الإثنين 02 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

يا عندليب ما تخافش من غنوتك.. إبداعات الجامعات (11)

صورة فوتوغرافية لـ
صورة فوتوغرافية لـ رنا محمد عبد الرازق

يا عندليب ما تخافش من غنوتك

قول شكوتك واِحكى على بلوتك

الغنوة مش ح تموتك.. إنما

كتم الغنا هو اللى ح يموتك!

فليسمح لنا صلاح جاهين بأن نستعير رباعيته الخالدة، ونحن نعود فى الزمن إلى أيامه، حين كانت الصحف قبلة المُبدعين، خاصة طلاب الجامعات، والدارسين فى مراحلها المتقدمة من ماجستير وغيره، الموهوبين فى كتابة الشعر والقصة والمسرح، والقادرين على سرقة الضحكة من فم الحزن بالكتابة الساخرة، وأيضًا أولئك الذين لديهم قدرة على نفخ الروح فى لوحة خشبية صماء، فتدب الحياة فى أوصالها لوحة تشكيلية أو رسم كاريكاتيرى يسحر الألباب والعقول.

جامعاتنا مليئة بالمواهب الإبداعية فى كل المجالات تقريبًا، من دون أى شك، لكنها فى نفس الوقت تعانى غياب ذلك «الصائغ»، الذى اعتدنا على وجوده فى مؤسساتنا الصحفية، بأنامله الخبيرة التى يمكنها إزاحة التراب عن لآلئ هذه الجامعات، من إبداعات تبحث عن فرصة للظهور، وأسماء لا نريد أن «يقتلها» التجاهل ويوقف مسيرتها، من قبل أن تبدأ. فى هذه الزاوية من «حرف»، نمد يدنا إلى كل موهوب فى جامعات مصر، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ننشر لهم إبداعاتهم فى الشعر والقصة والكتابة الساخرة، إلى جانب الفن التشكيلى والكاريكاتير، مُرددين ما قاله صلاح جاهين قبل سنوات طويلة: «يا عندليب ما تخافش من غنوتك».

سُندس فارس: لمستُ فزّاعة ذات مرة

سندس فارس

لمستُ فزّاعة ذات مرة..

كان الأمر ضربًا من الخيال، 

حلم قديم، 

وتحطيم لأسطورة شرّ الفزاعات..

كانت تقف هناك، منذ سنين، 

ثوبها يتطاير، 

وعيناها الخائطة بزرّينِ أسودينِ 

تنظران بصمتٍ إلى السماء، 

كأنها تنتظر حكمًا

لم يُنطق بعد.

قالوا إنها ملعونة، 

وإن كل من لمسها..

نبتت له أجنحة من قش، 

ثم اختفى!

لكننى قاومتُ لعنات الريف، 

وخرافات الجدّات.. 

وحين اقتربت منها ذلك اليوم

كانت حارقةً، ثوبُها مُهترئ ومُمزق 

كانت مُنتصبةً شامخةً 

وسط حقل واسعٍ أخضر

ثم حين نظرتُ لوجهها..

لاحظت الخيط الذى يحيط بفمها

يتحرك! 

يُخفى شيئًا...

شىء أرادت بشدة إخراجه للنور.

لبثت جوارها بضع ساعات 

حتى اشتد الضوء من خلف السحب 

نظرتُ لها فوجدتها..

قد خاطت ملامحها بثوبٍ ساتر، 

تخاف من الشمس

نعم بالطبع..

هنا فهمتُ!

خافت أن تقتص منها الشمس 

عن قتل أبنائها العصافير..

خافت أن تأكل وجهها وتجعلهُ 

مجردَ فُتات نسيجٍ متآكل، 

خافت أن تدفع ثمن كل أجنحة القش 

التى نثرتها إهدارًا

على أكتاف الصِبية..

وكل العصافير 

التى التهمتها فى الظلام.

وحين همستُ لها: «هل ندمتِ»

ارتجف الحقل كلّه!

رنا محمد عبدالرازق

أميرة محمود فتحى: ابنتنا ضى

أميرة محمود فتحي

هو لم يُحبنى.. هو أحبها هى مرتين، كَم يُمزقنى الاعتراف بِهذا! لكِن لا مَفر إذًا، إنَّها تسكُنه، والآن أعترف بفشلى الذريع بانتزاعها مِنه! 

ذات ليلةٍ وأنا فى دَوريتى لِمراقبة المرضى، على أغانى عبدالحليم التى تُحبها هى، رأيته شاردًا، بوجههِ الهَرِم الوَسيم، وملامحه غامضة الحُزن، وعينيهِ المُتعبتين يحمل بداخلهما سره الخطير.. واقفًا يُراقب نجوم السماء مِن النافذة، آهٍ كم كنتَ حزينٍ يا «سَليم»! 

بعثنى إلى غُرفتهِ سِرّه المُخبأ فى عينهِ، فتحت نور الغُرفة، بدأت الأضواء تُعربِد على ملامحهِ غامضة الحُزن، لَم يلتفِت وكأنَّنى لَم آتِ.. مُنذُ ذلك الحين وبدأت مأساتى، لا أعلم كيف وقعت الطبيبة فى حُبِّ مريضها؟! ولا كيف قَبلت على نفسها أن تتنازل عن كَونِها «ليلى» تُصبِح حبيبته الّتى تركته؟! 

آهٍ يا «ليلى» كَم قسوتِ على حالِك!، منذ ذلك الحين وأصبحتُ «ضَى»!

تخليتُ عن هَويتى، مهنتى، وحياتى بأكملها وتلبستنى «ضَيّ» كالشبح، أتصرف مِثلها، أقول نفس كلماتها، وأرتدى نفس ثِيابها المُزركشة الّتى أحبها «سَليم»، أنستنى مرارة الهروب مِن ذاتى ابتسامته، فأول ابتسامة رأيتها ارتسمت على وجه «سَليم»، حينما بدأتُ أردد كلماتها، بالتدريج عاد «سَليم» للحياة، وتلاشيتُ أنا! 

مَرت الأيام وخُيِلَ لى أنَّ الَّتى أحبها «سَليم» هى أنا، وبدأت خَديعَتى الكُبرى يوم تزوجنا، خدعتُ ذاتى، أو رُبَّما الأيام الَّتى خَدعتنى، ولا ريب إذًا أنَّ ما حدث كان خِدعة كبيرة، لا يهم مَن فعلها؛ أنا أم الأيّام، ولَم أفِق إلَّا حينما اختار اسم ابنتنا «ضَى»!

عدسة: أميرة حسن - جامعة القاهرة

وائل أشرف: صورتى فى البطاقة

وائل أشرف

أنا مش بطولى 

ولا عِشت الحياة بالناس 

أنا مش مؤدب أوى 

ولا عُمرى كنت صاحب كاس 

أنا مش چيڤارا وعُمر السيجارة 

ما عِرفت طريق جيبى 

محبش التمثيل وبظهر كده بعيبى 

ف الفَصل كان عندى عِزة نَفس 

ف مجيتش مرة وكنت «بَشاورة» 

لا عِشت ساعة حرب 

ولا اتولدت فـ الثورة 

كُل معاركى هتشوفها فـ عنيا 

كُل مخاوفى مهتشوفهاش 

والبنت اللى حبيتها حبيتها 

لكن مقولتلهاش 

رقصت ع السلم بما يكفى 

قعدت مع نفسى بما ينفي

كونى معرفهاش 

الحب عندى حب الصحاب والأهل 

الكُره عندى كُره الفساد والجهل 

والعيشة متعكرة

زى الشيشة فـ الكركرة

صاحبت راجل راجل 

وصاحبت ناس منظرة 

وناس لا تُشترى 

ورجعت لنفسى ف الآخر 

بَعشق أواخر فصل الشتا 

علشان بيخلص بس!

أنا مش بطولى 

ولا شَخص مُبهر أوى 

يكفينى لما هتشوفنى 

هتشوفنى راجل سوى 

وبتكلم عن أى شىء مأسوى.. ميعجبنيش

وعشان كده البنت إللى حبتها.. محبتنيش 

قولتلها معيش مصباح هنفذ لما هتشاورى 

أنا مش بطولى وبرضو مش ثورى 

بقول كل الكلام كما فيا 

إيدى لا مكسورة ولا ملوية

ولا راسى مبطوحة 

أقواس التاريخ لسه مفتوحة 

وأنا مش بطولى 

ولا «سوبر مان» 

أنا يدوب 

قالب تُراب

قرر يكون 

إنسان!

صورة فوتوغرافية لـ رنا محمد عبد الرازق

أحمد زيدان: مرآة لعيونها

أحمد زيدان

لا أستطيعُ السيرَ.. حرٌّ قائظٌ

لولا تخبئنى نقوشُ ظلالِك

لى فى عيونكِ سهرةٌ 

قمرٌ فضولى يجرّبُ ضوءَه فى شالِك!

ما زال يتعبنى الطريقُ 

ولم أزلْ أمشى إليكِ كصورةٍ بخيالِك

مستأنسًا بالحلمِ فيكِ 

وددتُ لو أنِّى 

خطرتُ على دفاترِ بالِك!

فرّقتِ بين مواجعى ومشاعرى

وسقيتِ قلبى من كئوسِ دلالِك

ماذا عليه الحبُّ إن لم تطلعى

وتزيّنى مرآتَه بجمالِك!

إنى أتيتكِ حاملًا يأسى معى

وغرستُ روحى فى ندى آمالِك

ما الحبُّ؟، قلتِ

فقلتُ: بحرٌ واسعٌ

لمّا تقبّله شفاهُ سؤالِكْ! 

لكنّنى 

قد أعرفُ الإنسانَ حين يحبّ

إما مُهلِك.. أو هالك

ذوبّتُ فى عينيكِ إحساسى

وقلتُ لصاحبىّ: 

قفا على أطلالِك!

سارة عبده: بياعة المناديل

سارة عبده

على جسر الشط بتاع النيل 

فى قصص مواويل لسه بكيسها

وحفظها البحر وغناها 

على صوت الست بوساوسها

البنت دى بياعة مناديل

بالليل بتدور وتوزع ورد

فستانها الأسود شهرتها

فى مكان تانى بتبيعلك ود

العين الشقيانة فى سمكة

سكتها بعيدة وبتوه

والتجاعيد فى إيديها خريطة

عن قصة دنيتها تموه

والنفس الطالع زى دخان

وف عز الصيف تلاقيه بردان

وفى آخر الليل يمسح إيده 

بوردة بنوتة ينام شبعان

والست اللى تبيع النبقة 

وحداها الفجل آخر الشارع 

واقفة ومسنودة على الحيطة

تستنى يأذنوا فى الجامع

فتسيب البنت اللى حداها 

بتبيع الورد مع المناديل 

بتصلى وتطفى الصوت اللى

فى دماغها ويشبه صوته عويل

هنوكل بس عيالنا منين؟

فـ يا رب اجعل الرزق اتنين

أنا واثق من كل كلامى 

ومعايا دليل.. لأ دول دليلين

روح شوف الواد اللى بياخد

فى علاج علشان ياخد نفسين

عمال يتحسر على عجزه

ويتلوى شمال… وشوية يمين

علشان أمه ما تشوفش دموعه 

إللى بتكسر أجدعها قزاز

والصحة دى فى النازل برضو

ومفيش إنسان يبقاله عكاز

أو روح اسأل بنوتة شاطرة

عينها دى نسيت إيه طعم النوم

تتمنى اليوم ينطح فى اليوم

فتعدى سنين فتنام فتقوم

--

تلقاها دى بقيت دكتورة

أو عالمة ويمكن مشهورة

تتصور مع ناس فى الصورة

والناس بالصورة يكونوا فخورين

وتقوم على صوت معدة وفاضية

تتوضى فتسجد للمولى 

وتفطر فى عيونها الفاضية 

إيمان ويقين تلبس فستان

هسألكوا سؤال

طب وأنتم فين؟

فى القهوة إللى بتطلب فيها 

طلبات تتقاس بيومين صياد

ولا فى مطعم غالى فى سعره

مش قابل تدفع غير بكاشات

ولا ف عربية تمن تصليحها

تمن توكتوك أو حتى حياة

وأهو فاكر بتصحى ضميرك

تدفع قرشين للواد شحات!

والوش الزور الصبح يزور

بسمة فى مستشفى ومسجونة

أنا قلت كلام لى وليكم

برأت النفس اللوامة

---

يمكن يصحالكم يعنى ضمير

يمكن تفتكروا قميص كستور

ولا تحنوا على واد غلبان

هيكون واقف هنا عند السور

---

ودليل تانى أهو من عندى

روح اسأل بس حيطان السور

فى واد جمبك

مات هنا م الجوع؟

هتشر دموع!