من رفوف الكتب إلى شاشات السينما: 3 أعمال تخطف أنظار العالم

فى إطار عملها الصحفى والثقافى، تحرص «حرف» على استكشاف ومطالعة كل ما هو جديد فى ساحة النشر الدولية والإقليمية، فى توجه تنحاز إليه لتعريف القارئ المصرى والعربى بكل ما ينتجه العالم من معارف وثقافات وكتابات.
ومن خلال زاوية «ماذا يقرأ العالم الآن؟» تأخذ «حرف» قراءها فى جولة خاصة داخل أبرز المكتبات ودور النشر العالمية، لتعريفهم على المنتج الإبداعى الغربى، وأبرز الأعمال الجديدة الصادرة مؤخرًا، فى مجالات الرواية والسياسة والثقافة والسينما والمغامرة.
فى هذا العدد، نلقى الضوء على رواية «عدن المنكوبة» التي اقتبس عنها الفيلم الأمريكي القادم الذي يحمل نفس الاسم ويُعرض في دور السينما خلال أيام، والسيرة الذاتية لنجمة هوليوود الغامضة «جوينيث بالترو» التي صدرت أواخر يوليو المنقضي وكتاب «الكولونيل والملك» الصادر 5 أغسطس الجاري، الذي يكشف العلاقة المشئومة بين ملك الروك آند رول ألفيس بريسلي ومدير أعماله توم باركر.
جوينيث.. نجمة هوليوود عن علاقتها بـ«براد بيت»: «كنت أتحكم حتى فى طعامه»
صدرت السيرة الذاتية «جوينيث» عن دار النشر «جاليرى بوكس»، فى 29 يوليو الماضى، من تأليف الكاتبة الصحفية آمى أوديل، المؤلفة الأكثر مبيعًا فى قائمة «نيويورك تايمز».
فى هذا الكتاب، تسلط «أوديل» الضوء على رحلة النجمة جوينيث بالترو، وتغوص فى عالم واحدة من أكثر الشخصيات شهرةً وتأثيرًا وإثارةً للجدل فى العصر الحديث، عبر قصص غير منشورة من طفولتها، ومسيرتها التمثيلية، وعلاقاتها العاطفية، وتأسيسها لعلامتها التجارية «جووب»(Goop) .
وصفت نجم «فيورى» بأنه ىأغبى من كيس قذارة»!
ويتناول الكتاب التصورات المتباينة حول «بالترو»: من طفلة محظوظة إلى ممثلة موهوبة حازت على جائزة الأوسكار، ومن رائدة أعمال إلى شخصية يعتبرها البعض خطرًا على المجتمع.
وسواء أحبها الجمهور أم انتقدها، فقد نجحت «بالترو» فى الحفاظ على مكانتها فى الصف الأول من المشاهير، مع تأثير امتد إلى مجالات الترفيه والموضة والصحة الحديثة وغيرها من قطاعات الأعمال.
اكتأبت بسبب زواج براد بيت وجينيفر أنيستون وقالت: «ذوقه سيئ فى النساء»
كما يكشف الكتاب تفاصيل علاقاتها مع براد بيت وبن أفليك، وخلافاتها مع نجوم الصف الأول، من مادونا إلى وينونا رايدر، بما فى ذلك اتهامات بسرقة سيناريوهات أفلام.
الكتاب المكون من ٤٥٠ صفحة، أصبح الأكثر مبيعًا فى فئة الثقافة الشعبية والعلوم الاجتماعية على موقع «أمازون»، حيث حاولت الكاتبة آمى أوديل التسلل إلى رحلة فتاة هوليوود الشقراء التى تحولت إلى خبيرة فى مجال الصحة وسيدة أعمال رائدة وضمنت كتابها الكثير من التفاصيل المثيرة من خلال إجراء مقابلات مع أكثر من ٢٠٠ شخص على صلة بـ«بالترو».

من السهل إدراك كيف كان «الكافيار» جزءًا لا يتجزأ من أيام «بالترو» الأولى، فهى ابنة الممثلة الحائزة على جائزة إيمى، بليث دانر، والمنتج والمخرج التليفزيونى الناجح بروس بالترو، بالإضافة إلى كونها ابنة ستيفن سبيلبرج الروحية، الذى كانت تُلقّبه بـ«العم مورتى»، إذ تُصوّرها المؤلفة كفتاة ولدت وفى فمها ملعقة ذهبية منذ ولادتها، وربما لاحظت «بالترو» مبكرًا أن العالم كان حريصًا على منحها ما تريد، ولم تكن بحاجة لإذن من أحد للحصول عليه.
وتكشف المؤلفة عن بعض التفاصيل اللافتة والمثيرة للجدل فى حياة جوينيث بالترو، حيث يشير زملاؤها فى المدرسة إلى أن أكبر مخاوفها فى تلك المرحلة كانت مرتبطة بالسمنة، وهو ما انعكس فى سلوكياتها التى وُصفت بأنها متعالية أحيانًا، إذ كانت تتظاهر بالتقيؤ خلف ظهر من لا تكنّ لهم الاحترام.
ومن بين القصص التى يوردها الكتاب، حادثة تخص الممثلة مينى درايفر، التى كانت تواعد آنذاك النجم مات ديمون، الصديق المقرب لشريك «بالترو» السابق «بن أفليك»، حيث يُقال إن «بالترو» تعاملت معها بازدراء، كما لم تكن حبيبة «ديمون» التالية بمنأى عن انتقاداتها، إذ أطلقت لقبًا ساخرًا على صديقتها السابقة وينونا رايدر، فى إشارة اعتُبرت جارحة وغير لائقة.
وتصف المؤلفة الوضع بعد فوز «جوينيث» بجائزة الأوسكار عن فيلم «شكسبير عاشقًا»، قائلة: «ظهرت المزيد من المقالات عنها، كنجمة أفلام ناجحة فاشلة، وشخصية مكروهة فى الصحف الشعبية آنذاك، ثم مهووسة بالصحة لاحقًا».
وتُرجع «أوديل» هذا الاهتمام تحديدًا إلى وفاة والدها عن عمر يناهز ٥٨ عامًا، بسبب مضاعفات سرطان الفم والالتهاب الرئوى، حيث توفى فى رحلة إلى روما، وكان من المقرر أن يحتفل بعيد ميلاد ابنته الثلاثين، وفى سياق هذه المأساة العائلية، تبدأ بفهم كيف يمكن لصيحات الصحة البديلة أن تكتسب جاذبيةً لدى «بالترو» مثل معظم المشاهير الذين يشرعون فى البحث بيأس عن جميع السبل الممكنة، مهما كانت مشكوكًا فيها عند مواجهة مرض أحد أحبائهم.
وتروى «أوديل» قصة علاقة «بالترو» وبراد بيت التى استمرت ٣ سنوات «١٩٩٤-١٩٩٧»، إذ تكشف عن أن «بالترو» حين سألتها صديقة: «من تريدين مواعدته، براد بيت أم كيانو ريفز؟»، فاختارته وكانت علاقتها العاطفية واضحة لطاقم فيلم «Se٧en» وتشابكا بالأيدى فى موقع التصوير ودخنا السجائر معًا خارج مقطورتهما.
ولكن أثناء تصوير فيلم «إيما»، أخبرت «بالترو» أحد أفراد الطاقم أن «براد بيت» لم يكن مناسبًا لها، واعترفت بأنها معجبة بهيو جرانت، لكنها كانت قلقة من اختلاف خلفياتهما، وصرحت لاحقًا فى لقاء صحفى: «عندما نذهب إلى المطاعم ونطلب الكافيار، علىّ أن أشرح وأقول لبراد بيت ما نوع الكافيار الذى يتناوله».
ووفقًا لـ«أوديل»، بعد سنوات أفصحت «بالترو» لأصدقائها عن حزنها عندما علمت أن براد بيت سيتزوج جينيفر أنيستون، وقالت إنه «لديه ذوق سيئ فى اختيار النساء»، ولم ينتهِ الاستهزاء عند هذا الحد: ففى عام ٢٠٠٥، زُعم أن «بالترو» قالت لإحدى صديقاتها إن براد بيت «أغبى من كيس من القذارة».
وحول علاقة «بالترو» و«بن أفليك»، كتبت «أوديل» أن أصدقاء «بالترو» كانت لديهم تحفظات على «أفليك»، الذى واعدته بين عامى ١٩٩٧ و٢٠٠٠، ويرجع ذلك بشكل رئيسى إلى مشاكل إدمانه الكحول والمقامرة، ولكن أيضًا لأنه لم يكن يبادلها الحب دائمًا، إذ كان «أفليك» يفضل لعب ألعاب الفيديو مع أصدقائه، لكن كان بينهما تناغم مثير فقد كانت هى و«أفليك» على علاقة غير رسمية فى موقع تصوير فيلم «شكسبير عاشقًا» إذ دخل عليهما أحد أفراد طاقم العمل وهما يمارسان الجنس فى غرفة ملابس «بالترو».
أما خلافها مع «مادونا»، فوفقًا للكتاب، طلب «بروس»، والد «بالترو»، من «مادونا» التى كان يعرفها معرفة مباشرة أن تكتب لابنته المراهقة، تُوصيها بالإقلاع عن التدخين، وفى عام ١٩٩٥، نصحتها «مادونا» بشأن أزمة العلاقات بعد أن التقط مصورو «الباباراتزى» صورًا عارية لـ«بالترو وبراد بيت» فى سانت بارتس، وتوترت صداقة «جوينيث ومادونا» عام ٢٠٠٨، وقالت «بالترو» عن «مادونا» «إنها توكسيك»، وأنهت صداقتهما.
وعن صداقتها مع وينونا رايدر وغدرها بها، قالت المؤلفة إن «بالترو» سرقت نص سيناريو فيلم «شكسبير عاشقًا» من طاولة قهوة صديقتها وينونا رايدر، وعندما تسربت قصة سرقة النص للصحافة، أخبرت «بالترو» أصدقاءها أن «رايدر» هى من بدأت الشائعة، ونفت سرقتها للنص، قائلةً إنها حصلت عليه عن طريق وكيل أعمالها.
وتناول الكتاب أيضًا اتهامات «بالترو» للمنتج هارفى واينستين رئيس شركة ميراماكس السابق، والتى تتضمن أنه دعاها إلى جناحه الفندقى واقترح عليهما تدليك بعضهما البعض، وواجه براد بيت، صديق بالترو آنذاك «واينستين» بالواقعة، وغضب الأخير وصرخ فى وجه «بالترو» لاحقًا، مهددًا إياها بتدمير مسيرتها المهنية.
وفى رسالة بريد إلكترونى إلى كاتبة السيرة الذاتية، اعترف «واينستين» بطلبه تدليكًا من «بالترو»، لكنه قال إنه لم يهددها أبدًا بعد أن واجهه براد بيت، وقال «واينستين»: «فيما يتعلق بعلاقتى العملية معها، لم أعانقها أبدًا دون موافقتها الصريحة، لكنها عانقتنى مرات عديدة على مر السنين».
وبعيدًا عن كونها ممثلة، تحدثت مؤلفة الكتاب عن «بالترو» كمديرة وسيدة أعمال، حيث أطلقت «جوينيث» مدونتها «جووب» Goop» عام ٢٠٠٨، ثم طورتها لتصبح شركة متخصصة فى الصحة وأسلوب الحياة، وألّفت أربعة كتب طبخ من أكثر الكتب مبيعًا.
وكشفت المؤلفة عن تفاصيل مُذهلة عن ثقافة العمل الغريبة فى مؤسسة «جووب»، بما فى ذلك امتلاك بالترو لموقف سيارات خاص بها مع لافتة إباحية كُتب عليها «مخصصة لـجى سبوت»، لكن ما وصفته بـ«طريقة التعامل السامة أحيانًا» فى المكتب ظلت طى الكتمان، لأن العديد من الموظفين وقّعوا اتفاقيات عدم إفصاح.
وتقول المؤلفة إن بالترو مديرة لا تُطاق ومتقلبة المزاج، وتأمر فريقها بتنفيذ أفكارها العديدة، ثم تفقد الاهتمام، ومع ذلك، يجب أن يبدو كل شىء مثاليًا، لذلك كان الموظفون يعملون حتى الساعة الثانية صباحًا فى تنظيم فعاليات خاصة بأنشطة «جووب».
جنة عدن.. 9 مغامرين يفرّون من جنون هتلر إلى «اليوتوبيا»

ماذا يحدث عندما تجتمع مجموعة من الأشخاص الذين تركوا وطنهم سعيًا لبناء جنة مثالية على جزيرة نائية؟ هذا هو السؤال الذى يطرحه الفيلم الأمريكى الجديد «EDEN/ جنة عدن»، المقرر عرضه فى دور السينما، يوم 22 أغسطس الجارى.
الفيلم مقتبس عن رواية «عدن المنكوبة: قصة حقيقية عن الجنس والقتل واليوتوبيا فى فجر الحرب العالمية الثانية»، التى صدرت أواخر العام الماضى، عن دار النشر «كراون»، التابعة لمجموعة «بنجوين راندوم هاوس» الشهيرة، والتى أعادت إصدار طبعة جديدة منها قبل أسبوعين فقط من إطلاق الفيلم.
عُرض «جنة عدن» لأول مرة ضمن فعاليات مهرجان «تورنتو» السينمائى الدولى، ويضم نخبة من نجوم هوليوود، بينهم آنا دى آرماس، وسيدنى سوينى، ووجود لو، وتولى إخراجه رون هوارد، وكتب السيناريو والحوار نوّاه بينك.

يجسد جود لو دور «فريدريك ريتر»، الرجل الذى فكر فى تأسيس تلك الجنة المتخيلة، وكان طبيبًا مغرورًا وفيلسوفًا طموحًا من برلين، سافر إلى «فلوريانا» فى جزر جزر «جالاباجوس» لبناء مدينته «جنته» المثالية. بينما تؤدى النجمة فانيسا كيربى شخصية «دورى»، حبيبة «ريتر»، التى التقته لأول مرة فى مستشفى عالجها فيها، وتنضم إليه فى رحلته على الجزيرة غير المأهولة.
ويجسد النجم دانيال برول دور «هاينز ويتمر»، جندى حارب خلال الحرب العالمية الأولى، ومصاب بـ«اضطراب ما بعد الصدمة» بسبب مشاركته فى المعارك، وينتقل إلى «فلوريانا» مع عشيقته «مارجريت»، وابنه المراهق المريض، تاركًا زوجته الأولى فى برلين.
أما النجمة سيدنى سوينى فتجسد شخصية «مارجريت»، عشيقة «ويتمر»، وهى شخصية براجماتية قوية ترافق «ويتمر» فى رحلته إلى «فلوريان»، وتتزوجه هناك فى النهاية، وكانت أول من أنجبت طفلًا على الجزيرة، وهو ما يصفه النقاد بأنه أحد أكثر المشاهد رعبًا فى الفيلم.
وتؤدى شخصية «البارونة» النجمة الجميلة آنا دى أرماس، وهى امرأة نمساوية أرستقراطية تركت زوجها فى باريس لتسافر إلى «اليوتوبيا المتخيلة» فى «فلوريانا»، رفقة عشيقيها الشابين، ومسدس مثبت على وركها. وهى شخصية متعطشة للسلطة، وهى من تشعل الصراعات على الجزيرة النائية، بعدما هددت وأغوت جميع من فى الجزيرة، وبدت وكأنها قادرة على فعل أى شىء حتى القتل.
وقال رون هوارد، مخرج الفيلم، إن ما كان مُرعبًا فى هذه القصة هو أن حفنة من الناس ذهبوا إلى أرض بعيدة، ونصفهم إما مات أو اختفى، وهذا أمر مُثير للصدمة.
وعملت الكاتبة والمؤرخة الأمريكية أبوت كاهلر، مؤلفة الرواية الأصلية المستمد منها الفيلم، مستشارة تاريخية خلال التصوير. وكشفت فى كتابها المكون من ٣٥٠ صفحة عن تفاصيل تلك القصة الحقيقية، التى حدثت بالفعل مع مجموعة من الأوروبيين فرّوا من الاضطرابات السياسية والاقتصادية، أملًا فى تكوين «جنة مثالية».
وحسب الرواية، انطلقت هذه المجموعة إلى جزيرة «فلوريانا» فى جزر «جالاباجوس» بحثًا عن بناء «يوتوبيا»، مع اقتراب الحرب العالمية الثانية. لكن هذه الجنة تتحول إلى جحيم، بعدما تتصارع كل الشخصيات على الجزيرة لهثًا وراء السلطة والبقاء على قيد الحياة، وينزلق المجتمع المعزول إلى الجنون والقتل.
تبدأ الرواية عام ١٩٢٧، حين كانت «دورى» فى منتصف العشرينيات من عمرها، طالبة طب ألمانية ذكية وفضولية، وهى أيضًا غير سعيدة فى زواجها، وشعرت بالمرض، لذا انتقلت إلى معهد برلين الرائد للعلاج، حيث تخضع لإشراف الطبيب فريدريك ريتر، وهو رجل مولع بالطعام النىء و«نباتى»، ويُخبرها أن شعورها بالمرض مجرد وهم، قائلًا: «لستِ مريضة، لكنكِ ترغبين فى المرض». وتشعر «دورى» بحب وانجذاب شديدين تجاه «ريتر» وتبدأ علاقتهما.
«ريتر» ليس مولعًا بالطعام النيئ والنباتية فحسب، لكنه يريد التخلى عن العالم المتحضر، واستلهم ذلك من مجموعة ألمان مارسوا التصوف الشرقى، وعاشوا وناموا فى العراء، وارتدوا أقل قدر ممكن من الملابس. وكتب أحد أعضاء تلك المجموعة كتابًا بعنوان «لا للطهى»، يدين عنف النظام الغذائى الآكل للحوم، ويقدم وصفات، بما فى ذلك حساء لمن لا أسنان لهم.
وبسبب هوس «ريتر» بتلك الرؤى، يقتلع أسنانه ويستبدلها بطقم أسنان فولاذى يلمع فى الشمس، ثم تأتى فكرته لتأسيس جنة على أرض غير مأهولة نائية، ويتخلى هو وحبيبته «دورى» عن كل شىء، عائلتهما وممتلكاتهما ووظائفهما الواعدة، ويرحلان إلى جزيرة مهجورة فى جزر «جالاباجوس».
تصبح جزيرة «فلوريانا» الأرض المُختارة، وهى ليست مهجورة فعليًا، إنها تعج بالجرذان وجحافل من الخنازير والأبقار والحمير والكلاب المتوحشة، بالإضافة إلى أسراب من الحشرات، أمطارها ومياهها العذبة قليلة، باستثناء نبعين نظيفين. ولا بد من العمل فيها بلا هوادة ولا كلل، فيجب قطف الطعام وزراعته وحصاده، وبناء البيوت. كما أن النباتيين من مجموعة الأوروبيين الذين انتقلوا إلى الجزيرة محاطون باللحوم التى يرفضون قتلها أو استهلاكها.
و«ريتر»، كما هو متوقع، أحمق مُسىء جسديًا ونفسيًا، ولطالما كان ميزان القوى مختلًا، وتدعمه حبيبته «دورى» التى تزداد سوءًا مع ضربه لها وجلدها، وسط أمراضها المتزايدة المتمثلة فى عدم تناول أى شىء سوى الفاكهة والبيض ومجموعة محدودة للغاية من الخضروات. لكنهما، من خلال الإبداع والعمل الشاق، يبنيان منزلًا ساحرًا به «دش» وصنبور جارٍ وحدائق ودجاج يبيض، حتى الحمير الأليفة تأتى راكضةً لتلبية نداء «دورى».
ويقضى «ريتر» و«دورى» أيامهما عراةً، وتكتب «دورى» ملاحظاتٍ كثيرةً فى مذكراتها بينما تتفاقم إساءات حبيبها. فى المقابل يطبع «ريتر» تحفته الفنية «كتاب فلسفى» على آلة كاتبة قديمة. وبينما فى ألمانيا، يضرب الكساد الاقتصادى ويبرز جنون «هتلر»، يعيش «ريتر» و«دورى» وحيدين فى عزلتهما التى اختاراها بأنفسهما، ممنين أنفسهما بالعثور على ما يشبه السعادة.
ينتشر خبر انتقال «ريتر» و«دورى» إلى تلك الجزيرة النائية، كما يحدث دائمًا، فلم يستطع بقية العالم ترك هؤلاء الهاربين وشأنهما، وبالفعل وصل آخرون ليعيشوا بينهما: رجل ألمانى وعشيقته وابنه المراهق، وبارونة نرجسية وعشيقيها المتيمين والذليلين، تبعهم موكب من الأثرياء على متن اليخوت، جالبين معهم صحفيين وصانعى أفلام وباحثين عن الفضول وهواة الطبيعة.
ازداد اعتماد مجموعة الأوروبيين القاطنين تلك الجزيرة على ذلك الاهتمام والضروريات والكماليات التى جلبها هذا الاهتمام من المجارف والملابس والبنادق والكتب والبذور. ومع انحسار هذا الاهتمام عادوا للاعتماد على أنفسهم من جديد، ولم يُجد نفعًا أن البارونة، التى ربما أغوت «ريتر» لفترة وجيزة، كانت كاتبة خرافات مسلحة تدّعى السيادة على الجزيرة، وترغب فى بناء فندق فاخر.
يتشاجر ويتصارع الأوروبيون المستوطنون لتلك الجزيرة، الذين بلغوا الآن ٩، ويغتابون ويهاجمون بعضهم البعض، حتى لم يعد يوجد شىء ساحر فى «جنة عدن» التى صنعوها، سوى شعور الرعب والعنف الوشيك يتفاقم وينمو.
إنها مأساة مقززة ومرعبة تجبر القارئ على التساؤل: كيف يُمكن لأشخاص أذكياء كهؤلاء، بأحلامهم الواسعة، أن يقولوا ويفعلوا كل الخطايا، مرارًا وتكرارًا، مُتشبثين بـ«يوتوبيا» وهمية يكرهون الاعتراف بأنها جحيم؟ وفى النهاية يختفى اثنان ويُقتل اثنان آخران ويتبادل الناجون الاتهامات.
الكولونيل والملك.. توم باركر.. مدير الأعمال الذى وصفه إلفيس بريسلى بـ«أبى»

فى 5 أغسطس الجارى، وعن دار نشر «ليتل، براون وشركاه» التابعة لـ«مجموعة هاشيت للكتب»، صدر كتاب «الكولونيل والملك: توم باركر، إلفيس بريسلى، والشراكة التى هزت العالم»، من تأليف بيتر جورالنيك، وهو كاتب ومؤلف أفلام وثائقية حائز على «جرامى» وجوائز أخرى.
الكتاب الذى يضم بين دفتيه حوالى 620 صفحة، أصبح فى المرتبة الأولى لقائمة الأكثر مبيعًا فى «السير الذاتية لرجال الأعمال» على موقع «أمازون»، خلال أقل من أسبوع على إصداره، ويكشف عن أسرار العلاقة بين الفنان الأسطورى ونجم «روك آند رول» إلفيس بريسلى، ومدير أعماله توم باركر الملقب بـ«الكولونيل» الذى أوصل «إلفيس» من مراهق مجهول إلى نجم عالمى.
يبين الكتاب كيف دافع «الكولونيل» عن «الملك» بشراسة ودون كلل ضدّ أقطاب صناعة الموسيقى والسينما، لكن القصة ازدادت قتامة، فى سنواتهما الأخيرة معًا، بعد أن وجد «باركر» نفسه عاجزًا عن حماية «إلفيس» من نفسه أو السيطرة عليه.
وفى تاريخ موسيقى «روك آند رول»، ربما لا توجد شخصية غامضة أكثر تعرضًا للذم وأقل فهمًا من توم باركر، بعد ما ترك وراءه ألغازًا وأسئلة لا تُحصى، منذ وفاته فى عام ١٩٩٧. ويحاول مؤلف الكتاب الكشف عن هذه الألغاز والأسئلة، مؤكدًا أن «باركر» لم يكن الوحش الذى يُصوَّر به عادةً، وأن حب «إلفيس» يعنى أيضًا حب «باركر»، مهما كان ذلك على مضض.
ويُلقى المؤلف فى وجه القارئ بسؤال استفزازى مفاده: هل كان مدير أعمال «الملك» إلفيس بريسلى، «الكولونيل» توم باركر، شريرًا؟ ويجيب عن سؤاله برسم صورة مختلفة لشخصية سيئة السمعة فى عالم الموسيقى، مُعتمدًا فى ذلك على عشرات الآلاف من الرسائل الخاصة والوثائق الأخرى التى تركها «باركر»، بعدما أتاحت شركة إلفيس بريسلى، التى استحوذت على ملفات «باركر»، لـ«جورالنيك» الاطلاع على هذه الوثائق.

فى المخيلة الشعبية، «باركر» هو الشرير فى قصة إلفيس بريسلى، وهو المستغل، بصفته مدير أعمال النجم المحبوب لفترة طويلة. ورغم أنه كان القوة التجارية الرئيسية وراء «إلفيس»، وحققت صفقاته ملايين الدولارات لنجم الغناء المعروف، وساعده حتى أصبح نجم «روك آند رول» عالميًا، لطالما وُصِف «باركر» بأنه «محتالٌ فظ».
ويرى المنتقدون أن «باركر»، الذى وُلد باسم أندرياس كورنيليس فان كويك، فى هولندا، وأخفى أصوله لعقود، ثم هرب إلى الولايات المتحدة فى شبابه، واختلق قصة عن نشأته فى ولاية فرجينيا الغربية، حصر إلفيس بريسلى فى مهنة فاشلةٍ بكل من هوليوود ولاس فيجاس، مشيرين إلى استفادته من الصفقات بقدر ما استفاد «إلفيس»، حتى أنه بحلول سبعينيات القرن الماضى، كان يتقاضى عمولة بقيمة ٥٠٪ على معظم أرباح نجم الغناء.
كان شغف «باركر» بالعمل لا يشبع، نادرًا ما كان ينام، لدرجة أن الفنانين الذين عمل معهم كانوا يجدونه مُرهقًا. وفى أوائل عام ١٩٥٥، عندما شاهد «إلفيس» يعزف مباشرةً فى نيو أورلينز، خلال تسجيل لبرنامج «لويزيانا هايرايد» الإذاعى الشهير، بدا أداؤه جريئًا للغاية بالنسبة لـ«باركر»، وكان حماس الجمهور واضحًا.

وقع «باركر» فى غرام «ألفيس» على الفور، وأصبح «الكولونيل» مهووسًا بفنان واحد فقط، وبعد حملة قصيرة للاستيلاء على إدارة أعمال « إلفيس»، تولى «باركر» إدارة أعمال المغنى الشهير، ووقع عقدًا مربحًا معه، لتبدأ منذ هذه اللحظة ثورة ثقافية أعادت تعريف الشغف والتجارة وبناء الصورة، ثورة لم يُضاهها أو يُتعافَ منها أحد.
ونظرًا لفارق السن الذى يبلغ ٢٥ عامًا، وخلفياتهما المتباينة بشدة، لم يكن هناك أى منطق فى التناغم الذى نشأ بين «بريسلى» و«باركر». لكن النجم الشاب وثق بمدير أعماله ثقةً عميقة، واعتبره بمثابة والده، فعندما أمّن «باركر» لـ«بريسلى» عقده الأول مع شركة تسجيلات «RCA»، أرسل «إلفيس» برقية، مؤرخة فى ٢١ نوفمبر ١٩٥٥، جاء فى جزء منها: «صدقنى عندما أقول إننى سأظل معك فى السراء والضراء، وسأبذل قصارى جهدى لأحافظ على إيمانك بى. أشكرك مجددًا، وأحبك كأب».
مرّت علاقة الاثنين بفترات صعود وهبوط ومحن جسيمة، لكن «بريسلى» أثبت صدقه، وما رآه كل منهما فى الآخر يُمثل لغزًا محيرًا، لكن كل من هذين الرجلين الفريدين اختبر مفارقة كونه فى قلب نشاط دائم، بينما يُعانى من وحدة عميقة ودائمة.
كانت السبعينيات بمثابة حزمة من الانتصارات والتحديات للثنائى، كان ما بناه الاثنان ضخمًا جدًا لدرجة يصعب معها التنافس عليه، فقد حجز «باركر» لـ«بريسلى» إقامةً طويلةً فى فندق «إنترناشونال» بمدينة لاس فيجاس، مُحققًا بذلك دخلًا كبيرًا آخر فى هذه الصناعة. لكن لاس فيجاس كانت صعبةً على الرجلين، وشعر «بريسلى» بالخمول من أجواء المقامرين الكبار، حتى طاقته الجامحة على المسرح بدأت تُصبح سطحية، وأصيب «باركر» بإدمان القمار، الذى قيل إنه كان يُبقيه مستيقظًا لأيامٍ متواصلة فى «الكازينوهات».
ومع مرور الوقت، ازدادت الفجوة بين «باركر» و«بريسلى»، وفى اليوم الذى تلقى فيه «الكولونيل» نبأ وفاة «الملك»، لم يُظهر أى عاطفة، وبدلًا من ذلك، انغمس فى التفاصيل اللوجستية لكيفية إدارة الأمر علنًا. وحسب «جورالنيك»، أمر «باركر» طاقم العمل، المُجتمع على متن طائرة مُستأجرة مُتجهة إلى الجنازة، قائلًا: «لا أريد أن أرى أحدًا يبكى أو يُثير ضجة عندما نصل إلى هناك. أتوقع منكم جميعًا أن تحافظوا على هدوئكم وتركيزكم على العمل من أجل إلفيس. لن يكون هناك أى نوع من الانفعالات العاطفية».
لكن فى الوقت نفسه، وهو الدليل الذى يقدمه المؤلف على حب «باركر» لـ«إلفيس»، بعد وفاة «إلفيس»، لم يُدر «باركر» أعمال أى فنان آخر. وبعد عام من وفاة «إلفيس»، وصف «باركر» علاقتهما بقوله: «كنا فريقًا رائعًا. ظننت أننا سنستمر إلى الأبد ولكن...»، ثم تنهد وقال: «لقد أحببته».