يا عندليب ما تخافش من غنوتك.. إبداعات الجامعات (9)

يا عندليب ما تخافش من غنوتك
قول شكوتك واِحكى على بلوتك
الغنوة مش ح تموتك.. إنما
كتم الغنا هو اللى ح يموتك!
فليسمح لنا صلاح جاهين بأن نستعير رباعيته الخالدة، ونحن نعود فى الزمن إلى أيامه، حين كانت الصحف قبلة المُبدعين، خاصة طلاب الجامعات، والدارسين فى مراحلها المتقدمة من ماجستير وغيره، الموهوبين فى كتابة الشعر والقصة والمسرح، والقادرين على سرقة الضحكة من فم الحزن بالكتابة الساخرة، وأيضًا أولئك الذين لديهم قدرة على نفخ الروح فى لوحة خشبية صماء، فتدب الحياة فى أوصالها لوحة تشكيلية أو رسم كاريكاتيرى يسحر الألباب والعقول.
جامعاتنا مليئة بالمواهب الإبداعية فى كل المجالات تقريبًا، من دون أى شك، لكنها فى نفس الوقت تعانى غياب ذلك «الصائغ»، الذى اعتدنا على وجوده فى مؤسساتنا الصحفية، بأنامله الخبيرة التى يمكنها إزاحة التراب عن لآلئ هذه الجامعات، من إبداعات تبحث عن فرصة للظهور، وأسماء لا نريد أن «يقتلها» التجاهل ويوقف مسيرتها، من قبل أن تبدأ.
فى هذه الزاوية من «حرف»، نمد يدنا إلى كل موهوب فى جامعات مصر، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ننشر لهم إبداعاتهم فى الشعر والقصة والكتابة الساخرة، إلى جانب الفن التشكيلى والكاريكاتير، مُرددين ما قاله صلاح جاهين قبل سنوات طويلة: «يا عندليب ما تخافش من غنوتك».

جامعة الفيوم.. حمادة عيد أبوطور يكتب: أنتى نبوتى الصعيدى!

طِلعت شُموس الدنيا تتمطَّع غُنا
فى الجو ريحة للحاجات المُمكنة
خيط الندى واقِف طابور
زى الدموع على خد صابح من بُكا
كل الطيور م الحيرة طارت من سكات
فلا طايلة أرض ولا سما
بطن السحاب زى القُماش
أما الحمَام دبابيس بناتى
راح ثبت المشهد دا كله فوق كتافِك
ع الأرض إنتى والسكوت
اتنين جُمال
بعيون بتِعشق فى الجَمال ومُدمنة
فى الحب قلبى لُه شرايع وإنتى طبعًا مؤمنة
زقزقلى عصفور الجنينة
أوحش عيوبها جميل
نَدهتلى ندَّاهةِ العِشا
وقالتلى تَحجيبة حبيبتك مُدهِشة
ملفوفة بالشَّال القطيفة
وأهو زى ما أجمل ما فى الشمس الغروب
أجمل ما فى البنت الخِشا
تتحنَّى بتراب الجنون
بتخلِّى عينى جوز خيول
بيشبُّوا منى ف الهوا
جننتى شاعر خَليتيه
بيعاند «الأستاذ صلاح»
يا صلاح جاهين
أنا دا اللى بالأمر المُحال راح واغتوى
أنا شوفتها
العين قوسين.. وأنا كنت بينهم محتوى
صفين رموش آخر المتاهة شوفتُهم قلبى اتلوى
أنا كنت جاهل فى الغرام
من يوم ما شوفتِك صِرت عالِم فى الهوى
بالك طويل
وأنا عندى قُدرة أزرعك على طَرف صدرى
واستنَّى طرحِك يستوى وأسقيه بِصبرى
لو يفتحوا قلبى يلاقوه مَليان نوى
يا واشمَة طَعم المُر فى إيدين الشباب
بكتِب عَلى قلبى غُنا
وأنا لم أزَل
بَخلط حياتى بالعسل
يا حيرة الأيام أنا
ما بَقِتش عارف ليكى وصف
إزاى أقول أجمل صَبية
الأمر أشبه إنى أقول
ع البحر مبلول كُله ماية
فى عنيكى شمس وأنا إللى عينى مليِّلة
ييجى ١٠٠ حكاية جوه عينِك
عندى السهارى جوه عِينى قُليلة
الساعة وِقفِت
أتاريكى ليا مسبِّلة
لو كان كِتاب الحب دِين
كنا هنبقى أولِيا
لو كان جنون الحب علَّة
فقوليلى مين الأسويا؟!
ينزف لسانى من البَشر
يعملنى فُرجة
يِعزف قُبالِك كيف بَليغ
يقلِب كَمنجة
طاب تِعرفى
تبَّت يَدايا لو تسيبك
وأهو تبِّتت فى إيديكى إيدى
أنا ليا عند الدنيا تار
وأنتى نبُّوتى الصعيدى!
جامعة المنيا..أسامة سعداوى يكتب: أنا هحمى ابنى من الحياة ومُرها

أنا هحمى ابنى من الحياة ومُرها
أنا فار تجارب كل خطوه يخُطّها
وبدل ما قلبه يروح فـ رزع ودَب
أنا هحمى ابنى من إنه مرَّة يحب
على إيه يسيب يتساب يسب
ولمين يميل يشتاق يهب
ويتحرق ويعيش قاسيَّة
هجرده م الإنسانية
يعرف مكان الضربة إمتى هتيجى فيه
علشان يفادى الضربة قبل ما تيجى فيّا
يعرف عواقب فِعله فى الحالتين
يعرَف بإن الدنيا مش وردية
وعشان تكون وردية تبقى اتنين
أنا هحمى ابنى من القلق والحِلم
لو طفَّى نور أوضته ينام ساعتين
من غير ما يبقى فى سقف بيت سارح
من غير صراع مع بكرة وإمبارح
وإزاى يشوط للشبكة مش عارضة
امتى يضاهى زحمة الأفكار
امتى يسيب الكبت ويعيش النهارده
توجع إيديه السَقفة على كدب المؤيد
أحسن م يوجع قلبه من صِدق المعارضة!
أنا هحمى ابنى يروح على الاستَّاد
وتروح فلوسه أو حياته فى ماتش
مش هبقى أبويا لما سابنى ومات
وإن مُت أخويا يقوله متعيطش
الدنيا سهلة ومش بـ«لوغاريتمات»
كداب يقول خلِّف بتعنى مماتش
أنا هحمى ابنى من إنه يمشى خطاى
يقعد فى آخر كرسى فى «التروماى»
ويحس نشوة فى بصة الشِباك
وشريط حياته يمُر فـ«فلاش باك»
يدفِن بلاده والمطار تُربة
علشان يجيب دولارين من الغُربة
ويضيع شبابه فى أرض مش أرضه
وتضيع بلاده ويبقى ضاع عَرضه
يفضل بيجرى الدنيا بتطارده
ويتوه يلَف ويبقى رحَّالة
أنا هحمى ابنى لـ يفترى عـ الشعر
ويقول بإن العَجلة شغَّالة
إزاى يكون الشعر أصلًا شعر
لو مش قَضية وصورة ورسالة؟
أنا هحمى قلمه الحر مـ الناقد
أو نُصح ابنه بشَكل متناقض
ويكون شبيهى ورَكبُه مُتخلف
بصراحة أبعد حد يسردلك نصايح
وعشان كده أنا مش هخَلف!
عدسة: منة أحمد - جامعة القاهر

جامعة القاهرة.. نسمة الكُردى تكتب: مولعة بارتشاف السهر

إذَا أبْعدَتْنا الحُدودُ
فنحنُ قريبانِ
نُبْصِرُ ذاتَ القَمَر
يُصافِحُ فينا الليالى
مثلَ الضِّفافِ تصافحُ أَيْدى النَّهَر
ولَمَّا الحنينُ المُكدَّسُ رُجَّ
وفارَ بقلبى حتَّى انفَجَر
تبدَّلَ بالكبرياءِ العجوزِ
تلَهُّفُ طِفلٍ وشَوقٌ أَغَر
فرُحتُ أصدُّهُما
مثلَ مَنْ يصدُّ عنِ الطيرِ بَلّ المَطَرْ!
مَهابَةَ أنْ أُسْتَرَقَّ لِغَيبٍ
يُفَرِّقُنا حينَما يَقتَدِر
فَأَغرقُ من حيثُ ظنِّى نجوتُ
وليس لمنْ قدْ أَحبَّكَ بَر
أنا يا صديقى غُصنٌ ظَمَا
رآهُ النَّدى محضَ شوكٍ وَمَرْ!
وكنتَ السبيلَ
للَمْسِ الغُصونِ الذَّبُولةِ غيثَ السَّماءِ المُدَرْ
وحربُ المحبَّةِ ثَارتْ بِنا
فكنتُ الفِرارَ وكنتَ الظَّفَر
هلِ الخوفُ ظِلٌّ ليجرى ورائى
نِدًّا لكلِّ هَوَىً مُنتَظَر؟
قديمًا وأدتُ عفاريتَ خوفى
فكيف كَبِرتُ بقلبٍ حَذِر؟
يَصُبُّ المساءُ الهَوى بالدِّلاءِ
وإنَّا دِلاءٌ أباها القَدَر
غريبٌ تزاحمُ نُوَّامُهُ
وعُزلةُ مَنْ يستحقُّ السَّمَرْ
وأعلمُ
لَيلُكَ شِرِّيبُ سُهدٍ
إذا ما أحسَّ بِرَشْفِى انْهَمَر
هُنا نستفيقُ بشوقٍ يَكِرُّ علينا
وأنجُمُنا لا تَفِر
جامعة الأزهر.. معاذ الغنام: طول عمرى بزرع من ضفايرِك أمل

السبحة فَرَطت
واتبدر عُمْرك على الأسفلت
احذر.. كعوب الدُّنيا ما بترحمش
بتدشدش
الضَّربة فى الـمقتل ما تتحسش
وأمَّا النزيف يوصل لسابع أرض
مهما تحطّ رماد ما يكتِمْهوش
طير عَاش يِهَاجِر والحياة سرقاه
ما يفوقش غير لو يحضُنه الخرطوش
وأنا تحت طوع رمشِك يا سِتّ الكون
من يوم ما كُنَّا عِيال
طول عمرى بزرع من ضفايرِك أمل
وبتطرحى متلازمة التِّرحال
وأنا كُنت عَيِّل بَمْشى فوق الأرض
لكن بِقَلب سماوى
أهرب لحُضنِك مِ الحياة المشنقة
أتفاجِأ إِن ف حُضنِك العشماوى!
****
أدمنت لِعب البِلى
أكسَب كِتير
لكنِّى عُمرى ف يوم ما روح بيتى بالمكسب!
وِبَعيش حياتى كُلّها
علشان ألملم أمنيات.. ملو الخيال
وأتمشَّى على شطِّك..
وأنا بكتب دموعى نَصّ شِعر حزين
وبعيش روتين التجربة المُعتاد
فجأة.. بَحرك يزلزل كبرياء الرُّوح
ويقول بصوت عالى:
«لَا صَوْتَ يَعْلُو فَوْقَ صَوْتِ الموج»
****
والرِّيح رُصَاص بِتْغَربِل الصَّرخة
وأنا لِسَّه طِفْل ف حُضن حِلمى المُستحيل
ادِّينى فرصة أميل على صدرِك
أتطمِّن إنِّى بخير..
جَوك بيجبرنى.. أركب أسانسير الفُراق مُرْغَم
محسود على الضِّحكة اللى بقيالى
مِن غير ما تتفتَّحلى طاقة غيب
أشوف جِناحى اللى اترَعَش مِ الخوف
يِتْجَزّ ريشه.. فى خلاص ما بين الضَّلمة والضَّلمة!
تنزف جِراحى أسئلة ومواويل
ويترِمى جسمى العَلِيل
جثة على شَطّ الأغانى
فالرُّوح بِتِتْشَعْبط فى حبَّات السَّحاب
وِتْبُص لحدود السما تِسْأل:
هَل فِيه أمل نِرْجَع نِطِير تانى؟!
جامعة القاهرة.. عبدالله خالد يكتب: عقب انتهاء الحرب

خَرَجَتْ من البوابة الرئيسية ثم عبرت الطريق، كانت تبدو فى العشرين من عمرها أو أكبر قليلًا، ترتدى معطفًا رماديًا يخفى تحته جسدًا نحيلًا وروحًا مُنهَكة. كانت تجر حقيبة بيمناها بينما تتحدث فى هاتفها الذى تحمله بيسراها. وبعد أن انتهت من المكالمة أخذت تنظر حولها وهى تبتسم. كان كل شىء حولها فى هذا الوقت يبدو سينمائيًا!!
السماء شديدة الزُرقة، تزينها كُتل من السحاب تبدو كقطع قطن ناصعة البياض تطفو على الماء، والأشجار الخضراء على جانبى الطريق مُطعَمة بالزهور الملونة، والعصافير تتناقل بين الأشجار وهى تشدو بأرق الألحان وأعذبها.
ازدادت ابتسامتها اتساعًا وامتلأ قلبها امتنانًا للقدر بأنها ما زالت على قيد الحياة لترى كل هذا الجمال. ولكن سرعان ما خفتت ابتسامتها وامتلأت عيناها بالدموع حين وقع بصرها عليه، ذلك المبنى الأبيض خلف السور. ألقت عليه نظرة الوداع بينما تتساقط الدموع من عينيها وهى تتساءل: كيف صار هذا المكان الذى دفعت إليه رغمًا عنها بمثابة بيتها الثانى؟!
فى تلك الأثناء، وقفت سيارة أجرة ونزل منها زوجان فى العقد السادس من عمرهما، وبمجرد نزولهما ذهبا بخطى مسرعة إلى الفتاة، بينما كانت هى تركض نحوهما، حتى إذا التقت بهم تعانق ثلاثتهم وبدأوا جميعًا فى البكاء دون أن ينطقوا بكلمة واحدة.
حاولت الفتاة التحدث عدة مرات لكن البكاء كان يمنعها. وبعد عدة محاولات رفعت الفتاة رأسها من على كتف أمها ثم ضحكت وقالت وهى تغالب البكاء:
«لقد انتصرنا أخيرًا... لقد انتصرنا على السرطان»!