ماذا يكتب العالم؟ خرائط جديدة للإبداع مع النشر الرقمى والذكاء الاصطناعى

يشهد قطاع النشر وصناعة الإعلام فى العالم تحولًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا بالتطور التكنولوجى وتقنيات الذكاء الاصطناعى وارتفاع تكلفة الورق والطباعة، ما يعيد تعريف مفهوم الإبداع ومهنة الكتابة والصحافة، وهو أمر بالغ الأهمية للمؤلفين والناشرين فى سوق تشهد منافسة متزايدة.
وتكشف «حرف» عن أهم التطورات فى سوق تأليف الكتب وتوزيعها واستهلاكها، وفى صنعة الكتابة وأسرارها، وأهم الأفكار المطروحة مؤخرًا فى بيئة نشر ديناميكية تتأثر بصعود استراتيجيات النشر الرقمى وتقنيات ومنصات الكتب الإلكترونية، وتغير أنماط القراءة، والدور الجديد للكتب المطبوعة والصحف والمجلات ووسائل الإعلام والترفيه التقليدية.

ادخل الحلبة واكتب.. كيف تكون الكتابة مثل الملاكمة؟

فى مساء أحد أيام الثلاثاء، حاصرت الروائية الأمريكية «لورا فان دن بيرج» شريكتها على بساط الملاكمة فى صالة «سنترال سكوير»، رافعة يديها لحماية وجهها، موجهة ضربات سريعة ودقيقة إلى قفازات التدريب. توقف آخرون فى الصف لشرب الماء بين فترات التمرين، لكن بيرج ظلت ثابتة، تقفز على أصابع قدميها، محافظة على حركتها استعدادًا للجولة التالية.
فى الصيف الماضى، شرعت بيرج فى رحلتين متوازيتين: نشر روايتها السادسة «حالة الفردوس»، والتدرب لمباراة ملاكمة ستقام فى نهاية هذا الأسبوع فى والثام الأمريكية. وهى تعتقد أن الممارستين تعززان خصائص مفيدة مماثلة.
ولورا فان دن بيرج روائية نشأت فى فلوريدا، تعمل حاليًا كمحاضرة أولى فى مجال الرواية بجامعة هارفارد. ألّفت ستة أعمال روائية، وحصلت على زمالة «جوجنهايم»، وجائزة «شتراوس ليفينج» من الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، وزمالة أدبية من الصندوق الوطنى للفنون، وجائزة «بارد» للرواية، وجائزة «بن أوه هنرى»، وزمالة «ماكدويل كولونى»، ووصلت إلى نهائيات جائزة «فرانك أوكونور» الدولية للقصة القصيرة مرتين.
تقول بيرج: «كتابة رواية والتدريب على القتال فى الملاكمة يتطلبان ثقة كبيرة فى العملية. ستكون هناك أوقات تشعر فيها بالتعب الشديد، أو الإرهاق، أو الهزيمة، وعليك أن تثق بخطتك. سواء كانت خطتك ككاتب هى كتابة خمس صفحات يوميًا، أو خطتك كمقاتل هى المواظبة على جلسات التدريب اليومية، عليك أن تثق بقوة العمل التراكمى مع مرور الوقت».
بدأت بيرج كتابة رواية «حالة الفردوس» خلال فترة الجائحة، عندما كانت هى وزوجها، بول يون، يعيشان فى ولاية فلوريدا، مسقط رأسها. بدأت كممارسة يومية لكتابة تأملات حول جوانب من محيطها: الطقس، والمناظر الطبيعية، والحياة الأسرية.
تقول بيرج: «فعلت هذا لمدة ستة أشهر تقريبًا دون أى توقع بأن يتحول إلى كتاب. ثم حدث أمر غريب، أدركت أننى أكتب هذه التأملات بصوت يشبه صوتى، ولكنه ليس صوتى أيضًا. وكان ذلك صوت البطل وهو يتقدم للأمام».

تدور أحداث الرواية حول كاتبة شبح لمؤلف روايات إثارة مشهور، حيث تتعرض حياتها اليومية فى بلدة صغيرة فى فلوريدا للاضطراب بسبب أحداث غريبة- الطقس القاسى، وأشخاص مفقودين، وجهاز واقع افتراضى مربك- والتى تتحدى إدراكها للواقع. وأثناء كتابة الرواية فى فلوريدا بدأت بيرج، التى حرصت على ممارسة الملاكمة لتحسين لياقتها البدنية وصحتها النفسية عام ٢٠١٨، بالانخراط أكثر فى بطولات الملاكمة. بعد أول مباراة لها برعاية الاتحاد الأمريكى للملاكمة عام ٢٠٢١ «والتى خسرتها بقرار شخصى»، أدركت أنها ترغب فى المحاولة مرة أخرى، لكنها لم تكن متأكدة من إمكانية إيجاد الوقت الكافى.
تستذكر بيرج: «قد يكون من السهل أن أشعر بأننى سأفعل ذلك العام المقبل عندما لا أنشر كتابًا، عندما يكون لدىّ متسع من الوقت فى جدول أعمالى. أعتقد أننى أدركت فى مرحلة ما أن (عام الراحة) الذى أنتظره لن يأتى أبدًا، وكل ما علىّ فعله هو الانغماس فيه».
بدأت تدريباتها المكثفة بمساعدة مدرب فى نادى «شيرى ستريت بوكسينج» فى بيتسفيلد، ماساتشوستس. ركزت على التكنيك والقدرة على التحمل، استعدادًا لمباراة الهواة، التى تضمنت ثلاث جولات، مدة كل منها دقيقة ونصف الدقيقة إلى ثلاث دقائق.
حتى خلال جولتها للترويج لكتابها، حافظت بيرج على روتينها المعتاد، حيث كانت تستيقظ مبكرًا للركض على التلال فى سان فرانسيسكو، على سبيل المثال، قبل اللحاق بالطائرة إلى محطتها التالية فى الجولة.
تقول بيرج: «أنت تعلم أن خصمك المستقبلى موجود فى مكان ما، وعليك أن تفترض أنه يستيقظ صباحًا، ويفعل كل ما يلزم لينجح فى ليلة المباراة.. هذا يحفزنى». هذا الفصل الدراسى تدرس بيرج فن القصة القصيرة، وتشارك فى تدريس مادة «القراءة لكتاب الخيال» مع نيل موخيرجى، المحاضر المشارك فى الكتابة الإبداعية بجامعة هارفارد.
تقسم بيرج وقتها بين كامبريدج ومنزلها فى وادى هدسون بولاية نيويورك، حيث تقضى عطلات نهاية الأسبوع، والعطلات المدرسية، والصيف. ورغم أن صالة شيرى ستريت الرياضية هى صالتها الرياضية الرئيسية، إلا أنه غالبًا ما يمكن العثور عليها وهى تتدرب فى «ريدلاين فايت سبورتس» خلال وجودها فى كامبريدج.
إنها تسافر كثيرًا إلى فعاليات التدريب فى منطقة نيو إنجلاند، بحثًا عن ملاكمات جدد للتدرب معهن، وهو الأمر الذى يمكن أن يساعدها فى الاستعداد لمواجهة خصم غير معروف فى ليلة المباراة.
لتوثيق رحلاتها المتوازية، أطلقت بيرج نشرة إخبارية بعنوان «أسبوع الملاكمة»، تتناول فيها التقاء وتقاطع الكتابة والملاكمة. يشير اسم النشرة إلى الأيام التى تسبق المباراة، بعد آخر جلسة تدريب شاقة، وهى فترة تصفها بأنها تقف على حافة هاوية «على وشك القفز فى الهواء».
تعتقد بيرج أن الكتابة والملاكمة تتطلبان مستوى معينًا من الراحة مع المخاطرة، سواء كان الأمر يتعلق بالمخاطرة بالفشل مع بنية سردية جديدة أو الإصابة فى الحلبة.
تقول بيرج: «رواية (حالة الفردوس) هى بلا شك أكثر كتاب شخصى قمت بتأليفه. فيه الكثير من شخصيتى، لذا كان محفوفًا بالمخاطر العاطفية بطريقة لم تكن موجودة فى كتبى الأخرى. فى الملاكمة، كلما زادت اللكمات التى تسددها، زاد ضعفك. هناك مخاطرة فى الانطلاق بقوة».
ومع اقتراب موعد المباراة فى نهاية الأسبوع، تشعر بيرج بالثقة، وتتقبل التوتر الذى يصاحب الجولة، وتعرف أنها فعلت كل ما فى وسعها للاستعداد.
تقول بيرج: «لا سبيل لمعرفة النتيجة على وجه اليقين. إذا وصلت إلى مئة صفحة من رواية، فلا يمكنك الجزم بما ستكون عليه عند الانتهاء منها. لا يمكنك الجزم بنتيجة مباراة ملاكمة. عليك أن تؤمن إيمانًا راسخًا بالعملية، وأن تنمى القدرة على تحمل الشك والريبة، وأن تكون قادرًا على تجاوز تلك المشاعر».
إيلين أوجرادى - هارفارد جازيت

هل نحتاج مزيدًا من الروائيين الرجال؟.. دار إنجليزية جديدة لنشر القضايا الذكورية

أطلق الكاتب والناقد الإنجليزى، «جود كوك»، دار نشر مستقلة جديدة باسم «كوندويت بوكس»، تركز فى البداية على نشر كتب المؤلفين الرجال من أعمال أدبية ومذكرات.
يقول كوك عن أسباب تأسيسه للدار: «إن مشهد النشر قد تغير بشكل جذرى على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، كرد فعل على (المشهد الأدبى الذكورى السائد فى الثمانينيات والتسعينيات والعقد الأول من الألفية الثانية). والآن، يتركز الحماس والاهتمام حول الروايات الجديدة والجريئة للكاتبات- وهذا تصحيح فى الوقت المناسب».
وأضاف: «هذا الجيل الجديد من الكاتبات الشابات، بقيادة الروائية الأيرلندية سالى رونى وآخرين، أحدث نهضة فى الأدب النسائى، ما أدى إلى تجاهل قصص الكتاب الذكور الجدد فى كثير من الأحيان، مع تصور أن الصوت الذكورى يمثل مشكلة».
قد تتناول هذه السرديات المهملة: الأبوة، والرجولة، وتجارب رجال الطبقة العاملة، والجنس، والعلاقات، و«مواجهة القرن الحادى والعشرين كرجل»- وهى بالضبط القضايا التى تأمل كوندويت نشرها.
أشار كوك إلى إن النقاشات حول «الرجولة السامة» بعد الانتخابات الثانية لدونالد ترامب، ومسلسل «المراهقة» الشهير على نتفليكس، تعنى أن «موضوع ما يقرأه الشباب أصبح بالغ الأهمية».
قال وكيل أعمال الناقدة الأدبية جوهانا توماس- كور فى مقال بصحيفة «أوبزرفر» عام ٢٠٢١: «كلما أرسلت رواية إلى المحررين، كانت قائمة الأسماء كلها تقريبًا من النساء».

وكتبت توماس- كور: «لكنه يصر على أن التركيبة الجندرية ليست ما يزعجه، بل التفكير الجماعى السائد- قلة الاهتمام بالروائيين الرجال والفكرة الشائعة بأن الصوت الذكورى يمثل إشكالية».
لطالما كان تراجع شهرة الكتاب الشباب موضوع نقاش فى صناعة النشر لسنوات عديدة، وقد أشعلت مقالة على الإنترنت بقلم الروائى الأسترالى «جيمس ماريوت» بعنوان «القائمة الطويلة لجائزة بوكر ٢٠٢٠: أين الروائيون الرجال الجدد؟»، حالة من الجدل الشديد.
أوضح كوك: «لم يسبق أن وجد ناشر مستقل يدعم الإبداع الروائى للرجال. وهذا لا يعنى أننا لن ننشر أعمالًا روائية نسائية فى المستقبل، ولكن التركيز فى البداية سيكون على الكتاب الرجال. نعتقد أن هناك أعمالًا روائية طموحة، ومسلية، وسياسية، وعقلانية من تأليف الرجال لا تجد اهتمامًا بنشرها».
ولفت إلى أنه منذ الإعلان عن دار النشر الجديدة، «كانت الاستجابة إيجابية للغاية، خاصة من الكاتبات والعاملات فى مجال النشر».
كوك هو روائى، درس الأدب الإنجليزى فى جامعة لندن، فازت روايته الأولى، «بايرون إيزى»، بجائزة الكتاب السنوى للكتاب والفنانين عام ٢٠٠٧.
كتب فى صحف الجارديان، و«ذا سبيكتاتور»، و«نيو ستيتسمان»، و«ليترارى ريفيو»، و«تى إل إس»، و«آى بيبر»، و«ريفيو ٣١»، و«مجلة ٣AM».
ونشرت مقالاته وقصصه القصيرة فى مجلات «ستوكهولم ريفيو»، و«ذا موث»، و«ذا تانجرين»، و«ذا أونست أولسترمان»، و«ذا ميكانيكس إنستيتيوت ريفيو»، و«ستركتو»، و«ستابل»، و«ليترو»، و«ستورجى»، و«لونج ستورى شورت».
فى عام ٢٠١٧، أُدرج فى القائمة القصيرة لجائزة «بين دروب» للقصة القصيرة، وفى عام ٢٠١٨، أُدرج فى القائمة القصيرة لجائزة «ليستر رايتس» للقصة القصيرة، وفى القائمة القصيرة لجائزة «كولم تويبين» الدولية للقصة القصيرة.
نشرت روايته الثانية، «نصيحة يعقوب»، عن دار نشر «أن باوند» عام ٢٠٢٠. يدرس حاليًا الكتابة الإبداعية فى جامعة «وستمنستر» البريطانية.
إيلا كريمر- الجارديان

دفاعًا عن الجنون.. كيف غير «هوس النخبة» العالم؟
أفكار النخبة، أو ما يعرف بمعتقدات الترف أو الرفاهية، هى المعادل الأيديولوجى لمحار «بلو بوينت»، فهى عصرية، باهظة الثمن، وغالبًا ما تكون غير عملية للشخص العادى، لكنها مرضية جدًا لمن يستطيع تحمل تكلفتها.

هذا المصطلح صاغه الكاتب «روب هندرسون» عام ٢٠١٩، ليصف به مجموعة من الأفكار التى يعتقد أنها تمنح النخب مكانة مرموقة، بينما يكون لها أثر على الجميع.
وتشمل هذه الأفكار التى نطلق عليها «هوس النخبة»، حسب هندرسون: نخب أكاديمية تدعو إلى إلغاء السجون، بينما تعيش فى أحياء منخفضة الجريمة؛ مليارديرات وادى السيليكون الذين يرون أن التعليم الجامعى مجرد خدعة، متجاهلين علاقاتهم بالتعليم النخبوى التى أوصلتهم إلى اجتماعاتهم الأولى مع شركات رأس المال الاستثمارى، مثقفى المدن الذين يدعون أن امتلاك المنازل مبالغ فى تقديره.
تتسم هذه المعتقدات بشفافية لافتة للنظر، وغالبًا ما يستخدم المصطلح المعبر عنها بشكل فضفاض جدًا، ليشير إلى مجموعة من المعتقدات التى يختلف معها المتحدث، ويرغب فى ربطها بشخص شرير أو منافق، وهو نفس الحال مع مصطلح «التباهى بالفضيلة» الذى سبقه.
ولكن ماذا لو كانت هذه الأفكار المبالغ فيها، والخاطئة أحيانًا- تؤدى وظيفة مفيدة فعلًا؟ ماذا لو لم تكن مؤشرًا على وضعٍ اجتماعى نخبوى، بل أيضًا آلية لظهور أفكار جديدة، وتعديل الوضع الاجتماعى، وتحقيق التقدم الفكرى؟
ربما تعمل تلك المعتقدات لتشبه أقسام البحث والتطوير الاجتماعى. يعبث أصحاب النفوذ والحماية الجيدة بالمعايير الجديدة، ويجربون أفكارًا غريبة، وأحيانًا- عن طريق الصدفة؟- يعثرون على شىء قيم. إنها عملية مكلفة وغير فعالة فى كثير من الأحيان، ولكن هذا ينطبق على معظم الابتكارات.
طريقة أخرى لفهم آلية عمل هذه العملية مع تلك المعتقدات هى دراسة كيفية حدوثها مع الأشياء، حيث بدأت العديد من أساسيات الحياة العصرية- كالسباكة الداخلية، والتبريد، والهواتف المحمولة- كرفاهية متاحة للأثرياء فقط.
لكن مع مرور الوقت، حولت الأسواق والتكنولوجيا هذه الكماليات الباهظة إلى ضروريات متاحة بأسعار معقولة. ليس من الغريب الاعتقاد بأن بعض أفكار النخبة اليوم حول الحوكمة، والتعليم، والهياكل الاجتماعية قد تمر بعملية مشابهة، لتصبح شائعة فى البداية، ثم طبيعية، ثم لا غنى عنها.
وكما هو الحال مع السلع الفاخرة، قد يكون تعميم الأفكار غير متوقع. كانت السيارات الأولى مجرد ألعاب باهظة الثمن للأثرياء، قبل أن يكتشف «هنرى فورد» كيفية إنتاجها بكميات كبيرة للجميع.
وتحولت بدائل أكل اللحوم من كونها باهظة الثمن وغير مريحة إلى متاحة على نطاق واسع لمن يرغب بها. ما يبدأ كنوع من التباهى بالمكانة الاجتماعية يمكن أن يتحول إلى سلعة سائدة.
تاريخيًا، أصبحت العديد من الأفكار التى بدت فى السابق مجرد هوس نخبوى شاذ، سائدة فى نهاية المطاف. بعضها حسن الحضارة الإنسانية بشكل جذرى. إلغاء العبودية، والتسامح الدينى، والأسواق الحرة- كل منها يمكن أن يعود، ولو جزئيًا، إلى معتقد هامشى اعتنقته أقلية صغيرة متعلمة، وغالبًا ما تكون نخبوية، قبل أن تحظى بقبول أوسع.
فى أوائل القرن التاسع عشر، غالبًا ما وصف دعاة إلغاء العبودية بأنهم منفصلون عن المصالح الاقتصادية والأعراف الاجتماعية لعامة الناس. جادل النقاد بأن دعواتهم للتحرر الفورى تهدد النظام الاقتصادى القائم.
كتب جورج فيتزهاج، أحد أبرز مناهضى إلغاء العبودية فى التاريخ، وأحد أقل الشخصيات المحبوبة لدى الرئيس إبراهام لينكولن، عن العواقب الوخيمة لـ«الحرية والمساواة» فى كتابه «علم اجتماع الجنوب» الصادر عام ١٨٥٤.
«لقد ازدادت الجريمة والإفقار. أعمال الشغب، والنقابات العمالية، والإضرابات من أجل زيادة الأجور، والسخط الذى يتحول إلى ثورة، أمور تحدث يوميًا، وتظهر أن الفقراء يرون ويشعرون بوضوح تام، تمامًا كما فعل الفلاسفة، بأن حالتهم أسوأ بكثير فى ظل النظام الجديد منه فى ظل النظام القديم».
بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما ارتبط دعاة إلغاء العبودية بحركات راديكالية أخرى، مثل الدعوة إلى استقلال المرأة والتشكيك فى أعراف الزواج التقليدية، ما زاد من عزلتهم عن المجتمع السائد. اعتبرهم النقاد متطرفين يدفعون بأجندة واسعة النطاق تهدد الهياكل الأساسية لتحقيق مكاسب مشبوهة ولا يستفيد منها الجميع- وهى التهمة ذاتها الموجهة إلى أصحاب الأفكار النخبوية اليوم.
لطالما وجدت النخب طرقًا لتمييز نفسها عن باقى المجتمع. فى الماضى، حدث ذلك عن طريق التباهى بالثروة المادية، والألقاب الموروثة، أو الوصول الحصرى إلى السلطة.
أما اليوم، فربما تكون العلامات المفضلة للمكانة الاجتماعية أكثر أخلاقية وفكرية. يمكن مناقشة الأفكار، وتحديها، وصقلها. تتغير الأعراف الاجتماعية، وتميل الأفكار السيئة إلى الزوال. أو على الأقل، تصبح قديمة لدرجة أن النخب تتخلى عنها لصالح أفكار جديدة وأكثر رواجًا.
بالمقارنة مع التسلسلات الهرمية الجامدة فى الماضى، فإن عالمًا تكتسب فيه المكانة من خلال نشر آراء مخالفة للبديهة يعد تقدمًا.
بصفتى شخصًا يؤمن بالعديد من الآراء التى يصنفها هندرسون على أنها معتقدات ترف، فإننى أعترض على وصفه لآلية عملها. أنا متأكد تمامًا من أن الدعوة المستمرة لتشريع المخدرات بالجملة، لم تحقق لى مكاسب شخصية.
والأهم من ذلك، أن الأمر محل جدل حول ما إذا كان انخفاض الالتحاق بالجامعات أو امتلاك المنازل، سيشكل فى الواقع ضررًا للمجتمع ككل أو للفئات الأقل ثراء.
تكمن المشكلة الواضحة فى الأفكار النخبوية فى تحولها السريع من كونها تجريبية إلى إلزامية. يختلف الأمر بالنسبة لإيلون ماسك فى قيادة هياكل أسرية بديلة، وفرض سياسات مبنية على تلك النظريات، على أناس لا يملكون موارد كافية لتحمل المخاطر.
ولكن حتى الأفكار السيئة لها غرض: فهى تختبر المعايير القائمة. وأحيانًا، يتبين أن أكثر الأفكار جنونًا هى الصحيحة.
إذا رفضنا كل فكرة نشأت فى فقاعة النخبة، فسنخسر الخير والشر. قد يصبح معتقد الترف اليوم هو المنطق السليم غدًا. يستفيد المجتمع المنفتح من التجريب، حتى لو كان مزعجًا.
بالطبع، ليست كل فكرة شاذة تعادل أخلاقيًا إلغاء العبودية. تعرض دعاة تحسين النسل للعديد من الانتقادات نفسها، لكن المحار الفاسد ليس سببًا لتجنب جميع «ذوات الصدفتين» كمصدر للمتعة والبروتين. إنه تحذير بضرورة فحص موردى المحار والأفكار بعناية، والتأكد من اجتيازهم لاختبار الشم قبل ابتلاعهم.
كاثرين مانجو وارد - مجلة ريزون

حروب الأغلفة.. دليل المؤلف للمشاركة فى تصميم غلاف الكتاب المثالى
بصفتى وكيلًا أدبيًا، عادة ما أتلقى نسخة من البريد الإلكترونى المرسل إلى المؤلف مرفقًا بصيغة «jpeg» التى طال انتظارها لكثير من أغلفة الكتب، وحتى بعد سنوات من العمل فى هذا المجال، أشعر دائمًا بالتوتر عند فتحه.

أعلم مدى أهمية غلاف الكتاب للمؤلف وكيفية رؤية وسائل الإعلام للكتاب. الغلاف هو واجهة كتابك، واجهة ستحملها معك طوال حياته، ولا أحد يرغب فى أن يتحمل غلاف لا يعجبه.
الحصول على أفكارك الأولية لتصميم غلاف الكتاب هو لحظة مميزة لعرضه وشرحه: لقد قرأ أحدهم كتابك أو على الأقل جزءًا كبيرًا منه، وعكس لك ما رآه فيه.
فكرة غلاف سيئة تشبه إلى حد ما عندما يريد صديق نشر صورة بشعة لك، ولكن بمخاطر أكبر. هل هذا ما يظنونه عنى؟ وماذا علىّ أن أفعل فى أسرع وقت ممكن للتأكد من عدم رؤية أى شخص آخر لها؟
لحسن الحظ، لا يرغب معظم الناشرين فى أن يكره مؤلفوهم أغلفة كتبهم، ويمكنك عمومًا اللجوء إلى حل، إذا لم يعجبك ما عرض عليك فى البداية. تتضمن العديد من العقود بندًا يمنح المؤلف «حق التشاور الهادف» بشأن الغلاف، وفى بعض الحالات، حتى الموافقة.
عمليًا، يعلم الناشرون أن المؤلف سيكون أقل ميلًا للترويج الصاخب لكتاب لا يرغب فى مشاركة غلافه، لذا من مصلحة الجميع التوصل إلى توافق فى الآراء.
هناك أيضًا أمور يمكنك القيام بها كمؤلف لتكون استباقيًا فى تصميم غلاف كتابك، دون تجاوز الحدود. وكما ذكرت فى قسم «حروب الأغلفة» من كتاب «خذها منى: دليل عملى من وكيل أعمال لبناء مسيرة مهنية فى مجال النشر غير الروائى من الصفر»، آمل أن تساعدك نصيحتى، تجنب مثل هذه المناوشات. لتكون استباقيًا فى هذه العملية، أعد قائمة بأغلفة كتب أخرى تجدها جذابة، ويفضل أن تكون ضمن فئتك وحققت مبيعات جيدة. خصص بعض الوقت لتوضيح سبب إعجابك بهذه الأغلفة. ما ألوانها؟ كيف تصف عناصر الطباعة؟ هل تستخدم أى صور، وإذا كان الأمر كذلك، فما نوعها؟ كيف تتناسب هذه الصور مع الخط؟
من المفيد، أيضًا، التفكير فيما لا تريده على الإطلاق على غلافك. هل هناك صور بصرية مرتبطة بشكل مفرط بموضوعك، لدرجة أنك تفضل الموت على رؤيتها على غلافك؟ من الأفضل إبلاغ الناشر بذلك مسبقًا للمساعدة فى تركيز مصمم غلافك ومنعه من إضاعة وقته على شىء لن يناسبك.
إذا اقترح ناشرك غلافًا لا يعجبك، فحاول الرد بتفاصيل محددة بدلًا من مجرد الموافقة أو الرفض. امتلاك مفردات تصميمية ومراجع مستمدة من أغلفة أعجبتك سيسهل عليك ذلك.
ضع فى اعتبارك تجربتك مع الأغلفة عند تقييمك للأغلفة المقترحة. لن يفحص أحد غلاف كتابك بدقة مثلك، لذا فكر فى كيفية رد فعلك تجاه الكتاب: «لو رأيت هذا الغلاف فى مكتبة، هل ستنجذب إليه؟».

غلاف الكتاب مهم جدًا لشعورك تجاه كتابك، لكن معركة اختيار الغلاف تأتى فى بداية عملية النشر، وغالبًا ما تكون أول لقاء لك مع الفريق الأكبر، لذا ركز على التفاصيل بحكمة.
إذا كان لدى ناشرك رأى قوى حول خط أو لون أو صورة، فاستمع إليه واشرح له السبب. يجب أن يكون هدفك من كل هذا هو الحصول على غلاف يعجبك، دون إبعاد جميع من يعملون نيابة عنك تمامًا، فى حال لم يعجبك ما يقدمونه لك.
بمجرد الانتهاء من تصميم الغلاف، سترغب غالبًا فى مشاركته مع الآخرين. نسق الكشف عن الغلاف مع ناشرك، لتحقيق أقصى استفادة منه. يفضل الانتظار حتى يصبح كتابك متاحًا للطلب المسبق؛ إذ يمكن لناشرك تزويدك بالروابط ومساعدتك فى إعداده.
عليا حنا حبيب- موقع «ليترارى هب»