الأحد 15 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز

TOM CRUZ.. سر النجم الذى «يركض فى الأفلام منذ 44 عامًا»

حرف

- يجرى بسرعة 18 ميلًا فى الساعة بضعف سرعة الرياضى العادى

بعد أقل من أسبوعين فقط على عرضه فى دور السينما، حقق فيلم «مهمة مستحيلة: الحساب الأخير»، الجزء الثامن من السلسلة الأشهر «مهمة مستحيلة»، من بطولة توم كروز، أرقامًا كبيرة فى شباك التذاكر.

الفيلم الجديد أخرجه وشارك فى كتابته كريستوفر ماكوارى، ويُعد تكملة للجزء السابع «مهمة مستحيلة: حساب الموتى»، وفيه يحاول «إيثان هانت/ توم كروز» إنقاذ العالم من نموذج ذكاء اصطناعى خطير يُدعى «الكيان».

ميزانية الفيلم تبلغ 400 مليون دولار، وخلال 4 أيام فقط من طرحه حقق 79 مليون دولار. وبحلول نهاية الأسبوع، من المتوقع أن يحقق إيرادات إجمالية قدرها 122 مليون دولار على مستوى الولايات المتحدة، ما يجعله رقم 17 فى قائمة أكثر أفلام توم كروز تحقيقًا للإيرادات محليًا.

مهمة مستحيلة: الحساب الأخير

رغم أنه يواجه منافسة شديدة، خاصة من فيلم «ليلو وستيتش»، الذى صدر بالتزامن تقريبًا، وأفلام جديدة مقبلة مثل «كاراتيه كيد: أساطير»، لا يزال «مهمة مستحيلة: الحساب الأخير» يحافظ على مركزه الثانى فى الولايات المتحدة، إلى جانب تحقيقه ١٢٧ مليون دولار بالخارج فى أسبوعه الأول، مع إمكانية تحقيقه نجاحًا أكبر بمجرد توافره للمشاهدة من المنزل.

ويعد نجاح الجزء الثامن فى دور العرض دليلًا قويًا على أن أفلام سلسلة «المهمة المستحيلة» لا تزال قابلة للاستمرار، رغم توقعات البعض بأنه ربما سيكون الأخير، وأنه فى كل الأحوال، من الضرورى الحد من الميزانية، حال تقديم جزء جديد.

ويمثل الفيلم دليلًا جديدًا على أن توم كروز، الذى سيبلغ عامه الـ٦٣ فى ٣ يوليو المقبل، ما زال رجل «المهمة المستحيلة» القادر على فعل أى شىء تقريبًا، من قيادة طائرات الهليكوبتر وتسلق المنحدرات بحرية، حتى الغناء والعزف على الجيتار.

لعل هذا ما يعبر عنه المشهد الشهير من الجزء الثالث، عندما يُخبر «إيثان هانت» حبيبته «جوليا» بضرورة قتله عبر استخدام مزيل رجفان مؤقت لتعطيل عبوة ناسفة زرعها شرير فى رأسه، ففعلت ذلك بالفعل، ثم تأخذ استراحة قصيرة لإطلاق النار على الأشرار فى الغرفة، قبل أن تُجرى له الإنعاش القلبى الرئوى، ويعود إلى الحياة، ثم يأخذ مسدسه للانضمام إلى القتال.. هذا ما يفعله توم كروز فى الواقع، فعندما تشاهد المشاهد الخطيرة التى يخوضها، تجد شخصًا يتحدى الموت مرارًا وتكرارًا.

ورغم عظمته، حقق «المهمة المستحيلة ٣»، الصادر عام ٢٠٠٦، أقل من ٤٠٠ مليون دولار عالميًا، وهو رقم ضئيل فى نظر مسئولى شركة «باراماونت» الموزعة، ودفع سمنر ريدستون، رئيس مجلس إدارة شركة «فياكوم آنذاك»، المالكة لـ«باراماونت»، إلى تحميل المسئولية لـ«كروز» نفسه، بعدما ظهر فى برامج حوارية، أكد فيها انتماءه إلى ديانة «السيَنتولوجيا».

واعتبر «ريدستون» أن التصرفات والتصريحات الغريبة لـ«كروز» عن «السيَنتولوجيا» هى التى كلفت «مهمة مستحيلة ٣» خسارة تصل لـ١٥٠ مليون دولار من مبيعات التذاكر، قبل أن يعلن فى وقت لاحق إنهاء علاقتها الطويلة مع النجم الشهير، قائلًا لصحيفة «وول ستريت جورنال»: «لا نعتقد أن شخصًا يمارس انتحارًا إبداعيًا ويكلف الشركة إيرادات يجب أن يكون ضمن فريقها».

حتى ذلك الحين، كان توم كروز يُعتبر نجمًا لامعًا فى شباك التذاكر. فى عام ١٩٩٦، أصبح أول بطل لـ٥ أفلام متتالية تحقق إيرادات لا تقل عن ١٠٠ مليون دولار فى الولايات المتحدة. وعمل مع مخرجين مثل فرانسيس فورد كوبولا ومارتن سكورسيزى وستانلى كوبريك وبول توماس أندرسون.

وأشار كاميرون كرو، مخرج الفيلم الكوميدى الرومانسى «جيرى ماجواير»، ذات مرة، إلى قدرة «كروز» الفريدة على تقديم حوار صادق قد يبدو سخيفًا لو صدر عن شخص آخر، قائلًا فى مقابلة مع موقع «ديدلاين» إنه كان متوترًا بشأن الجملة التى يقولها «كروز» فى نهاية الفيلم: «أنت تُكملينى»، وفكّر فى حذفها. لكن فى يوم التصوير «جاء، وبكل حب، كان هذا البطل مستعدًا للضربة القاضية. لقد قالها ببراعة وكان الجميع فى موقع التصوير يبكون».

خلطة توماس

وُلد توماس كروز مابوثر فى ٣ يوليو ١٩٦٢ بمدينة نيويورك، فى أسرة متواضعة الحال، واختار لاحقًا التخلى عن لقب العائلة «مابوثر»، ليس فقط لاعتبارات فنية، ولكن أيضًا لقطع صلته بوالده الذى وصفه بـ«تاجر الفوضى».

عاش «كروز» طفولة غير مستقرة، تنقل خلالها بين أكثر من ١٢ مدرسة فى مختلف أنحاء البلاد، من بينها معهد كاثوليكى، بعدما راودته أحلام الكهنوت لفترة. لكن هذه الطموحات الدينية تبخرت عندما تم القبض عليه وهو يحاول سرقة مشروبات كحولية من مدرسة اللاهوت التابعة لمعهد الفرنسيسكان الثانوى، كما كشف أحد زملائه القدامى.

أما عن بداياته فى التمثيل، فيتذكر أن أحد معلميه فى المرحلة الثانوية شجعه على تجربة أداء مسرحية «الرجال والدمى»، فى الدور الرئيسى. وبعد أقل من عام، حصل على أول دور له على الشاشة.

فى العام نفسه ١٩٨١، شارك فى فيلم «حب أبدى»، ثم تألق فى فيلم «قرع الطبول» بدور طالب فى مدرسة عسكرية مُختل عقليًا، وهى الشخصية التى أداها ببراعة.

ويعد دوره فى فيلم «أعمال محفوفة بالمخاطر» عام ١٩٨٣ هو الذى دفعه إلى مستوى جديد من الشهرة، ووصفت شخصية «جويل» التى جسدها ضمن أحداثه بأنها «أيقونية»، وهو ما يعود جزئيًا إلى مشهد الرقص الشهير بالملابس الداخلية، الذى ارتجله «كروز» إلى حد كبير، وأسهم فى ارتفاع مبيعات نظارات «راى بان وايفارير» بنسبة تقارب ٢٠٠٠٪، بعد ظهوره بها فى الفيلم.

وفى تحليل لطبيعة أفلام توم كروز، تحدث الناقد الأمريكى الشهير روجر إيبرت عن الوصفة المثالية لهذه الأعمال، معتبرًا أنها تعتمد على ٩ مكونات رئيسية، تبدأ ببطولة شخصية صبيانية مليئة بالإمكانات كما فى «لون المال» و«أيام الرعد» و«كوكتيل»، ثم يأتى دور المرشد، الذى يجسده عادة ممثل مخضرم مثل توم سكيريت أو بول نيومان، والذى يساعده على إتقان مهنة صعبة مثل سباقات البلياردو، وقيادة سيارات السباق، أو العمل كنادل.

ويتكرر فى أفلام «كروز» وجود امرأة أكثر نضجًا وطولًا منه، تكون إما مصدر تحدٍ له أو داعمة لإنقاذ الموقف، وعادةً ما يجد طريقة لإنقاذ نفسه، إلى جانب الحرفة التى يجب أن يُتقنها، والساحة التى تدور فيها الأحداث، والمعرفة التى يجب أن يكتسبها، والرحلة التى يخوضها، بالإضافة إلى العدو الأولى والعدو النهائى الذى يواجهه.

وتظهر هذه العناصر بوضوح فى فيلم «توب جان»، الذى يجسد فيه شخصية شاب ملىء بالإمكانات، يتلقى الإرشاد من شخصية مخضرمة، ويواجه تحديات كبيرة على طريق إتقان مهاراته.

ولم يكتفِ «كروز» بهذه النوعية من الأفلام، بل أظهر قدراته التمثيلية بوضوح من خلال دوره فى فيلم «ولد فى الرابع من يوليو»، الذى يحمل طابعًا مناهضًا للحرب، ويستند إلى السيرة الذاتية لرون كوفيتش، الناشط فى مجال السلام، الذى أصيب بالشلل بعد خدمته كرقيب فى البحرية خلال حرب فيتنام.

«أكشن» منذ الرابعة

كان توم كروز جريئًا حتى فى صغره. فى الرابعة والنصف من عمره، صعد إلى سطح منزله وقفز، مستوحيًا الفكرة من دمية تقفز بالمظلة! 

مع تقدمه فى العمر، لجأ إلى استخدام أشجار «الصنوبر» حديثة الزراعة لدى جيرانه للتدريب على القفز العالى، وكاد أن يتعرض لحادث مميت أثناء قيادته دراجة نارية واصطدامه بجدار. كما أكد أحد أصدقاء طفولته أنه كان عنيدًا فى ممارسة رياضة «هوكى الجليد».

وتحدث العديد من المخرجين عن الحاجة إلى كبح جماح «كروز» خلال تصوير المشاهد الخطيرة، حتى إن المخرج والمنتج الأمريكى بول توماس أندرسون، عندما سُئل عما إذا كان «كروز» مترددًا بشأن دوره فى فيلم «ماجنوليا»، قال: «بالعكس، كانت مهمتى فى الإخراج أن أهدئه أحيانًا».

وفى مقابلة مع برنامج «جراهام نورتون شو»، عام ٢٠١٦، تحدث «كروز» عن تدربه على حبس أنفاسه لأكثر من ٦ دقائق من أجل تنفيذ حيلة ما فى أحد أفلامه. قال عن ذلك: «لدى معدل ضربات قلب منخفض على أى حال، وهذا يعنى أن جسدى لا يستخدم الكثير من الأكسجين».

وأكد أنه استعان بغواصين محترفين لتعلم تقنيات تنفس تساعده فى خفض معدل ضربات قلبه أكثر، مضيفًا: «كنت أجلس هناك فى الاجتماعات وأتحدث دون أن أتنفس، وأدركت حينها أننى لا أتنفس».

وكشف الممثل تيموثى شالاميت عن تلقيه رسالة بريد إلكترونى من «كروز»، تضمنت أسماء مدربين متخصصين فى تنفيذ المشاهد الخطرة، بهدف مساعدته على تطوير أدائه فى أفلام «الأكشن» التى يشارك فيها.

وخلال مقابلة مع جيمى كيميل، طرح المقدم سؤالًا على هنرى كافيل، أحد نجوم فيلم «مهمة مستحيلة: سقوط»، حول ما إذا كانت لدى توم كروز رغبة فى الموت تدفعه لتنفيذ هذه الحركات بنفسه، فأخذ «كافيل» لحظة للتفكير، قبل أن يجيب قائلًا: «لا، إنه جيد حقًا فيما يقوم به».

وحسب دراسة حديثة أجراها موقع «روتن توميتوز»، هناك علاقة بين طول مدة مشاهد الركض التى يؤديها «كروز» على الشاشة وجودة الفيلم، وهو ما قد يفسر ضعف الأداء التجارى لأفلام مثل «أسود وحملان» و«فالكيرى»، التى لم يظهر فيهما بمشاهد حركة كالمعتاد. 

ونبه «كروز» إلى هذا الجانب من مسيرته بطريقة ساخرة، عندما كتب فى وصف عبر حسابه على «إنستجرام»: «أركض فى الأفلام منذ عام ١٩٨١»، فى إشارة إلى دوره الأول فى فيلم «حب أبدى»، حيث كان مجرد مراهق يرتدى «شورت جينز» قصيرًا ويركض عبر ملعب كرة قدم.

ومنذ ذلك الحين، عمل «كروز» على تطوير أسلوب ركضه، الذى يتميز بحركة سريعة ومركزة: الأيدى تشق الهواء، الركبتان مرتفعتان، الصدر للأعلى، والرأس مسترخية، مع الحد الأدنى من الحركة الجانبية.

نالت هذه التقنية إعجاب الرياضيين الأوليمبيين السابقين. وصرح أحد منسقى مشاهد «الأكشن» فى سلسلة «مهمة مستحيلة» بأن «كروز» يستطيع الركض بسرعة تصل إلى ١٧.٥ ميل فى الساعة، وهو ضعف سرعة الرياضى العادى.

ممثل «قوات خاصة»

الركض ليس سوى جزء من المغامرة السينمائية لتوم كروز، فقد أصبح تنفيذ المشاهد الخطرة بنفسه عنصرًا جوهريًا فى أفلامه، ما دفعه إلى خوض تجارب خطيرة، مثل تعليق نفسه على جانب طائرة «إيرباص إيه ٤٠٠ إم» أثناء الإقلاع فى «مهمة مستحيلة: أمة مارقة»، وأداء قفزة «هالو» المخصصة للقوات الخاصة فى «مهمة مستحيلة: سقوط»، مع قفزه بالمظلة أكثر من مئة مرة، حتى عندما كان يعانى من كسر فى الكاحل.

وفى فيلم «مهمة مستحيلة: حساب الموتى»، صوّر توم كروز مشهدًا وصفته شركة «باراماونت» بأنه «أكبر حركة أكشن فى تاريخ السينما»، حينما قاد دراجة نارية من جرف يبلغ ارتفاعه ٤٠٠٠ قدم، ثم تركها ليقفز بالمظلة إلى وادٍ أسفله، وهو المشهد الذى أداه ٦ مرات.

وتصميم مشاهد غير مسبوقة جزء أساسى فى أفلام توم كروز، مثل الغوص لمدة ٧٥ دقيقة دون خرطوم أكسجين فى خزان مياه ضخم، أو المشى على جناح طائرة هليكوبتر على ارتفاع شاهق!

هذه الجرأة الاستثنائية جعلت زملاء «كروز» يكنّون له احترامًا كبيرًا. قال كيانو ريفز مثلًا: «ما يفعله توم كروز استثنائى ومميز». فيما اعترف ويل سميث، الذى حاول تنفيذ مشاهد خطرة بنفسه فى «باد بويز للأبد»، بأنه بعد تجربة مشهدين فقط، أدرك أنه «ليس أفضل من توم كروز». وقالت ريبيكا فيرجسون: «سمعت نفسى أصرخ. ظننت أنه سقط بالفعل من على الطائرة»، معبرةً عن لحظة رعب عاشتها أثناء تصوير فيلم «مهمة مستحيلة: الحساب الأخير». 

ووفقًا لماك كويرى، بدا توم كروز وكأنه مغمى عليه بينما كان وحده على ارتفاع ٣٠٠٠ قدم، حيث كان عليه النهوض سريعًا للتمكن من الهبوط بالطائرة، وفى تلك اللحظة، كان الوقود على وشك النفاد، لأن الخزان أُبقى فارغًا جزئيًا لتسهيل الحركات البهلوانية.

وأضاف «كويرى»: «كانت أمامه ٣ دقائق للنهوض، لكنه ظل على هذا الجناح لمدة ٢٠ دقيقة»، ثم وقعت لحظة وصفها بـ«المعجزة»، إذ شاهدوا «كروز» وهو يرفع رأسه، يدخل قمرة القيادة لاستعادة الأكسجين فى جسمه، ثم يعود للسيطرة على الطائرة ويهبط بها بسلام، متابعًا: «لا أحد على وجه الأرض يستطيع فعل ذلك».

وفى فيلم «المهمة المستحيلة ٢»، يوجد مشهد شديد الخطورة، حاول فيه الشرير، الذى جسّده دوجراى سكوت، طعن «كروز» فى عينه بسكين. وأصرّ «كروز» على استخدام سكين حقيقى، وتم تثبيت النصل بكابل فولاذى مُعدّ للتوقف على مسافة ربع بوصة فقط من حدقة عينه، ما كان سيشكل تهديدًا حقيقيًا لو حدث أى