يا عندليب ما تخافش من غنوتك.. إبداعات الجامعات

يا عندليب ما تخافش من غنوتك
قول شكوتك واِحكى على بلوتك
الغنوة مش ح تموتك.. إنما
كتم الغنا هو اللى ح يموتك!
فليسمح لنا صلاح جاهين بأن نستعير رباعيته الخالدة، ونحن نعود فى الزمن إلى أيامه، حين كانت الصحف قبلة المُبدعين، خاصة طلاب الجامعات، والدارسين فى مراحلها المتقدمة من ماجستير وغيره، الموهوبين فى كتابة الشعر والقصة والمسرح، والقادرين على سرقة الضحكة من فم الحزن بالكتابة الساخرة، وأيضًا أولئك الذين لديهم قدرة على نفخ الروح فى لوحة خشبية صماء، فتدب الحياة فى أوصالها لوحة تشكيلية أو رسم كاريكاتيرى يسحر الألباب والعقول.
جامعاتنا مليئة بالمواهب الإبداعية فى كل المجالات تقريبًا، من دون أى شك، لكنها فى نفس الوقت تعانى غياب ذلك «الصائغ»، الذى اعتدنا على وجوده فى مؤسساتنا الصحفية، بأنامله الخبيرة التى يمكنها إزاحة التراب عن لآلئ هذه الجامعات، من إبداعات تبحث عن فرصة للظهور، وأسماء لا نريد أن «يقتلها» التجاهل ويوقف مسيرتها، من قبل أن تبدأ. فى هذه الزاوية من «حرف»، نمد يدنا إلى كل موهوب فى جامعات مصر، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ننشر لهم إبداعاتهم فى الشعر والقصة والكتابة الساخرة، إلى جانب الفن التشكيلى والكاريكاتير، مُرددين ما قاله صلاح جاهين قبل سنوات طويلة: «يا عندليب ما تخافش من غنوتك».
محمد كمال يكتب: الزهد

خد منى عنيا
واعطيها لأعمى قضى العمر يحسس على وش مراته
خد منى إيديا
واوهبها لمبتور الكف، حلمه ف مرة يطبطب ع المجاريح
خد منى القلب النابض..
واعطيه لأبو قلب صفيح
خد منى الكبد الوردى
واعطيه لفلاح أكلت كبده الدودة
خد منى الشىء الكامل
وأعطيه لصاحب الأشياء المفقودة
خد منى حبيبتى إن كانت تقدر تبسط غيرى
خد منى الفرصة الكسبانة وسيبنى اتحدى مصيرى
مش عاوز حاجة من الدنيا
غير إنى أكون نسمة هوا على قورة العامل الشقيان
وكوفية لقلب الحارس البردان على باب القصر
أو مصل لعاشق لدغه التعبان اللى اسمه فراق
حاسس بالذنب
وما أصعب إحساس شاعر حاسس بالذنب
قلقان
ساند راسى على الأيام
مش قادر أنام
كان ممكن ألحق فرد حمام سحبه الجوع لشِباك الصياد
وألحق واحد تانى قبل اما ينط من فوق البرج
كان ممكن ميموتش زميلى لو شيلت شريط البرشام من الدرج
العالم بيضيق أكتر
والشعب العامل مش لاقى الوقت يفكر
والأحلام ف عنيهم واحدة ف واحدة بتنهار
والموت بالنسبالهم ياخدوا ف مرة قرار
وبنائًا ع الوضع الحالى
قاعد راسم أحلامى قبالى
وبولع فيهم واحد واحد
حلم البيت، الشغل، البنت
وفتحت القوس وكتبت
وآخرهم كان حلم الشاعر
الشاعر اللى بموت يوميًا على عتبة نصه المُبكى شاعر بالحسرة.

عايدة عبدالعاطى تكتب: خلينى أحب الشتا

زى الأيام دى
أنا كنت عيل..
بحلم أطير زى الحمام
من غير مايخبط ريِشُه فتحات السما
فيتوه ويهبط للبشر ياكلوه
كنت عيل عِلتُه دمعة أبوه
ساعة أما بيعوز الجنيه
ويبص ف جيوبه بأمل
عشمان يصادفه الحظ مرة من مفيش
ومبيلاقيش..
كنت أحب الدنيا تشتى
لأجل بس ألبس طُرُومْبَة
مش عشان أنا حابة تشتى
سقف أوضتى كان بيدفع للشتا
تمن السعادة ف النزول
كنت أقوم الصبح بدرى
ألمح أمى لَامَّة وعيان البيوت
ومرصصاهم جمب منى ع السرير
خوفًا لانَقْعْ السقف يأذينى ف منامى
كنت أروح المدرسة لاجل تُحْضُنِى التُخَتْ
وتلافينى الشمس من شيش الفصول
كنت أقول إن العلام دايمًا مهم
بس ميحققش غاية
واللى زيى..
مهووسين بالحاجات المستحيلة للى زيى
عالى ياسور المدرسة
تشبه طاقة المعجزة
وأنا رجلى أد النمنمة
معرفش أنط
قاعد بناجى ربنا
يدينى قوة مفرطة
وإيدين تطبطب ع الجميع
وحضن بيساع الغلابة المبدورين هنا
وقلب صالب نفسه مَيْنَدْيِشْ آهات
عيل رُفات
فارد ضلوعه المنهكة من زحمة الأيام ف قلبه
شابط مع الدنيا بحنية طفولته
والدنيا بنت الإيه
بَصت لنور الفرح من عينه البريئة
داست عليه
فعشان كده
أول ما بيشوف الشتا..
يرفع إيديه
ويقول يارب..
اكتبنى عندك ف الحاجات
المُستحبة للمعيشة
خلينى ريشة أو بالأصح خفيف
خلينى أعيش..
أعْبُرْ صراط الحلم ف الدنيا بسلام
من غير مايطلب صحتى قُربان
من غير ماانام
والنقع بيسرسب ف عينى
ياربنا..
خلينى أحب الشتا
لاجل الشتا
مش لاجل بس ارضينى.
أحمد عمرو يكتب: فرق عملة

من عينى الساكنة فِـ ركن مضلم..
بتراقب نقص المشهد، وتلونه
وتراجع حركة إيد العامل، وتقيمه
م
هذا الإنسان..
مش خريج دبلوم قسم أجانب!
لكن فرق العملة رماه بينى وبينها
تلك الإنسانة..
بتتحرك عربى مكسر
محتاج عشان افهم ضحكتها أجيب اللى يترجمها!
تحت رجولنا الأرض.. لابسة قناع
سيراميك خَدّاع
بيدارى جيبينها من التجاعيد
تحت رجولنا الأرض قريبة برغم ان احنا بعيد
مسافة..
عالم أول من عالم تالت!
مسافة..
سرعة حرق سجارة محلى
لسجار كوبى
والفرق ما بين صوتها وصوتى..
وصوت المغلوب على أمره
مؤامرة لصالح مين؟
الفرق ما بين البنى آدمين
من لون البشرة الناتج عن ساعتين ساونة
وشفت اتناشر ساعة فـ عز الشمس
سحبت إيديا من المشهد
رميتها فـ جيبى
لمست حقيقة
بس
ماستوعبتش «ليه وازاى»
فضربت برجلى الأرض انشقت بان..
ميت مليون عايشين أوهام
فـ رمتنى مابيهم حد ما مست روحى زمان..
قسمنا وقطع فينا،
وعَيّن مِنّا الوالى علينا
يستخلصنا خامات!
ودروع فى الحرب!
وغموس فى الكرب!
وطاقة تقيد الأرض سنين!
فـ رجعت ساعتها وكُلى يقين..
بيفُك خيوط أسئلة جوايا
الغاية إنى اسكن هذا الركن وبرايا..
على مرمى تاريخ مدفون..
جتت وسجون
عيون البنت الشقرة
اللى ماتعرفش القصة
لكن.. ورثاها فى جين!
ورعشة إيد العامل بـ يوميته..
علشان ماعهوش اللى يخليه
محسوب عالبنى آدمين
إنسان
يقدر يقعد جنبها
ويترجمها
ويترجم لها
يضحك
تضحك
وجيوبى اللى يدوبك
سمحالى أتفرج عالمشهد.

إبراهيم سمير يكتب: شيطانى بيغوينى بشجرة خُلد
على عكس كل الخلق من قبلى
أول ما خطت رجلى أعتاب الرياض
حسيت بيُتم فى قلبى مش غربة
وكأن أبويا لتانى مرة يموت
وكأن حور بنتى بتمسك سوط
فى كل مرة تقوللى فيها وحشتنى.. وتقتلنى جَلد
وشيطانى هو كمان بيغوينى بشجرة خُلد
قربت منها بفطرتى على نهج آدم
رغم إنى عكسه مكانش هدفى خلود
كان كل هدفى من التقرّب إنى أعود..
واهبط فى مصر
مصر التى حفرت فى صدرى
ذكريات لا حصر.. ليها ولا تُعد
وسابتلى نيلها يشُق مَجرى فى كل خد
وسابتلى عمالها بناة الأهرامات والسد
يلعبوا فى عقلى ..
يشغلوا تفكيرى
وكأن مصر ماخلّفتش فى غربتى غيرى
وكأنها قتلتنى وقت ما سبتها ومشيت
وسابتنى يومها قتيل بدون إكرام
ماسابتش سنتى ف روحى على ما يُرام
البعد عنها مكانش جُرم وبس
كان بُعدى عنها فى منتهى الإجرام
والفِكر لما مشيت وشافنى وحيد
لقيته ماسك هون وبيدقدق فى قلبى
وأنا كنت تايه بين شتات الاغتراب.. ما قدرت أحوشه
مالقيتش مَهرب من نصيبى
بالله عليكى يا مصر لتغيبى..
عن بالى ليلة عشان أنام
تسع ليالى على التوالى جفونى متخاصمين
والنوم ما جالى وقال لى حتى انت ابن مين
بقعد قُصاد السقف يوميًا
بيبُصّلى وببصّلُه ولحد لما عيونى بتمئأ
والوحدة طول الليل معايا فى إيدها لستة أسئلة وعمّاله بتحقق
تسأل على لسانى
دلوقتى طيب إيه مشاعر بنتى حور؟
بودى ابن أخويا لسه بيراعى الطيور؟
حتى الطيور!
فاكرينى ولا نسونى؟
طب الشوارع لما غاب نعلى وبطّل دوس
حسوا بغيابى لمرة وافتقدونى؟
ومراتى لسه بتستمد طاقتها من نظرة عيونى!.. من الصور زى الحقيقة
بعد اما رحت لواحدى على شبه الجزيرة وسبتها فى شبه القلق والحيرة
أسكت شوية وتبدأ الأسئلة..
تراودنى تانى
أصحابى لسه بيقعدوا مع بعض؟
فاكرينى طيب ولا فيهم ناسى؟
طب هما لسه بيلعبوا ماتش الخماسى؟
من كتر ضغط الأسئلة
أنا بس مش عاوز أغمض عينى زى ما قولت
أنا نفسى دلوقتى أغمض راسى.
كمال إبراهيم يكتب: من غمضة عين

غمّض عينيك..
إوصل لأصغر نقطة فى خيالك
أول ما تقدر تلمس الضلمة
حاول تعدّى إيديك!
لو لسة حاسس بالأمان كمّل
عدّيت!
دلوقتى جسمك كله هينمّل
أهلًا وسهلًا بيك فى الكون الموازى
زى الفضاء واللاشىء..
مُخّك طلعله عنين لازم تشوف بيهم
هنا لا مجال للفلسفة الفارغة
وانتظار الفكرة مش هيفيدك
إنت لا طاير ولا عايم
إنت لا صاحى ولا نايم
خارج حدود الوصف
بين الوجود والعدم
لا موت هتستناه ولا فى صدرك هوا
حافظ على هدوئك تقدر تروّض عقلك
إثبت مكانك!
الوقت ملكك بس مش فى زمانك
قلبك بيصغر كل ما تفكر
عقلك بيكبر كل ما تكسّر ثوابت
وانت لا إنت ولا غيرك
فى اللحظة دى..
ملامحك اللى نسيتها
هاتكون أقل درجات الخساير
رجلك ماهيش رجلك
طول ما انت مش واقف عليهم
إيه اللى يثبتلك!
عمرك هيتحول من سنين لدواير
تجربة إعدام مباشر للنهاية
أول ما تبدأ تنسحب!
غَمّض عنيك أكتر
اضغط عليهم واخلق الموج تحت طوعك
يبقى زى الـ«زى» ذاته
منفصل عن نوعك اللى عرفته صُدفة
شَكّل مصيرك وانت بتحارب لوحدك
بعد ما قررت تبقى إله لنفسك
وشيلت على كتفك معانى كاتمة نَفَسك
فكّر إذا كانت حياتك
كلها تسوى الحقيقة
ولّا الحقيقة لسة ماتخلقتش أصلًا!
شوف كل شىء فى الدنيا
ماقدرتش تشوفُه
هنا كل حاجة مباحة وانت كل حاجة
لا سُلطة يوم تقدر تصادر ضلمِتَك
ولا فكرتك هتخاف من الكرباج
شَكّك براحتك فى الوجود
وابعد وسافر
من إمتى كان هدفك من الجَرى الوصول
كسّر مرايتك لو مفيش فيها انعكاسك
.. المهم إنك تِكُون..
وتدوب معانى الكون فى دوامة بصيرتك
أوِّل خطاويك لليقين..
وان انت حتى إن كنت مش عايز تِصدَّق
ماتشيلش على ضهرك حاجات هاتهد حيلك
بكرة اللى جى خلاص
ربنا عارف
أملى اللى راح وماجاش
ربنا شايف
الظُلم عَلَّا السور
ربنا قادر
جنة ونار وحساب
ربنا موجود
أرض وحياة وإنسان
ربنا واجِد
والكُل لِيه قِبلته
ربنا كاتب
بس الأكيد الوحيد
ربنا واحِد..
جرَّب تشوفُه فى كل شىء حواليك
فَتَّح عينيك..