الأربعاء 30 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مــاذا يقرأ العالم الآن؟.. البشرية تتمرد على الـ AI

مــاذا يقرأ العالم
مــاذا يقرأ العالم

- جون وارنر: «الذكاء الاصطناعى» كابوس أخلاقى.. و«وُلِد من رحم الخطيئة»

- أستاذ جامعى: الكتابة شعور وفعل إنسانى بحت.. ولا يمكن لتطبيق أن يحل محلها

- «نيويورك تايمز»: «Open AI» و«Microsoft» تسرقان ملايين من أعمالنا الصحفية

- نقابات المؤلفين والرسامين والناشرين تطالب الشركات بموافقة مسبقة على استخدام موادها

- دراسة: القراء يصدقون المساهمات البشرية فى الصحافة والكتابة بشكل أكبر

- المحتجون قالوا إن «ChatGPT» وأمثاله تعتدى على حقوقهم الفكرية دون أى مساءلة 

فى إطار عملها الصحفى والثقافى، تحرص «حرف» على استكشاف ومطالعة كل ما هو جديد فى ساحة النشر الدولية والإقليمية، فى توجه تنحاز إليه لتعريف القارئ المصرى والعربى بكل ما ينتجه العالم من معارف وثقافات وكتابات. ومن خلال زاوية «ماذا يقرأ العالم الآن؟»، تأخذ «حرف» قراءها فى جولة خاصة داخل أبرز المكتبات ودور النشر العالمية، لتعريفهم على المنتج الإبداعى الغربى، وأبرز الأعمال الجديدة الصادرة مؤخرًا فى مجالات الرواية والسياسة والثقافة والسينما والمغامرة.

فى هذا العدد، نلقى الضوء على احتجاجات الصحفيين والكُتّاب ضد شركات «الذكاء الاصطناعى»، وأهم كتب غربية جديدة صدرت العام الجارى تناولت المخاوف والتطلعات المصاحبة لاستخدام الـ«AI» فى مجال الصحافة والإعلام وصناعة النشر والكتابة بشكل عام.

صحفيون وكُتاب يقاضون «الذكاء الاصطناعى»: يسطو على إبداعنا

احتج صحفيون ومؤلفون أمريكيون وبريطانيون بارزون، الأسبوع الماضى، ضد شركات التكنولوجيا التى تقدم منتجات «الذكاء الاصطناعى»، متهمين إياها بسرقة أعمالهم لاستخدامها فى تدريب أنظمة الـ«AI» مثل «ChatGPT»، والتى يُمكنها «توليد» نصوص صحفية أو أدبية، وتقليد أعمال كُتّاب وصحفيين معروفين، لدرجة تصل إلى كتابة قصص إخبارية وروايات وكُتب كاملة.

تزامنت هذه الاحتجاجات مع إصدار اللجنة القضائية الأمريكية المعنية بالتقاضى متعدد الدوائر أمر بدمج القضايا والدعاوى المرفوعة ضد شركتى «OpenAI» المالكة لـ«ChatGPT»، و«Microsoft» المالكة لـ«Copilot»، من قِبل وكالات إخبارية شهيرة ومؤلفين مرموقين.

وضمت قائمة رافعى هذه الدعاوى: صحف: «نيويورك تايمز» و«ديلى نيوز» و«شيكاغو تريبيون» و«دنفر بوست» و«ميركورى نيوز» و«أورانج كاونتى ريجستر»، و«سانت بول بايونير برس» التابعة لمجموعة «ميديا نيوز»، «أورلاندو سنتينل» و«ساوث فلوريدا صن سنتينل» التابعتين لـ«تريبيون بابلشينج»، إلى جانب بعض الكُتّاب المعروفين، منهم مايكل شابون وجونوت دياز وجون جريشام وجورج سوندرز وجوناثان فرانزن وجودى بيكولت، وآخرون.

وخلال السنوات القليلة الماضية، حققت تطبيقات «الذكاء الاصطناعى» اختراقات سريعة فى كل مكان تقريبًا، فى الفصول الدراسية والمستشفيات وقاعات المحاكم، وحتى فى هوليوود، وفى مجال الصحافة والنشر أيضًا، مع امتلاكها القدرة على إعادة تشكيل كلّ جانبٍ تقريبًا من جوانب العمل المُرتبط بإنتاج قصة إخبارية أو كتاب، وحتى فعل الكتابة نفسه.

من جهته، قال إيان كروسبى، المحامى الرئيسى لصحيفة «نيويورك تايمز»، فى بيان: «ستستمر جميع مطالباتنا بحقوق الطبع والنشر ضد شركتى OpenAI وMicrosoft ، لسرقتهما الواسعة لملايين أعمال الصحيفة، ونتطلع إلى مواصلة متابعة ذلك. بينما قال فرانك باين، المحرر التنفيذى لمجموعة «ميديا نيوز» وصحيفة «شيكاغو تريبيون»: «الادعاءات التى رفضتها المحكمة لا تقوض جوهر قضيتنا، وهو أن هذه الشركات سرقت أعمالنا وانتهكت حقوق الطبع والنشر الخاصة بنا بطريقة تضر بأعمالنا بشكل جوهرى». أما مارى راسنبرجر، الرئيسة التنفيذية لنقابة المؤلفين، فقالت: «ستتأثر سوق النشر بأكملها. لن أفاجأ إذا أصبح الذكاء الاصطناعى بارعًا جدًا فى بعض أنواع كتب الخيال الأدبى، فى المستقبل غير البعيد».

ويتخذ الكثيرون فى مجال النشر إجراءات لحماية أعمالهم، وعلى رأسها نقابة المؤلفين، التى قدمت مؤخرًا عريضة موقعة من آلاف الكُتّاب، تطالب الشركات بالحصول على موافقتهم قبل استخدام أعمالهم لتدريب برامج «الذكاء الاصطناعى». كما راجعت الوكالات التى تمثل الرسامين عقود أعضائها لمنع استخدام أعمالهم لتغذية هذه البرامج. بينما شددت دور نشر كبرى، مثل دار نشر «بنجوين راندوم هاوس» على أنها تعتبر «الاستخدام غير المصرح به» للمحتوى لتدريب نماذج «الذكاء الاصطناعى»، بمثابة انتهاك صريح لحقوق الطبع والنشر. وفى الوقت الذى يحتج فيه الصحفيون والكُتّاب ضد تطبيقات «الذكاء الاصطناعى»، يشعر القراء أيضًا بالقلق، فالمخاوف لا تقتصر على أصحاب مهنة الصحافة والإعلام والنشر، ولكن على القارئ أيضًا بشكل كبير. ووجدت دراسة أمريكية صادرة عن جامعة «كانساس»، أن ثقة القراء فى الأخبار تقل عند استخدام «الذكاء الاصطناعى»، موضحة أن «آراء القراء حول مصداقية إنتاج الأخبار والكتب، بعد معرفة استخدام الذكاء الاصطناعى فيها، قد تأثرت سلبًا»، وأنهم «يولون مصداقية أكبر للمساهمات البشرية فى مجالات مثل الصحافة والكتابة».

وقال ستيف بين إيميه، الأستاذ المساعد فى كلية الصحافة بجامعة «كانساس»، وأليسا أبلمان، الأستاذة فى كلية «ويليام ألين وايت» للصحافة والإعلام، المؤلفين الرئيسيين المشاركين فى الدراسة: «التركيز المتزايد على الذكاء الاصطناعى فى مجال الصحافة والنشر مسألة، نعلم أن الصحفيين والكتاب يتحدثون عنها، لكننا كنا مهتمين بمعرفة كيفية إدراك القراء لها. لذا أردنا معرفة المزيد عن تصورات عناوين الصحف ووسائل الإعلام وتأثيرها، أو ما يعتقده الناس حول الأخبار والنصوص الكتابية التى ينتجها الذكاء الاصطناعى».

ولم تتوقف تحركات الصحفيين والكُتّاب المعروفين على الوقفات الاحتجاجية والدعاوى القضائية ضد شركات «الذكات الاصطناعى» فحسب، بل طرح كثير منهم عدة كتب حديثة، خلال العام الجارى، تعبر عن مخاوفهم من هذه التطبيقات، إلى جانب بعض الإيجابيات المتعلقة بمستقبل الصحافة وصناعة النشر فى عصر «الذكاء الاصطناعى».

أكثر من مجرد كلمات

صدر كتاب «More Than Words: How to Think About Writing in the Age of AI» أو «أكثر من مجرد كلمات: كيف نفكر فى الكتابة فى عصر الذكاء الاصطناعى؟»، فى ٤ فبراير الماضى، عن دار النشر الدولية ذائعة الصيت «هاشيت للكتب»، من تأليف جون وارنر، أستاذ الكتابة والمقال عضو هيئة التدريس فى كلية «تشارلستون» بولاية كارولينا الجنوبية.

ويركز المؤلف، وهو كاتب عمود أسبوعى فى صحيفة «شيكاغو تريبيون»، فى كتابه المكون من ٣٢٠ صفحة، على فكرة رئيسية مفادها بأن «الكتابة شكل من أشكال التفكير والشعور»، مُبينًا الأسباب التى تجعل من غير الممكن أن تُستبدل لصالح «الذكاء الاصطناعى».

ويقول المؤلف فى الكتاب: «فى عصر الذكاء الاصطناعى، أصبحت كتابة مقال ما أمرًا فى غاية البساطة، مجرد الضغط على زر الإدخال. لكن ماذا يعنى هذا لفن الكتابة؟»، معتبرًا أن برامج «الذكاء الاصطناعى» مثل «ChatGPT»، لا يُمكنها فقط إفساد الكتابة، بل أيضًا إفساد المشاعر، وهى المعنى الأساسى للوجود الإنسانى.

ويرى النقاد أن هذا الكتاب ينبغى أن يكون فى متناول كل ناشر صحف ومواقع إلكترونية وكُتب، لأنه «يكشف عن العبث الأخلاقى الناجم عن استخدام المحتوى الآلى بدلًا من الكتابة البشرية»، مُذكرًا القراء بأن «البشر وحدهم من يستطيعون الكتابة، والبشر وحدهم من يستطيعون القراءة، والكتابة تفكير وشعور، وإذا سمُح لتطبيقات الـAI بها، سيُسمح لهم بالتفكير والشعور نيابةً عن البشر أيضًا، وهذا أسوأ ما يُمكن أن يفعله إنسان».

جون وارنر

وحول التساؤل القائم الآن بين أوساط الصحفيين والمؤلفين: هل يُهدد «الذكاء الاصطناعى» فن الكتابة نفسه؟ يرى «وارنر» فى كتابه أن الإجابة هى «لا». لكنه ينبه إلى أنه «من خلال إنتاج نصوص رديئة الجودة، يُمكن لشركات الذكاء الاصطناعى أن تُهدد ممارسة الكتابة واقتصادها». لذا، يطالب المؤلف بـ«رفض ومقاومة الأضرار الناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعى فى مجال الصحافة والتأليف، بالإضافة إلى التفاعل بشكل هادف مع معنى الكتابة كبشر، فى عالمٍ يتزايد فيه المحتوى الرخيص وعديم المعنى».

وينظر المؤلف للكتابة باعتبارها ممارسة إنسانية وضرورة اجتماعية، خاصة فى عصر «الذكاء الاصطناعى»، مشددًا على أن تطبيقات مثل «ChatGPT» يجب ألا تحل محل الكتابة الإنسانية كممارسة شخصية وفن حى، شارحًا ببراعة كيف تحصل هذه التطبيقات على بياناتها من صحف وكتب حقيقية، وتبحث عن أمثلة لتقليدها، ومُسلطًا الضوء على المؤلفين والصحفيين الذين رفعوا دعاوى قضائية ضد شركات «الذكاء الاصطناعى».

وينبه «وارنر» إلى أن الكتابة فعل صعب وتستحق النضال، وعنصر مركزى فى تشكيل شعور الفرد بالذات، مشيرًا إلى أن أنظمة «الذكاء الاصطناعى» التى تزعم أنها تكتب، تقدم فقط «محاكاة للكتابة»، فربط الكلمات والعبارات معًا ليس كتابة، والكتابة الحقيقية مبدعة ومعقدة.

ويضيف: «الكتابة الحقيقية تأتى من عملية تفكير مُجَسدة بالكامل، مدعومة بنية لتوصيل الشعور والفكر من الإنسان إلى الإنسان، وأى شخص يحب القراءة والكتابة، ويعلم التميز والإنجاز الشخصى، ولا يزال مقتنعًا بأن الناس فريدون، سيجد أن الكتابة هى فعل إنسانى بحت».

ويشير المؤلف إلى أن أنظمة «الذكاء الاصطناعى» تأخذ قصصًا صحفية وكتبًا لا حصر لها كمرجع، يُمكِنها من إنتاج نص يمكن أن يكون سلسًا، فهل يعتبر هذا كتابة؟ قبل أن يُجيب: «الكتابة لا تُعلّم، فمن بين ٥٠٠ طالب فى قسم التأليف فى جامعة نورث وسترن، أصبح ٩ أو ١٠ طلاب فقط منهم محررون، أو نشروا روايات وقصائد وسيرًا ذاتية وترجمات وأعمالًا أخرى».

وتحدث الأكاديمى الأمريكى عن تطبيق «ChatGPT» على وجه التحديد، قائلًا: «منذ إصداره فى نوفمبر ٢٠٢٢، أحدث هذا النموذج ثورة فى العديد من المجالات، بما فى ذلك التعليم والصحافة والنشر وأبحاث السوق والإعلان وتقديم الاستشارات عبر الإنترنت، مؤديًا فى بعض الأحيان إلى نتائج كارثية».

ويضيف: «يُعد ChatGPT نموذجًا شائعًا للذكاء الاصطناعى، مثل Gemini من Google، و Copilot من Microsoft، وهى برامج تنشئ محتوى جديدًا عن طريق تجميع ما نُشر بالفعل على الإنترنت، بشكل قانونى وغير قانونى، ثم نشره فى شكل جديد دون التفكير فى النص».

ويواصل: «بطبيعة الحال، تجعل هذه القدرات الذكاء الاصطناعى مثيرًا للجدل بين العاملين فى مجال الكتابة، إلى حد رفع دعاوى قضائية، بالتزامن مع نقاشات بين الكُتّاب والصحفيين عن الأمر»، معتبرًا أنه «بغض النظر عن الموقف من تلك التقنيات، فهى باقية، فلا مجال لتمنى زوال الذكاء الاصطناعى فى هذه المرحلة، لكن يجب التعامل معها بطريقة تحافظ على إنسانيتنا».

ويتناول «وارنر» علاقة «الذكاء الاصطناعى» بصناعة النشر، سواء الصحافة والإعلام أو تأليف الكُتب، من منظور مُدرّس كتابة جامعىّ أمضى ٢٠ عامًا، وكاتب عمود أسبوعى فى صحيفة «شيكاغو تريبيون»، ومؤلف كتب مهمة مثل: «لماذا لا يستطيعون الكتابة؟» و«ممارسة الكاتب».

وفى الجزء الأول من كتابه، يشرح «وارنر» ماهية «ChatGPT»، ووظائفه كمحرك لـ«الذكاء الاصطناعى التوليدى»، وهو نموذج لغوى ضخم يُعالج المحتوى، وخاصةً النص، بمحاكاة ما كُتب، دون أن يكتب هو نفسه، مشددًا على أن «الكتابة تجربةٌ إنسانية بالكامل. عندما نفعلها، نُفكّر ونشعر، نُوظّف ذكاءاتنا الفريدة ونحاول إظهارها للعالم، حتى عندما لا تبدو إبداعاتنا ذكيةً للغاية. أما ChatGPT فهو عكس ذلك، مشهد بلا ملامح من النصوص المشتقة من الأنماط».

ويُؤكّد «وارنر» أن «الذكاء الاصطناعى» يُمثّل «الأتمتة»، وليس «الذكاء البشرى الحقيقى»، مضيفًا: «لذا علينا أن نكون مُتبصرين فى كيفية وتوقيت استخدامنا له، ومُدركين أنه (وُلد من رحم الخطيئة)، وأنه بالفعل كابوس أخلاقى ومعنوى وبيئى. على سبيل المثال، يتم تدريبه على نصوص لها حقوق ملكية فكرية محمية، ثم يُطلقها بعد ذلك على أنها (كتابة)، وهى عملية مُقلقة للغاية، وأدت إلى رفع دعاوى قضائية ضد شركات هذه التقنيات بتهمة الانتحال. وحتى لو لم يربح المدعون، وكثيرون لم يربحوا، لا يُمكننا تجاهل القضايا الأخلاقية المُرتبطة بذلك».

وفى الجزء الثانى من كتابه، يُفصّل «وارنر» الفروق بين الكتابة البشرية، ومعالجة «الذكاء الاصطناعى» للنصوص، قائلًا: «من الواضح أن الاثنين مختلفان. فالكتابة هى فى المقام الأول تجربة مُواجهة الأفكار وربطها بقُرّاء مُحدّدين. أما ChatGPT فهو مُجرّد ربط كلمات مُجمّعة من مصادر مُتنوّعة، دون أىّ هدف أو عملية تفكير مُحدّدة. بينما الكتابة، وإلى جانب التفكير، تنطوى على الشعور، الذى نُعبّر عنه بكلماتنا، ونأمل أن يُلامس مشاعر القراء. الآلات لا تملك القدرة على أىٍّ من هذا».

وعلى الرغم من أن لديه أسبابًا كثيرة للحذر من «الذكاء الاصطناعى المُولِّد»، يدرك «وارنر» قيمته فى مجالات أخرى، بل ويستخدمه بنفسه ككاتب. على سبيل المثال، يُمكن لـ«ChatGPT» إنتاج مُلخّصات وقوائم نصية، أسرع بكثير من أى شخص.

ويعلق «وارنر» على ذلك بقوله: «إنه أشبه بامتلاك مُولّد مُختصرات عند الطلب لأى شىء يُمكنك التفكير فيه تقريبًا. هذا التشبيه وصفٌ دقيق لما يظهر فى أعلى نتائج بحث Google. فى ثوانٍ معدودة، يُمكننى الحصول على مُلخّص سريع، ردًا على الكلمات التى أضعها فى مربع البحث»، مضيفًا: «لكن يجب أن نتذكر أن النص المُولّد بواسطة الذكاء الاصطناعى قد لا يكون دقيقًا كليًا - أو حتى جزئيًا. من المهم الرجوع إلى المصادر الأصلية للتحقق من المعلومات، ومع ذلك، يوفر النص المولد نقاط انطلاق للتعامل مع موضوع ما».

وفى الجزء الثالث، يستكشف «وارنر» ويُفكّر كيف يُمكن أن يُؤثّر «ChatGPT» على مُستقبل الكُتّاب والقُرّاء، ويرى أنه حتى الآن، كانت نتائج استخدامه بعيدة كل البعد عن المثالية، بل غالبًا ما كانت خاطئة تمامًا، مبديًا خوفه من أنه «مع تحسن أداء الذكاء الاصطناعى فى المستقبل، سنقبل النص الذى ينتجه بدلًا من التفاعل مع الأعمال الأصلية الكامنة وراء الكلمات، ونتيجةً لذلك، سنفقد جزءًا من معنى أن تكون إنسانًا أمام الآلة».

تغيير عالم الأخبار

أصدرت دار النشر الأمريكية «ماكفارلاند» كتابًا جديدًا بعنوان: « Artificial Intelligence in Journalism: Changing the News» أو «الذكاء الاصطناعى فى مجال الصحافة: تغيير عالم الأخبار»، فى ١٧ مارس الماضى، من تأليف الدكتور تونى سيلفيا، الأستاذ المتخصص فى الصحافة والإعلام الرقمى بجامعة جنوب فلوريدا.

الكتاب يتناول بالتحليل والدراسة المخاوف والتحديات المصاحبة لانتشار استخدام تقنيات «الذكاء الاصطناعى» فى مجال الصحافة والإعلام، ويستند المؤلف فيه إلى مجموعة من الأبحاث الأكاديمية الجادة، بالإضافة إلى سلسلة من المقابلات المباشرة مع عدد من الصحفيين العاملين فى مؤسسات إخبارية كبرى، إلى جانب آراء وإفادات عدد من الإعلاميين البارزين.

ويكشف الكتاب الذى يقع فى ٢١٠ صفحات أن الصحفيين فى الولايات المتحدة وحول العالم يواجهون حاليًا تحديات كبيرة فى كيفية التعامل مع تقنيات «الذكاء الاصطناعى»، ويسعون جاهدين لتجنب إساءة استخدام هذه التقنيات المتطورة فى عمليات كتابة وتحرير وإنتاج القصص الإخبارية بشكل كامل. 

توني سيلفيا

ويشير المؤلف إلى وجود نماذج فعلية من القصص الإخبارية التى تم إنتاجها بالفعل باستخدام «الذكاء الاصطناعى»، ويناقش فى هذا السياق مجموعة متكاملة من التحديات تشمل الجوانب المجتمعية والثقافية والقانونية والأخلاقية والمهنية التى تواجهها صناعة الأخبار فى ظل هذا التطور التكنولوجى.

ويستعرض الفصل الأول نبذة تاريخية موجزة عن تطور «الذكاء الاصطناعى»، بينما يكشف الفصل الثانى عن الكيفية التى دخلت بها تقنياته إلى غرف الأخبار التقليدية. فيما يقدم الفصل الثالث تصورًا مستقبليًا لغرف الأخبار التى تعتمد بشكل أساسى على هذه التقنيات. 

ويتناول الفصل الرابع بالتحليل العلاقة بين «الذكاء الاصطناعى» والنموذج الاقتصادى لعمل الصحافة. ويركز الفصل الخامس على كيفية استخدام «الذكاء الاصطناعى» فى كتابة التقارير السياسية. بينما يخصص الفصل السادس لدراسة مستقبل الصحافة الاستقصائية فى ظل انتشار تطبيقات «الذكاء الاصطناعى». فيما يحلل الفصل السابع التأثير المزدوج لـ«الذكاء الاصطناعى» ووسائل التواصل الاجتماعى على مهنة الصحافة. ويناقش الفصل الثامن الجوانب الأخلاقية وقضايا الرقابة المرتبطة باستخدام «الذكاء الاصطناعى». فى حين يقدم الفصل التاسع والأخير رؤية شاملة حول كيفية توظيف قوة «الذكاء الاصطناعى» فى مجال إنتاج المحتوى الإخبارى.

القانون والأخلاقيات والسياسة

أصدرت مطبعة جامعة «كامبريدج» المرموقة كتاب «More Than Words: How to Think About Writing in the Age of AI» أو «قانون وأخلاقيات وسياسة الذكاء الاصطناعى»، فى ٦ فبراير ٢٠٢٥، من تأليف البروفيسورة ناتالى سموحة، الخبيرة القانونية البارزة والمستشارة لدى المفوضية الأوروبية، التى تشغل أيضًا منصب منسقة فريق الخبراء رفيع المستوى المعنى بـ«الذكاء الاصطناعى» فى المفوضية الأوروبية، فضلًا عن كونها أستاذة متخصصة فى القضايا القانونية والأخلاقية المتعلقة بـ«الذكاء الاصطناعى» والتكنولوجيا الحديثة فى جامعة «لوفين» البلجيكية.

ويحتوى الكتاب على فصل خاص بعنوان «الذكاء الاصطناعى والإعلام»، من تأليف الدكتورة ليديا دوتكيفيتش، الباحثة فى مركز تكنولوجيا المعلومات وقانون الملكية الفكرية بجامعة «لوفين»، ويتناول بالتحليل العميق كيفية تغلغل تقنيات «الذكاء الاصطناعى» فى قطاع الإعلام وتأثيراتها المختلفة.

ويأتى هذا الإصدار فى وقت تشهد فيه صناعة الإعلام تحولات جذرية، بسبب التطورات المتسارعة فى مجال «الذكاء الاصطناعى» وتطبيقاته المختلفة، ويقدم رؤية شاملة للإطار القانونى والأخلاقى الذى يجب أن يحكم استخدام هذه التقنيات الحديثة فى المجال الإعلامى.

ناتالي سموحة

ويستعرض الفصل المخصص لــ«الذكاء الاصطناعى والإعلام»، المكون من ٢٢ صفحة، فرص وفوائد استخدام «الذكاء الاصطناعى» فى جمع وإنتاج المحتوى الإعلامى، وتوزيعه، والتحقق من صحة المعلومات، وإدارة المحتوى. كما يركز على المخاطر الأخلاقية والقانونية التى تُثيرها تطبيقات الإعلام المُدارة بـ«الذكاء الاصطناعى»، مشيرًا إلى أنه برغم إيجابيات «الذكاء الاصطناعى»، يجلب استخدامه فى وسائل الإعلام مخاطر مجتمعية وأخلاقية، بالإضافة إلى تحديات قانونية.

وتوضح ليديا دوتكيفيتش فى ذلك الفصل، كيف يمكن لمؤسسات الإعلام الاستفادة من تقنيات «الذكاء الاصطناعى» لزيادة الإنتاجية، واستكشاف إمكانيات جديدة لإنتاج المحتوى وتوزيعه وإعادة استخدامه، وهى زاويا لا تمت بصلة بفن الكتابة والصحافة الرئيسية ذاتها، وتشير إلى إمكانات استخدام «الذكاء الاصطناعى» فى وسائل الإعلام.

كما تعرض قائمةً قيّمةً من الاستخدامات المُحتملة لـ«الذكاء الاصطناعى» فى الممارسة الصحفية اليومية، فى بداية عملية إنتاج الأخبار، إذ يُمكن لـ«الذكاء الاصطناعى» المساعدة فى جمع المواد، وتصفح منصات التواصل الاجتماعى، والتعرف على الأجناس والأعمار فى الصور، أو إضافة وسوم تلقائيًا للمقالات الصحفية التى تحتوى على مواضيع أو كلمات مفتاحية.

وقالت المؤلفة إنه يمكن استخدام «الذكاء الاصطناعى» أيضًا فى اكتشاف القصص الإخبارية لتحديد الاتجاهات أو رصد القصص التى قد يصعب على العين البشرية استيعابها، ولاكتشاف زوايا وأصوات ومحتوى جديد، مشيرة إلى أن «الذكاء الاصطناعى» أثبت فائدته فى الصحافة الاستقصائية، عبر مساعدة الصحفيين فى مهام لا يمكن للبشر إنجازها بمفردهم، أو تستغرق وقتًا طويلًا، وبمجرد أن يجمع الصحفيون معلوماتٍ حول القصص المحتملة، يُمكنهم استخدام الذكاء الاصطناعى لإنتاج مواد إخبارية، ونصوص وصور ومقاطع فيديو.

وبينت أن مؤسسات إعلامية مثل «أسوشيتد برس» و«فوربس» و«نيويورك تايمز» بدأت بـ«أتمتة» محتوى الأخبار، واستُخدمت مصطلحات مثل «الصحافة الآلية» و«الصحافة الخوارزمية» بشكل متبادل لوصف هذه الظاهرة، بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم أدوات «الذكاء الاصطناعى» مثل «شات جى بى تى» لإنتاج القصص الإخبارية، وتبسيط النصوص لمختلف الفئات، وتلخيص المستندات، أو كتابة عناوين رئيسية محتملة.

وترى مؤلفة فصل «الذكاء الاصطناعى والإعلام» أنه يمكن للمؤسسات الإعلامية أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعى لتقديم توصيات مخصصة، ببساطة، مضيفة: «أنظمة التوصية هى أدوات مصممة لغربلة الكميات الهائلة من البيانات المتاحة عبر الإنترنت، واستخدام خوارزميات لتوجيه المستخدمين نحو مجموعة أضيق من المواد، وفقًا لمجموعة من المعايير التى يختارها مطوروها».

وتشير إلى أنه فى السنوات الأخيرة، بدأت وسائل الإعلام الإخبارية عبر الإنترنت، مثل مواقع وتطبيقات الصحف الإلكترونية، فى الانخراط فى ممارسات توصية الأخبار، حيث تُنظّم أنظمة التوصية موجز أخبار المستخدمين عن طريق تحديد أولويات العناصر التى سيتم عرضها تلقائيًا فى واجهات المستخدم، وبالتالى تحديد أيها مرئى لمن وبأى ترتيب، لافتة إلى تطوير هيئة الإذاعة البريطانية، واستخدامها لأنظمة التوصية، ما يُعطى رؤىً حول دور التوصيات فى وسائل الإعلام الخدمية العامة.

وتكشف عن بعض الإمكانات المهمة الأخرى لـ«الذكاء الاصطناعى» فى مجال الإعلام، وهو التحقق من الحقائق، وتتمثل العناصر الرئيسية للتحقق الآلى من الحقائق فى تحديد الادعاءات الكاذبة أو المشكوك فيها المنتشرة عبر الإنترنت، والتحقق من هذه الادعاءات، والتصحيح الآلى.

وبينت أنه يمكن لأدوات «الذكاء الاصطناعى» المُحسّنة إجراء بحث عكسى عن الصور، واكتشاف حسابات الروبوتات والتزييف العميق، وتقييم مصداقية المصدر، والتحقق من البيانات غير الواقعية المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعى، للتحقق من صحة الصور والفيديوهات والنصوص وتحليلها، ويُمكن أيضًا استخدام بعض أساليب المعالجة والتحليل المُتقدّمة لتحليل أنواع مُختلفة من المحتوى وتطبيق تقييم موثوقية للمقالات على الإنترنت.

وتناولت المؤلفة دور الذكاء الاصطناعى فى إدارة المحتوى، وركزت على الحالات التى يُستخدم فيها الـ«Ai » إما من قِبل المؤسسات الإعلامية لإدارة النقاش على مواقعها الخاصة «أى فى قسم التعليقات»، أو من قِبل منصات التواصل الاجتماعى لإدارة منشورات المؤسسات الإعلامية والصحفيين. وتوضح أنه لأسباب تحريرية وتجارية، يُخصص العديد من مواقع الأخبار الإلكترونية مساحةً أسفل مقالاتها «قسم التعليقات»، تُتيح منتدىً للحوار العام وتهدف إلى إشراك القراء فى المحتوى.

وقالت إن الأبحاث التجريبية تُظهر أن نسبة كبيرة من التعليقات على الإنترنت غير مهذبة وتتميز بنبرة غير محترمة، وتتضمن تعليقات بذيئة وألفاظ نابية. ويؤثر تزايد الفظاظة فى تعليقات الأخبار على الإنترنت سلبًا على تصورات الناس لجودة المقالات الإخبارية بما يزيد من حجم العداء، ولدرجة أن شعار «لا تقرأ التعليقات» أصبح شائعًا فى جميع وسائل الإعلام، حيث دفع حجم التعليقات البغيضة والعنصرية، إلى جانب التكاليف الباهظة- الاقتصادية والنفسية- مشرفى صفحات المواقع والصحف، المؤسسات الإعلامية إلى تغيير ممارساتها.