الخمسة ملايين» فى البلاد بقولها: «لن ينجح هذا إلا بمشاركة الجميع». تذكرت رئيسة الوزراء هذه الأيام قائلةً: «شعرتُ وكأننى أقود نيوزيلندا إلى معركة».

كان بُعد البلاد ميزةً كبيرةً فى سعيها للقضاء على الفيروس، إلى جانب التماسك الاجتماعى الملحوظ، الذى استعصى على معظم الدول الغربية. كل يوم فى الواحدة ظهرًا، كان أكثر من ثُلث السكان يتابعون جلسات الإحاطة مع «أرديرن»، ومستشارتها لشئون «كورونا»، آشلى بلومفيلد، المُناظرة للأمريكى أنتونى فاوتشى. وفى المساء، كانت «أرديرن» غالبًا ما تُشارك فى البث المباشر على «فيسبوك» لتقديم آخر المستجدات أو الإجابة عن الأسئلة، جالسةً على سريرها مرتدية سترةً غير رسمية.

بالتزامن، وفّرت الحكومة أماكن إقامة للمُشرّدين، وقدّمت إعاناتٍ أجور للشركات، وأرسلت أجهزة «مودم إنترنت» للمساعدة فى التعلم المنزلى، وحظى الإغلاق بدعمٍ من الحزبين فى البرلمان، وبشعبيةٍ شبه شاملة لدى المواطنين، الذين أبلغوا السلطات عن المُخالفين بحماس. بعد ارتفاع أولى، بدأت أعداد الحالات بالانخفاض، وبدأت الحكومة بتخفيف القيود، بعد ٣٣ يومًا من توليها السلطة. وفى يونيو، دخلت البلاد المستوى الأول من تفشى المرض، وظلت الحدود مغلقة أمام الجميع باستثناء المواطنين العائدين والمقيمين الدائمين، وفيما عدا ذلك، عادت الحياة إلى طبيعتها بشكل أساسى.

بعد انتهاء الإغلاق، سادت البلاد حالة من البهجة، بل واقترح البعض تسخير نفس روح التعاون لمعالجة مشاكل مستعصية أخرى، مثل أزمة السكن الحادة، وعدم المساواة.

واغتنم آخرون فرصة استكشاف بلدهم بعد أن كان خاليًا من السياح الدوليين، علمًا بأن الحكومة حصلت على اللقاحات فى وقت متأخر عن العديد من الدول الأخرى، وهو ما يعود- إلى حد كبير- لخلوها من «كوفيد». 

ووجد «مؤشر أكسفورد للصرامة» أن نيوزيلندا لديها ثالث أخف القيود بين دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فى المتوسط، من عام ٢٠٢٢ إلى عام ٢٠٢٣، وذلك بفضل الأشهر العديدة التى قضتها فى المستوى الأول. وانتعش اقتصاد نيوزيلندا بشكل أسرع من اقتصاد الدول المتقدمة الأخرى لنفس السبب. 

ومن المفارقات الغريبة أن تجربة نيوزيلندا الفريدة مع الجائحة أدت إلى بلدٍ يعانى من نفس المشاكل التى تواجهها معظم الديمقراطيات الحديثة الأخرى: الاستقطاب، والتضليل الإعلامى، لذا لم يكن تجنب أسوأ عواقب «كوفيد» كافيًا لتجنب رد الفعل العنيف الذى كان يُطيح بالرؤساء من مناصبهم عالميًا.

خليك لطيف

معركة «بالإضافة إلى سرد الأزمات التى مرت بها خلال فترة حكمها، طرحت «أرديرن» فى كتابها الجديد رؤيتها لقائد يؤمن بـ«الحكم اللطيف»، مستعرضة الصفات الشخصية ونقاط القوة التى يحتاجها هؤلاء القادة؟

فى سنوات تكوينها السياسى، عندما كانت تعمل مساعدة لزعيمة حزب «العمال»، هيلين كلارك، تروى «أرديرن» كيف سمحت لمعارضيها السياسيين بالتأثير عليها، فعندما قالوا إنها «حساسة جدًا» للدخول فى السياسة، سرعان ما تعلمت أنه «بإمكانك أن تكونى حساسة وناجحة»، لتتمكن بالفعل بعدها من استخدام حساسيتها ولطفها كنقطة قوة.

لكن «الأمر مختلف بالنسبة للنساء فى نظر الجمهور»، كما كتبت رئيسة الوزراء السابقة فى مذكراتها، بعد أن استُخدمت ضدها مصطلحات «مهينة»، مثل لقب «ملكة الاستعراض» الذى أطلقته عليها صحفية بارزة.

كان يمكن لمثل هذه الأمور أن تُقوّض ثقة الناس بكفاءتها، وربما حتى ثقتها فى نفسها. لكن ما فعلته «أرديرن» حيال هذا الهجوم أفادها، بعدما شعرت بأن مهاجمتها للسخرية والصور الكرتونية يجعلها تبدو «بلا حس فكاهة» و«حساسة للغاية». كانت «الحيلة» التى اتبعتها هى الرد بطريقة «تعوق تقدم تلك الهجمات على شخصيتها»، وأصبحت بارعة فى ذلك: مواجهة التعليقات التى تهدف إلى التقليل من شأنها.

استمرت «أرديرن» على نهجها، وهو تقديم اللطف والتعاطف خلال مسيرتها السياسية، وتجلّى هذا النهج فى الأيام التى أعقبت الهجوم الإرهابى المروع فى «كرايستشيرش» عام ٢٠١٩. 

ففى وقتٍ تزايدت فيه المشاعر المعادية للهجرة والـ«إسلاموفوبيا»، احتضنت «أرديرن» الضحايا، وأعلنت «إنهم نحن»، ووجّهت المشاعر التى كان من شأنها أن تُولّد دوامة من اللوم نحو مشاركة الحزن والتعاطف.

وحول أى مدى يجب أن يكون القائد لطيفًا، كتبت «أرديرن»: «مثل أى فضيلة سياسية، فإن للتعاطف حدودًا، فهو يمس أولئك الذين تُثير معاناتهم اهتمامنا، لكنه جزئى».

وأضافت: «كما تتطلب السياسة الاجتماعية الفعّالة إدارةً محايدة وإعادة توزيع للموارد. ويجب على القادة ضمان توزيع المنافع العامة بالتساوى على المحتاجين، ما يستدعى تخطيطًا عقلانيًا. فى المقابل، قد تستدعى حالة الطوارئ الوطنية اتخاذ إجراءات قد تبدو غير عادلة أو غير مُراعية للبعض».

THE LOOK.. صورة فوتوغرافية توثق «إطلالات» ميشيل أوباما 

ميشيل أوباما

يصدر كتاب «The Look/ الإطلالة» فى خريف العام الجارى، من تأليف ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، بالمشاركة فى الكتابة مع كلٍ من ميريديث كوب وفرح ياسمين جريفين، والذى يقدم رحلة مذهلة لتطور مظهر السيدة الأولى السابقة، مدعومًا بأكثر من ٢٠٠ صورة فوتوغرافية.

الثقة تبدأ بالملابس

السيدة الأولى للولايات المتحدة لـ٨ سنوات، التى رسخت مكانتها، ليست فقط كواحدة من أكثر النساء المحبوبات فى السلطة، بل أيضًا كواحدة من أكثرهن أناقة، انشغلت كثيرًا منذ مغادرتها البيت الأبيض فى ٢٠١٧.

تمثل هذا الانشغال فى إصدار كتابها «Becoming» عام ٢٠١٨، ثم كتابها التالى «The Light We Carry» عام ٢٠٢٢، قبل أن تلفت انتباه الجمهور بـ«البودكاست» الخاص بها، الذى تُقدّمه بالاشتراك مع شقيقها كريج روبنسون، والآن تفاجئ جمهورها بالكتاب الجديد «The Look».

فى الكتاب الجديد، تشارك ميشيل أوباما كيف تستخدم جمال وجاذبية الموضة لجذب الانتباه إلى رسالتها، منذ اللحظة التى برزت فيها خلال حملة زوجها لعضوية مجلس الشيوخ الأمريكى، مرورًا بكونها أول سيدة أولى سوداء، ثم كونها اليوم واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا فى الولايات المتحدة.

يضم كتاب «الإطلالة» آراء ميريديث كوب، مصممة الأزياء الموثوقة لـ«ميشيل أوباما»، وخبير التجميل كارل راى، ومصففى الشعر: يينى دامتيو وجونى رايت ونيجيرى رادواى، والعديد من المصممين الذين صمموا إطلالات «ميشيل» فى عدة مناسبات بارزة.

وتُلقى قصص ميشيل أوباما الحميمية والصريحة الضوء على تطور أسلوبها فى اختيار الملابس طوال حياتها، بدءًا من الفساتين الضيقة الملونة، والسترات الصوفية، والدبابيس «البروشات»، التى ارتدتها خلال فترة عملها كسيدة أولى، وصولًا إلى البدلات الجريئة، والجينز، والضفائر التى ارتدتها بعد مغادرة البيت الأبيض.

يتبع الكتاب جميع الإطلالات النابضة بالحياة والفساتين الجميلة التى ارتدتها ميشيل أوباما، وتطور أسلوبها فى عالم الأزياء، من أوشحة الحرير التى ارتدتها فى حملاتها الانتخابية المبكرة لمجلس الشيوخ، إلى فستان «فيرساتشى» الذهبى الوردى الذى أشعل الإنترنت عام ٢٠١٦، وبدلة «سيرجيو هدسون» ذات اللون الأرجوانى التى لفتت الأنظار يوم التنصيب عام ٢٠٢١.

وخلال فترة توليها منصب «السيدة الأولى»، عكس أسلوب ميشيل أوباما مكانتها الرفيعة، فاختارت تشكيلة متنوعة من الإطلالات، وروجت للبدلات بطريقة لم تكن رائجة بنفس القدر منذ عهد هيلارى كلينتون فى البيت الأبيض. ومنذ رحيلها، تطور ذوقها فى الموضة ليُفضّل الجلد والجينز والنيون والشرابات، فى تصاميم تتراوح بين البدلات «الجامبسوت» غير المتماثلة ومجموعات السترات المتناسقة.

وتصدرت ملابس ميشيل أوباما عناوين الصحف بانتظام خلال وجودها فى البيت الأبيض، وحتى بعد مغادرتها، ومن بينها الجولة التى نفذتها للدعاية لمذكراتها الأكثر مبيعًا «Becoming».

وفى كتابها «الإطلالة»، تستكشف السيدة البالغة ٦١ عامًا، وأم لطفلين، متعة وهدف الموضة والجمال، وكيف يمكنهما الارتقاء بالقيم العزيزة على قلب المرء وتأكيدها، عند استخدامها برشاقة وعناية، مؤكدة أن «الثقة لا تُكتسب. لكن عندما ترتدين شيئًا أنيقًا ومحبوبًا، تجعلك الملابس تشعرين بأفضل صورة لنفسك».

وأعلنت دار النشر «كراون»، التابعة لمجموعة «بنجوين راندوم هاوس» الشهيرة، عن أن الكتاب سيضم أكثر من ٢٠٠ صورة، بما فى ذلك بعض اللقطات التى لم تُنشر من قبل، وتتناول بإسهاب إطلالات «ميشيل» المختلفة، بدءًا من حملة زوجها لعضوية مجلس الشيوخ الأمريكى، حتى الوصول إلى البيت الأبيض وما بعده.

أكثر من مجرد موضة

اطلعت مجلة «بيبول» الأمريكية على مقدمة الكتاب، التى كتبتها فرح ياسمين جريفين، أستاذة الأدب والدراسات الأمريكية الإفريقية الشهيرة فى جامعة «كولومبيا»، والتى تُحدد التجربة الشخصية لـ«ميشيل أوباما» ضمن السياق الثقافى الأوسع، وتُذكّر القراء بأن الأناقة أعمق بكثير من المظاهر.

تقول «جريفين» فى المقدمة عن ميشيل أوباما: «لقد وقفت أمامنا كقائدة، ومنحتنا الشجاعة للنضال من أجل عالم أفضل وأكثر عدلًا، وأوكلت إلينا مهمة العمل، وذكّرتنا بأن ثمن المواطنة فى ظل الديمقراطية هو أن يفعل كل منا شيئًا ما. كانت الإطلالة كالمرأة، جريئة قوى تطلعية بعيدة النظر، ومُلهمة لكل من يؤمن بإمكانية تحقيق مستقبل أفضل».

وفى ٥ يونيو الجارى، كشفت السيدة الأولى السابقة، على حسابها الرسمى فى «إنستجرام»، أن الكتاب الجديد سيركز على «رحلتها الطويلة مع الموضة والشعر والجمال»، مضيفة: «خلال فترة وجود عائلتنا فى البيت الأبيض، كان مظهرى موضع تحليل مستمر، ما كنت أرتديه، وكيف كان شعرى مصففًا.... إلخ».

وواصلت: «منذ فترة، كنت أرغب فى التحدث عن تلك القصة، ومشاركتها بطريقتى الخاصة. أنا ممتنة لوجودى فى مرحلة من حياتى، أشعر فيها بالراحة عند التعبير عن نفسى بحرية، أرتدى ما أحبه وأفعل ما أشعر أنه حقيقى بالنسبة لى. أنا متحمسة لمشاركة بعض ما تعلمته خلال هذه الرحلة».

وأكملت: «سيصدر كتابى الجديد (الإطلالة)، فى الرابع من نوفمبر. إنه انعكاس لرحلتى الطويلة مع الموضة والشعر والجمال. ستجدون فى الكتاب بعضًا من الإطلالات التى كان لها بالغ الأثر فى نفسى، والأهم من ذلك، اللحظات التى عشتها بها، كبيرة وصغيرة، شخصية وسياسية، تاريخية وعادية، والتى لا تُنسى تمامًا كالملابس نفسها».

وتابعت: «ستتعرفون أيضًا على الفريق الرائع الذى دعمنى فى كل شىء ورسم ملامح إطلالتى: المبدعة ميريديث كوب، وخبير المكياج الموهوب كارل راى، ومصففى شعرى الرائعين يينى دامتيو وجونى رايت ونيجيرى رادواى، كلٌّ منهم يُضيف قصته وروحه ومنظوره الخاص إلى هذه الرحلة».

واختتمت: «كتاب (الإطلالة) لا يقتصر على الموضة فحسب، بل يتجاوزها، فهو يتعلق بالثقة بالنفس والهوية وقوة الأصالة. آمل أن يُثير هذا الكتاب نقاشًا وتأملًا حول الطريقة التى نرى بها أنفسنا، وكيف يُعرّف مجتمعنا الجمال».

وتفاعل مُعجبو ميشيل أوباما على ما كتبته على «إنستجرام»، ومنهن من قالت: «متحمسة جدًا! سأضع الكتاب على طاولة القهوة بجوار كتاب (ألف يوم من السحر)، الذى يتناول قصة سيدة أمريكا أولى أخرى هى جاكلين كينيدى، وملابسها فى البيت الأبيض».

شغلت ميشيل أوباما منصب السيدة الأولى للولايات المتحدة الأمريكية فى الفترة من ٢٠٠٩ إلى ٢٠١٧، تخرجت فى جامعة «برينستون» وكلية الحقوق بجامعة «هارفارد»، وبدأت مسيرتها المهنية كمحامية فى شركة «سيدلى وأوستن للمحاماة» فى شيكاغو، حيث التقت زوجها المُستقبلى، باراك أوباما، وعملت لاحقًا فى مكتب عمدة شيكاغو، وفى جامعة شيكاغو، وفى المركز الطبى بجامعة شيكاغو.

وسبق أن ألفت ميشيل أوباما عدة كتب ضمن الأكثر مبيعًا، إلى جانب «بودكاست»: «ميشيل أوباما»، الذى كان أنجح «بودكاست» أصلى فى تاريخ «سبوتيفاى»، وتعيش هى وزوجها باراك أوباما حاليًا فى واشنطن العاصمة، ولديهما ابنتان: «ماليا» و«ساشا».