السبت 02 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

تحقيق بالوثائق الصحفية.. جريمة هيكل فى حق الإمبراطورة فوزية

تحقيق صحفي عن هيكل
تحقيق صحفي عن هيكل والإمبراطورة فوزية

فى نهايات العام 2000 صدر فى القاهرة عن دار الشروق كتاب «طلاق إمبراطورة.. طلاق شاه إيران والإمبراطورة فوزية.. القصة الكاملة والأسرار الخفية» للكاتب الصحفى الكبير كريم ثابت، الذى كان مستشارًا صحفيًا للملك فاروق لما يقرب من عشر سنوات. 

كان كريم ثابت بحكم قربه من الملك فاروق يعرف ما لا يعرفه غيره، ويملك من الأسرار ما لا يتوفر لسواه، ولذلك كان طبيعيًا أن يقدم بين يدى كتابه بقوله: لما أعلن طلاق جلالة شاه إيران الحالى والإمبراطورة فوزية لم يعرف الناس أسبابه، بل إن الشاه نفسه لم يعرف الأسباب الحقيقية، وفوزية نفسها لم تعرفها كذلك. 

يشير ثابت إلى ما كتبه بثقة مطلقة، فما قدمه للقراء فصول تميط اللثام لأول مرة عن هذه القصة الفريدة من نوعها، فهى قصة تبدو فى بعض أجزائها أقرب إلى القصص الخيالية منها إلى القصص الواقعية، ومع ذلك فإنه ليس فى هذا الكتاب سطر واحد من الخيال. 

ورغم أن ثابت يتحدث فى كتابه عن الشاه والإمبراطورة فوزية، فإنه لا ينسى موقع الملك فاروق فى القصة كلها، فيشير إليه بقوله: فى وقائع هذه القصة يتجلى بأجلى مظهر أنه كان فى فاروق شخصيتان مختلفتان تتنازعان السيطرة على إرادته ومشاعره. 

كان الكتاب -فى حد ذاته- قنبلة تاريخية، ففيه تسجيل كامل لوقائع الطلاق بين الشاه والإمبراطورة الذى وقع رسميًا فى 17 نوفمبر من العام 1948، وكانت قد انتقلت من طهران إلى القاهرة فى العام 1945 بعد حوالى ست سنوات – الزواج تم فى مارس 1939 - قضتها فى قصر زوجها. 

بعد سنوات من ثورة 52 كان كريم ثابت قد انتهى من فصول كتابه، واحتفظ بمسوداته، حيث قرر عدم نشر الكتاب ما دامت الإمبراطورة على قيد الحياة، فقد كان يعرف أن ما فيه سوف يغضبها، وبعد وفاته فى العام 1964 انتقلت مسودات الكتاب منه إلى ابنته السيدة ليلى كريم ثابت التى كانت حريصة على تنفيذ وصيته بعدم نشر الكتاب إلا بعد وفاة الإمبراطورة. 

بعد نشر الكتاب انطلقت فصول ضجة هائلة، ليس بسبب ما فيه، ولكن لأنه نشر من الأساس وكانت الإمبراطورة لاتزال على قيد الحياة، فقد توفيت فى يوليو من العام 2013 عن 93 عامًا. 

كان الكتاب سببًا فى معركة صحفية تكشف لنا كثيرًا مما يجرى فى كواليس عالم الصحافة والسياسة، ورغم أن أبطال القصة هم الشاه والملك فاروق وشقيقته فوزية وعلى القرب منهم كريم ثابت، مؤلف الكتاب، لكن المعركة الصحفية اختارت أبطالها الذين كانوا الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل والناشر الكبير إبراهيم المعلم وليلى كريم ثابت، وعلى القرب منهم الكاتب الصحفى سليمان جودة، الذى كان يقدم قراءات متنوعة للكتب الصادرة حديثًا على صفحات جريدة الوفد الأسبوعى. 

بدأت المعركة الصحفية فى إبريل من العام 2001 أى بعد ما يقرب من أربعة شهور على صدور الكتاب، وأغلب الظن أنها حدثت بالصدفة. 

فى 12 إبريل 2001 قدم سليمان جودة على صفحات الوفد قراءة مفصلة لكتاب «طلاق إمبراطورة»، وكان عنوان مقاله المطول غريبًا بعض الشىء، فقد لخص الكتاب بقوله «لا هذه أميرة.. ولا هذا ملك».

عندما كان جودة يقلب فى صفحات الكتاب لاحظ أن صورة الأميرة فوزية ليست صورة واضحة، ولا هى مريحة، وإنما صورة مهتزة، بل إنها – أى الصورة – مهترئة، ولم تكن صورة الملك فاروق أيضًا بعيدة عن معالم صورة شقيقته. 

كان يمكن أن يتعامل سليمان جودة مع جودة الصور المتدنية على أنها مجرد عيوب طباعة ويمكن أن يحدث دون أن يلفت ذلك انتباه أحد، لكن وقع فى يقينه – كما يقول - أن هناك شيئًا ما حدث، وأن هذا الشىء الذى حدث، والذى لم يكن يعرفه فى حينها قد أساء إلى الملك، وإلى الإمبراطورة، بل وأساء أيضا إلى كريم ثابت نفسه، ولذلك قال: لا هذه أميرة ولا هذا ملك، قال ذلك بالحدس وحده وبالتخمين وحده، وقبل أن تصلنى أوراق الإدانة كاملة. 

لكن كيف وصلت إليه أوراق الإدانة؟ 

وعن أى إدانة يتحدث؟

بعد نشر مقاله بأيام قليلة، فوجئ جودة باتصال تليفونى من السيدة ليلى كريم ثابت، التى كانت قد عادت من لندن التى أقامت فيها عدة سنوات لتعيش فى القاهرة بشكل نهائى. 

كان سليمان جودة قد ختم مقاله عن كتاب «طلاق إمبراطورة» بسؤال وجهه إلى السيدة ليلى عما إذا كانت راضية عن صورة الإمبراطورة والملك فى الكتاب، وعما إذا كانت راضية أيضا بالإجمال عن الكتاب نفسه. 

لم يكن لدى سليمان أى دليل على أن هناك ما حدث للكتاب، لم يكن يعرف على وجه اليقين هل هناك يد امتدت إلى الكتاب فأفسدته، أم أن كل ما شك فيه كان مجرد أخطاء عابرة، لكن جاء تليفون ليلى ثابت ليبدد الشك ويحيله إلى ما يشبه اليقين، وليفتح الباب بعد ذلك لجدل وأخذ ورد. 

طلبت ليلى من سليمان جودة اللقاء فاستجاب على الفور. 

نشر جودة ما دار بينه وبين السيدة ليلى كريم ثابت فى عدد جريدة الوفد الصادر فى ١٧ مايو ٢٠٠١، وكان العنوان «حكاية عن هيكل تستحق أن تروى»، وقدم لما يريده بقوله: نعم هذه قصة تستحق أن نرويها، ولسنا نبالغ فى شىء من وقائعها، إنما نحكيها كما حدثت، دون أن يكون فيها شىء زائد هنا، أو آخر ناقص هناك». 

لم يكن سليمان جودة على يقين من أن ليلى ثابت يمكن أن تكشف عما لديها، فهى فى النهاية وحيدة فى مواجهة كبار وأصحاب نفوذ، لكنها خيبت ظنه عندما دخلت فى الموضوع مباشرة بقولها: أنا لست راضية إطلاقا عن نشر الكتاب، بل لم أوافق على نشره، وإن النشر قد تم رغم أنفى وغصبًا عنى. 

لم تأت ليلى إلى جلستها مع سليمان جودة خالية الوفاض، كانت تحمل معها أصول الكتاب بخط يد والدها، لتظهر أولى المفاجآت، فأصول الكتاب عبارة عن ١٦ فصلًا، بينما الكتاب المطبوع والصادر عن دار الشروق جاء فى ١١ فصلًا فقط، أى أن هناك خمسة فصول حذفت، المفاجأة الثانية كانت أن هناك تقديمًا وتأخيرًا فى فصول الكتاب المنشورة، وهى لا تعرف عنها شيئًا بشكل كامل. 

بدأت من هذه اللحظة فصول معركة صحفية، راحت تبحث عن إجابات لأسئلة محددة، منها: كيف وصلت أصول الكتاب إلى دار الشروق وهى لا تزال فى بيت ليلى لم تخرج منه؟ وحتى لو وصلت الأصول إلى دار الشروق، فمن منح الدار الإذن بالنشر، وليلى تقول إنها لم توافق على النشر من الأساس؟. 

اعتبر سليمان جودة أن ما جرى فى الكتاب جريمة متكاملة الأركان، وراح يبحث عن الأدلة التى تؤكد ما ذهب إليه. 

بدأت ليلى كريم ثابت تروى تفاصيل ما جرى، فالحكاية لم تبدأ بكتاب «طلاق إمبراطورة» ولكن بكتاب آخر لكريم ثابت هو «عشر سنوات مع الملك فاروق» والذى كانت دار الشروق قد أصدرته قبل كتاب «طلاق إمبراطورة». 

قالت ليلى إنها كانت قبل شهور قد اتفقت مع المهندس إبراهيم المعلم، صاحب دار الشروق، على نشر مذكرات والدها فى جزءين، وقد صدرت المذكرات بالفعل حسب الاتفاق، ولكن كان هناك إخلال واحد ووحيد بالاتفاق على نشر تلك المذكرات. 

إن المذكرات كانت تقدم نفسها، وليست فى حاجة لمن يقدمها، كما أن اسم كريم ثابت أكبر بكثير من أن يتولى أحد، أيا كان هذا الأحد تقديمه إلى الناس.. هكذا قالت. 

كانت صدمة ليلى ثابت كبيرة، عندما فوجئت بأن المذكرات صدرت بمقدمة للأستاذ محمد حسنين هيكل، دون أدنى اتفاق أو استئذان فى ذلك، وقد راحت تعاتب المعلم وتبدى غضبها وسخطها، ولكنها لم تسمع منه كلامًا مقنعًا، والأصح أنها حاولت أن تفعل ذلك، ولكنه فى كل مرة حسب روايتها كان يتهرب من لقائها، ويتحاشى أن تقع عيناها عليه. 

وفى إحدى الحفلات وجدت نفسها أمام الاستاذ محمد حسنين هيكل الذى بادرها قائلًا: لم أسمع منك كلمة شكرًا. 

قالت: على ماذا؟ 

قال: على تقديمى لمذكرات والدك. 

قالت بسرعة: أنت تعرف أنى رافضة لوجود هذه المقدمة مع مذكرات أبى، وتعرف أنك لم تراع أدنى التقاليد وتستأذننى فيها، وأنى مع أمى غاضبتان تماما من وجود مقدمتك هذه، وأكرر لك مرة أخرى أنى رافضة لأنك اغتصبت حقًا ليس لك، رافضة ولكن لا أعرف ماذا أفعل. 

انسحب هيكل من أمامها مندهشًا ومتعجبًا وهو يردد: كده.. كده؟.

كان ما حدث فى كتاب «عشر سنوات مع الملك فاروق» سببًا فى غضب ليلى إذن، وهو ما دفعها لأن تقرر عدم التعاون مع دار الشروق مرة أخرى، ورغم أنها كانت قد تحدثت مع إبراهيم المعلم عن كتاب «طلاق إمبراطورة» واتفقت معه أن ينشره فى الوقت المناسب، إلا أنها صرفت نظرها عن ذلك، وقررت أن تنشره فى دار نشر أخرى عندما تقرر ذلك بعد وفاة فوزية. 

 

لم يكن نشر كتاب «طلاق إمبراطورة» بعد وفاة الأميرة مجرد قرار كريم ثابت ووصيته التى حرصت ليلى على تنفيذها، ولكنه كان أيضًا رجاء خاصًا من الإمبراطورة، قررت ليلى أن تحترمه وألا يرى الكتاب النور إلا بعد أن تفارق فوزية الدنيا. 

شرحت ليلى للمعلم ظروف الكتاب الذى فى حوزتها، وأكدت له أن نشره حاليًا سوف يؤلم فوزية جدًا، وسوف يسىء إليها إساءة بالغة، وهو ما حدث فعلًا، وما لم تكن ليلى تريده، واتفقا على ذلك. 

ذات صباح فتحت ليلى إحدى الصحف لتقرأ خبرًا يعلن عن صدور كتاب «طلاق إمبراطورة» وأن الكتاب يحكى قصة طلاق فوزية من بهلوى، وأنه يضم أسرارًا ويزف أخبارًا. 

وكادت ليلى ثابت أن تجن، وقامت تطمئن فى بيتها على أصول الكتاب، فوجدتها فى مكانها، وراحت تسائل نفسها فى جنون: إذن كيف صدر الكتاب بينما أصوله فى بيتى؟. 

وقامت إلى التليفون تطلب المعلم، وتلح فى الطلب، لعلها تفهم ماذا حدث بعد أن بلغها أن الإمبراطورة فى غاية الغضب، وأنها لا تعرف كيف تقابل الناس وكيف تلقاهم. 

 

اختفى المعلم تمامًا – كما روت ليلى - وكأن الأرض قد ابتلعته، وكان رنين التليفون فى كل مرة يمتد بغير جواب، وفى مرة أخرى تعتذر السكرتيرة بأنه على سفر، وأنها سوف تبلغه إن شاء الله عندما يعود. 

وسارعت ليلى إلى مقر الدار لعلها تقابل أحدًا، تفهم منه فقط ماذا حدث، وهناك وجدت نفسها أمام الأستاذ أحمد الزيادى، مدير الدار، الذى أخبرها بأنهم حصلوا على أصول الكتاب من الأستاذ هيكل، وعاودها الجنون مرة أخرى، وأحست بأن صاعقة تسقط فوق رأسها، كيف حصل هيكل على نسخة من أصول الكتاب، وإذا كان – افتراضًا – قد حصل عليها زمان من والدها، فبأى حق يتجاسر ويعطى نفسه حق نشر كتاب ليس له فيه شىء؟ 

سألت ليلى: هل عندكم تصريح بنشر الكتاب؟ 

قالوا لها: نعم عندنا تصريح من الأستاذ هيكل الذى أبلغنا أنه حصل عليه منك، أنت ووالدتك. 

لم يكن هذا صحيحًا بالمرة، فليلى لم تر هيكل خلال السنوات الأخيرة إلا مرة واحدة، يوم عاتبته على كتابة مقدمة مذكرات أبيها، ويوم أعلنت أنها لن تشكره على شىء لم تطلبه منه. 

ولم يحدث إطلاقًا أن استأذنها هيكل فى نشر الكتاب، ولا هى قد منحته تصريحًا بذلك، لا شفاهة ولا كتابة.. لم يحدث أبدًا، وكادت تشك فى ذاكرتها، وعادت تطلب من الدار التصريح أو الإذن، الذى حصلوا عليه من هيكل، وبمقتضاه نشروا الكتاب. 

وكان الجواب: سوف نرى، وسوف نبحث عنه إن شاء الله. 

لم يكن هناك أى تصريح لأنها هى وحدها المعنية بإعطائه، فإذا لم تكن قد أعطته لأحد، فمن هو الذى أعطى هيكل هذا الحق، وكيف يغتصبه لنفسه هكذا، وكيف يتجاسر على نشر كتاب هو يعرف والناشر يعرف أن صاحبة الحق فى نشره، ليست موافقة على أن يخرج إلى الناس حاليًا؟ كما أنها لم تشأ أن تدارى ذلك على الناشر، وأفهمته بوضوح لا يداخله لبس أن موضوع هذا الكتاب مؤجل تمامًا وليس مطروحًا اليوم بالمرة. 

ختم سليمان جودة مقاله بقوله: إن ليلى إلى اليوم تحاول أن تعثر على الناشر لتفهم منه لغزًا يستعصى على عقلها، فلا تستطيع، وكأنه أحس بحجم الجرم الذى وقع، فلا يقدر على أن يواجه، ولأنها على يقين بأنه ليس هناك تصريح بنشر الكتاب، فهى لا تفهم كيف يمكن لناشر كبير مثل المعلم أن يقع ضحية الأستاذ هيكل هكذا، وأن يخدعه الأستاذ على هذا النحو، وهى أيضًا لا تعرف وتريد أن تعرف كيف وصل الكتاب إلى يد هيكل، بينما الأصول عندها، وهذه الأصول بين يدى – وأنا أكتب – بعد أن أطلعتنى عليها، وهى للمرة الثالثة لا تعرف كيف تكون الأصول ١٦ فصلًا، بينما الكتاب صادر فى ١١ فصلًا، ولحساب من ولمصلحة من تم تقديم فصول وتأخير أخرى واختزال فصول ثالثة؟ وهى للمرة الرابعة تود أن تقول للناس إنها بريئة من صدور الكتاب فى هذا التوقيت، وتتمنى لو سمعت من الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل المبررات التى منحها لنفسه من أجل نشر كتاب هو يعلم جيدًا أن هناك أسبابًا قوية كانت تمنع صاحبة الحق الوحيد عليه من نشره فى ظروف تراها غير ملائمة. 

وأضاف سليمان: سوف تظل ليلى تتساءل: كيف تسربت أصول الكتاب إلى هيكل، ولماذا أوهم الناشر أنه حصل على إذن ابنة صاحبه بنشره ولمصلحة من؟ ولن يهدأ لها بال حتى تعرف: كيف ولماذا؟ ولمصلحة من ؟ 

وقبل أن يمضى جودة منهيًا مقاله وصف ما حدث كله بقوله: إنها جريمة فى كتاب. 

كتب سليمان جودة ما كتبه وهو يمنى نفسه أن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل سيرد عليه، يجلس إلى مكتبه ويكتب ردًا مطولًا يرسل به إلى جريدة الوفد، لكن هيكل كالعادة تجاهل الموضوع تمامًا، لم يكن يرد إلا عندما يريد، وبالصورة التى يحددها هو. 

كانت الجريمة التى يتحدث عنها سليمان – إذا كانت هناك جريمة – يقف وراءها إبراهيم المعلم والكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، لكنه لم ينتظر شيئًا من الناشر أو هكذا يبدو. 

فى عدد الخميس ٢٤ مايو ٢٠٠١، نشرت الوفد ردًا مطولًا كتبه المعلم، لكنها لم تلتزم بقواعد نشر الرد، فلم تنشره منفصلًا، بل قدمته لسليمان جودة الذى ضمنه فى مقال مطول له وضع له عنوان «الناشر يرد.. وهيكل لم يسمع عن الموضوع». 

من بين مقال جودة سنستخرج رد المعلم الذى وجهه إلى رئيس تحرير الوفد الأستاذ عباس الطرابيلى، وجاء على النحو التالى: 

«اطلعت على المقال الغريب المنشور بالعدد الأسبوعى من الوفد والصادر يوم الخميس ١٧ مايو للأستاذ سليمان جودة بعنوان «حكاية عن هيكل تستحق أن نرويها»، والمقال مع الأسف الشديد أسطورة وهمية تعمد كاتبها خلط الأوراق وتوزيع الاتهامات، بغير بينة ولا دليل وبغير سبب مفهوم». 

«وإذا كان الكاتب قد اختص الأستاذ محمد حسنين هيكل بالجزء الأكبر من الاتهامات ذاكرًا فى عنوان ثان للمقال أن الكاتب الكبير يغتصب حق نشر كتاب لكريم ثابت دون إذن ابنته وصاحبة الحق الوحيدة فى النشر، علمًا بأن ناشر الكتاب هو دار الشروق وليس الأستاذ محمد حسنين هيكل، وفى خلط غريب للأدوار لا يخفى على أى مشتغل بالثقافة أو الصحافة بين دور الكاتب ودور الناشر». 

«وإذا كان للأستاذ محمد حسنين هيكل أن يرد على نفسه وأن يوضح ما أعرف أنه يملكه من الحقائق القاطعة فى شأنها، فإن الكاتب قد خصنى – بدورى – بكم كبير من الاتهامات، ونسب إلى زورًا أمورا من شأنها لو صحت أن تسىء إلىّ فى نفسى ومصالحى، وأن تشوه صورتى لدى قراء الجريدة ولدى المشتغلين بالثقافة والنشر». 

«لذلك رأيت من واجبى أن أصحح الوقائع، وأن أرد الاتهام على صاحبه، خصوصًا والمقال كله أشبه بأسطورة خيالية مقطوعة الصلة تمامًا بالواقع، وأوجز ردى فى الأمور التالية»: 

«دار الشروق شأنها شأن الغالبية العظمى من دور النشر فى مصر وخارج مصر، تبدأ مهمتها فى نشر الإنتاج الفكرى للكتاب والمؤلفين بإبرام عقد مفصل يوقعه الطرفان، الناشر وصاحب الكتاب، وهذا العقد هو بحكم القانون شريعة المتعاقدين، والمرجع الوحيد فى تحديد حقوق كل منهما والتزاماته، والتوقيع عليه هو دليل الرضا الكامل بكل ما جاء فيه من أحكام». 

«وبين يدى وأنا أكتب هذه السطور عقدان أولهما محرر فى ١٥ ديسمبر ١٩٩٨، وموقع منى بصفتى الممثل القانونى لدار الشروق ومن السيدة ليلى كريم ثابت، وهو خاص بنشر كتابين يتضمنان مذكرات والدها المرحوم الأستاذ كريم ثابت، الأول عنوانه «كيف عرفت الملك فاروق؟» والثانى كتاب «عشر سنوات مع فاروق»، أما العقد الثانى فمؤرخ يوم ٢ سبتمبر ٢٠٠٠، وموقع من الأستاذ أحمد الزيادى، مدير الدار، ومن السيدة ليلى كريم ثابت، ويتضمن تنازلها عن جميع حقوق الطبع والنشر والتوزيع فى جميع البلاد ولجميع طبعات كتاب والدها الأستاذ كريم ثابت المحرر باللغة العربية بعنوان «طلاق إمبراطورة.. قصة طلاق الأميرة فوزية وشاه إيران». 

«وغنى عن الذكر أن العقدين قد حددا الحقوق المالية لطرفيها ومنها حصول السيدة ليلى كريم ثابت على مقابل مالى نظير تنازلها عن حقوق الطبع والنشر، وقد أوفت دار النشر وفاء كاملًا بجميع هذه الالتزامات، ولدى دار الشروق بيان موثق بصرف هذه المبالغ بشيكات ثابتة أرقامها، وموقع على الإيصالات الخاصة بها بتسلم السيدة ليلى كريم ثابت لها». 

«وإحقاقا للحق فإنه ليس بين دار الشروق وبين السيدة ليلى كريم ثابت مشكلة تتعلق بهذه الكتب، وليس بينهما خصومة قضائية أو غير قضائية، لذلك أصابتنا الدهشة الممزوجة بالأسف الشديد لهذا الاختلاق الغريب لقصة وهمية أريد بها – فيما يبدو – الإساءة لكل من الأستاذ محمد حسنين هيكل ودار الشروق». 

«وزاد الأمر غرابة واستعصاء على الفهم أن بينى وبين الوفد وجريدته مودة موصولة، تسبق فى وجودها بسنوات طويلة انتساب الأستاذ سليمان جودة للوفد وجريدته، لذلك جاء أسفى على ما نشر ممتزجًا بالدهشة، ومقترنا بالعتاب الذى أبعثه لكم شخصيًا، وأنتم تعلمون يقينًا أننى لا يمكن أن أقدم على شىء مما نسبه الأستاذ سليمان جودة لى، وأنه لا يتصور كذلك أن يفتئت الأستاذ حسنين هيكل على حقوق السيدة ليلى ثابت، ولديه أصل للكتاب الذى تسلمه من المرحوم الأستاذ كريم ثابت». 

«والذى نعرفه أن الأستاذ كريم ثابت كان قد قدم للأستاذ محمد حسنين هيكل عام ١٩٥٨ أجزاء من مذكراته لتنشر فى الأهرام، ورأى الأستاذ هيكل وقتها أن نشرها قد يحمل مظنة استغلال سياسى ضد العهد الملكى والملك فاروق، وهو ما اعتبر الأستاذ هيكل وقتها أن الأهرام فى غنى عنه». 

«وبعد تعاقد دار الشروق على نشر المذكرات طلبنا من الأستاذ هيكل أن يكتب مقدمة لها تنشر فى مجلة «وجهات نظر» التى أتشرف برئاسة مجلس إدارة الشركة التى تصدرها باعتباره يعرف ظروف المذكرات وظروف كاتبها، وكتب الأستاذ هيكل المقدمة تطوعًا وتحمسًا للمجلة، وعندما تقرر نشر المذكرات فى كتاب، رأت دار الشروق أن تستعير المقدمة من وجهات نظر، وقد اتصلت بالأستاذ هيكل والأستاذ سلامة أحمد سلامة، رئيس تحرير المجلة، لاستئذانهما ووافقا على النشر». 

«وعلمنا بأن السيدة ليلى قد سعدت بالمقدمة، لذا فإن الأمر يبدو شديد الغرابة أن تكون قد صرحت بما نسب إليها، ولو كان للسيدة ليلى اعتراض على النشر لكان فى وسعها – من قبل ومن بعد – أن تعترض على ذلك وأن تمتنع عن توقيع العقد الذى تضمن تنازلها عن حقوق النشر لدار الشروق، ولكنها وقعته راضية مختارة، ونفذته كذلك راضية مختارة، وتسلمت المقابل المالى المقرر لها فى العقد راضية مختارة كذلك، فضلًا عن أنها زودت دار الشروق بجميع الصور المتصلة بموضوع الكتابين الأولين، وذلك استخراجًا من الألبوم الخاص بها وبوالدها المرحوم الأستاذ كريم ثابت». 

انتهى إبراهيم المعلم من سرد ما لديه من معلومات تنفى تمامًا أن تكون هناك أى جريمة فى حق كتاب «طلاق إمبراطورة»، فليلى ثابت وقعت على عقد لنشره، وسعدت بالمقدمة التى كتبها هيكل لمذكرات أبيها، لكنه لم يترك ما فعله سليمان جودة يمر مرور الكرام. 

انتقد المعلم ما نشرته الوفد، فهو بالنسبة له يتضمن قذفًا فى حق دار الشروق وصاحبها، بنسبة أفعال وتصرفات إليه شخصيًا من شأنها تشويه صورته والإساءة إليه بالباطل وتغيير الحقائق واختلاق بعضها، وهو ما يمنحه حقين قانونيين أحدهما خاص بالمسئولية الجنائية والمدنية لكاتب المقال والصحيفة التى تربطه بها وبرئاسة تحريرها علاقات ود موصول لا يحب معها، أن يقف منها موقف الخصومة أمام القضاء. 

أراد إبراهيم المعلم أن ينهى الخلاف بالرد، موحيًا للوفد ولرئيس تحريره بإغلاق الموضوع عن هذا الحد، وهو ما يظهر من توجيهه الحديث إلى عباس الطرابيلى مباشرة، قال له: «كم كنت أتمنى وقد اتصل بعلمكم عزم الأستاذ سليمان جودة على توجيه اتهامات مرسلة لى وللأستاذ هيكل تتعلق بنشر كتب الأستاذ كريم ثابت، أن تبادروا إلى الاتصال بى، وبيننا من الثقة المتبادلة والود الموصول ما يسمح بذلك بل ما يوجبه، ولو فعلتم لتبينتم حقيقة الأمر، ولعصمتم الوفد التى نعتز بها من مسلك ننزهها عنه ونراه مخالفًا لأبسط قواعد النشر، ولما درجت عليه الوفد من استكمال البيان والاستيثاق من الخبر قبل المسارعة إلى نشره، ولكم سلفًا خالص الشكر والتحية».

كان يمكن أن تكتفى الوفد من المعركة بما أثاره سليمان جودة ورد عليه إبراهيم المعلم، لكنها منحت كاتبها الفرصة لمواصلة المعركة، وهو ما فعله، فقد كتب ردًا مطولًا على إبراهيم المعلم جاء على النحو التالى: 

كتب سليمان جودة يقول: 

هذا هو رد المهندس إبراهيم المعلم كاملًا، وأحب أن أشير بداية إلى أن المهندس المعلم يعرف جيدًا أنه ليس هناك أى شىء شخصى لا بينى وبينه، ولا بينى وبين الأستاذ هيكل، وبالتالى فإن نية الإساءة إليهما من جانبى منتفية تمامًا، ولا أناقشه فيما يختص بمذكرات كريم ثابت ذات الجزءين، والتى عنوانها «عشر سنوات مع الملك فاروق» فهى ليست موضوع الكلام، اللهم إلا المقدمة التى كتبها الأستاذ هيكل، وهى مقدمة رفضتها ليلى ثابت، منذ البداية ولا تزال ترفضها حتى اليوم، وأظن أن المهندس إبراهيم، يوافقنى على أن هذا الرفض، حق لها لا ينازعها فيه أحد. 

وأما فيما يتعلق بكتاب «طلاق إمبراطورة» أساس كل المشكلة فإنى أحب أن أسأل المهندس إبراهيم سؤالًا محددًا: كيف يكون تاريخ العقد بعد تاريخ نشر الكتاب، ألم تأخذ بالك من هذه المفارقة الخطيرة، وبمعنى أكثر وضوحًا، أقول إن عدد مجلة «وجهات نظر» الصادر فى ١ سبتمبر ٢٠٠٠ يضم موضوعًا عن الكتاب الذى صدر فى الأسواق، هكذا نشرت «وجهات نظر» فى أول سبتمبر، فى الوقت الذى جاء العقد مع ليلى ثابت بتاريخ ٢ سبتمبر، أى أن الكتاب ببساطة شديدة صدر قبل توقيع العقد وليس بعده، كما تقضى أصول وتقاليد النشر التى يعرفها المهندس إبراهيم جيدًا، بحكم موقعه على الأقل كرئيس لاتحاد الناشرين. 

فكيف ينطلى عليه، وهو رئيس الاتحاد أن يكون توقيع العقد بعد صدور الكتاب، وكيف فات عليه أن هذه المفارقة العجيبة، تدعم كلام ليلى، وتجعلها صاحبة حق فيما تقول. 

فليس هناك ناشر فى الدنيا يوقع عقدًا مع مؤلف، أى مؤلف بعد صدور الكتاب، وإلا فمن حق المؤلف عندئذ أن يرفض توقيع العقد، وأن يعلن عدم رضاه عن الكتاب وأن يطلب من الناشر ما يشاء من التعويض، لأن الكتاب فى حالة عدم وجود عقد، وفى حالتنا نحن قبل ٢ سبتمبر هو كتاب صادر بغير إذن المؤلف.

كيف فات هذا على المهندس إبراهيم المعلم، وكيف فات عليه أن يقول فى رده إن دار الشروق تبدأ عملها بإبرام عقد بينها وبين الكاتب، بينما العقد فى حالة ليلى كريم ثابت نهاية وليس بداية، كيف فات عليه كل هذا؟.. لا أعرف. 

ثم أعود فأقول إن ليلى ثابت لما قرأت فى «وجهات نظر» عدد ١ سبتمبر، ما يفيد بأن الكتاب قد صدر فعلًا، استشاطت غضبًا، وأسرعت إلى التليفون تسأل صديقتها السيدة زينب صالح سليم، ماذا عساها أن تفعل ولعلها قد اختارت زينب سليم تحديدًا لسبب أنت تعرفه، وهو أنها كانت واسطة التعارف بينك وبين ليلى ثابت منذ البداية. 

يومها أشارت عليها زينب سليم بأن تحاول أن تلقاك بأى طريقة، ولما يئست من إمكانية العثور عليك، عادت تشكو إلى زينب سليم من جديد. 

فأشارت عليها للمرة الثانية، بأن تأخذها من قصيرها وتسرع فورًا إلى مقر الدار لعلها تلقاك، كان ذلك يوم ١٣ سبتمبر، ويومها لم تجد غير الأستاذ الزيادى مدير عام الدار، الذى أفهمها بالعربى الفصيح أن الكتاب صدر بالفعل، وأن ما نشرته «وجهات نظر» قبلها بأسبوعين صحيح، وأنه لا حل أمامها غير توقيع العقد، ولم يكن أمامها غير هذا الحل فعلًا. 

ولعل السيدة زينب سليم شاهدة على هذا. 

ثم يقول إن هيكل قد حصل على أصل الكتاب من كريم ثابت، وسوف أصدقه، ثم أسأله: كيف يحصل الأستاذ هيكل على أصل الكتاب من كريم ثابت بينما هذا الأصل نفسه وصورة الصفحة الأولى منه منشورة أعلى هذه السطور كما ترى، هذا الأصل فى حوزة ليلى ثابت، فهل تتصور أن الكتاب يمكن أن يكون له أصلان، واحد مع ليلى وواحد مع هيكل، هل هذا معقول؟ 

وإذا افترضنا جدلًا أن غير المعقول هذا معقول، فإن هناك سؤالًا أخطر وأهم، وهو: هل حصل هيكل على إذن بنشر الأصول فى كتاب، وإذا كان قد حصل عليه – وهو الثابت حتى هذه اللحظة – فبأى منطق يعطى نفسه حق نشر كتاب، أنت نفسك تعرف وهو يعرف أن ظروفًا محددة كانت تحتم عدم نشره فى هذا التوقيت.

انتهى سليمان جودة من طرح تساؤلاته التى لم تقدم جديدًا، فقد أعاد وهو يرد على إبراهيم المعلم ما سبق وقاله، لكنه سأل المعلم: هل أنا بعد كل هذا الذى أفتئت والأمر هكذا على الأستاذ هيكل أم أنه هو الذى افتأت على ليلى ثابت، ومنح نفسه أشياء بغير حق؟ وهل هذه أصول وتقاليد النشر؟. 

لم يخف سليمان جودة غضبه من تجاوز المعلم فى حقه، وأعتقد أنه كان تجاوزًا مقصودًا فى حد ذاته، فقد أراد أن يرد الضربة بضربة أقوى، ولذلك وصف جودة الرد بأنه فى إجماله عبارات طاشت بعد أن فقدت أعصابها. 

ختم سليمان رده بما اعتبره شيئًا خطيرًا – والتعبير له – قال: إن صاحب الرد لم يذكر كلمة واحدة تفيد بأنه حصل على الكتاب من صاحبته الوحيدة، وإنما حصل عليه باعترافه من الأستاذ هيكل، غير ذى الشأن فى هذا الموضوع، وليس عندى ولا عندها بعد هذا شىء يقال، ففى هذا كفاية وزيادة. 

انتظر سليمان جودة أن يرد عليه الأستاذ هيكل فى جريدة الوفد، فجاءه الرد عبر صفحات جريدة صوت الأمة، التى حصلت على تصريحات من الأستاذ هيكل مصحوبة ببعض الوثائق، وهو أمر اعتاده هيكل فى الرد على من يهاجمونه، كان دائمًا يرد يوثائق حتى لو لم تكن ذات صلة حقيقية بالموضوع الذى يتحدث فيه. 

زاد ما فعله هيكل من غضب سليمان جودة، الذى كتب تعليقًا أخيرًا تحت عنوان «إنها حقا جريمة فى كتاب» بدأ بقوله: يبدو أن الأستاذ محمد حسنين هيكل، يريد أن يضع قواعد جديدة، لم نسمع عنها من قبل، لأصول وتقاليد العمل الصحفى، ذلك أنى كنت قد أشرت على هذه الصفحة وعلى مدى أسبوعين متوالين «١٧، و٢٤ مايو ٢٠٠١» إلى موضوع نشر كتاب «طلاق امبراطورة.. قصة طلاق فوزية من شاه إيران» لكريم ثابت، دون موافقة ابنته ليلى وريثته الوحيدة وصاحبة الحق الوحيدة أيضًا، فى أن تقول لا أو نعم للنشر، إنما الذى أعطى الإذن بالنشر بغير أدنى حق هو هيكل بعد أن خدع الناشر، وأفهمه أنه حصل على الموافقة شفاهة من ابنة كريم ثابت، ولم يكن ذلك صحيحًا على أى مستوى، ولقد رد الناشر ثم رددت عليه، وعندما أشرت من جانبى إلى أن تاريخ توقيع العقد معها، جاء بعد تاريخ نشر الكتاب، بكل ما يعنيه هذا من المعانى، تهاوى رده تمامًا وانهار. 

كان هيكل متعاليًا بالطبع، وهو ما جعل جودة يتهمه بأنه لا يراعى الأصول والقواعد الراسخة التى تقول إن أحدًا إذا أراد أن يرد على شىء كتبه آخر عنه، فإنه يرد فى المطبوعة التى نشرت ذلك، وليس عبر مطبوعة أخرى، كما فعل الأستاذ هيكل. 

يقول جودة: لقد اختار هيكل أن يرد من خلال صحيفة «صوت الأمة»، وهذا حقه، لولا أنه من حقنا أيضا، أن نرفض ذلك تمامًا، فالرد هناك، وليس من خلال الوفد صاحبة السبق فى إثارة الموضوع، شىء مخالف لكل الأصول والقواعد، وشىء نسمع عنه ونراه للمرة الأولى، ويمارسه بجسارة لا نعرف كيف تواتيه، ومع ذلك فليست هذه هى المشكلة، المشكلة الحقيقية أن الأستاذ يعود إلى ترديد كلام، سبق لابنة كريم ثابت أن نفته، ولا تزال تنفيه، وسوف تظل تنفيه، وتكشف حجم الجريمة التى ارتكبها هيكل فى حق أبيها. 

هو يقول – مثلًا – إنها سعيدة بمقدمته التى كتبها لمذكرات أبيها «عشر سنوات مع فاروق» وأنها أبدت هذه السعادة خلال حفل عشاء، فى بيت أحد أقارب هيكل، وهو ما لم يحدث أبدًا، ولا تزال ليلى ثابت تؤكد أنها لم تكن أبدًا سعيدة بهذه المقدمة، وتؤكد أيضًا أنه من حقها ألا تسعد بها، ثم إنه لا يوجد شىء، يجعلها تسعد بها بالأمس ثم تشقى بها اليوم، إنه موقف ثابت ولا تدرى ماذا تفعل لكى يقتنع الأستاذ، بأن هذه المقدمة على قلبها مثل الحجر. 

والأستاذ يقول فى رده، إنها كانت مترددة فى الموافقة على نشر «طلاق إمبراطورة» ثم عادت ووافقت، وهذا مع الأسف غير صحيح على الإطلاق، فلم يحدث أبدًا أنها ترددت ثم وافقت، وإنما الموقف منذ البداية وحتى اليوم هو الرفض الكامل لنشر الكتاب، إلا بعد وقت محدد، يعرف حدوده الأستاذ، ويعرف معه أيضًا الناشر. 

ولا نعرف فى الحقيقة من الذى أقنع الأستاذ بأنها سعيدة بمقدمته أو أنها كانت مترددة ثم وافقت، وهى تتمنى أن يخبرها بمن أقنعه بهذا، لعلها تكذبه. 

والأستاذ ينشر مع رده صورًا لثلاث وثائق، يتصور أنه بها، قد أخرس الطرف الآخر، مع أنها أى الصور الثلاث، تفتح الباب أكثر وأكثر، لما هو ليس فى مصلحة هيكل على الإطلاق. 

الوثيقة الأولى صورة العقد الذى تقاضت به ليلى حقها عن نشر الكتاب، والعقد صحيح، ولكن أرجو من الأستاذ أن يقارن بين تاريخ نشر الكتاب، الذى أعلنت عنه مجلة «وجهات نظر» يوم أول سبتمبر ٢٠٠٠، وبين تاريخ العقد الموقع فى ٢ سبتمبر ٢٠٠٠ أيضا، ثم يساعدنا فى فهم معنى هذا الفارق بين التاريخين. 

وأما الوثيقة الثانية فصورة إذن صرف قيمة العقد وهى خمسة آلاف جنيه، بتاريخ ١٣ سبتمبر ٢٠٠٠، أى بعد الإعلان عن نشر الكتاب بـ ١٣ يوما، هذه أيضًا مفارقة أخرى، لعل أحدًا يساعدنا فى فهمها أو استيعابها. 

وكما قلت من قبل، فإنها لا تجادل فى أنها وقعت عقدًا، أو فى أنها تقاضت أجرًا، إنها تسأل سؤالًا واحدًا لم يجب عنه الناشر، ولا الأستاذ فى ردهما، والسؤال هو: من أعطى الموافقة على نشر الكتاب؟. 

إن رد الأستاذ لم يشر إلى ذلك بكلمة واحدة، وإنما قال إنه حصل على صورة من الكتاب، من كريم ثابت عام ٥٨، ونحن نصدقه فى هذا تمامًا، ولكن ليس هذا هو الموضوع مرة أخرى، الموضوع هو: هل حصولك على صورة من أصول الكتاب للنشر، وقتها فى صحيفة يعطيك أى حق فى نشرها عام ٢٠٠١ فى كتاب، دون الرجوع إلى صاحبة الشأن؟ 

هذا هو السؤال الذى يبدو أنه عويص إلى الدرجة التى لا يعرف معها الناشر ولا الأستاذ كيف يجيبان عنه. 

أما الوثيقة الثالثة فتشير إلى رءوس أربعة موضوعات، بعث بها كريم ثابت إلى هيكل، فى خطاب عام ٥٨ ورءوس الموضوعات الأربعة هى نورى السعيد، رئيس وزراء العراق السابق، نازلى أم الملك، فتحية شقيقة الملك، ثم الأمير السابق محمد على الذى كان وليًا للعهد حتى أنجب فاروق ابنه أحمد فؤاد. 

ويتساءل جودة مرة ربما تكون أخيرة: ولا أعرف ما هى علاقة هذا الكتاب ورءوس موضوعاته بما نتكلم فيه، فلم يكن أى عنصر من عناصره الأربعة موضوعًا للحديث الذى نحن بصدده ولا مطروحًا للنقاش فى أى وقت؟ 

يأس جودة من إجابة هيكل على تساؤلاته جعله يقول: كانت ليلى ثابت تطمح فى أن يجيب الأستاذ عن سؤالين اثنين لا ثالث لهما، كيف حصل على نسخة من أصول الكتاب، وكيف أعطى الموافقة لناشر، زاعما له وموهمًا إياه بأنه قد أخذ موافقة صاحبة الشأن بالتليفون؟ 

اكتفى هيكل بالإجابة على السؤال الذى يريده، وهو من أين حصل على نسخة من الكتاب، وأعتقد أن ليلى لم تكن سعيدة عندما عرفت أنه حصل عليها من أبيها، لكنه تجاهل السؤال الثانى، وهو ما جعل جودة يختم رده بقوله: لا تزال صاحبة الشأن مندهشة ونحن معها، من التفاصيل التى دخل فيها الأستاذ وهو يرد، وكلها لا علاقة لها بالموضوع، وإذا كان الأستاذ فى رده قد راح يشير إلى أرقام الشيكات التى تقاضت بها حقوقها، وإلى تواريخ العقود، ثم قال إنه يحتفظ بكل هذا فى ملف لديه، فالسؤال الخطير هو: بأى حق يحتفظ بها، بينما هى أوراق خاصة بينها وبين الناشر، ولعل الدار هى صاحبة الحق الوحيد فى الاحتفاظ بهذه الأوراق وصورها، وليس الأستاذ هيكل، الذى هو بالنسبة للدار مؤلف، شأنه شأن كريم ثابت وغيره من المؤلفين، اللهم إلا إذا كان الأستاذ صار واحدًا من أصحاب الدار، وهو لذلك يحتفظ بصور من أوراقها فى ملفات لديه. 

لم تسفر المعركة عن شىء، لا ليلى ثابت استطاعت أن تمنعه أو حتى تنشره فى دار نشر أخرى، ولا الناشر تراجع عن موقفه، ولا الأستاذ هيكل أجاب على السؤال الثانى. 

لكنى أعتقد أن هذه المعركة التى مر عليها ما يقرب من ٢٣ عاما، فتحت ملفًا أعتقد أنه لا يزال غامضًا، ورغم تعاقب السنوات إلا أننا لا نعرف عنه شيئًا. 

لقد تساءل جودة عن علاقة هيكل بدار الشروق، وكان عليه أيضًا يسأل عن علاقته أيضا بمجلة «وجهات نظر». 

التفاصيل فى هذا الملف كثيرة، يعرف بعضها من عملوا فى «وجهات نظر» لكن المؤكد أن الناشر الكبير إبراهيم المعلم يعرفها جميعها، فهل يفصح عنها.. أم يظل محتفظًا بها إلى الأبد؟ 

كل ما أتمناه أن يقول لنا ما لديه. 

أعرف أن هذا من باب المستحيلات.

لكن من قال إن المحاولة تخرج صاحبها من دين الصحافة؟