يا عندليب ما تخافش من غنوتك.. إبداعات الجامعات (16)

يا عندليب ما تخافش من غنوتك
قول شكوتك واِحكى على بلوتك
الغنوة مش ح تموتك.. إنما
كتم الغنا هو اللى ح يموتك!
فليسمح لنا صلاح جاهين بأن نستعير رباعيته الخالدة، ونحن نعود فى الزمن إلى أيامه، حين كانت الصحف قبلة المُبدعين، خاصة طلاب الجامعات، والدارسين فى مراحلها المتقدمة من ماجستير وغيره، الموهوبين فى كتابة الشعر والقصة والمسرح، والقادرين على سرقة الضحكة من فم الحزن بالكتابة الساخرة، وأيضًا أولئك الذين لديهم قدرة على نفخ الروح فى لوحة خشبية صماء، فتدب الحياة فى أوصالها لوحة تشكيلية أو رسم كاريكاتيرى يسحر الألباب والعقول.
جامعاتنا مليئة بالمواهب الإبداعية فى كل المجالات تقريبًا، من دون أى شك، لكنها فى نفس الوقت تعانى غياب ذلك «الصائغ»، الذى اعتدنا على وجوده فى مؤسساتنا الصحفية، بأنامله الخبيرة التى يمكنها إزاحة التراب عن لآلئ هذه الجامعات، من إبداعات تبحث عن فرصة للظهور، وأسماء لا نريد أن «يقتلها» التجاهل ويوقف مسيرتها، من قبل أن تبدأ.
فى هذه الزاوية من «حرف»، نمد يدنا إلى كل موهوب فى جامعات مصر، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ننشر لهم إبداعاتهم فى الشعر والقصة والكتابة الساخرة، إلى جانب الفن التشكيلى والكاريكاتير، مُرددين ما قاله صلاح جاهين قبل سنوات طويلة: «يا عندليب ما تخافش من غنوتك».
بسنت حسن محمود تكتب: 14 مايو

عزيزى.. تحية طيبة وبعد:
اليوم هو الرابع عشر من شهر مايو، توالت الأيام فى هذا العام برتابة مؤلمة أحيانًا، وبسرعة فائقة فى القليل منها، تتلاءم مع نصفى الضائع فيك، ونبضى التائه فى الأيام بدونى.
«الألم ينتج إبداعًا».. هكذا كتب «العقاد» فى أحد كتبه، هذه الحالة من الضبابية اللا متناهية تبحث عن نور. ولطالما بحثت عن ضوئها فى الورق الأبيض والقلم وبعض من البشر. يمتد التيه وتزداد نسبة تمحوره حولى، ولكننى لا أستحق إلا نورًا فى آخر الطريق.
وصلتنى رسالتك الأخيرة تحمل الكثير من التيه والألم الذى تشعر به. لطالما أخفيت ألمك وسقمك وضجيج عقلك عنى. حينما تشعر بأسر الأفكار تلتهمك، تأتينى هاربًا منها متغلغلًا فى نبضى، ملتهيًا بى عنك!
اشتقت لك، أتحمل كل هذا الألم وحدك؟ أيتمرد الأمير ذو الجمال الملوكى؟ أشعر أن حميتك تمتد لحمية ملك عظيم فى عصر الملوك. إذا كنت فى العصر العباسى كنت ستجابه الملوك فى الجمال والهيئة، وإذا كنت شاعرًا- يا روحى- لكان «المتنبى» يرافقك فى رحلته الشعرية ليكتب عنك ما يشاء الله له أن يكتب. لكنت وكنت، لكنك الآن تحتاج لأن تعثر عليك.
قبل أيام، ظللت ساعات أكتب وأمحو، بضع نبضاتى تتألم، نصفى غارق فيك ونصفى ضائع. أدرس هذه الأيام بأقل جدية فى مشروعى، لكنت فى أيام أكثر روحانية، وتماشيت مع مشروعى بضعة أيام. كنت أشعر براحة بالغة تكاد تصل لحضنك فى ولع.
تكاد نبضاتى تسمع شفتيك، وتتذوق أذنى أصوات اسمى بين أنفاسك الملتهبة.
صرت أنا والليل رفاق نتهامس بين النجوم عنى وعنك.
حاولت أن أكمل لكن أخفقت مرة وعدت من جديد، أخبرنى عنك يا عمرى، طمن نبضى عليك، أحبك.
سلام
لوحتان لـ محمد صديق



نجلاء حميدة تكتب: تعبت أناديك

وفين أنتَ وفين ألاقيك؟!
بنادى عليك فـ كل مكان
عشان تسمع أنين روحى
عشان ترجع ولا بلاقيك
خسرت الكل علشانك،
بقيت وحدى
بقيت بسهر وأنام وحدى
ووحدى دى بتوجعنى
شارية خاطرك، وبتبعنى
شارية حبك، رهنت عليك
طلعت من الرهان
بلا قلب، ولا أحباب
قالولى كتير: مش شَبهك
فتحت الباب كتير بعدك
لكن بابى رفض يقفل على غيرك!
سنين وأنا مش بشوف غيرك
وآه، شايفاك فى كل الناس
رميت السهم على قلبى
وشديته، فـ راح نازف
فرحت بلذّة البدايات
أنا اللى الدنيا
بتراهن على ضحكتى
ضحكت معاك
وخوفت عليك
وحبيتك
هدّمت حياتى وبنيتك
ياريتك بس يوم تفهم
مكنتش عايزة منك شىء
غير إنى بس أكون وياك
أشوف الدنيا بعيونك
تشوف الدنيا بعيونى
ننام ونقوم فى راحة بال
وناخد م الحياة لو يوم
نعيش بلا همّ ولا أحزان
لكن من إمتى يا حبيبى
فى يوم خدت اللى أنا عايزاه؟!!
صفوت تواب يكتب: صباح

أنا فاكر مرة قالت لى
إياك يا ابنى تسيبنى
وعشان قُلت لها هَطول
قامِت حضنتنى الأول
وعجنت زعلها ف الماجور
وإيديها بتبكى
بخاطر مكسور
وإكمنى أنا عيل دحِلاب
بأعرف أرضيها بكلمة:
سبِت لِك حُبى ف دولاب
مِتعلق ويا هدومى
يا صباح مالِك زعلانة
هاتى إيدك يالا وقومى
يرضيكى أمشى زعلان
والناس تقول ضاربينُه
قامت حضنتى يا بحر
حسيت بالقهر ف جوفها
نارُه حَرقِت جلابيتى
والشمس انطفى نورها
عدت أيام وشهور
والغربة عليا تمُر
بزَرع ف الأرض البور
وانسرق منى العُمر
ورجعت يا بحر أتمنى
عشمان بس فى حُضن
ورجعت يا بحر لِبيتنا
ملاقيتش أمى بِتعجِن
وماجورها مَكفى بيئن!
ضحى السلاب تكتب: صور تذكارية للبيع

صوت إنذار الحريق
حوادث يرصدها الطريق
عبث الأطفال فى الظلام
صوت حافلة المدينة
ويد أمى فى الدقيق
رغبة فى الانحراف
عن أمور منتهية
لا تسلط الأضواء
على زر المصداقية
داخل يوم السبت الطويل
وحقيبة العمل الوفية
صوت حبات الأرز داخل
البالون الأحمر
زيارة الجد النبيل
ذائقة الصدق المريرة
وشم الطائفة الأخيرة
لحن البقاء على الجزيرة
جميعها صور صافحت نفسى
فى طرفة عين
وقيود عانقت قدمى
فى ساعة بَيْن
جميعها فرصة
فاتها أوان الود
جميعها خلفيات
صور تذكارية
تاهت بين مآسى الوطن
جميعها ضيق
مثل فتحة الخروج الوحيدة
من باب المتاهة
جميعها بارد
كضمير الإبادة
يوسف الغرباوى يكتب: وليمة لم تُخلَق لى

كان المطر ينزل بتؤدةٍ، كأنه يُجرى بروفة لشتاء لمَّا يأتِ بعد.
الهواء منعش، والسماء رمادية. ذلك النوع الذى يوحى بأن أمرًا ما قادم فى الأفق، لكنه لا يخبرك صراحةً.
كنت على موعد مع «منيف»، صديقى الكويتى الذى يملك ابتسامة لا تهدأ، وكأنه يحاول رشوة الحياة، فهو رائد مدرسة: «إذا كان الشىء غاليًا.. فهو يستحق».
قال لى بحماس: «اليوم أطعمك شيئًا لن تنساه».
ابتسمتُ، وقلبى يهمس: «اللهم اجعلها عربية فول لا تُكلفنى ماء وجهى!».
لكنى لم أرد أن أبدو شحيح النفس، فقلت له: «على بركة الله.. المهم يكون الأكل كويس».
وصلنا المطعم.
كانت واجهته تلمع، باب زجاجى يفتح تلقائيًا،
نادل يرتدى بذة كأنها مستعارة من فيلم تجسس.
أول ما لاحظته هو الصمت.
الناس لا تتكلم، بل تهمس.
الطاولات مُعدَة بعناية، كأن كل شوكةٍ فيها خضعت لاختبار ذكاءٍ قبل أن توضع!
الضوء خافت جدًا لدرجة أننى لم أعد متأكدًا من شكل «منيف» نفسه، لا بد أن الحقيقة هنا مؤلمة ويجب ألا ترى.
جاء النادل ومعه «منيو»، كتب فيها أسماء أطباق لا أعرف هل هى طعام أم أسماء كتب فرنسية قديمة.
لم أكن جائعًا حقًا، كنت فقط خائفًا أن ألمس شيئًا بالخطأ فيُضاف ١٠٠٠ جنيه إلى الحساب
ابتلعت ريقى
كنت خائفًا.. لا، لست صريحًا.. كنت مذعورًا.
ليس من المال فقط، بل من المكان نفسه.
ذلك الشعور القابع فى صدرك بأنك ضيفٌ فى حفل لم تُدعَ له
قلت له بهدوء مصطنع لا يكشف عن بركان الهلع بداخلى: «منيف دعنا نغادر».
لم يسألنى لماذا.
لم يغضب.
فقط ضحك وخرجنا والمطر ما زال يهبط كأنه يصفق احتفالًا بهروبنا.
نعم، فقد نجونا بأعجوبة من نظامٍ اجتماعى صممه أناس لا يحبون الفول. والحمد لله محفظتى ما زالت تحوى شيئًا أكثر من الهواء!
وقفنا أمام مطعم «شاورما».
لا واجهة زجاجية، لا نادل، فقط «منيو» بسيط بلا مصطلحات أجنبية أو أفكار ثورية عن الطهو،
الرائحة تتسلل للروح مباشرة.
الطاهى يقف أمام السيخ ويقطع اللحم بحركة فيها يقين، وكأنه يمارس طقسًا دينيًا.
وكل قطعة لحم تسقط على الخبز كأنها وعدٌ صغيرٌ بالسعادة.
أخذنا الساندويتشات، وأكلناها واقفين، والمطر يغسل الدنيا من حولنا.
قال «منيف» وهو يمضغ بابتسامته المعتادة: «تعرف؟ حبيت المطعم».
ضحكنا، وفى قلبى جملة آمنت بها ذلك اليوم: «أحيانًا، أكثر الوجبات فخامة تلك التى لا تحتاج أن تمثل فيها أنك شخص آخر».
عبدالملك مروان يكتب: كَبوة

شهقتُ والدمعُ يقطرُ من عينى
كمثكولٍ ينوحُ بصمتٍ يُنادينى
رباهُ! إن الحزنَ يَقتلُنى ويفنينى
ويمزقُ نياطَ القلبِ حتى شرايينى
ماذا أقولُ وقد شِبتُ فى صِغرى
وراحَ الشيبُ فى شَعرى يغزينى
يا ليتَ شِعرى إذ ناديتُ يسمعُنى
يُجبرُ الكسرَ فى صدرى ويشفينى
مشى الوَهنُ فى الروحِ يسكننى
غريبٌ فى نفسى، وبينَ دواوينى
كأنى الصحراءُ فى قفرِها بَرًا
أُناجى الغيمَ.. يسقينى ويحيينى
ملأتُ الأرضَ ركضًا أُطالبُها
حتى لقيتُ من الآلامِ ما يكفينى
كأنّى سرابٌ على رملِ ذاكرتى
أهيمُ بظلٍ ضائعٍ دون تكوينى
لقد ضاق العيش فى نظرى
فأين ما يُنسى نفعلهُ وينسينى؟
أعيشُ مقتاتًا من الأحلام حتى
أرى ضوء الأمل يدنو فيسلينى
لعلّ فجرًا سيأتى بعد كَبوتِنا
ويُزهِر الحُب وردًا فى بساتينى