نعلن بكل فخر: تبنينا مواهبهم هنا فاقتنصوا المراكز الأولى
الفائزون بجوائز الشعر فى «إبداع 13».. اكتشاف «حرف»

مصر جمهورية للإبداع دون أدنى شك. فى الشعر ستجد آباء وأبناء وأحفادًا، سحرتهم القصيدة فسحروها، وفى القصة، تسلم الأجيال بعضها البعض بتتابع دقيق، وفى الفن التشكيلى والنحت، يكاد الصمت ينطق بصوت عالٍ: لم يمنحنى الحياة سوى المصريين.
ما أكثر الكنوز فى بلدنا! وما أبعدها تحت الأرض ووراء ستائر التجاهل والنسيان!
حقيقة مؤلمة أدركناها فى «حرف»، وقررنا ألا نصمت تجاهها فمددنا أيدينا إلى طلبة الجامعات، الموهوبين فى الشعر والقصة القصيرة والفن التشكيلى والتصوير الفوتوغرافى، وقلنا لهم بكل حب وإخلاص: هذه صفحاتكم، فاكتبوا وأبدعوا وعلينا النشر. وعلى مدى عشرة أعداد سابقة، نشرنا أكثر من 40 قصيدة شعرية «فصحى وعامية»، إلى جانب عدد من القصص القصيرة والصور والفوتوغرافية والأعمال التشكيلية، متبعين معايير دقيقة فى اختيار هذه النصوص والأعمال.
لذا لم يكن غريبًا أن يكون أربعة من الفائزين الستة بجوائز الشعر فى مسابقة «إبداع 13» لطلاب الجامعات، التى تنظمها وزارة الشباب والرياضة، سبق أن نشروا نصوصهم هنا فى «حرف»، لنقُل بكل فخر: «هذه بضاعتنا.. رُدت إلينا».
نترككم فى السطور التالية مع الأعمال الشعرية الفائزة بجزائز مسابقة «إبداع 13».

المركز الأول «عامية» ياسمين محمود - جامعة الإسكندرية.. أنا مش نبى
الليل..
قرَّر يجينى الليلة بدرى
وأنا خوفى منُّه فـ كل ليلة يزورنى فيها..
خلَّانى أطوِّل فِـ النهار
وأكره غروب الشمس لو هتسيبنى وحدى
فيه ما بينى وبينى ألف خلاف
والليل بيرفض حلُّهم ودِّى
فـ إزاى هواجه؟
وإزاى هحط عينيا فِـ عينيا
وأنا كل درس من الحياة علمنى أهرب
وأنا كل درس من الحياة علمنى أخاف؟!
لكن شعورى المرة دى كان فيه اختلاف
معرفش ليه سِبت النهار يمشى فِـ معاده
بطأت دقة قلبى من خوف الليالى
خاف القمر؛ لأحسن أنام
ساب السما تضلم وجالى
ركع الجبل؛ علشان أشوفه اتساوى بيَّا
مشهد عظيم!
بعد أما كان الخوف حاضنِّى..
مع كل حبة رمل وقعت مِ الجبل
كان خوفى بيودَّع إيديا!
ادَّانى موسى عصاه أَتوَكَّأ عليها
فضربت بيها البحر فاتحوِّل لكَفّ
فكَّرته هيردّ القلم.. طبطب عليَّا!
واتسخرت كل الحاجات من أجل سهرى..
فسهرت لمَّا لقيت..
نظرة عيون الليل بتغرينى
وبرغم كل محاولات الليل غمَّضت عينى
فَهزِّنِي!
كان فيه فـ قلبى عقدة خايفة واتعقدت.. أوِّل ما قال لى: «اتطمِّنِى»
أوِّل ما شافها الليل عايرنى؛ بقا يعنى طول العمر مآمنة للدنيا
جايه النهاردا تخَوِّنى؟!
فاستبحت معاه الكلام والأسئلة..
يا ليل..
لو كنت عِشت العمر خايف
هتجيك منين الفكرة تبحث عن أمان؟
احتياجك نحو شىء مجهول شعوره تحِسُّه ليه؟
لو عِشت عمرك كله متعَرى..
السّتر هيفيدك بإيه؟
لمستنى إيده الناعمة فابيضِّت إيديَّا
ألقى على وشى القميص فارتدّلى بصرى..
وفضلت مش شايف!
الليلة دى..
أنا شوفت كل الأنبيا فى روحى
والوحى كان الليل..
عمَّال يملينى الأمان
وأنا مش نبى..
فـ فضلت خايف!
وشايفنى واقف فى المراية اتنين
فيه خدّ .. كفّ الدنيا لسة معَلِّمُه
والتانى نفس الدنيا بتبوسنى!
فيه عمر كامل.. رفضتنى فيه التجربة
مش عارفة أصدق تجربة تعوزنى!
الصبر مفتاح..
إنّ أنا من بعد ما أصبر..
أنسى كان الصبر ليه
والضلمة لو سكنت عينيَّا..
طبيعى هنسى النهار كان شكله إيه!
معرفش أواجه.. أعرف أتأقلم
وأعرف أخاف م الحاجة وأهرب مِنَّها
معرفش أغيَّر سِكَّة تجرح خطوتى
بس أعرف أوهم روحى إنى هحبَّها
وأنا خدت ع التوهان فى ضفاير الدنيا..
دلوقتى جايه الدنيا تفرد شعرها!
والوحى نازل يختم الآية الأخيرة
لو كنت عارف إنى متحمِّل رسالة
أنا كنت هعبد ربنا لوحدى!
لو كنت أيوب..
أنا كنت مش هصبر
كل ما الوحى يلاحقنى
أنا كنت هعمل نفسى مش شايف
مين اللى يستطعم عسل..
من بعد مرّ الصبر إلا إن كان نبى؟!
وأنا مش نبى..
أنا لسه خايف!

المركز الثانى «عامية» محمد أنور .. كوخ ملكى
سايق عَجَلته بصحته وسايب إيديه...
مفكوكة سيرها من الجادون ماوقعش ليه؟!
بستان ضفاير محلولين ما يكفى وصفُه
أنوار مبانى القاهرة اجتمعوا فى عينيه
ابن اللذينا اللى اسمه إيه...
خَبَط اللى باقى فى مُهجتى..
وقَّع حاجات المدرسة ع الأرض
واقف وصالب طوله ع الأيام
الغمزات أنا قلبى شافها اتخض
ضحكةْ شفايفُه الشمس لما تهل
مين اللى قال إن الضُحى مش فرض؟
أيوووووه يا أبويا الواد عينيه على حق
الشمس طالعة جفونه أهى بتتشق
بالله آمِنت وبالهوا والريف
أما العيال القاهروية دى لاء
أُعجبت بَرْضَك.. مش هقول حَبيت
باين فى هيبته ومشيته؛ شاب بيت
أنا جِيت أهزَّر بس وَيًّا البيه
وَطَّالى يسمع كلمتى؛ شَبِيت
بَردَانَة لكن بَتقرص م الدفا
شَكيت فى عينُه بس شَكى اختفى
جعانين بناكل كُلنا البطيخ
بنحب طعمه ونِكره التَفْتَفة
بس اللى دوخ قلبى؛ دق الدُف
عينه اللى والعة مهما تعمل هُف
جِدعان كتير دخلوا المكان ما رأيت
دخل الجدع الكلمة طلعت «أوف»...
لو بس بص فى عينى وقت ما جِه
كان يفهم إن القتل مش بالطَلق
شاهد لزور كان ماشى فى حياتُه
أول ما شافُه.. راح شَهَد بالحق
مضطَّرة أقُول مع إنى بهوى الصمت
نِصدَق ونِلبِس.. بس نِكدب لاء
عارفين بحبه...
سِر مش هنقول
فتانة بس قصيدتى ستر وغطا
الواد بِهيئة شب عرض وطول
رَفَع السيوف ع القلب جانى وِسطا
حبَاك تقولى.. إن عينى دليل
الحُب بَرْضَك يبقى أخد وعطا
آدى القصيدة سِمعتها مَطروب
بَص فى عيونى جَعلنى أحب وأدوب
عِشت اللى عِشتُه من خَيال ويَّاه
بَصيت فى إيدُه...
قام طلع مَخطوب!!

المركز الثالث «عامية» ياسمين خيرى - جامعة الإسكندرية.. أنوار مبانى القاهرة
كان قصر حاضن أوضة واحدة، ومدخله تاسع بيبان الجنة
الشبر ده كان مصطبة للفضفضة
والكرسى واقف عند زاوية عشان يدارى كسر رجله
الشق فى الحيطة اتكسف يجرح عينيهم يوم فقام
جمّع فتافيت الحصى، خلاها برواز بيداريه؛
علشان يكون قد المقام
والباب ينادى الشمس تشرق عالصينية؛ تسخن الفول يفطروا
وبيضحكوا - وكإن سليمان النبى ساب ملكه ليهم-
الأوضة أضيق من مكان يتلموا فيه
لكن وجود الحب كان قادر يوسعها ف عينيهم
عم أحمد الشخص البسيط، اللى كان صابه العما
كان يفتح الشباك، ويفرد إيده فيطول السما
الشمس برّاد بين إيديه بيصب منه لقلبها
ويدوب الغيم جوه عينها يروى فيها الفَرْح
فتكون كما خيط جوه عين إبرة بتنزل عالجروح
ترسم نجوم فتحلّى شكل الجرح
الطير دليله فى الطريق بين الغيطان
قصره اللى كان بور م العيال، كان طرح جنة بيها هى
حافظ حدود غيطه بحرّاسه... الطيور
كان ما بيحتاجش لزعّافة
علشان الأكل فـ بق الطير كان بيمرر
لو متلموش حوالين عم أحمد واستنوا؛ إنه يأكلهم من إيده
وكإن الأكل ف إيد عم أحمد يشبه لمكعب سكر
وأما بيتعب واحد مـ الطير، بيروح له الشجرة يزوره هناك
كانت قوته م الكون حواليه
من وردة الصبح بترمى ريحتها ف جلابيته
م الشمس أما بتديه النور ياخده لبيته
فتقيد الضحكة فى قلب مراته أما تشوفه
كَت حنيتها عليه دايمًا، بتدارى الشق على كفوفه
بتكون التاج اللى بيلبسه قدام الناس
وأما بيخرج..
بتطبطب على كل زوايا البيت فى غيابه
وبتملى الزير -من دمع عيون الحنفية-
-وبكل مودة- بتغزل قلبها خيط بيجمّل قطع الجلابية
وبتستناه يرجع؛ فتدب الروح فى البيت
ترجع تحضنهم تانى الأوضة
وبعد العصر
يبدأ يتحرك كل الطير، م الغيط للقصر
وفـ وقت رجوعه بتضرب عينها برمش الشوق
فتشق له مأوى ينام جوّاه ويكون مطمن
إن لو الكون اتملى تعابين
هتكون عصا موسى اللى هتبلعهم لأجل ينام
وبرغم أنها مكانتش بتعرف تتكلم وتعبّر ليه
لكن كان دايمًا بيشوفها وكانت ترقيه -جوّه الأحلام-

المركز الأول «فصحى» حازم مصطفى - جامعة الفيوم.. طير دون أجنحة
قَلْبِى فَقِيرٌ لِأَنَّ الجُرْحَ أَفْلَسَهُ
والحُزْنُ أَخْلَعَهُ مَا الحُبُّ أَلْبَسَهُ
يَرْمِى عَلَيْهِ سِهامًا مِنْ غَلاظتِهِ
فكُلَّما قامَ سَهْمُ الحُزْنِ أَجلَسَهُ
قلبى يَخوضُ حُروبًا كادَ يَخْسَرُهَا
ورَغْمَ ذلكَ مَا أَلْقَى مُسَدَّسَهُ
قَدْ كانَ يَحْمِلُ فى طَيَّاتِهِ سَعَةً
لَكِنَّ هَجْرَكِ بالأوجاعِ كَدَّسَهُ
يَشْكُو اخْتِناقًا..
فَمَنْ يُهْدِيْ لَهُ رِئَةً؟
وَمَنْ يُعِيدُ لِمُشْتاقٍ تَنَفُّسَهُ؟
أَحْيَا «وَحِيدًا مِنَ الخُلَّانِ» فى بلَدٍ
يُعْطِى الوحيدَ دُموعًا كَيْ تُوَنِّسَهُ
مَشاعِريْ مِثْلُ طَيْرٍ دُوْنَ أجنِحةٍ
إذا تَمَشَّى عَلَى سَطْحٍ تَحَسَّسَهُ
كأنَّها نَظْرَتِى الأُولَى أُحَدِّدُهَا
عَنِ الكتابِ إذا طالَعْتُ فِهْرِسَهُ
وخاطِريْ مِثْلُ أوطانٍ مُهَدَّدَةٍ
فكُلُّ مَا جالَ فيهِ قَدْ تَوَجَّسَهُ
لا يَعْرِفُ المَرْءُ شَيْئًا حَقَّ مَعْرِفَةٍ
جَهْلُ الغَرِيقِ بِعُمْقِ الماءِ نَرْجَسَهُ
كأنَّ قلبى تَفانَى فى مُحارَبَتِى
لِأَنَّ صَوْتَ طُبُولِ الحُبِّ حَمَّسَهُ
الحُبُّ نارٌ، فَمَا أَقْساهُ خادِعَنَا!
قَدْ وَرَّطَ الناسَ فيهِ حِينَ فَرْدَسَهُ
دَرْبٌ يَرُدُّ عَلَى الأَقْدامِ خُطْوَتَها
ويَسْتَبِيحُ الرَّدَى فِيمَنْ تَلَمَّسَهُ
طُوبَى لِدَرْبٍ يُحَيِّى العابِرِينَ بِهِ
وَلَا يَضِيْقُ عَلَى حُرٍّ لِيَحْبِسَهُ
ولِلْمُسافِرِ لَوْ ضَحَّى بِرِحْلَتِهِ
لِأَنَّ نَبْتًا يُنادِيهِ لِيَغْرِسَهُ
طُوْبَى لِمَنْ وَاجَهَ الأحزانَ مُنْتَشِيًا
لِأَنَّ شَيْطانَ هذا الشِّعْرِ وَسْوَسَهُ
صَرْحُ القَصائدِ، لَمَّا قَوَّضُوْا لُغَتِى
بَذَلْتُ كُلَّ الأَسَى حَتَّى أُؤَسِّسَهُ.

المركز الثانى «فصحى» - دياب سعودى - جامعة أسيوط.. ضلوع أم رفوف؟
بمـاء الورد، بل أنقى خلقتَ حبيبتى.. عَنقا
حبال الحب تنجينا لنعشق.. ونمُتْ شـنقا
بدت كالنجم، لكنى أضعت الغرب والشرقَا
كمثل التيه نظرتها.. لَمَ التشبيه؟ لا فرقَا
كسُحُب الرعد رقصتها أرى فى خصرها بـرقَا
كأن النور.. يسكبها نصيب القلب أن يُسقى
كأن السُّهد يشربـها نصيب الليل أن نشـقى
كأن فؤادها الفنجانُ هيّا نحتسى العشقَا
وراء سفينتى بنتٌ سيصلح رمشها الخَرقَا
وما فى الشعر من بحرٍ سوى بعيونها الزَّرقا
وما فى الحب من بحرٍ ولكن كلنا غرقى
-شاهدًا سرب غرامٍ، حط فى أغصان روحى-
رحتُ أحصى.. كم سيُلقى -فوق حجرى-
من أكاسير الأغانى، والصور!
القصيدة،
«ادخلوها بسلامٍ»، واحذروا؛ -فى الشعرِ- لسنا آمنين
-شاهدًا أغصان روحى، ساقطت أوراقها-
قلت: هل كل غرامٍ فوق أقلامٍ صليب؟! قلت: ما أحلاكَ صلبى!
يا يدَ البنتِ الجريحة
-منذ لامستِ الكتب-
استعيرى الآن قلبى
واقرئى فى الـ... ما وراء
ما وراء الكستناء، هل رحيقٌ، أم عبق؟
ما وراء الشعراء،
هل سيحويه ورق؟
ما وراء الليل، أنثى تشعل النجمات شمعًا -حول كاسات القمر-
فى سرير الغيم حلّت
فى ثياب النوم طلّت
وتدلّت.. فوق صدرى؛ ليس فى الشوق وسائد
ليس فى هذى الفتاة
غير وحيٍ فارتشفها
إنها بنتٌ، لها طعمُ القصائد
جالسًا فى المكتبة
أرشُفُ العمر انتظارا ..
إن فى صدرى رفوفًا، فامسحى عنها الغبارَ
طفلةٌ فى كفك الأشعار تغدو شخبطات
شمسنا كالطائرات الورقية
فاركضى فوق ضلوعى؛ كى أقول: الصبح آت
واقفزى، لكن حذارِ
من سياج الذكريات
رمشك الأستاذ، هيا ساعدينى -فى فروضى الغزلية-
شاعرٌ قد عدت طفلًا، علمينى الأبجدية.

محمود عبدالله - جامعة الفيوم المركز الثالث «فصحى».. السقوط الأخير
ما وراء الليل أنثى تشعل النجمات شمعًا «حول كاسات القمر»
طفلٌ
يقومُ على ثَدْيَىْ خرافاتِهْ
بناعمِ الظُّفْرِ
كى يرقى سماواتِهْ
يَتِيهُ
-ظنًّا إذا أنظارهُ عَلَقَتْ بين النجومِ –
يُلَبِّى الفجرُ حاجاتِهْ
له من الوهمِ ياقاتٌ يُهَنْدِمُهَا
ويُلْبِسُ الحُبَّ ثوبًا من خيالاتِهْ
سَرَتْ بهِ بسمةٌ تمشى على مَهَلٍ
وكانَ مِعْرَاجُهُ فيها براءاتِهْ
لم يَتَّخِذْ صاحبًا إلَّا حَمَاقَتَهُ
والطفلُ يَصْحَبُ ما يُثْرِى غواياتِهْ
لكنْ حقيقتُهُ اغْتَالَتْ سَخَافَتَهُ
أولى السماواتِ قد هاضَتْ جناحاتِهْ
مُعَلَّقٌ فى فَضًا صُمَّتْ مشاعرُهُ
لم تُجْدِ صرخةُ موسيقى نداءاتِهْ
يُخَرْبِشُ الجَوَّ..
يرجوهُ..
يعاتبُهُ:
«لا تُسْقِطَنَّ صَبِيًّا فى غياباتِهْ»
يجثو
فيُبْكِى الدُّجَى تنهيدُ زفرتِهِ
كأنهُ راهبٌ يتلو ابْتِهَالَاتِهْ
ولم يَكُنْ ماردًا «للسَّمْعِ مُسْتَرِقًا»
لِمَ اكْتَوَى بشهابٍ فى حُشَاشَاتِهْ؟!
فى جَنْبِهِ مَلَكٌ يهفو
وأَعْيُنُهُ ترى السماواتِ حُبْلَى فى طموحاتِهْ
فَأُجْهِضَ الأملُ المنشودُ عن بَلَدٍ
مِنْ جَنَّةِ الحُبِّ
لا مِنْ نارِ لوعاتِهْ
حتى استفاقَ على تَقْرِيعِ خازنِهِ:
«أَيَا ابْنَ آدمَ لم تُخْلَقْ لجناتِهْ»
أضاءَ مِشْكَاةَ وهمٍ لكنِ انْطَفَأَتْ
زيتُ الأمانى شحيحٌ فى إضاءاتِهْ
فاليأسُ يَجْثُمُ كالأطوادِ فوقَ فَتًى
ظَنَّ الحياةَ تُرَى طَوْعًا لِرُؤْيَاتِهْ
سيجارُ دنياهُ فى أنفاسِ كُحَّتِهِ
وكأسُها امْتَلَأَتْ من فيضِ دَمْعَاتِهْ
يفنى دموعًا كما تبكى محابرُهُ
إذا وَقَفْنَ على أطلالِ أبياتِهْ
تُصَارِعُ الصَّمْتَ أقوالٌ مُكَدَّسَةٌ
قد حَشْرَجَتْ حَلْقَهُ فوضاتُ آهاتِهْ
تَرَنَّحَتْ
مثلَ بركانٍ بفُوَّهَةٍ
لكنها خَفَتَتْ من ضعفِ ثوراتِهْ
نامتْ على سُرُرِ الأحزانِ
تُخْمِدُهَا ذكرى تعيدُ لهُ أفلامَ خيباتِهْ
حياتُهُ سلوةٌ للبائسينَ
وما لاقى لوَحْشَتِهِ «سَلْوَى» عزاءاتِهْ
وروحُهُ سَنَدٌ للسائرينَ
ولمْ يُسْعِفْهُ عُكَّازُهُ فى عُسْرِ مِشْيَاتِهْ
وقلبُهُ دارُ مَنْ غابوا
وما تَرَكُوا شيئًا يُعَمِّرُ ذكراهمْ بساحاتِهْ
لنازحٍ
كُلَّمَا طافَ الحنينُ لهُ
شَدَّ الرِّحَالَ ولمْ يَأْبَهْ بأَنَّاتِهْ
للهفةٍ
فى حَنَايا الصدرِ
جَسَّدَهَا شوقُ الحفيدِ إلى أحضانِ جَدَّاتِهْ
جدرانُهُ ارْتَجَفَتْ..
حَلَّ الشتاءُ بهِ
وقد تَغَيَّبَ مَنْ يهدى ذراعاتِهْ
فَلَمْلَمَ الروحَ من أشباحِ عُزْلَتِهِ
وَخَبَّأَ القلبَ فى أَنْأَى حقيباتِهْ
كى لا يبالى بما يلقى لفرقتِهِمْ
لكنهمْ طَمَعًا قالوا لهُ:
«هَاتِهْ»
لم يُبْقِ ما يقتفى آثارَ ضِحْكَتِهِ
إنَّ العطاءَ لَمِنْ أجلى خطيئاتِهْ
يبنى بهندسةِ الأوهامِ فرحتَهُ
لكنهُ بائسٌ من عَجْزِ خُطْوَاتِهْ
يا كم يقولُ ولم يَسْمَعْ لهُ أَحَدٌ
لم يُسْمَعِ الهَمْسُ فى نَجْوَى رواياتِهْ
شُبَّاكُ غرفتِهِ ما زالَ مُنْتَظِرًا..
عامانِ لا قمرٌ يُحْيِى سماواتِهْ
قد أنكرتْ عينُهُ كُبْرَى ملامِحِهْ
كأنهُ اثْنَانِ إنْ ينظرْ لمرآتِهْ
أوصيكَ يا ليلُ
- لو أَشْجَتْكَ قِصَّتُهُ -
تروى على مَسْمَعِ الدنيا حكاياتِهْ
بلا رِثَاءِ «خُنَاسٍ» فى «مُعَاوِيَةٍ»
لكنْ بما فاضَ فى عينيكَ مِنْ ذَاتِهْ.