النيل عنده كتير

بين ركام الأخبار المؤسفة المتعلقة بتزايد إجرام الكيان الصهيونى ضد الفلسطينيين العزل واستمرار إبادته لهم، نطالع خبرًا إيجابيًا يدعو إلى التفاؤل يأتى من قبل وزارة الثقافة المصرية، إذ إن وزارة الثقافة بدأت استعدادات مكثفة للاحتفاء بنهر النيل من منظور ثقافى، بالتعاون مع عدد من الوزارات ومؤسسات الدولة، فى إطار سلسلة الفعاليات التى تنظمها الوزارة لتعزيز الهوية المصرية.
الخبر المنشور بجريدة الأهرام بتاريخ ٢٢/٦/٢٠٢٥ يدعو للارتياح، إذ إن وزارة الثقافة على ما يبدو تسعى لأن تقوم بمهمة كان عليها أن تقوم بها منذ وقت طويل، وهى أن تكون طرفًا أصيلًا وفاعلًا فى التصدى لكل فكر ظلامى مضلل لوعى الناس بذاتهم الجمعية، ويسعى لتشويه هويتهم القومية، وهذا الدور طالما نادى به مثقفو مصر المستنيرون منذ اعتصامهم بوزارة الثقافة ضد الإرهاب، وعملهم على مواجهته، ولكن نتمنى من وزارة الثقافة أن تقوم بالاحتفاء بنهر النيل من منظور ثقافى على نحو مدروس ومنظم، وليس على نحو عشوائى يتم كيفما اتفق، وعلى طريقة نصب الموالد مثلما يحدث دائمًا، فنهر النيل ومنذ تاريخ مصر القديم، طالما كان منتجًا لثقافات متباينة ومتنوعة تجلت بأشكال وطرائق مختلفة، والموضوع أكبر وأعمق من عمل يوم باسم شادى عبدالسلام وعمنا صلاح جاهين والخال عبدالرحمن الأبنودى، فتعزيز الهوية المصرية يستلزم تعميق كل ما هو ثقافى معرفى، ويجب أن يكون على أساس علمى مدروس، وهذا الأمر يستلزم دراسته وجهودًا فكرية حتى يؤتى بثماره، وبنتائج مجدية.
المنتج الثقافى عن نهر النيل ذاته منتج طويل عريض، ربما يعود إلى ما قبل هيرودوت اليونانى بآلاف السنين، والذى قال إن مصر هبة النيل، وطوال القرون الوسطى هناك عشرات الكتابات التاريخية عن نهر النيل، منها مثلًا كتاب «الأقفهصى عن النيل»، والذى صدر منذ فترة من دار الكتب والوثائق المصرية.
المنتج الثقافى المرتبط بالنيل يتضمن الكتابة الإبداعية الأدبية سواء أكانت شعرًا أم نثرًا، ويتضمن الفن التشكيلى والفن المسرحى، ولنتذكر مسرحية أو بابة خيال الظل المعنونة «الفلاح والتمساح» وهى لمؤلف مخايل مجهول غير ابن دانيال الموصلى، وهناك الصناعات اليدوية المرتبطة بنهر النيل كصناعة الفخار، وصناعة السلاسل الناتجة عن نبات البوص الذى ينمو بالمستنقعات النيلية، وهناك العديد من الأمثلة المتعلقة بالمنتج الثقافى المرتبط بهذا النهر العظيم ولا مجال لذكرها بالكامل.
وإذا كانت الوزارة جادة فيما انتوته وحريصة على أن يكون أداؤها أداءً استراتيجيًا مؤثرًا وفاعلًا، فعليها أن تشكل لجانًا متخصصة تدلى بدلوها وتقدم مقترحاتها، على أن تكون لجانًا خلاقة قادرة على الإبداع والخيال، والحقيقة أن هذا الأمر مشروع كبير وعظيم ومفرح وليته يتم على النحو القائم على السعى لوجود جدوى ثقافية حقيقية من ورائه.