الأحد 22 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز

مكتبتي..

جراح مصر الديوان الوهمى

هاشم الرفاعى
هاشم الرفاعى

عرفت هاشم الرفاعى من المدرسة، كانت له قصيدة مقررة علينا، وفى مكتبة المدرسة لقيت ديوانه اللى فيه أعماله الكاملة، رغم إنه رحل بدرى أوى «٢٤ سنة»، لكن كان ديوان ضخم، فيه أشعار كلاسيكية متنوعة.

اللى لفت انتباهى فى ديوانه هو حضور السياسة بـ شكل كبير، وزى ما هو واضح فـ الشاعر كان مؤيد لـ نظام الدولة وقتها بـ قيادة جمال عبدالناصر تأييد تام، أساسًا الديوان متصدر بـ صورة لـ الشاعر وهو بـ يسلم على ناصر، بعد إلقاء قصيدة فى حضوره هو وجوزيف تيتو، رئيس يوغسلافيا، والقصيدة أذاعتها الإذاعة قبل وفاة الشاعر بـ شهور.

مش بس عبدالناصر، مسئولين كتير فى الدولة ألقى الرفاعى قصائد فى حضورهم، منهم أنور السادات، كما إنه كان مقرب من وزير التربية والتعليم كمال الدين حسين، اللى نظم حفل تأبين ضخم لـ الشاعر اتكلم فيه يوسف السباعى وغيره.

القصائد كانت واخدة خط الدولة فى كل انحيازاتها، لـ درجة إنه عنده قصيدة كاملة خصصها لـ الهجوم على الإخوان المسلمين بـ يقول فيها:

رهط من الأطفال والصبيان

قالوا عليهم شعبة الإخوان

تلك الجماعة قد تنبأنا لهـــا 

بالهدم يوم إقامة البنـــيان

إنا وجدنا القائمين بأمـــرها 

شر الدعاة وأضعف الأعوان

فإذا تناهى الضعف بين جماعة 

ذاق الجميع مرارة الخـذلان

لـ حد هنا عادى، شاعر مؤيد لـ نظام سياسى، بـ تحصل كتير، لكن كبرت ودخلت الجامعة، ولقيت جماعة الإخوان المسلمين بـ توزع ديوان شعر، محطوط له عنوان «جراح مصر» وعليه اسم الشاعر هاشم الرفاعى، فتحت الديوان لقيته كله هجوم على عبدالناصر ونظامه!

إزاى يا جماعة الكلام دا؟

قال لك: أصل هو كان إخوانى متستر، وبـ يكتب قصايد ضد النظام، بس مش بـ ينشرها، وإنما بـ يقولها دكاكينى كدا، وإحنا جمعنا القصايد دى «اللى هى قليلة» وسميناه «جراح مصر» وتحتها الديوان الممنوع!

طب مين اللى منعه؟ إذا كان كلامكم صحيح يعنى، فـ الممنوع يعنى إنه فيه حد أراد نشره، وفيه جهة ما منعت النشر، دا سواء بـ إيقاف الطباعة من المنبع، أو مصادرة النسخ لو صدرت، أو حتى عدم إلقاء قصائده فى المجال العام، لكن أنا أكتب مقال مع نفسى، وما أسلموش لـ أى جريدة، وأقول عليه المقال الممنوع، مش ظابطة.

الظريف إنه إحدى قصائد الديوان المزعوم منشورة بـ اعتبارها على لسان أحد أعضاء جماعة الإخوان المحكوم عليهم بـ الإعدام ليلة تنفيذ الحكم، وعنوان القصيدة «رسالة فى ليلة التنفيذ»، القصيدة دى فعلًا لـ هاشم الرفاعى، وموجودة فى ديوانه الرسمى الصادر عن الدولة، بس مالهاش علاقة بـ الإخوان لا من قريب ولا من بعيد.

القصيدة دى كتبها هاشم الرفاعى على لسان أحد ثوار الجزائر، اللى كانت بـ تناضل ضد الاحتلال الفرنسى، وفيها كلام واضح عن إنه الشاب الثائر خرج ضد «الاستعمار وأعوانه»:

لِيَكُنْ عَزاؤكَ أَنَّ هَذا الْحَبْلَ ما 

صَنَعَتْهُ فى هِذى الرُّبوعِ يَدانِ

نَسَجُوهُ فى بَلَدٍ يَشُعُّ حَضَارَةً 

وَتُضاءُ مِنْهُ مَشاعِلُ الْعِرفانِ

أَوْ هَكذا زَعَمُوا! وَجِىءَ بِهِ إلى 

بَلَدى الْجَريحِ عَلَى يَدِ الأَعْوانِ

يعنى الحبل اللى هـ يتشنق بيه هذا الثائر، هو حبل معمول فى بلد يشع حضارة «فرنسا» أو هكذا زعموا، فـ إيه علاقة دا بـ جمال عبدالناصر ولا نظامه؟

اللافت إنه الإخوان قدروا ينشروا الديوان المزعوم دا بـ رؤيتهم، لـ درجة إنه فيه كتَّاب ونقاد ليهم اسمهم تبنوا الرواية دى، منهم على سبيل المثال الطاهر أحمد مكى وغيره.

فـ اللى هو ما قدروش يردوا عليه وهو حى، قاموا سارقينه لما مات.