عروستنا

فن صناعة العرائس من الفنون المصرية القديمة، وأقدم عرائس عُرفت فى العالم، تم اكتشافها فى مدينة «تنيس»، التى عُثر على العديد من آثارها ببحيرة المنزلة، وعبر العصور، كانت جداتنا يصنعن العرائس من بقايا الأقمشة المحشورة بما علق بالحطب بعد الحصاد، والعروسة المصرية التى طالما لعبنا بها ونحن أطفال، كانت مصدرًا للبهجة والفرح وإثارة الخيال، ودلالة على شخصية الإنسان المصرى المحبة للخير والجمال.
لذلك فخبر تأسيس الملتقى الأول للعرائس التقليدية هو من الأخبار الإيجابية المفرحة، خصوصًا أن هذا النشاط الثقافى، لم يكن بالقاهرة، وتجنب المركزية الثقافية السائدة عادة فى أنشطة وزارة الثقافة، فالمؤتمر أو الملتقى أقيم بمحافظة القليوبية ضمن فعاليات «مصر تتحدث عن نفسها»، فى قصر ثقافة الطفل بمدينة بنها من خلال فريق «أجيال»، وفريق «جاردن سيتى لفن العرائس» وقُدم من خلال ما عرضوه فن الأراجوز وعرائس الماريونت وعروض فنية أخرى لشخصيات كارتونية مختلفة.
الاهتمام بفن العرائس وتنشيطه، ليس المقصود به إحداث بهجة ومتعة وتسلية لدى الأطفال فقط، ولكن هذا الفن الجميل، هو واحد من أهم الوسائل المتعلقة بالحفاظ على الهوية القومية للمصريين وتجذيرها، فهو يجسد شخصيات ذات ملامح وهيئات مصرية من حيث الملبس والشكل الخارجى وانتمائها للمواقع الجغرافية المختلفة فى مصر، كما يعبر عن قيمها ومفاهيمها وثقافتها بصفة عامة، لذلك فالاهتمام بهذا الفن الجميل، لهو أمر أبعد من مجرد التسلية والمتعة وإدخال البهجة على القلوب الصغيرة، ولنتذكر شخصيات عرائس أوبريت «الليلة الكبيرة» التى لا تمحى من ذاكرتنا ووجداننا، وكيف جسدها الفنان إيهاب شاكر، كما رسمها الشاعر صلاح چاهين، وهو العمل الذى لحنه الشيخ سيد مكاوى، وهناك عرائس «بوجى وطمطم» للفنان رحمى، وكيف كان ينتظرها الكبار قبل الصغار، عندما كانت تُبث تليفزيونيًا خلال شهر رمضان، ومن ينسى «صحصح لما ينجح»، فى مسرح العرائس والعديد من الأعمال الأخرى، وذلك الطابور الطويل العريض من فنانى العرائس والتحريك فى مصر، والذى لا يتسع المجال لذكرهم جميعًا، لكنهم نجحوا فى تجسيد شخصيات وعوالم مصرية رائعة، وعبروا عن الروح المصرية من خلالها.
والمطلوب من هيئة قصور الثقافة تطوير هذا الملتقى ودعمه وتحويله إلى ملتقى دولى عالمى، وخصوصًا أن هذا الفن مزدهر فى العديد من دول العالم مثل روسيا وأوروبا الشرقية والهند والصين، ومن الجميل أن يكون هذا الملتقى فى محافظة القليوبية وبمدينة بنها الجميلة.
فملتقى دولى منظم له برنامج مدروس، سوف ينعش الثقافة بها بعيدًا عن مركزية العاصمة، ويكون علامة ثقافية خاصة بها، خصوصًا أن هذه المحافظة القريبة من القاهرة، هى قليلة الأنشطة الثقافية رغم أنها تعج بعشرات من المبدعين والمثقفين فى كل مجالات الإبداع والثقافة، فلماذا لا يكون ملتقى العرائس الدولى بها، كمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية، أو مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، أو مهرجان أسوان لسينما المرأة.. إلخ.
والغريب أن مصر بلد سياحى بامتياز، ورغم ما بها من تنوع حرفى فنى يُخدّم على صناعة السياحة ويدعمها، إلا أن مصر تفتقد إلى العروسة المصرية التى تقدم إلى السائح ويحملها معه ضمن التذكارات التى يخرج بها من مصر، صحيح أن هناك بعض العرائس المصرية بخان الخليلى ولكن هذا لا يكفى، ويأتى على نحو غير مدروس وبمبادرات من تجار خان الخليلى ذاتهم، بينما العرائس المصرية يجب أن تُصنع وبدراسة من فنانين متخصصين فى هذا الفن.
ويبقى متحف العرائس هو الحلم المنشود لكل المهتمين بفن العرائس، فلماذا لا تقوم وزارة الثقافة بإنشاء هذا المتحف ودعمه ليصبح مزارًا متميزًا يعمل على تجذير الهوية والذاكرة البصرية للمصريين؟، لماذا لا يقام مبدئيًا فى مسرح العرائس حتى لا تكون العوائق هى المصاريف والتكاليف وما شابه ذلك؟.