يا عندليب ما تخافش من غنوتك.. إبداعات الجامعات (14)

يا عندليب ما تخافش من غنوتك
قول شكوتك واِحكى على بلوتك
الغنوة مش ح تموتك.. إنما
كتم الغنا هو اللى ح يموتك!
فليسمح لنا صلاح جاهين بأن نستعير رباعيته الخالدة، ونحن نعود فى الزمن إلى أيامه، حين كانت الصحف قبلة المُبدعين، خاصة طلاب الجامعات، والدارسين فى مراحلها المتقدمة من ماجستير وغيره، الموهوبين فى كتابة الشعر والقصة والمسرح، والقادرين على سرقة الضحكة من فم الحزن بالكتابة الساخرة، وأيضًا أولئك الذين لديهم قدرة على نفخ الروح فى لوحة خشبية صماء، فتدب الحياة فى أوصالها لوحة تشكيلية أو رسم كاريكاتيرى يسحر الألباب والعقول.
جامعاتنا مليئة بالمواهب الإبداعية فى كل المجالات تقريبًا، من دون أى شك، لكنها فى نفس الوقت تعانى غياب ذلك «الصائغ»، الذى اعتدنا على وجوده فى مؤسساتنا الصحفية، بأنامله الخبيرة التى يمكنها إزاحة التراب عن لآلئ هذه الجامعات، من إبداعات تبحث عن فرصة للظهور، وأسماء لا نريد أن «يقتلها» التجاهل ويوقف مسيرتها، من قبل أن تبدأ.
فى هذه الزاوية من «حرف»، نمد يدنا إلى كل موهوب فى جامعات مصر، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ننشر لهم إبداعاتهم فى الشعر والقصة والكتابة الساخرة، إلى جانب الفن التشكيلى والكاريكاتير، مُرددين ما قاله صلاح جاهين قبل سنوات طويلة: «يا عندليب ما تخافش من غنوتك».
دنيا سعيد: عصاية ميس إيمان

بعد ضوء الفجر مايبص ف عنيّا
لو عليا اخزأ عينيه ويسيبنى أنام
كنت أصغر من طابور الدنيا لكن
كنت بتهجى الحياة ويا الكلام
كات عصاية ميس إيمان بتبصلى
أول ما رجلى تخطى عتبة فصلنا
وتمدنا الأيام كما
كانت عصاية ميس إيمان بتمدنا
--
العلم..
تحصيل لأمراض المدرس ع الإيدين
والدنيا..
تحصيل لأمراض البشر
خارج حدود المدرسة
والفجر لما بيتولد
يُصرخ قسى
والشمس..
حصالة شقانا اليوم بطوله
خلينى أقولك كل شىء كان نفسى أقوله
كانت عيون الصبح بتراقب حركتى
وأنا رابطة يومى ف قلبى وبجر ف كتافى
يومها الطريق شاف رجلى بتشد أختها
شاف رعشتى م البرد قال:
«حقك تخافى»
--
نفس الطريق
شاف يومها قلبى اللى اتطرف
غرقت حضن رصيفه يومها دموع
أيام زمان قالوا القلوب قوتها الدفا
وأكلت لكن
قلبى ميت جوع
يشهدلى صوت الناظرة ف الحوش وقتها
على كل نظرة بلعتها وزقينا بيها اليوم
على كل مرة ندمت فيها عشان
بديت وجودى ف الطابور ع النوم
وصحيت أسلم ع العصاية بكف بارد
كان قلبى أدفى من كده وهادى وأرق
يرحم زمان كان قلبى يومها سليم
دلوقتى لما كبرت قلبى إزرق!
--
كان نفسى أقولك كل حاجة عرفتها
لكن إيدين الدنيا كانت وقتها
أطول كتير من إيد لسانى
أنا كنت عيل فجأة ليه فتحت
يَاليْتَنِى عشت الحياة عميَانى
أرجوك يا عقلى
نزّل وساوس الحياة
من فوق ودانى
خليلى نفسى
نفسى وحشانى
والعلم برا المدرسة
مابقتش عايزة
رجعنى حوش المدرسة تانى
الدنيا مالها؟
قلبى مش حمل المناهدة
أنا قلبى أعيل من كده بكتير
كان نفسى أسرق م الطيور
جناحات وأطير
وأمسك بطرف إيديا إيد السما
كان نفسى أكبر إنما..
الدنيا طمعت فيا قطمت
جِدر حلمى
وكبرت ولقيت الحياة فاضية
والحلو فيها كان كلام ف كلام
لو كنت أعرف إنى هكبر كل ده
أنا كنت لما الصبح هيبص فــ عنيا
هخزأ عينيه وهروح أنام.
لوحتان لـ عبدالله وجيه



نور محمد: إلى مسارح روما

كى تصل إلى روما عليك إفلات الواقع أولًا، ستخطو أولى خطواتك؛ فتجد العالم يتسع بشكل مريب بعض الشىء، وكلما خطوت اتسع أكثر، كلما اندمجت تنازلت عن جزء من المبادئ التى قررت فى الأساس خوض الحرب من أجلها..
حين نبدأ فنخطو فى هدوء، نتلصص عما يحدث من بعيد، ثم يلفت أنظارنا كيف يصلون إلى مسارح روما، يرسمون الخطوة تلو الأخرى بأحلامهم، بل ويحددون أسطرهم الخاصة.
حينها فقط ننظر إلى ما فى جُعبتنا من أحلام، نخرجها، نتأملها، ثم نقرر الاقتراب كى تولد أحلامنا من رحم الخفاء.
تلك الخطوة نأخذها بهدوء أيضًا..
نقترب، نتعرف على هذا وتلك وذاك، نبتسم فى صمت، يتعالى تصفيقنا لهم، وسأخبركم بسر ما نحن نصفق لهم، ليس لأن ما قدموه نال الإعجاب، نحن نقدم لهم الدعم فقط حين تتسرب رهبة الفشل لهم..
لأننا أيضًا سنقف مكانهم على مسارح روما عن قريب.
الخطوة ما بعد ذلك سنقف عن قُرب من مسارح روما، ننظر عن قرب؛ تلك تلامس أحلامها، ودموع الفرحة تغسل كل ما شوّبها من مشقة، ذاك يعانقها ويترنم بأنغام ولدت خصيصًا لنجاحه.
حينها فقط كانت الخطوة الأهم؛ أخرجت ما فى جعبتى من أحرف، تسلقت الدرج، نظرت بثقة، ثم انحنيت برأسى قليلًا.. نفس هادئ..
ثم بدأت أسْرد الأحرف على آذان الناس، خطوة للوراء وخطوة للأمام، والناس مستمتعون فى صمت..
وراء الثبات والثقة قلب يرتعش.
حين ألقيت عليهم آخر أحرفى، دق أذنى ألحان غريبة ممزوجة بتصفيق غير عادى، وجدت حينها النجاح ينسج ثوبًا جديدًا لى، حلّق قلبى بأجنحته المخلوقة توًا..
ثم قاطع صوت تصفيقهم صوت سائلة:
«أتريد فطيرة مثل أخيك؟!»، فأدركت أن حبال أفكارى سرقتنى من الواقع مرة أخرى.
أحمد رمضان: ميلاد

ضوءٌ من الملكوتِ يتبعُ ظِلَّكْ
وغمامةٌ حَلكى، وليلٌ أحلَكْ
وطريقُ مَن ضَلّوا الطريقَ وأودعوا..
خطواتِهم فوقَ المدى لِتَدُلَّكْ
وظلالُ أسرابِ الحمامِ، وناىُ مَن
عَزَفَ الحقيقةَ كى تُباغتَ جهلَكْ
تَلِدُ النصوصُ الآنَ «أحمدَ» شاعرًا
ومخاضُها لغةُ العرايا قبلَكْ
وبُراقُ هذا الشعرِ يحملُ رُبّما
«ما لم يزنهُ الشعرُ» بحرًا مثلَكْ
ويطوفُ بينَ الناسِ، بينَ قلوبهم
فترى الحقيقةَ حينَ تعرفُ أصلَكْ
ويطيرُ حيثُ يطير، فأمُر هابطًا
تجدُ القوافى حيثُ تُرسى رَحلَك
ولكى يُراودكَ المجازُ لوهلةٍ
ستخوضُ أطوارَ الحقيقةِ، عَـلَّكْ
ستمرُّ بالإنسانِ حيث رأيتَهُ
يستقرئُ الإنسانَ حينَ تحلَّكْ
وتمرُّ بالإنسانِ، يُنكرُ نفسهُ
وليعرفَ الإنسانَ، يقرأُ فَصلَك
وتَمرُّ بالإنسانِ- آخرَ مرَّةٍ-
فى أوَّلِ التاريخِ يبدأُ قتلَكْ
وتَمرُّ بالمِرآةِ، حيثُ انظُرْ ترى
ضلعًا تلاشى كى تُدَلِّىَ حبْلَكْ
وتُشَدَّ منهُ على الطريقِ لتلتقى
حوَّاءَ- بنتَ الضِّلعِ- كى تحتلَّكْ
ها أنتَ يا إنسان، ضلعٌ ناقصٌ
يحتلُّ أَكثَرُكَ الضعيفُ أقلَّكْ
ها أنتَ، يا إنسانُ، أنتَ حقيقةٌ
تَرجو البلاغةَ كى تُنظِّفَ وَحلَكْ
وتهيمُ فى أفقِ المجازِ لتستقى
ماءً بوادى الجنِّ، خضَّرَ رملَكْ
ستضيعُ بين الأغنياتِ، فلن ترى
أُمًا تُكابِدُ فى البلاغةِ ثكلَكْ
وتمرُّ بالشعراءِ، لا مُستقرئًا
لكنَّما تَرْقَى لتعرِفَ أهلَكْ
ستمرُّ حيثُ تمرُّ ثمَّ لَتُسألنْ
هل جِئتَ وحدكَ؟ أم هُنَا مَن دَلَّكْ؟
بسنت محمد: بميل راسى على الأيام

الموقف حاصل متحقق
وإيديا بترسم فى الباقى
العمر بيتحدى وجودى
وأنا صوتى بيبق وبينادى
المشهد لسه بيتفرج
على روحى الثابتة
فــــ عز الموج
وهزيمة بعيدة بتستنى
الحُضن فــــ آخر معركتى
ودموعى الساندة على كتافها
واقفة بتستغرب لسه هناك
وأنا رجلى بتمشى طريق تانى
بنزع من روحى الخوف وأمشى
وبسيب الخوف للى يشيلوه
وبميل راسى على الأيام
واستنى وجودى بيسندنى
أنا روحى الشاردة
خلاص رجعت واللمعة فـ عينى
كفيلة تنور أى طريق
مبقتش الهامش ويا الضِل
فـــ بقيت الموقف والأحداث
كان قلبى بيفرح قبل ما ضَل
لما بيتلاقى بحبه ناس
كان كل وجودنا جميل لكن
أنا وإنت خلاص مبقاش ينفع
مبقتش تليق بالحنية
مبقتش بأتبت فـ السايب
مبقتش هقول إنك ليا
علشان حطيتك ف الغايب
الفيلم خلاص مش هيساعك
أنا دورى كفيل يبنى بطولة
الدنيا خلاص مش هتسقف
فـ هكمل مشى وهتمختر
على جرح زمان
خفيت منه
كان وهم قديم بس اتبخر
مش ههدر وقتى وأقول عنه
يكفينى أقول إننا خفيت
موجودة وكونى بيتحقق
تكدب وتقول إنك ناسى
هعملك خاطر وهصدق!
ملك أحمد راشد: أنا فيكِ.. والكون احتمالٌ

أيا سيِّدةَ الأكوانِ، يا سِرَّ المدى
ويا نغمةَ التكوينِ فى لحنِ الصدى
أراكِ ولا أدرى، أأنتِ بدايةٌ؟
أمِ الدهرُ قد سارى إليكِ وما بدا؟
تمدّينَ ظلَّكِ فى فصولِ حكايتى
كأنّكِ وقتٌ ضاعَ فينا واهتدى
تحاكينَ صمتَ اللهِ فى أنفاسِنا
وتروينَ وجعَ الحرفِ إذا ما ندى
أأنتِ يقينُ الحالمينَ إذا بكَوا؟
أمِ الشكُّ حينَ ارتابَ فينا وارتقى؟
تدوّينَ أسماءَ الخلودِ على دمى
كأنّ وريدى قد تعمّدَ من هُدى
تُقيمينَ فى قلبى كبيتٍ خفيّةٍ
تصلّينَ فى محرابِ نبضى، من رجا
كأنكِ دهرى كلّهُ، لا ما مضى
بل المستحيلُ إذا تنفّسَ واحتفى
تغيبينَ.. لكن فى الغيابِ تواجدٌ
كأنّكِ ظلٌّ للوجودِ إذا انمحى
تحاكينَ صوتَ اللهِ فى أسئلتى
وتبكينَ فى روحى كأنكِ مُبتغى
أيا لغةً لم يكتملْ معناها، ولا
توقّفَ التأويلُ فيها حين يُرى
إذا ما سكنتِ العينَ، أغلقتُ الكرى
فأنتِ يقينى فى الدجى والمشتهى
وفيكِ اختزلتُ الكونَ، لا وصفًا، ولكن
كأنّكِ فينا كنتِ قبلَ الزمانِ
وإنى إذا ناديتُ فى زمنِ الفنا
أجيبُ بصمتٍ: أنتِ دهرى والرجا
فكونى يقينى، أو غموضى، أو دمى
فكلُّكِ دهرٌ لا يُقاسُ ولا يُفَى
أنا فيكِ سرٌّ تعمَّدَ وحدهُ
وسارَ إلى المعنى فخابَ إذا نجا
أنا فيكِ حلمٌ لا يفسّرهُ المدى
أنا فكرةٌ وُلدتْ بعينِ من ابتغى
أنا نطفةُ النسيانِ فى جسدِ الهوى
أنا لحظةٌ نَسجَتْ سماءً من ندى
أيا أنثى تتلو ملامحَ ذاتها
وتبنى من الأشعارِ أجنحةَ الرؤى
شممتكِ، عبقُ العطرِ بينَ أناملى
أضعتكِ فى ظلِّ القميصِ وما بَقى
صرختُ: أحبكِ! ثم عدتُ لصمتى
كأنى أخافُكِ، يا نجاتى، واللظى
أنا فيكِ ما بينَ الحقيقةِ والمنى
وفيكِ احتمالى، وانمحائى، والضيا.