يا عندليب ما تخافش من غنوتك.. إبداعات الجامعات (10)

يا عندليب ما تخافش من غنوتك
قول شكوتك واِحكى على بلوتك
الغنوة مش ح تموتك.. إنما
كتم الغنا هو اللى ح يموتك!
فليسمح لنا صلاح جاهين بأن نستعير رباعيته الخالدة، ونحن نعود فى الزمن إلى أيامه، حين كانت الصحف قبلة المُبدعين، خاصة طلاب الجامعات، والدارسين فى مراحلها المتقدمة من ماجستير وغيره، الموهوبين فى كتابة الشعر والقصة والمسرح، والقادرين على سرقة الضحكة من فم الحزن بالكتابة الساخرة، وأيضًا أولئك الذين لديهم قدرة على نفخ الروح فى لوحة خشبية صماء، فتدب الحياة فى أوصالها لوحة تشكيلية أو رسم كاريكاتيرى يسحر الألباب والعقول.
جامعاتنا مليئة بالمواهب الإبداعية فى كل المجالات تقريبًا، من دون أى شك، لكنها فى نفس الوقت تعانى غياب ذلك «الصائغ»، الذى اعتدنا على وجوده فى مؤسساتنا الصحفية، بأنامله الخبيرة التى يمكنها إزاحة التراب عن لآلئ هذه الجامعات، من إبداعات تبحث عن فرصة للظهور، وأسماء لا نريد أن «يقتلها» التجاهل ويوقف مسيرتها، من قبل أن تبدأ.
فى هذه الزاوية من «حرف»، نمد يدنا إلى كل موهوب فى جامعات مصر، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ننشر لهم إبداعاتهم فى الشعر والقصة والكتابة الساخرة، إلى جانب الفن التشكيلى والكاريكاتير، مُرددين ما قاله صلاح جاهين قبل سنوات طويلة: «يا عندليب ما تخافش من غنوتك».
أكرم دياب: يوم القيامة مفيش هروب للأرض تانى!

دا مش نَص
لكنُّه فيض من ملحمة واترص
أو فَردْ ساب كُل الجُمُوع
واتخَصْ..
مش عارف أكتب إيه؟!
عن روحى اللى مدخَلهاش سكينَة
ولّا عن روح بلادى الحزينة
ولّا القضية المُستَبينَة
اللى سَرَقْها اللِص؟!!
الخوف كمين مش سهل
والناس سايقها الجهل
راكبين متاع الحياة
وإخوتنا ماتوا بمهل!!
يوم القيامة
هتشهد علينا الدقايق والثوانى
والأماكِن والشوارِع والمبانى
والجوامِع اللى انفضِّت م الجمع
يوم القيامه مفيش كلام
ومفيش براح أو مُتَسَع
ومفيش هروب للأرض تانى!
يوم القيامة
هيشهد علينا الدَمّ اللى فار
والرصاصة اللى ف جسم الشهيد
وبواقى أشلاء العيال الرضيعة ف الانفجار
ووقفت بنت تشبه سندريلا ف الحِصار!
بالنهنَهَة وبحور دموع
يوم القيامة مفيش رجوع
ومفيش هزار!
أنا خايف أبقى مِنُّكُم يوم القيامة
ويبان عليّا زيّكُم شكل الندامة
دا الكل خايف م الحساب وم العقاب
كل اللى كان بإيديه ف يوم يكسب ثواب
واللى كَشَف بعنيه أخوه تحت التراب
وسابُه متبسم رافع شعار: تحيا الكرامة
يوم القيامه مفيش حِجاب
ولا نظرَة هتحس السلامَة!

عمرو ناصر: وَبِذِكْرِهِ أُبْدِلْتُ ذُنُوبِى وَرْدًَا

أنا مُخطِئٌ لكنَّنِى
عِندَ الإِلهِ أَظَلُّ عَبْدًَا
هُوَ رَبُّنَا وَمَلِيكُنَا
وَالْعَفْوُ لِلْعُبّادِ وَعد
كَانَتْ ذُنُوبِى جَمَّةً
وَبِذِكْرِهِ أُبْدِلْتُ وَرْدًَا
وَبِحُسْنِ ظَنِّى جِئْتُهُ
مَا ضَيَّعَ الرَّحْمٰنُ فَرْدًَا
أَرْجُوهُ بِالْغُفْرَانِ لِى
إِنْ جَاوَزَ الْإِنْسِىُّ حَدًَّا
وَبَيَاضُ وَجْهِى عِندَمَا
أَتَوَسَّدُ الْحَصْوَاتِ لَحْدَا
وَعَلِمْتُ أَنِّى رَاحِلٌ
مَا لِى عَنِ التَّشْيِيعِ بُدَّا
أَذْنَبْتُ عِندَ جَهَالَتِى
وَأَعَدَّ لِى إِبْلِيسُ عَدًّا
وَقَرَأْتُ آىَ كِتَابِهِ
أَبْصَرْتُ فِى الْأَعْمَاقِ مَجْدًا
وَبِسَجْدَةٍ أَلْقَيْتُ هَمِّىَ
دَاعِيًا يُؤْتِينِى رُشْدًا
وَاللهُ كُلُّ عَطَائِهِ
عَفْوٌ وَأَرْزَاقٌ وَوُدٌّ
لِلَّهِ حِلْمٌ وَاسِعٌ
يَمْحُو لِعَبْدٍ إِنْ تَعَدَّى
أَذْنِبْ وَتُبْ لَا تَبْتَئِسْ
لِلَّهِ أَمْرُكَ وَالْمَرَدّ
تَشْتَاقُ نَفْسُكَ لِلصَّلَاةِ
فَقُمْ لَهَا عَزْمًا وَكَدًّا
لَيْسَتْ ثَقِيلَةً إِنَّمَا
هَذِّبْ نفسَكَ وَاسْتَعِدّا
وَأَقْبِلْ بِقَلْبٍ خَاشِعٍ
وَأَدْبِرْ عَنِ الشَّهَوَاتِ صَدّا
اللهُ يَفْتَحُ بَابَهُ
وَدُعَاؤُنَا قَدْ فَاقَ رَعْدَا
لَا تَسْتَخِفَّ بِدَعْوَةٍ
فَاللهُ قَدْ أَعْطَاكَ وَعْدَا.

محمد هاشم كريت: حلم بعيد

لها شوق يعاقرنى هواها
يثير حميتى وكذا جنونى
تضاحكنى فأرقى فى خيالى
وتُعْرِضُ مدة ألقى مَنُونِى
هواها محرق يُحْمِى حشايا
وأصبحُ تائهًا هذا مُجُونى
هى الريمُ التى أَسرتْ فؤادى
ومن أَخذ الجمال هنا يرينى
أَقول الشعْر فيها كل حينٍ
فيا عُصفورتى لا تُغْفِلِينى
يُناديكى الغريق ألا تجيبى
أيا حوريتى عُودى خُذينى
أرى كل النساء فدى مَلَاكِى
هُيامٌ ذا بلا سحَرَتْ عيونى
وقالوا ذا اللِّحَا عشق الصبايا
هَوَاهَا قاتلٌ بما لُمْتُمُونِى
فأىّ مَخَابِئٍ تؤْوِى مُحِب
من العشق المسامِرِ أعلمونى
وحبى معتم فيه التخبى
فهل من مرشد لا تعذلونى
بها سحر يغازل كل طاغى
فيغدو راكعًا يرجو سلونى
أنا الليث الذى قهر العذارى
فما خطئت عيونهمو جفونى
ترانى طائعًا أرجو رضاها
كأنى ظامئ والماء دونى
أدارت عينها الألماس نحوى
لواحظها خمور أسكرونى
نساء الأرض يدنوها جمالًا
تفوقُ العالمين صبى سَبُونى
ومن فى الأرض يسبقنى بعشقٍ
تقول لى المعالم علمونى
أنا فى العشق أعلو برج بيزا
أطول وأنحنى مِن مَن هَوُونِى
نسيج القلب من عشقى حبيبى
سبيل العيش يرهن بالقيونِ
فحب القلب تملك كل ذاتى
وهذا العبد يغرق فى الديون .
روان محمود ياسيمحمد إبراهيم: وأنا بين يديكِ أبكى أمى!
إلى السيدة «ن»:
ما ضاقت بى الأرض يومًا إلا مذ عشرة أعوام، كأن تلك الأيام التى مرت سداد يُضيِّق على عيشى ويعكر صفو سجيتى!
اليوم أكتب لكِ أولى رسائلى على أن تجيبينى حين يأتى عهد رسائلنا معًا.
لقد ذرفتُ العبرات على أصداغى حتى تسللت إلى فاهى مفتعلةً مرارة لا تُطاق، أول عهدى بمذاق الملح اللاذع، والشمس الحارقة، والوحدة فى وجود الناس حولى، يوم فُرّقنا عن بعضنا البعض؛ فصرتُ خلف قضبانٍ لا ألفها ولا تألفنى، كمزقةٍ اجتلبتها امرأة حسناء تخفى بها حسن شعرها، فلما ألها الزمن شيبًا؛ ألقتها فى صندوق الذكرى.
وأنا الآن فى ذاك الصندوق، كأن الزمن شهد على كلماتٍ لكِ، والحب الذى نشأ فى صدرى وبين كفّيكِ، وبنان يديكِ اللتين لامستا وجهى فى حنو ورقة، وشعركِ الأثيث المسترسل قد غطى وجهى فى آخر أيام لقائنا.
كنتِ مطالة تهبين العالم كلماتكِ، وتهبيننى الصبر على طيشى؛ فتماطلين فى رفض التفرقة واستمرار السكوت حتى تعمّ السكينة أركان صدرى، ثم تهجمين على بالعتاب، وكأننى هجرتكِ عن حقٍ، وأنا بين يديكِ أبكى أمى! «أنتِ عند نفسى».
لقد تكأكأ الناس حولى مرارًا، وأتوا من قمم الجبال، ومن تحت شرائح البحر، ومِن كل صوب يريدون الجلوس والحديث معى، لكننى لم أذُق منهم ذائقة استمدُّ بها صبرى وحيائى ولين قلبى إلا معكِ! ولم يعطونى ما يسدُّ خواءَ صدرى مثلما فعلتى.
الآن، وحدى بين قضبانٍ كثيرة، أجتمع مع نفسى لأرى ما أضعت فيها، فأدرك أن نفسى لم تجلس معى قط، وأنها كانت معكِ بين راحة يديكِ، وبين أجفانكِ، وأننى عشت ما عشت حتى درأت عن نفسى العيش من بعدكِ!
أخشى زوالكِ من الدنيا كأن ما أزيل منها هو الدنيا نفسها..
ربَّ مُنية جلبت مَنية يوم فراقكِ، أفارق العالم معكِ لحظة بلحظة، لا تنصرف أصابعى عن أصابعكِ، لقد كُتب علينا أن نكون هلاعين خائفين على فراق بعضنا، كلما همَّ الخيال فى عقولنا.
هآنذا أبعث لكِ مرسالى الأول، وأعلم أن سعة صدركِ لهذه الرسالة قد تمنحنى مبعثًا جديدًا للحياة، وأريدكِ أن تعرفى أن ظلمة ما أنا فيها سببها البعد عنكِ، وأن عهدى بالسجن ليس طويلًا، وإنما هو اختبار صبر بينى وبينكِ؛ من منا سيعانق الآخر بكل ما أُوتى من قوة ورضا؟ أبعث لكِ نفسى داخل كلمات هذه الرسالة أجيد صنعًا بها.
عزيزكِ من داخل السجن: «إ»
محمود سعد: وبلاد منتظرة ظهور الفارس

على ظرف كبير أبيض مقفول
مكتوب عنوان ١٦٠ شارع
مفيهوش ولا بيت ثابت وسليم
العم حكيم
عمال يملى ودان الناس
بحكاية قديمة بلحن حزين
بيقول حطين.. وصلاح الدين
وتتار مجهول
بيسوى الأمة على الجانبين
الشرف الغالى
وكلاب مسعورة بتنهش فيه
والقط النخوة بتضرب فيه
بيعض فى لحم رخيص وخسيس
بيقدم جزء من اللى عليه
العم حكيم
فاتح صفحات ممنوع تتشاف
نور الكشاف
متوجه على جثث الشهداء
فى غزة.. رمز العزة
وأقف فى طابور
على كشك قديم
وبلاد منتظرة ظهور الفارس
من جسم سقيم
اقفل يا حكيم!