الخميس 14 أغسطس 2025
المحرر العام
محمد الباز

مكتبتي..

مرقص أفندى فهمى

حرف

أواخر القرن التسعتاشر، قاسم أمين كان اسم كبير فى عالم النخبة المصرية، سواء رجال قانون أو سياسة أو ثقافة بـ وجه عام، يمكن علشان كدا لما كتب «تحرير المرأة» و«المرأة الجديدة» كان ليهم صدى كبير وعملوا ضجة، وفيه ناس كتير وأسماء تقيلة ردت على كلامه واشتبكت معاه، إنما الواقع إنه قبل قاسم أمين كان فيه اللى فتح الباب قصاد قضايا المرأة، وهو مرقص فهمى المحامى.

سنة ١٨٩٤، كان فيه شاب صغير عنده ٢٤ سنة، اسمه مرقص فهمى، وبـ يشق طريقه فى المحاماة، ومشغول بـ قضايا نهضة هذا البلد وتحديثه، وفى هذا الوقت المبكر كان دماغ مرقص أفندى متحرر من أى قيود مجتمعية أو عقائدية وفاهم يعنى إيه دولة حديثة، فـ خاض فى اتجاهات كتير، وكفاية أقول لك إنه فيما بعد بقى واحد من مؤسسى نقابة المحامين، ومن الأسماء البارزة فى ثورة ١٩١٩، وغيرها من الأنشطة فى المجال العام.

من الملفات الأولى اللى اشتغل عليها مرقص أفندى هو ملف المرأة، وفى السنة المذكورة أصدر كتاب «المرأة فى الشرق»، واتكلم فيه بـ شكل أكثر جرأة وانفتاحًا من قاسم أمين، وفتح ملفات أكتر، وشدد على إنه مفيش نهضة من غير ما نخطى خطوات فعالة فى سبيل تخليص المرأة من عادات وتقاليد ما عادتش مناسبة وإحنا داخلين على القرن العشرين.

من الملفات اللى فتحها مرقص فى كتابه كان تعليم البنات والستات، وقال إنه دا مش بس ضرورى علشان تكون أم متعلمة تقدر تباشر عملية تعليم أولادها وتربيتهم إنما دا كمان علشان الست تقدر تخرج من البيت وتمارس دورها فى المجتمع وتشتغل فى مهن كتير ما كانش متصور إنه الستات ممكن تشتغلها زى المحاماة نفسها.

لكن التعليم كان أهون حاجة اتكلم عنها مرقص أفندى، لـ إنه كمان اتكلم صراحة عن الحجاب، والواقع إنه الواحد بـ يشوف دى شجاعة كبيرة منه، لـ إنه بـ ببساطة ودون مواربة مسيحى، لـ حد النهاردا وإحنا فى ٢٠٢٥، صعب تلاقى مواطن مصرى مش مسلم يتكلم فى قصة الحجاب دى، لكنه ناقشها، طبعًا وفقًا لـ ظروف لحظتها، لكنه ناقشها.

راح مرقص كمان لـ أبعد من كدا، ودخل فى ملف أعقد وهو الأحوال الشخصية، وانتقد تعدد الزوجات وطالب بـ منعه، وبـ إنه الطلاق ما ينفعش يحصل غيابى ولا شفوى لازم يكون قصاد القاضى بـ حضور الطرفين، وقال كتير من الكلام اللى لسه لـ حد النهاردا بـ نهاتى فيه.

الواقع إنه كتاب مرقص أفندى فهمى ما عملش ضجة وقت صدوره، يمكن لـ إنه محدش خد باله منه أساسًا، نتيجة إنه كلام شاب صغير مالوش حيثية كبيرة، لكنه فتح الباب لـ كتابات أكتر فى الملف دا، وخلال ما تبقى من القرن التسعتاشر والعقد الأول من القرن العشرين كان فيه عشرات الكتب ماشية فى نفس الاتجاه، كان أشهرها طبعًا لقاسم أمين.

لـ الأسف الشديد استقبال الكتابات دى ما قدرش يتخلص من سطوة السياسة، وكان دايمًا المسائل بـ تتحسب على أساس: هو الكلام دا تبع مين؟ وجى منين؟ وهـ يفيد مين؟ فـ لما كانت الأفكار دى أقرب إلى الأوروبيين كان كتير من الناس بـ يتعامل على إنه دا كلام الاحتلال والاستعمار، خصوصًا إنه كان فيه تيار قوى بـ يدعو لـ الاستقلال عن إنجلترا على خلفية انتمائنا المفترض لـ الدولة العثمانية بـ اعتبارها ممثلة لـ أمة إسلامية أوسع، بس دا موضوع تانى خلينا نناقشه فى مقال قادم بـ إذن الله.