دماء على البالطو الأبيض..دكتور فضل.. أخطر أمير سرى فى العالم

- كان سيد من أوائل الجمهورية فى الثانوية العامة 1968 والتحق بكلية الطب
- سيد إمام هو الأمير الفعلى السرى للجهاد والأب الروحى الراسبوتينى
- سيد إمام: الإرهاب من الإسلام ومن أنكر ذلك فقد كفر
كرس د. خالد منتصر حياته لمكافحة الإرهاب فى الميدان الأهم وهو «ميدان الفكر»، يحمل قلمه، منذ سنوات طويلة، ويقول كلمته الجريئة، دون خوف أو تراجع، وها هو يعود من جديد بمنتج فكرى يستحق التوقف أمامه، وهو كتاب «دماء على البالطو الأبيض.. لماذا ظهر الطبيب الدرويش والدكتور الإرهابى؟»، الصادر عن دار رئيسة للنشر والتوزيع.
وفى كتابه يتناول د. خالد منتصر قضية مهمة ومحيرة وهى تحول طلبة وخريجى بعض من كليات الطب فى مصر إلى التطرف والإرهاب، ويسأل: كيف يتحول الطبيب، رمز الإنسانية والرحمة، إلى شخص يتبنى أفكارًا متطرفة تتناقض مع جوهر مهنته؟، والأهم أنه يضع حلولًا ممكنة لمواجهة الظاهرة.
واحتفاءً بهذا الإصدار المهم تنشر «حرف» جانبًا من الفصل التاسع الذى يروى قصة مُنظر الإرهاب الأكبر سيد إمام، المعروف باسم د. فضل، حيث يقدم د. خالد قراءة فى مؤلفات سيد إمام، لاسيما كتابيه «العمدة فى إعداد العدة» و«الجامع فى طلب العلم الشريف»، فضلًا عن كتابه «غير المكتمل»، الذى يدور حول فكرة أن «الإرهاب من الإسلام ومن أنكر ذلك فقد كفر»!.

اختيارى «سيد إمام» قبل أيمن الظواهرى هو اختيار متعمد ومقصود وليس عشوائيًا أو بالصدفة، فسيد إمام- أو د. فضل «الاسم الحركى»، أو عبدالقادر بن عبدالعزيز الشريف «الاسم الحركى الثانى»- هو فكريًا وفقهيًا معلم وأستاذ وإمام الظواهرى، وهو تنظيميًا الأمير الفعلى السرى للجهاد والأب الروحى الراسبوتينى الذى كان يحرك الأمور بالريموت، ويغسل أدمغة أعضاء التنظيم بمساحيق الغسل الفقهية التى وصل فى استيعابها لدرجات تتجاوز أحيانًا المشايخ أنفسهم المتخصصين فى العلوم الشرعية، ويعد كتاب «العمدة فى إعداد العدة» المنشور فى ١٩٨٨ هو الدستور الأساسى والمانيفستو المرجعى لتنظيم القاعدة وتنظيمات الجهاد فى مصر ومن بعدها أفغانستان، هو وكتاب «الجامع فى طلب العلم الشريف» ١٩٩٣، كتابان أعتبرهما أخطر كتابين فى التنظير للجهاد، أعتبرهما شخصيًا فى نفس مرتبة كتاب «فى ظلال القرآن» لسيد قطب، بل من الممكن أن يكون تأثيرهما أخطر وأعمق.
ولد سيد إمام فى ٨ أغسطس ١٩٥٠ فى مدينة بنى سويف، بعد إتمامه دراسته الابتدائية والإعدادية فى بنى سويف التحق بمدرسة المتفوقين الثانوية النموذجية فى عين شمس فى القاهرة فى ١٩٦٥، وهى مدرسة داخلية أعتقد أن نظام العزلة فيها ساعده على دراسة الكتب الفقهية والشرعية أكثر، وشكل شخصيته الانطوائية المتشرنقة داخل ذاتها، والتى تحولت فيما بعد إلى شخصية ساخطة على هذا المجتمع الكافر «من وجهة نظره».
كان سيد من أوائل الجمهورية فى الثانوية العامة ١٩٦٨، والتحق بكلية الطب جامعة القاهرة، وتخرج فيها عام ١٩٧٤، كان يسكن المدينة الجامعية الداخلية أيضًا، وهذه هى العزلة أو الشرنقة الثانية، فقد كانت المدينة الجامعية هى المشتل والحاضنة لكل تيارات التطرف فى الجامعة.
حاولت أن أتقصى شخصيًا من زملاء دفعته فى كلية الطب أو من كان قريبًا منه فى تلك الفترة، أفضل من أعطانى معلومات عنه هو نائب الجراحة الذى كان فى الدفعة التالية لدفعته، أخبرنى بأنه كان نائب جراحة عامة «شاطر» جدًا، وانطوائى جدًا أو بلغتنا العامية «فى حاله»، كان فى قسم أكثر الأساتذة صرامة فى أقسام الجراحة، د . عبدالعظيم رفعت، حكى لى صديقى وزميله عن هذا الانطوائى حكاية غريبة عنه تلخص لنا ملامح تلك الشخصية وتقلباتها النفسية، يقول إن بعض الزملاء أخبروا سيد بأن نائب التخدير قد أحضر فتاة إلى غرفته فى سكن الأطباء، فإذا بسيد إمام ينتفض ويسحب مسدسه ويهرول إلى السكن!! سألوه من أين أتيت بهذا المسدس؟!، رد قائلًا: «أصل عليا ثأر»!!، المهم أن البعض أخبر نائب التخدير الذى سارع بتهريب الفتاة من النافذة، دخل د. سيد الغرفة غاضبًا شاهرًا مسدسه، يفتش الغرفة بهستيريا، وتم إنقاذ نائب التخدير بالعافية من براثن سيد الهادئ الرزين الانطوائى!.

ابن الصعيد المتفوق حاد الذكاء، المعزول فى المدرسة الداخلية للمتفوقين ثلاث سنوات، ثم المدينة الجامعية سبع سنوات، ثم سكن الأطباء ثلاث سنوات أخرى، ما بين الجراحات والدم والطوارئ والحوادث والنزف والبتر.. هل كل تلك الظروف تساعد من هو على استعداد نفسى أصلًا على أن يصبح بتلك الشراسة، وذلك التطرف والتعصب؟، بالطبع ممكن، فأن تترك هذا المستقبل الطبى المضمون كواحد من سلك التدريس الجامعى فى أهم كلية طب فى الشرق الأوسط، وتذهب إلى بيشاور، وأنت تخطط لقيادة أعنف وأخطر تنظيم إسلامى فى التاريخ الحديث، ثم تكتب فى الكهوف أخطر كتاب يؤسس للتكفير المسلح، ثم تصبح شبحًا تقود ولا يعرفك أحد، ومن الكهف الأفغانى إلى السجن المصرى حيث يحدث الانقلاب، وتكتب وثيقة مراجعة وتوبة تحت اسم ترشيد العمل الجهادى، ليهاجمك رفقاء السلاح بضراوة!! تلك الدراما لا تشير إلى أنك يا سيد يا إمام بطل إغريقى، ولكنها تؤكد أن الوضع السيكولوجى ليس على ما يرام!.

فى المعادى، هذا الحى الهادئ الراقى، تمت أولى خطوات طريق هذا التنظيم الجهادى الأفعوانى المدمر، مجموعة المعادى التى كان نجمها الفكرى وأبوها الروحى سيد إمام الذى لم يكن ابن المعادى بل ابن الريف، المجموعة تكونت من «الظواهرى وعصام القمرى ومحمد الظواهرى ونبيل البرعى ومحمد عبدالرحيم الشرقاوى، وأمين الدميرى وعصام هنداوى وخالد عبدالسميع وخالد مدحت الفقى، ومصطفى كامل مصطفى وعبدالهادى التونسى»، وإن كان الظواهرى فى حوار معه، نشره المكتب الإعلامى لتنظيم الجهاد عام ١٩٩٣ ذكر أن يحيى هاشم، رئيس النيابة العامة، الذى قتل فى إحدى العمليات الخاصة بمجموعة الفنية العسكرية فيما بعد، كان معهم من بين المؤسسين للمجموعة.
لو أردنا أن نقدم ملخصًا سريعًا للتاريخ السياسى أو الحركى لسيد إمام، نقول إن المرة الأولى التى ذكر فيها اسم سيد إمام كان متهمًا فى قضية الجهاد الكبرى التى تلت عملية اغتيال الرئيس السادات عام ١٩٨١ فى القضية التى حملت رقم ٤٦٢ لسنة ١٩٨١ حصر أمن دولة عليا، وضمت ٣٠٢ متهم، من بينهم سيد إمام رقم ١٩٠ فى قرار الاتهام، وصدر الحكم بالبراءة لأنه كان قد غادر مصر قبل عام ١٩٨١، أى قبل حادث المنصة.
يقول الدكتور هانى السباعى فى روايته لقصة تنظيم الجهاد لصحيفة «الحياة» اللندنية: «اجتمع الظواهرى وقيادات الجهاد لاختيار أمير لتنظيم الجهاد، وتم اختيار الدكتور سيد إمام، وأطلقوا عليه لقب عبدالقادر بن عبدالعزيز، وقد يكون السبب أنهم لم يريدوا أن يعرف الناس الأمير الحقيقى، مثلما كان يحصل فى الدولة العباسية، عندما كان الناس يبايعون الشخص على أساس أنه من أهل البيت، آل الرضا، ولا يعرفون من هو».
ظل سيد إمام لغزًا لأجهزة الأمن ووسائل الإعلام التى لم يتعامل معها أبدًا، فضلًا عن ابتعاده تمامًا عن التورط فى الظهور العلنى داخل البلاد التى حملته رحلة التنظيمات إليها، ووصل تمسكه بالسرية وإمعانه فى إخفاء اسمه درجة أن معظم المتهمين فى تنظيم الجهاد الذين سلمتهم دول عربية وأجنبية إلى مصر لم يعرفوا اسمه الحقيقى، إلا بعد أن عرض عليهم الأمن صورًا له فأقروا بأنهم التقوا صاحب هذه الصورة دون أن يعلموا من هو.

بدأت رحلته خارج مصر قبل اغتيال الرئيس السادات مباشرة، وكانت محطته الأولى فى المملكة العربية السعودية، حيث عمل هناك طبيبًا فى شركة بترول، فى أفغانستان تولى سيد إمام إمارة التنظيم بعد اجتماع للقادة، واستقر القول وفقًا لرغبته فى تسميته بلقب عبدالقادر بن عبدالعزيز، وهو اسم لا يوحى بأن صاحبه مصرى، كما يحقق رغبة «إمام» فى ألا يعرف الناس أنه الأمير الحقيقى، لكن الشهرة كانت من نصيب الظواهرى الذى يجيد اللغة الإنجليزية ويتحدث بها لوسائل الإعلام شارحًا قضية الجهاد. ومن هناك قاد التنظيم ووجه أعضاءه حتى عام ١٩٩٣.
حدثت هزة كبيرة فى التنظيم بسبب انكشاف جناح «طلائع الفتح» العسكرى الخاص وحتى قيام السلطات المصرية بإلقاء القبض على نحو ألف شخص من أعضائه، وأدى ذلك إلى أزمة كبيرة دفعت تيارًا قويًا إلى أن يدعو إلى محاسبة القيادة عما حدث، وبخاصة أيمن الظواهرى الذى كان معروفًا للعامة أنه الأمير، واحتدم الخلاف الداخلى بين الأعضاء والقيادات الذين خرج معظمهم من مصر إلى السودان فى ذلك الوقت، وطالب كثيرون بحضور الأمير الحقيقى الدكتور سيد إمام من باكستان التى ظل مقيمًا بها ولم يغادرها ولم يستجب إمام، فطالب التيار المتمرد باستقالته من إمارة الجماعة واختيار أمير جديد لها أكثر قدرة على إدارة شئون التنظيم غير الدكتور إمام الذى اهتم فى تلك المرحلة بالتنظير وترك شئون الإمارة للظواهرى، ومع استفحال الخلاف الداخلى دفع إمام إلى تقديم استقالته من الإمارة ومن تنظيم الجهاد كله، وأبلغ بذلك قيادات التنظيم وأعضاءه الأمر الذى انتهى بعد ذلك باختيار الظواهرى أميرًا بعد أن ظل التنظيم فترة بلا أمير.
فى عام ١٩٩٣ غادر إمام باكستان متوجهًا إلى السودان ثم إلى اليمن وعمل بمستشفى «الثورة العام» بمدينة «آب» جنوب العاصمة صنعاء متطوعًا دون أجر، ثم عمل فى مستشفى «دار الشفا» الخاص، ورغم أن إمام لم يسافر قط إلى ألبانيا فإن المحكمة فى قضية «العائدون من ألبانيا» حكمت عليه فى إبريل عام ١٩٩٩ بالسجن المؤبد غيابيًا بعد أن ذكر المتهمون اسمه صراحة كأمير لتنظيم الجهاد، ورغم أنه حصل على حكم بالسجن المؤبد فى هذه القضية، فإن الدكتور كمال حبيب يقول عنه فى «دليل الحركات الإسلامية فى العالم.. تحرير ضياء رشوان مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ٢٠٠٦»: «إن ما ذكر عن إمام قليل جدًا فى أوراق القضية، بشكل لا يتناسب مع تأثيره وموقعه، لو قورن بغيره من القيادات التى تضمنتها أوراق القضية».
يؤكد ابنه إسماعيل أن كل الكتابات والنشرات التى صدرت عن جماعة الجهاد كان والده هو الذى كتبها، حتى التى سمح للدكتور أيمن الظواهرى أن يضع اسمه عليها، وأراد والدى بذلك أن يجعل للدكتور أيمن حضورًا إعلاميًا.. لكن ما الذى جعل سيد إمام خصمًا لرفيق عمره وتلميذه أيمن الظواهرى؟!، يقول الابن إسماعيل: «كتب والدى كتاب الجامع فى طلب العلم الشريف عام ١٩٩٣، بعدما قطع صلته بجماعة الجهاد لينفع به المسلمين، وأعطى نسخة منه إلى جماعة الجهاد ليتعلموا منه، وكان فيه نقد للحركات الإسلامية لم يعجبهم، فحذفوا أشياء كثيرة من كتاب الجامع ووضعوا له عنوانًا آخر ونسبوه لأنفسهم، واتهمهم والدى بالسرقة والكذب والغش وخيانة الأمانة، وقال والدى إن الذى فعل هذا كله هو الدكتور أيمن وحده بشهادة الأخ أبوطلحة، الذى كان يكتب الكتاب على الكمبيوتر برغم تحذير والدى لهم من القيام بمثل ذلك. أدى ذلك إلى مقاطعة والدى نهائيًا لجماعة الجهاد، بل إنه رفض مقابلة الدكتور أيمن عند حضوره إلى اليمن عام ١٩٩٥، على الرغم من طلب الدكتور أيمن ذلك وإلحاح الإخوة على أن تتصل علاقتهم بوالدى».

وعن تلك العلاقة التراجيدية بين الرفيقين إمام والظواهرى ، يقول إسماعيل سيد إمام: «هناك الكثير عن علاقة والدى والدكتور أيمن الظواهرى، ربما لأن هذه العلاقة كانت مجهولة ومرت بمراحل كثيرة، ولميل الدكتور أيمن إلى العمل التنظيمى أكثر وتفضيل والدى للعزلة والتبحر فى العلوم الدينية، وكان لهذا أكبر التأثير على علاقة والدى والدكتور أيمن، فوالدى تولى بشكل شبه كامل إصدارات التنظيم وإصدار الكتب الكبيرة، التى اعتبرت مرجعًا ليس للتنظيم فحسب بل ولكل الجماعات الإسلامية الجهادية فى العالم، فقد صاغ فى تلك الكتب رؤيته للجهاد وما يتعلق به وأفكار أخرى كثيرة كانت بمنزلة الدستور لجماعة الجهاد، وكان الدكتور أيمن بمنزلة المدير التنفيذى لتلك السياسات بعد الاتفاق عليها، لما له من قدرة أكبر على العمل الحركى ولعدم تفرغ والدى لذلك، ولم تقتصر علاقة والدى مع الدكتور أيمن على مرحلة معينة بل استمرت منذ عام ١٩٦٨، وحتى عام ١٩٩٤، أى بما يزيد على ربع قرن، ومرت بالكثير من المراحل المختلفة كما تطرقت سابقًا، وأجزم أن أحدًا من الإخوة الآخرين لم يعرف الدكتور أيمن كما كان والدى يعرفه، من الدراسة إلى العمل الحركى إلى الهروب خارج مصر وإحياء جماعة الجهاد، حتى إنهما لم يفترقا فى القضايا التى تمت محاكمتهما فيها».
بعد كتابة سيد إمام وثيقة «ترشيد العمل الجهادى» التى اعتبرت بمثابة المراجعة التى فتحت الباب للإفراج عن الكثيرين من أعضاء التنظيمات الإسلامية، وصلت العلاقة ما بين إمام والظواهرى إلى طريق مسدود، بل إلى نقطة اللاعودة.. رد الظواهرى بقسوة، فكتب «التبرئة»، فكان الرد من إمام بـ«التعرية».. فى وثيقة «التعرية» قسّم إمام ما أورده الظواهرى فى كتابه «التبرئة» إلى ٣ أقسام: الأول بعنوان «كذب وبهتان» وفيه يتهمه صراحة بأنه رجل كذاب ويؤكد أنه كان عميلًا للمخابرات السودانية باعترافه، ثم فى الثانى يرد على المغالطات الفقهية، والثالث يدور حول تعرية ما سماه تلبيس الظواهرى الأمور على القارئ.

وهكذا انتهت العلاقة التى صنعت كل هذه المؤامرات، وهذا الخراب والدمار ليس فى مصر فقط، بل فى العالم كله.. لكن هل انتهت العلاقة بين الشباب وبين كتب سيد إمام وأفكاره التى رسخت وأسست ودشنت «تسونامى» الجهاد التكفيرى المسلح منذ الثمانينيات وحتى الآن؟،
بالطبع لا، فما زالت حتى هذه اللحظة تشكل وتنحت أكبر صنم فكرى شوّه الدين وقيمه السامية، فكتابا «العمدة والجامع» يمثلان البوصلة الهادية لكل الضالين من تيارات التكفير، «العمدة فى إعداد العدة» الذى يتحدث عن الشق الشرعى والإعداد الإيمانى، وتحدث عن الكيفية التى يتم بها هذا الإعداد، وشرح حكم التدريب العسكرى للمسلمين، وحدد سن الخمسة عشر عامًا لبداية تعلم الجهاد، توسع إمام فى الفصل الخاص بأهمية الإمارة ووجوبها وواجبات الأمير، وعلى قدر ما كان كتاب العمدة تكتيكيًا ومليئًا بالتفاصيل المهمة لتكوين التنظيمات الإسلامية المسلحة، بقدر ما كان كتاب «الجامع فى طلب العلم الشريف» استراتيجيًا فقهيًا مزدحمًا بأحكام الشرع والاقتباسات من كتب التراث القديمة، إلا أننى شخصيًا أعتبر كتابه الأخطر هو الذى لم يكتمل بسبب وقوعه فى الأسر ٢٠٠١، والذى يحمل عنوان «الإرهاب من الإسلام ومن أنكر ذلك فقد كفر»!! فبرغم أن الكتابين، العمدة والجامع الأكثر شهرة وتأثيرًا، فإننى أرى كتاب الإرهاب من الإسلام هو الأخطر بلغته البسيطة نوعًا ما والقريبة من الشباب، فلم يلجأ فيه إلى مصطلحات متحفية تراثية مهجورة، والأخطر خوضه فى قضايا سياسية معاصرة، وإعلانه أفكاره بصراحة وعدم محاولة التخفيف أو التجميل أو حتى التقية فى الكتابة، سواء فى العنوان أو فى المتن.
لم أصادف فى محيط قراءاتى كتابًا يؤصل فقهيًا بتلك القوة لفكرة أن الإرهاب ركن إسلامى، وأن من ينكر تلك المقولة فهو كافر، قولًا واحدًا صارمًا حاسمًا!، وهذا هو الخطر والرعب من انتشار هذا الكتاب صغير الحجم، كبير الأثر، والذى كُشف فيه عن وَهم ما سمى بالمراجعات، فحتى عندما تمت استضافته فى إحدى القنوات العربية، وانتظر المذيع منه تقييمًا لفترة الإخوان، متوقعًا تأييدًا لمحمد مرسى، فإذا بسيد إمام يقول مرسى كافر وكل من انتخبه كافر!!، وبالطبع كان باقى الناخبين الذين انتخبوا أحمد شفيق على الجانب الآخر كفارًا منذ البداية!!!.
يتهم د. سيد إمام عوام المسلمين بأنهم يروجون لكثير من الضلالات، أولاها أن الإرهاب ليس من الإسلام، هو لا يوافق على تلك الضلالة من وجهة نظره، ويبرر موقفه بقوله «الإرهاب من الإسلام، ومن أنكر ذلك فقد كفر.. وذلك لقوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}، فإرهاب الأعداء الكفار واجب شرعى بنص هذه الآية، ومن أنكر ذلك فقد كفر لقوله تعالى: {وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون، والجحد هو الإنكار والتكذيب باللسان، وقال تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو كذّب بالحق لما جاءه أليس فى جهنم مثوىً للكافرين}، فمن قال إن الإسلام برىء من الإرهاب أو أراد التفريق بينهما فقد كفر، فالإرهاب من الإسلام!!.
أما المسيحى أو النصرانى حسب تسميته فهو كافر وفى النار من الأساس، هذه بديهية بالنسبة له، يقول فى كتابه اللغم: قال تعالى: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين}، وقال تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم...}، إلى قوله: {... لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة}، وقال تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون}، وكُفر اليهود والنصارى - وهم أهل الكتاب - من المعلوم بالدين بالضرورة كما ذكره ابن تيمية وغيره، ومن أنكر ذلك فقد كفر».
أما الطامة الكبرى فهى لا تتعلق بجدل دينى أو بديهية عقائدية، لكنها تتعلق ببديهية إنسانية، اتفق عليها البشر فى العالم كله، وصارت من حقوق الإنسان، وبديهيات العصر الحديث، وأعتقد أنها كانت من مؤشرات شهامة القبائل قديمًا، وهى احترام المدنى الذى لا يحارب خاصة النساء والأطفال، لكن إمام كان له رأى مختلف، فهو يؤكد قتل الجميع حتى الأطفال، ويبرر قائلًا: «ليس صحيحًا أن المدنيين أبرياء، بل معظم الرجال والنساء منهم مقاتلون شرعًا، أما الأبرياء فعلًا فهُم الأطفال منهم ومن خالطهم من المسلمين لغرض شرعى مباح من تجارة أو نحوها، فهؤلاء لا إثم فى قتلهم وأمرهم يوم القيامة إلى علام الغيوب، ودليل ذلك بالنسبة للأطفال هو حديث الصعب بن جثامة الذى رواه البخارى أن الصحابة سألوا النبى، صلى الله عليه وسلم، عن الذين يُقتلون من ذرارى الكفار- أى أطفالهم ونسائهم- فى البيات- وهو الهجوم على الكفار ليلًا حين يتعذر التمييز بينهم - فأجاب النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: «هم منهم»، ومعناه أن حكمهم كحكم أوليائهم فى الكفر، وأنه لا إثم فى قتلهم إذا تعذر التمييز بينهم.
وتفرع عن ذلك مسألة التترس، وجواز قتل الترس الكافر غير المقاتل إذا احتمى به الكافر المقاتل، وهو ما يسمونه فى زماننا بـ«الدروع البشرية»!!، ثم يؤكد أن القوانين الوضعية دين جديد من شرّعها أو عمل بها فقد كفر!!.
الكتاب مشحون بالنابالم، تحس وأنت تقرؤه بلهيب الغل يخرج من بين سطوره، فإذا كان هذا حال الأمير السرى غير المعلن، فماذا عن الأمير المعلن، والطبيب الأشهر، والذى كان المطلوب رقم واحد فى العالم، أيمن الظواهرى.