الأحد 13 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

يا عندليب ما تخافش من غنوتك.. إبداعات الجامعات (15)

حرف

قول شكوتك واِحكى على بلوتك

الغنوة مش ح تموتك.. إنما

كتم الغنا هو اللى ح يموتك!

فليسمح لنا صلاح جاهين بأن نستعير رباعيته الخالدة، ونحن نعود فى الزمن إلى أيامه، حين كانت الصحف قبلة المُبدعين، خاصة طلاب الجامعات، والدارسين فى مراحلها المتقدمة من ماجستير وغيره، الموهوبين فى كتابة الشعر والقصة والمسرح، والقادرين على سرقة الضحكة من فم الحزن بالكتابة الساخرة، وأيضًا أولئك الذين لديهم قدرة على نفخ الروح فى لوحة خشبية صماء، فتدب الحياة فى أوصالها لوحة تشكيلية أو رسم كاريكاتيرى يسحر الألباب والعقول.

جامعاتنا مليئة بالمواهب الإبداعية فى كل المجالات تقريبًا، من دون أى شك، لكنها فى نفس الوقت تعانى غياب ذلك «الصائغ»، الذى اعتدنا على وجوده فى مؤسساتنا الصحفية، بأنامله الخبيرة التى يمكنها إزاحة التراب عن لآلئ هذه الجامعات، من إبداعات تبحث عن فرصة للظهور، وأسماء لا نريد أن «يقتلها» التجاهل ويوقف مسيرتها، من قبل أن تبدأ. فى هذه الزاوية من «حرف»، نمد يدنا إلى كل موهوب فى جامعات مصر، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ننشر لهم إبداعاتهم فى الشعر والقصة والكتابة الساخرة، إلى جانب الفن التشكيلى والكاريكاتير، مُرددين ما قاله صلاح جاهين قبل سنوات طويلة: «يا عندليب ما تخافش من غنوتك».

آية جواد تكتب: آية فينها؟

آية جواد

من يوم ماقولت أنا قلبى مُلحد

بالزيف وبالناس وبطيبتها

وأنا ماشية أدوَّر فى الشوارع

ع البراءة اللى رميتها..

آية فينها؟!!

بنت كان شِباك عينيها تبصله يوديك لجنة!

روحها طايرة

قلبها كان بِكر لسه 

قبل مايخطوه الأبالسة

بنت كُنت تشوفها تِنسى 

كل شىء فى الدنيا إلا ضىّ عينها..

الطيابة الفايضة مِنْها 

سكر الكلمة ف لسانها 

شكلها المُبهج تملّى

حتى لو كان ف اكتئابها 

بنت كات ع الفِطرة دايمًا

بنت طَفرة!

لؤلؤة نادرة ف زمانها 

نُسخة واحدة بس كانت..

مين يرجع آية ليا؟!

الحياة قسيت عليا

حتى ناسى

أخدوا كل الحلو منى 

واللى باقى يدوب بواقى

الحياة أخدت عزايا 

بدلتنى ببنت غيرى 

بنت مبتشبهش آية!

قسوة الناس اللى سابم فيها بصمة

جوة عينها تشوفها ظاهرة 

حتى طعم الكلمة مُرة 

شكلها المبهج معدشى 

والملامح جافية طافية 

ناسها قسيوا عليها جدًا 

بدلوها ببنت أحزن

فى اكتئابها تشوف سوادها

بنت لون القهوة غامقة..

بنت لو هتجيلها شايل هم

هتمشيك شايلها

عايزة حد يرد دينها 

يغسل القلب اللى بدل فيه زمانها

عايزة حد يكون أمانها 

ياما سندت ناس ولكن

النهارده مين سندها؟!

كات ونيسة الكل دايمًا 

فى النهاية يسيبوا إيدها

النهاردة جاية تطلب 

شخص أطيب من سنينها

قلب يشبه قلب آية 

حد ميكونلوش نهاية

مين يا خلق يرد دينها؟!

ملك الشيهى تكتب: بياع جرايد

بياع جرايد ماشى فى الشارع

داير يقول: اقروا الخبر.. اقروا الخبر

كان الخبر عن حد مات عادى

من غير ما يعمل معجزة أو إنجازات

قال الجميع: إيه الخبر مهو حد مات؟!

مش فارقة يعنى كتير إن شخص مات أو حىّ

أقلبلنا الصفحة عايزين نشوف الجاى

دوّر كده يا بنى على صفحة المشاهير

ما الموت بياخد خلق ياما كتير

عاجل أوى وجدًا فى نزول لفيلم جديد

ومشاهده فى السيما 

وبيحكى عن واحد عاش عمره فى الشارع 

بينام على الأرصفة وبيشقى لأجل يعيش

شاف فى الحياة ياما قضى السنين طلاطيش

كان يصحى من بدرى علشان يدور ويلف

ولإنه كان تعبان كان نفسه تعبه يخف

ومكنش ليه أولاد ولا نسل من نسله 

عاش عمره كله وحيد لما الزمن غسله

رغم إن كان إنسان كان قلبه أبيض حر

شاف التعب أضعاف داق العذاب والمّر

كان حب بنت فى يوم فالحب منصفهوش 

ده لإنه كان غلبان ولإنه كان معهوش

قصة حياته تدور قدام محطة قطر

أو مترو فى الأنفاق

كان شايف الدنيا كدب وعلل ونفاق

‏كل البيبان متقفلة فى وشه

كانت جميع الخلق بتغشه 

‏كانت عيون الخلق تسترخصه

والدنيا تنهش لحمه وتمصمصه

وقت أما كان يصعب عليه حاله

‏كان يبكى مع نفسه ويغنى كام موال

قد دام هذا الحال وتكرر المشهد 

اللى لما جاله الموت من بعد ما استشهَد

عارفين ليالى الشتا والبرد والسقعة

‏قضاها برضو وحيد قضاها عالأرصفة

‏دوّر كتير جدًا علشان يلاقى الدفا 

‏‏أو حتى حضن أمه

وأهو مات فى حضن رصيف والبرد بيضمه 

السينما مليانة

والناس عجبها الفيلم وصفوه بإنه جميل 

ركز هنا يا بنى.. ‏قرب كده الصورة فى ناس هنا بتبكى ‏ 

ما ‏تقولى إيه السر؟

السر كان مكتوب فى أول سطر قبل التتر

الفيلم ده مأخوذ من قصة حقيقية

فاتراكمت الأسئلة 

شغلانته كانت إيه؟

طب هو مات إزاى؟

رد المؤلف قال: بياع جرايد ماشى فى الشارع 

داير يقول: اقروا الخبر اقروا الخبر

والموت نتيجة سكتة قلبية!!

إيمان خطاب تكتب: كأن كل مدى فى عينه بَلَدُ!

إيمان خطاب

ضحكْتَ والغَـمْـزُ فـى خَـدَّيـكَ مُـنـعَـقِـدُ

فاهتزّ قلبى لا يَدرى بما يَـجِـدُ

والصمتُ بينى وبينَ الحُسنِ أغنيةٌ

تهدى الفؤادَ إذا ما البوحُ ينفردُ

يا ساكنَ الروحِ، ما للنبضِ يسألُنى:

هل كان همسكَ حُلمًا، أم هو الخَلَدُ؟ 

لى ضِحْكَةٌ منكَ للبسمات تحملنى

كوردةٍ فى رُبَى الخدين تنفردُ

دقّاتُ قلبى إذا ما مرّ تُحْرِجُنى لحضنه

مثلَ بدرِ لَيْلَه يَرِدُ

يمشى، وأمشى فى عينيه تائهًا

كأن كل مدى فى عينه بَلَدُ! 

رأيـتُـهُ، فاستفاقَ الحبُّ مُنْتظرًا 

والقلبُ فى حضرةِ الأشواقِ مُحتشدُ

ما ذقتُ قبلُ الهوى، ما سرنى وَلَهٌ 

وما أصابَ فؤادى فى الورى ولدُ

إلّا لوجهكَ إذ لاحَتْ ملامِحُهُ

عمَّ السُرورُ، وزالَ الهمُّ والنَكَدُ

كأنّنى طفلةٌ فى الحبِّ لاهيةٌ

وبين كفَّيْكَ يلهو الحسنُ والرَّغدُ

سَمتُ الحبيبِ بريقٌ ليسَ منطفئًا

كأن بسْمَتَه بين الزمانِ غَدُ! 

يمشى إلى جانبى، والقلبُ مرتعشٌ 

وليسَ يهدأُ عن رقصِ الهنا الجسدُ

إن يرفُضِ الوصلَ، والأشواقَ

والأملَ الممدودَ منى، وينسانى ويبتعدُ

فالنبضُ يخفقُ لا صبرًا ليحملنى 

وليس يعرف أشواقى سوى الكَمَدُ

أخشى عليهِ من الدنيا وما فَعلَتْ

قلبى عليهِ، وذاكَ الحبُّ مُرتَعِدُ

لو كان يعلمُ كم فى العشقِ ذَوَّبنى 

أو أن نفسىَ بالأشواق تَتّقِدُ؟! 

يا من غرقتُ به حبًا فتلكَ يدى 

كن لى حبيبًا... فأنتَ للفؤادِ يَدُ

محمود المزين يكتب: مرثية شجرة التين!

محمود المزين

أنا ابنة قرن وقارة.. ثم قارات.

عشت طفولتى فى الهند، جدّاتى رأين آدم يهبط من بابٍ ضوئى فى السماء. طفله الأول على الأرض وُلد تحت غصون جدّتى فاحتفلت به ونثرت عليه ورودًا من ذهب.

ورغم أن الطوفان جاء فاقتلع جميع جدّاتى، إلا أن رجلًا من جنسكم يدعى نوح، حمل بذور أسلافنا فى كفه. أتذكر حين كنا جميعًا جزءًا من وعيٍ واحدٍ داخل أعماق بذرة بكفى نوح، يتعرق علينا ملحًا حزينًا.

حكت لى جداتى أنهن سمعن نوحًا يبكى مودعًا ابنَه وزوجته وشعبه الغارق! وكان يقول: «قتلتنا أحلامنا»!

حكت لى جداتى أن أجمل ما رأين كانت دموع البشر، وأن سلالتنا لم تسق بماء الأمطار الحلمية، ولا بملح البحر الذى يحمل سفينة السلالات الجديدة، بل بدموع نوح، دموعه المهاجرة والشجر فى كفه.

بغصن من غصون جداتى سالت أول دماء على الأرض.

بغصن من غصون جداتى أشار رجل إلى البحر فانفتح البحر ومضى، أراد الرجل بناء «حضارة» فانفتحت له جميع أشجار الأرض.

ساعدناكم على بناء جسور أحلامكم. صعدتم علينا وراقبتم النجوم فعرفتم أن العالم أوسع. كانت كف نوح ميثاقًا، ووفاء موسى لعصاه ميثاقًا، فلم قطعتم الأشجار؟

لا أنسى تلك الذكرى وبوذا العارى من كل شىء إلا من روحه يجلس تحتى، يسند رأسه على جذوعى ويبكى، وبعدها بقرون، وفى الحقل العشبى المسالم نفسه، تراصت مدافع، رُبط فيها هنود مسالمون تناثرت أشلاؤهم أمام أحفادهم وزوجاتهم كسلالات من الورد الدامى. لا يزال هذا الورد يسقط ملطخًا الحقل العشبى حتى يومنا هذا.. لقد بكى هذا الورد بوذا قبل قرون.

ولوازع جمالى يخدم الحضارة وحدها، جاءت سفينة وحملتنى إلى مصر، لأوضع فى حى الزمالك، فى الطريق المؤدى إلى برج القاهرة. كدت أتفتت من الوحدة، مُحاطة بأرصفة وأطياف خرسانية، لولا أن تمددت جذورى لتُسقى من حكاياتكم السرية.

رأيت طفلًا يُنقِب فى تراب قاموسه عن جذور كلمة «حضارة»، وقبلها بقرون حاول طفل صعودى خوفًا من برابرة أحرقوا قريته وسلبوه أحضان أبيه. لا يمكن أن يكون للحضارة جذور تمس جذورى، ولا يمكن أن يجمعنا قاموس.

علّق العشاق على فروعى رسائل حب ملونة وزينة رمضان، ومضى ثوار غاضبون ينزعون رسائل الحب ويعلّقون منشوراتهم الغاضبة.

وفى عام ١٩٤٥، أساءوا إلى براءة أسلافى، حين اخترع أولاد الطين بذرةً من معدن غامض، ألقوها على ساحل جزيرة نائية فأنبَتت شجرة من لهيب صارخ، مزقت لحم إخوتهم، أبادت أغانى الشجر، أوقفت مذاق الحلوى فى فم طفل.

واليوم، وفيما هم قادمون لإزالة بجرافاتهم الجائعة، عرفتُ على ما كان يبكى بوذا.

ما زال الطفل ينقب فى تراب قاموسه عن جذور كلمة حضارة، وما زال بوذا يبكى.