فاطمة ناعوت تكتب: أبى
لا تأتِ الآن يا أبى!
فأنا
لم أعُدْ أنا
والولدُ
الذّى سرقَ قلمى
الولدُ القديم
الذى كسَّرَ لُعبة الميكانو
بشاكوشِه الصغيرِ
حتى أبكى
بعدما ركَّبْتُها فى أربعين عامًا
لم يعُدْ هناك.
لستُ مضطرةً
أنْ أُخبرَكَ
أنَّ قيمتَكَ الرفيعةَ عندى
غدتْ اليومَ
محضَ شرفية
ليس لأنكَ مِتَّ
منذ عشرين قرنًا
ولا لأن سقوطَ السُّلْطَةِ
مفهومٌ حداثىّ
ولكنْ
لأنكَ أحببتَ أمّى
ومع هذا
طِرتَ إلى السماءْ
قبل أن تُعلّمها
كيف تعزفُ الجيتارَ
دون أن تجرحَ أوتارَه
تلك المربوطةَ
فى أوردتى.
والآنَ
ماذا يُضيرُ
لو أخبرتُكَ
أنى رجعتُ إلى مدرستى القديمة
وفتحتُ المكتبَ البُنِّىَّ
ومزّقتُ كتابَ التاريخ
ثمّ غافلتُ المعلمةَ
لأسرقَ طبشورًا
من رف السبورة؟
…
تُرى
ماذا ستفعلُ بى
إنْ أخبرتُكَ
أننى طالعتُ الصورَ
فى ألبوم العائلة
وشخبطتُ على صور طفولتى
لأننى
وددتُ أن أكبُرَ سريعًا
لكى
أُكلِّم الولدَ الأسمرَ
الذى سوف يضعُ نظارةً
بعد عشرين عامًا
ذاك الواقفَ
خلف عمودِ قاعة الرسم
يضعُ يدَهُ فى جيبهِ
وبالأخرى
يُصلحُ من وضع ربطةِ عنقِه
الولدَ الذى
سوف يضعُ فى خِصرى
طفلين جميلين
وطفلةً لم تأتِ أبدًا؟
هل ستُكشِّرُ فى وجهى
لأننى لم أحفظ واجبَ التاريخ؟
أم ستضحكُ
لأننى أغرقتُ فى الخيالْ؟
...
أغلبُ الظنِّ
ستضحكْ:
أولًا:
لأنكَ تعرفُ أنى لا أكذبُ
ثانيًا:
لأنكَ تعرفُ أننى أنتبهُ للمعلمةِ
ثالثًا:
لأنكَ تعرفُ
أن الراهبةَ تنامُ فى غرفتى
رابعًا:
لأننى لم أرَكَ أبدًا
إلا مبتسمًا
...
فأنتَ يا أبى
رجلٌ طيب
تحفظُ القرآنَ
وتُحبُّ اللهَ
وخلقَ الله.
هذا ما تعرفُهُ يا أبى
أو
هذا هو المسموحُ لكَ
أن تعرفَه الآن
ولا مزيدْ
...
لهذا
فأنا أردِّدُ دائمًا:
إنَّكَ
مِتَّ
مُبكرًا جدًا
عما يجبُ
أو إننى
كبُرتُ جدًا
أكثرَ
مما ينبغى.
