وثيقة إهانة الجيش.. رأس الجندى المصرى تساوى «مائة ريال» ورأس الضابط «ألف ريال»!

اليوم، يتم اختيار عميد جديد لكلية الآداب جامعة القاهرة.. المرشح الأقرب للفوز بهذا المنصب هو المرشح الأقرب إلى قلب الدكتور الخشت.. ولا يعنينا ذلك.. ففى «عزبة الخشت» ما هو أكبر من هذا الأمر.. غير أن ما يجعلنا نتوقف عند هذا الحدث، هو ما وجههه الدكتور «خالد أبوالليل» إلى الجيش المصرى من إهانات بالغة فى كتابه المعنون «التاريخ الشعبى لمصر فى فترة الحكم الناصرى» بعد أن أعاد كتابته، بعد يناير ٢٠١١..
إذ رأى المؤلف أن يُعيد المقابلات التى أجراها قبل ٢٠١١، بعد ثورة ٢٥ يناير، «نظرًا إلى قوة القبضة الأمنية فيما قبل ٢٠١١ التى كانت تفرض سياجًا من الخوف لدى المبحوث والقلق من الباحث تصل إلى حد رفض التسجيل.. ولكن الوضع اختلف تمامًا فيما بعد يناير ٢٠١١.. بعدما أزيل أو كُسِر حاجز الخوف».. الكاتب يتماشى مع الأوضاع السياسية، ويُعدل آراءه وفقًا للموقف!! وقد رأى فى صعود الإخوان وتصدرهم الحكم فرصة لإعادة صياغة الكتاب، وفقًا لرؤية الحاكم المتمكن والأمير المتغلب!!

بداية الكتاب كفر.. المؤلف يُصدَّر كتابه بمقولة لأحد الجنود المصريين فى حرب اليمن، إذ يشير إلى أنه «كان الدماغ بتاعتنا بيبعوها بمية ريال، كان اللى بياخد دماغين تلاتة، كان بيروح يسلمهم. الدماغ بتاعة الضابط كانت بألف ريال»!!، ويتخذ المؤلف من هذه المقولة دليلًا وشاهدًا على أهمية دراسة تاريخ المهمشين بديلًا عن التاريخ الرسمى.. شهادة المهمشين هى شهادة «شخص شارك ومرَّ بأحداث وتفاصيل كثيرة سكت عنها عن عمد أو دون عمد مؤرخو تلك الفترة».. قراءة شهادات هؤلاء الجنود ومعاناتهم لا يمكن قبولها.. ولا يمكن ترديدها، وفيها إساءات بالغة إلى تاريخ الجيش المصرى!!
وبالنسبة للدكتور خالد أبوالليل، فإن «التاريخ الشعبى لمصر» و«تاريخ المهمشين» يعنى «تاريخ الإخوان»، فالإخوان هم الشعب فى مقابل «العسكر».. الإخوان هم المحركون للأحداث، والمتعاطفون مع الناس.. والمهتمون بقضاياهم.. والتاريخ من وجهة نظره غير منصف، إذ يهتم بدراسة الرؤساء ولا يهتم بدراسة المهمشين.. ولذلك، فهو يهدى كتابه إليهم «إلى الغلابة من أبناء هذا الوطن.. صانعى الحدث، أول من يسارعون للدفاع عنه فى وجه الأعداء، وأول من يكتوون بناره بعد الانتصار، وآخر من يفكر فيهم من كانوا سببًا فى تتويجه بتاج الرئاسة».. مشيرًا إلى أن الإخوان كانوا وراء كل الأحداث المؤثرة فى تاريخ مصر المعاصر!!
ويتبنى المؤلف وجهة النظر المعارضة والكارهة لعبدالناصر، وكثيرًا ما يعرف الكاتب عبدالناصر بأنه «الحاكم العسكرى لمصر»!! هل كان عبدالناصر حاكمًا عسكريًا لمصر؟!.. ويميل الدكتور خالد أبوالليل إلى الاستخدام المفرط لكلمة «عسكر»، التى وردت وتكررت أكثر من ٣٠٠ مرة فى الكتاب، تحت مصطلحات متعددة مثل «حكم العسكر»، «حكومة العسكر»، «إرادة العسكر»، «عسكرة الحكم»، «عسكرة كل قطاعات الدولة»! وعندما يتحدث عن الإخوان يشير إلى «الأخوة»، الذين قدموا تضحيات كبيرة ضد حكم العسكر!! لقد تبنى الرواية الإخوانية عن الفترة الناصرية «الستينيات، وما أدراك ما الستينيات؟» واتخذها كمرجعية وحيدة للفكر الشعبى!! ويرى المؤلف أن كثيرًا من القضايا السياسية المتعلقة ببعض الأسماء السياسية البارزة هى قضايا ملفقة، «لا تبتعد كثيرًا عن القضايا التى يتم تلفيقها من قبل الدولة، ممثلة فى جهاز أمن الدولة فى عصر مبارك، أو البوليس السياسى فى عهد عبدالناصر تجاه بعض المعارضين الوطنيين»!!

الكتاب يحتوى على مغالطات فكرية ومنهجية عديدة، إذ انطلق من دراسة «التاريخ الشفاهى» إلى إطلاق أحكام سياسية عن فترة الخمسينيات والستينيات.. أصحاب هذه الأحكام شخصيات تجاوزت الثمانين.. فالذى يستطيع أن يحكم على فترة الخمسينيات ويقيمها فى عام ٢٠١٠ يجب أن يكون عمره على الأقل ٨٠ عامًا.. وهو عمر يجعل الإنسان قليل التركيز على أحسن تقدير.. هل هؤلاء هم المهمشون المعبرون عن التاريخ الحقيقى للمصريين؟ ولماذا لم يجر المؤلف حوارات مع المهمشين فى السبعينيات والثمانينيات مثلًا وهى فترة أقرب، وشهودها أكثر، وأفضل ذاكرة؟ لماذا التأريخ لفترة الخمسينيات والستينيات شفهيًا «ولماذا عبدالناصر تحديدًا»!!
إجرائيًا، لا بد من التساؤل عما إذا كان الباحث قد حصل على موافقة «الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء» على إجراء هذه المقابلات؟ وهل تم اعتماد استمارة الاستبيان المستخدمة؟ وهل أخطر أجهزة الأمن المختلفة قبل إجراء هذه المقابلات؟ وهل حصل على موافقة «الشئون المعنوية للقوات المسلحة» على التحدث إلى الجنود المصريين لأغراض بحثية ونشرها فى كتاب؟!.. وهل تم التوثق من هذه الشهادات؟ كيف حكمنا على صدق المبحوثين، خاصة فيما يتعلق ببطولاتهم العسكرية؟ فى مجمع به كثير من «أبولمعة» و«الفشارين»؟ هل قام الباحث بكل هذه الإجراءات والخطوات؟ إن لم يكن الباحث قد قام بذلك، فإننا نكون إزاء جريمة متكاملة الأركان.. وهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم!!
ومن ناحية التثبت، كيف نثق فى كتابات مؤلف أعاد كتابة البحث بعد يناير ٢٠١١، وبكلام مختلف عما كتبه فى ٢٠١٠، حيث يشير إلى أن القبضة الحديدية لحكم مبارك منعته من الكتابة براحته!!.. هل سيعيد المؤلف كتابة مؤلفه اليوم لو أتيحت له الفرصة لذلك؟!! هل يُفصّل المؤلف النتائج وفقًا للحالة، ولمتطلبات الظروف؟!

أصنف نفسى دائمًا بأننى على «يسار» أى سلطة وطنية مهما كان مستواها.. أنتقد السلطة ولا أجيد التطبيل لها أو المداهنة، وعلى حد تعبير ماكسيم جوركى «خُلِقتُ لأعترض».. ورغم ذلك.. هناك دوائر تعتبر خطوطًا حمراء بالنسبة لى ككاتب: الجيش والشرطة والقضاء.. مؤسسة الرئاسة نفسها قد أكتب عنها معارضًا لبعض خطواتها.. غير أننى لا أستطيع القيام بذلك عن قناعة وإيمان فيما يتعلق بالمؤسسات الثلاث.. هذه الكيانات الثلاثة أشبه بأعمدة الأساس التى تحمل البناء ككل، إذا انهار أىّ منها انهار البناء بأكمله.. ولذلك، فإن التسامح فى حقها، أو التهاون فى إبراز التقدير الكافى من أى شخص نحوها، يعتبر شيئًا غير مقبول.

أتفهم الميول الإخوانية القديمة للدكتور الخشت ولتلميذه الدكتور خالد أبوالليل، ولا أنكرها عليهما، فلكل شخص حرية الاعتقاد والتفكير، غير أن التقلب بين المذاهب، والتظاهر بغير ما تؤمن به هو الكفران البيّن، وهو الخسران المبين، وهو النفاق بعينه!!
لا تحدثونى عن لجان اختيار عمداء محايدة.. فى جامعة القاهرة، اللجان تسلم الكشوف بيضاء، وعلى الخشت أن يقوم بكتابة ما يريد من أسماء وترتيبها على النحو الذى يفضله.. فعلها فى كلية الحقوق مؤخرًا، ومن قبل فى كلية الإعلام.. مبروك للدكتور خالد أبوالليل، خشتًا جديدًا فى كلية الآداب!!
نشر د. أيمن منصور هذا المقال على «فيسبوك» فى 15-9-2021 وأدى إلى عدم تولى خالد أبوالليل عمادة كلية الآداب جامعة القاهرة