السبت 26 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

يا عندليب ما تخافش من غنوتك.. إبداعات الجامعات

حرف

قول شكوتك واِحكى على بلوتك

الغنوة مش ح تموتك.. إنما

كتم الغنا هو اللى ح يموتك!

فليسمح لنا صلاح جاهين بأن نستعير رباعيته الخالدة، ونحن نعود فى الزمن إلى أيامه، حين كانت الصحف قبلة المُبدعين، خاصة طلاب الجامعات، والدارسين فى مراحلها المتقدمة من ماجستير وغيره، الموهوبين فى كتابة الشعر والقصة والمسرح، والقادرين على سرقة الضحكة من فم الحزن بالكتابة الساخرة، وأيضًا أولئك الذين لديهم قدرة على نفخ الروح فى لوحة خشبية صماء، فتدب الحياة فى أوصالها لوحة تشكيلية أو رسم كاريكاتيرى يسحر الألباب والعقول.

جامعاتنا مليئة بالمواهب الإبداعية فى كل المجالات تقريبًا، من دون أى شك، لكنها فى نفس الوقت تعانى غياب ذلك «الصائغ»، الذى اعتدنا على وجوده فى مؤسساتنا الصحفية، بأنامله الخبيرة التى يمكنها إزاحة التراب عن لآلئ هذه الجامعات، من إبداعات تبحث عن فرصة للظهور، وأسماء لا نريد أن «يقتلها» التجاهل ويوقف مسيرتها، من قبل أن تبدأ. 

فى هذه الزاوية من «حرف»، نمد يدنا إلى كل موهوب فى جامعات مصر، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ننشر لهم إبداعاتهم فى الشعر والقصة والكتابة الساخرة، إلى جانب الفن التشكيلى والكاريكاتير، مُرددين ما قاله صلاح جاهين قبل سنوات طويلة: «يا عندليب ما تخافش من غنوتك».

سلمى حكيم تكتب: الباب 

سلمى حكيم 

من وقت ما شاخ الضَى على الشبابيك 

والليل استوطَن كل نواحى الدار 

كان نِفسى يكون لى قرار 

واتحدى الموج

وأخطى السور الحاجز كل ملامحى

اتوضى ف نيلى

وأصالح كل جَوَارحِى

يا بلاد يا مسافرة وفايتانى جِدر متبّت 

الحزن اتفَرّع فيا ولسه يدوبك قلبى مِنَبِّت 

أندَهلِك تمشى

وتمشى

وصوتى بينشف منى 

كل أما تعدى عليا أيام تضربنى فى ننى 

يا فروعى يا مادة فى كل نواحى الكون 

أنا وقت ما قولت يا ضِل اتلاشوا حبايبى 

واتفرفط ورقى وسَاح الليل فى النار 

مع كل إيدين اتمدوا برمح أقول دا قرايبى 

وأبنى فى القلب جناين تنفع دار

عَجِّزت أنا وقت ما فَلتِتْ روحى من العشرين 

وأنا بسأل طوب الأرض أنا أطلع مين!

ولأمتى هيفضل بينا الباب!

معقول هيعدى العُمر علينا ولسه أنا وإنتى أغراب ف أغراب 

أنا سلمى وسالمة من الأصحاب والناس 

ووحيدة فى وسط الزَّحمة ووسط الخُوف 

يتمَّدد فيا الحُزن ويعمِى الشُوف

يفرشنى على الأسفلت رصيف

وأخجل من عَتْرَة 

تزعّل رِجل كفيف 

أو نُومة على منشار الليل والبرد

وبَوصِّى الفَازة تَمَلّى تِحن لدمع الورد 

أنا حُزن من الأحزان الخام 

بتعجِّب جدًا منى ساعات وبقول يا سلام 

لو أبيع

كنت أفلت.. بس لمين وبكام!!

وإيديا وإيدِك طُوق ومشَابك 

بتسيبى تَمَلِّى وبرضه أنا شَابك 

معرفتش حد اتبخّر مرة وسَابِك

ولقى له ف غير أحضانك له أحباب 

فقوليلى لأمتى هيفضل بينا الباب!

تصوير: شروق عاشور

عمر هلال يكتب: خطأ فى تدوين بطاقة الهوية الوطنية

عمر هلال 

كان قال ساعات البعد بيقرب

ففهمنا إن البعد بيقرب 

وعشان منابنا من الونس كان مسئوليته

لو كان يسافر كنا نتغرب 

لملم قلوبنا وحطهم فى ميدالية المفاتيح

حط الوداع أحضان فى شنطة صدره واتحول مطار

من يومها طوب البيت مفوت فينا ريح

وحنينى توب واتكر ع المسمار

عيل عيونه على البيبان مراجيح

ونهار ف طرفه الليل ف طرفه نهار

- عمرك يا بابا

- َلا مذاكرتكوا

- وأمى فغيابك 

- زى م بلغتك 

- حسك يا بويا

- البركة فيك إنت 

- خليك يا بابا 

- طب جهاز أختك؟!

بكبر ولكن حضنى مش هيساع 

وهضم مين وأنا قلبى ماله دراع

مقاسات هدومى اتغيرت كام مرة وإنت 

مش بتيجى معايا وتنقيلى لبس

مقاسات همومى اتغيرت فالغربة وإنت

لسه طبطبتك بتبعتهالى «واتس»

كنت أما أشوفك وانت بتلم الشنط

بتمنى تتلخبط

تنسى الصابون أو علبة الدخان

أو مثلًا البشكير يحس شوية على دمه 

ويلم رجله عشان يفضى مكان

وألاقيك حاططنى فشنطتك جنب القميص الـ إنت بتحبه

لوَلا الملامة كنت أعيط.... أثور

وأمد إيدى أقطع الباسبور

بس الـ حاشنى بواخة 

عدادات الغاز

وعدادات النور

وعدادات العمر.. والمقدور

لكن إنت حطيت خطتك ولعبتها زى الكتاب مهو قال

ونقعتنى فحضنك طويل البال

فشربت من لونك سمار والشامة فوق خدى

وزرعتنى «مجدى» 

توريطة لكن موقفك إنسانى

ما هو برضو حق! 

منين لوحدى كنت أجيب تصبيرة لأمى فغربتك 

لو كنت متصرفتش انت وقولتى: «خليك مكانى»؟ 

ومنين خواتى هيحضنوك فالـ«videocall»

لو كنت مش شبهك؟!

ومنين هيلمحنى البكا لو مش بشوفك فالمراية كل ما 

بعدى؟!

علشان كدا تقدر تقول السر للعالم وماتخبيش

وأقدر أقول:

اسمى الحقيقى مش عمر مجدى

اسمى الحقيقى مش عمر..... 

مجدى!

عبدالرحمن أشرف يكتب: ما المعجزة؟!

 

عبدالرحمن أشرف

«كمان ساعة! أنت! طب إزاى.. مستحيل!».. وهو كذلك، فلم يكن من المُتَوقعِ بعد شهورٍ من الغياب أن أمسك بهاتفى الذى طالما وجدوه مُغلقًـا؛ لأتـصـل بأصدقائى وأزف إليهم النـبأ السار..

لقد انتصرت، نعم.. انتصرت على «الرهاب الاجتماعى» البغيض، وأخبرتهم للمرة الأولى أنى أود لقاءهم جميعًا بعد ساعة من الآن، كنت أحدثهم وكأننى لست أنا، وكأنهم ليسوا هم الذين يعرفوننى حق المعرفة طيلة عقدين ونصف..

مِن أين لى بتلك الشجاعة المفرطة؟! متى تحولت لذلك الشخص المَرِح الذى يتأرجح بين الجملة والأخرى بهذه الرشاقة والانسيابية! لا أخفيك سرًا أن هذا التغيير كان من عاشـر المستحيلات، ولذلك كان السبب الأول فى دهشـتهم بالعلامة الكاملة: عشرة أصدقاء.. عشر مكالمات هاتفية.. وعشرة «مستحيل!» قيلت لى.

خرجتُ من منزلى تاركًا انطوائيتى وخوفى من اللقاء، حاملًا حقيبة ظهرى كى لا تبقى وحيدة فى المنزل، وحملت معها خوفى على اللقاء من أن يعكر صفوه غياب أحد، لكن لا يهم، فقد اتخذت عهدًا على نفسى ألا يعكر صفوى أى شىء..

وصلتُ إلـى المقهى، طلبت من أحد العاملين به أن يضع أحد عشـر كرسـيًا حول الطاولة التى وجدتها تبتسم لى، ووضعت حقـيبتى على قَدَمَىَّ حتى لا تنزعـج من البقاء أرضًا، وجلست انتظرهم..

دخلوا واحدًا تلو الآخر، كرسى وراء الآخر كان يمتلئ ويؤنَس بمن عليه، لم يبقَ إلا كرسيًا واحدًا هو الفارغ؛ وكان ينتظر قدوم صديقنا الأخير..

وبعد السلام.. سكـت الجميع، ورأيت فى عينهم لهفة الأطفال على القصص، فبدأت سريعًا فى سرد المعجزة التى شفيت بها تمامًا من سحر «الانطوائية» الأسود.

لم يقاطعنى أحد وكلما انغمست فى التفاصيل زادت لهفتهم وثقتى بنفسى، وزاد احتضان الحقيبة لى بسبب اشتعال الأحداث، وكأنها تطمئننى وتقول لى: «أكمل.. أنت بخير»، أفرغت ما بداخلى حتى انتهيت، وبعدها..

امتد الصمت للحظاتٍ قليلة لم أفهم سببها، فكل ما أدركته وقتها هو اليأس الذى كاد يتملكنى من صمتهم، ولكن.. مهلًا!، ما هذه الضجة، أَكُلُّ هذا لى! أَ نظَراتُ الفخر تلك.. بى أنا!، بقصتى أنا!

لـم يتثنَّ لى الوقت لاستوعب ما حدث..

فقد رأيتهم يهرولون إلىّ جميًعا بهدف واحد فقط هو احتضانى بأى ثمن، لذا تركت حقيبتى على الأرض دون استئذانها، ووقفـت أتسلم المكافـأة الحقيقية على مـا مررت به، لتبدأ حينها موجـات الضحك المتواصل تعلو وتعلو، وأعلـو معها ببراعة شديدة..

ولكى أكون منصفًا.. لا أعلم متى توقفنا عن الضحك، ولكـن فى ظنى عندما تبدلت ملامحى، ووجدونى أنظر إلى الكرسى الذى أمامى بمنتهى الأسى، وكأنه حالة إنسانية تستوجب الشفقة..

قال أحدهم وقتها: «حسدناك ولا إيه، إنت رجعت زى الكرسى تانى!»، فنظرت إليه دون اكتراث، فنظر لى مجددًا وقال: «مبحلق فى الكرسى كده ليه يا عم، ماله كفى الله الشر؟» قُلـت بجدية: «مفيـش.. تعبان شوية ومش هيقدر يشيل حد تانى النهار ده»، فقال: «هو مين ده اللى تعبان؟!» قولت- ببساطةٍ شديدة-: «الكرسى»!

وما إن مرت ثوانٍ حتى انفـجر الضحـك مـرة أخـرى، فقد حَسِـبوها مُزحـتى الجديدة.. ولولا قول الآخر: «قول يا أديب يا عالمى، قول» لكان توقف ضحكهم، ولم يستمر كما لو أنه بدأ للتو..

لذا قررت بينى وبين نفسـى أن أضـع خطة محكـمة لإنقاذ الكرسى، والخطة كالتالى؛ عندما يأتى صديقنا الأخير.. سوف.. ماذا!، لا!، لقد أتى قبل أن أفكر حتى!

انتفضت من مكانى متظاهرًا باستقباله؛ والحقيقة أننى وددت استبدال الكرسـى بكرسيٍ آخـر دون أن يلاحظوا، لكنـهم لاحظـوا.. وصممـوا أن يجـلس صديقـنا علـى الكرسى حتى يثبتوا لى أنى تماديت فى الخيال قليلًا، فطالما كانوا يعلمون أننى عاشقٌ للقراءة والكتابة، مولعٌ بالأدب والأدباء..

لـم يستغـرق الأمـر سوى بضع ثوانٍ حتى سَمِعـنا جميعـا صـوت الكرسـى يصرخ، وانهار أرضًا مغشيًا عليه، فانكبَّ صديقنا على الأرض ليجد نفسه فى حالٍ يرثى لها..

حينها.. نظـر الجميع إلىّ فى صمت.. واعتـلت وجوههـم نظـرات الدهـشـة حتى توسعت حدقات أعينهم جميعًا.. الآن يرون الحقيقة، يشاهدون ما أشاهد، ويسمعون ما لم يسمعوا من قبل..

الآن قد تفتحت بصيرتـهم بعض الشىء؛ ليدركـوا أن «الرهاب الاجتماعى» لا يصيب البشـر وحدهم، ها هم أمامى لا يزالون متخشـبين مما استوعبوه، بينما سقطت حقيبتى، وكأنها قفـزت بإرادتها؛ لتحتضن الكرسى وتتساءل.. عن نوع المعجزة التى يحتاجها «الكرسى» ليتخطى الأمر

مصطفى الطحان يكتب: الأثر

مصطفى الطحان

يعيش أبويا جوا خير ونعيم تملى 

كل ما أنطق راح تشوفه 

لإن فاسه مفلحة عقلى 

ولا عمره كان درويش 

لكن مقامه جوا كل فؤاد 

يلجأ إليه المظلومين 

فيلين فى إيده اللى ظلم

وبدون قلم 

عاشها علم 

فى كل مهنة مر منها ساب أثر 

من عند مواتير السفن 

وصيانته ليها بمشرطه وخيطه 

لحد ما شده القدر خلاه 

فلاح فى غيطه 

طرح تعبه بيزرعه فينا 

المغربية تلمحه 

فتدارى شمس الكون فى أرضه 

لجل يقعد 

تفرد حبال الليل وتعقد كحل ع الضلمة

غصب عنه يلين لها 

فيشيل على كتفه التعب 

ويشد بسمة من الهموم 

يحطها فوق القفص 

ويجيلنا يرميها لقلوبنا ولعنينا 

ويخش ياكل همه ويّا النوم 

يجى فجر اليوم 

منبه الحمول ينده عليه 

فيقوم يعافر ويّا فاسه ومنجله

ضربة فى ضربة 

يقابل الشمس اللى بايته

جوا أرضه 

فيزيل ترابها بفرط عرقه 

ويحطها تانى فى مكانها 

لجل تضوى طريق عنينا 

لجل نمسك إيد وظيفة

تشد من الساقية السخيفة

ساعتها نبقى فلتنا فعلًا 

لما نجرى 

يبقى جاز لينا الوصول 

زى ما كان قوله دايمًا 

القلم سفلتوله طريقه فى مدينته

طلته بتطغى على كل الحضور 

والعمل من غيره فى نهايته 

سرعة لكن للقبور 

دام يعلم فيا درسه 

واللى ياكل، نفسه ينفع 

وأنا كنت لأبويا ضرسه 

لما خير أرضه يزهر 

وأما ينزل بالبشاير 

كان يحابى عليه بجيبه 

لجل تبقى الدوقة ليا 

يلمح الفرحة فـ عنيا 

يبقا كَلْ

يمشى فوق الجمر حافى 

يطفى ناره بحرق روحه 

لجل أدوس بالكوتش أعدى 

مين فى دنيا الناس بحالها 

يدى قد ما أبويا يدى

مين عشانى يحط نفسه فى الرحاية 

لو هيبقى مهلة ليا عشان أعيش 

دا السؤال اللى سألته 

والأثر جاوب: ما فيش!