شهداء حرب 1948

من ضمن المزارات التى اعتدت الذهاب إليها خلال عطلة الأعياد، مقبرة شهداء الجيش المصرى فى الحرب مع العصابات الصهيونية سنة ١٩٤٨.
كنت أصطحب أطفالى وأطفال بعض أصدقائى لأزور هؤلاء الشهداء وأقرأ على أرواحهم الفاتحة، لأن معظم الناس اليوم لا يعرفون عنهم شيئًا، وربما تناستهم الأجيال رغم بسالتهم فى هذه الحرب، ورغم فضيحة الأسلحة الفاسدة، التى كانوا ضحاياها وعُرفت بعد ذلك، وقد كان هؤلاء الشهداء طليعة ما قدمته مصر بعد ذلك وحتى الآن من أجل الدفاع عن القضية الفلسطينية.
المقبرة جميلة البناء، ومشيدة على الطراز المعمارى الإسلامى، وبها حديقة منسقة وجميلة، والمكوث بها بعض الوقت يضفى على الروح سكينة واطمئنانًا غريبًا، وهى تقع بمنطقة الغفير بصحراء المماليك بالقرب من أبنية مجموعة السلطان قايتباى التاريخية.
لا أدرى، لماذا لا يضع التنسيق الحضارى هذه المقبرة على لائحة اهتماماته، فهى تعد مقبرة تاريخية، ولن تمر سنوات قليلة حتى تصنف كأثر، كما أن طرازها المعمارى شديد التميز، ولا أدرى، لماذا لا تكون ضمن مزارات تلاميذ المدارس، فهى دليل حى على ما قدمته مصر من خلال جيشها دفاعًا عن الحق الفلسطينى، ثم إن زيارات هؤلاء التلاميذ ورحلاتهم إليها، فرصة مناسبة للتعريف بجانب من تاريخ مصر المعاصر الذى لا يعرفه معظمهم على الأغلب.
نحن نتذكر شهداء حرب أكتوبر المجيدة ١٩٧٣، ونتذكر شهداء حرب الاستنزاف، وكذلك شهداء العدوان الثلاثى الغاشم سنة ١٩٥٦، ولكن الأجيال الحالية قلما تتذكر شهداء حرب سنة ١٩٤٨، فما بال الأجيال المقبلة، هل ستتذكرهم أو سيطوى ذكراهم النسيان؟
أظن أنه من الممكن أن يكون هنك يوم محدد فى السنة نتذكر خلاله شهداء هذه الحرب الأولى التى جاء بعدها الكيان الصهيونى الغاشم.. نستعيد فيه ذكريات هذه الحرب ونتذكر أبناءنا الذين ضحوا بحياتهم فيها، ونتمعن فى مدى ما قدمته مصر وما زالت تقدمه لأجل فلسطين، ونستعيد أسماء من سطروا بدمائهم فصلًا من فصول تاريخنا المعاصر، فلا أظن أن أحدًا الآن يتذكر اسمًا من أسماء الذين ذهبوا إلى الأراضى الفلسطينية، اللهم إلا اسم الزعيم جمال عبدالناصر الذى عاد سالمًا منها، كانت هذه الحرب من أسباب نقمته على الحكم الملكى وأحد دوافعه للقيام بثورة يوليو ١٩٥٢ مع زملائه من الضباط الأحرار.
من سلبيات ثورة الاتصالات، أنها قضت على الخطابات البريدية الورقية وجعلت طوابع البريد من عالم الماضى الجميل، فهذه الطوابع، والتى كان العديد منها يصدر فى المناسبات، تعد من أفضل الوسائل للحفاظ على الذاكرة التاريخية القومية، ولو كانت مستخدمة حتى الآن، فربما كان إصدار طابع فى ذكرى شهداء سنة ١٩٤٨ من الأشياء الجميلة التى تذكر الناس بهم.
شهداء المواجهة الأولى مع عدونا المزمن يجب تخليدهم وتذكرهم دائمًا ولنخصص يومًا لهم كل سنة كى نتذكرهم ونقرأ على أرواحهم فاتحة الكتاب.