تزوير فى أمسية ثقافية.. هل عرض المعهد الثقافى الإسبانى «بورتريه» مزوّرًا لـ«خوان سينتيس»؟

أثار معرض الفنان الإسبانى الراحل خوان سينتيس، الذى افتتح بالمعهد الثقافى الإسبانى بالقاهرة يوم 25 يونيو الماضى تحت رعاية مؤسسة «عبلة» للفنون، جدلًا واسعًا فى الأوساط الفنية والتاريخية.
المعرض الذى أقيم تحت عنوان «رائد الكاريكاتير الصحفى فى مصر»، وضم مجموعة نادرة من الرسوم الكاريكاتيرية، شهد على هامشه ندوة ناقشت إسهامات «سينتيس» فى تأسيس فن الكاريكاتير المصرى الحديث، شارك فيها الناقد التشكيلى صلاح بيصار.
إلا أن الأجواء الاحتفائية سرعان ما تحولت إلى سجال فنى حاد، بعدما كشف الباحث عبدالله الصاوى عن «مزاعم تزوير وتزييف» فى محتوى المعرض، حيث أشار إلى وجود أخطاء جسيمة فى توثيق تراث الفنان الإسبانى، بل ذهب إلى حد اتهام المنظمين بتقديم «بورتريه مزور» للفنان.
هذه الاتهامات التى شغلت الساحة التشكيلية، تفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول دقة التوثيق الفنى خاصة لفنان بحجم خوان سينتيس، ومدى التزام المؤسسات الثقافية بالأمانة العلمية فى عرض التراث الفنى، وهو ما تحاول «حرف» كشفه فى هذا التحقيق.

صلاح بيصار: كل ما طُرح فى ندوة المعرض موثق من مصادر معتمدة

فى معرض رده على ما وجِه إليه من اتهامات، قال الناقد التشكيلى صلاح بيصار إن عبدالله الصاوى ليس سوى جامع معلومات أرشيفية، ولا علاقة له بالنقد أو بالفن التشكيلى، ولم يحضر ندوة المعرض حتى يصف ما ورد فيها بأنه مجافٍ للحقيقة، ولو كان قد حضر، فلماذا لم يبدِ ملاحظاته؟ خاصة أن اللقاء شهد نقاشًا بين المنصة والحضور عقب الحديث عن «سينتيس».
وأضاف «بيصار»: خوان سينتيس تعرّف على مصر عبر الأعمال المصرية المعروضة فى متحف اللوفر، وكانت البلاد آنذاك «عام ١٩٠٨» محور اهتمام عالمى بسبب حادثة دنشواى وخطابات الزعيم مصطفى كامل، وتواصل معه الأمير يوسف كمال عبر «لبلان» أستاذ النحت وناظر مدرسة الفنون، وكان من بين الأساتذة أيضًا الإيطالى «فورشيللا» أستاذ التصوير، والفرنسى «كولون» أستاذ الزخرفة. وأشار إلى أن «سينتيس» التقى فى مدرسة الفنون الجميلة كوكبة من أبرز فنانى الجيل الأول من طلاب المدرسة، بينهم: «محمود مختار» و«محمد حسن» و«أحمد صبرى»، ونشأت بينهم صداقة تجاوزت علاقة المعلم بتلاميذه. وعندما أُلحقت المدرسة بوزارة التربية والتعليم، غادر «سينتيس» منصبه واتجه للعمل بالصحافة المصرية، وهو ما شكّل بداية تاريخ فن الكاريكاتير فى مصر.
وتابع: أن كل ما طُرح خلال الندوة موثق فى مصادر معتمدة، منها: كتاب «بدر الدين أبوغازى» خال الفنان محمود مختار، الذى تتلمذ بدوره على يد «سينتيس»، وأيضًا كتب: «٨٠ سنة فن» لـرشدى إسكندر وكمال الملاخ وصبحى الشارونى، و«تاريخ الحركة الفنية» لصدقى الجباخنجى، إضافة إلى كتاب جامع عن المثال محمود مختار من تأليف بدر الدين أبوغازى.
وتساءل «بيصار» مستنكرًا: «هل يُعقل أن يكون خوان سينتيس قدِم إلى مصر من أجل التنزه أو السياحة، ثم يُعرض عليه التدريس؟! أليس فى ذلك تقليلًا من شأن أول مدرسة للفنون فى مصر؟». أما بشأن ما ذكره «الصاوى» حول أن البورتريه المعروض مزيف، وأنه يمتلك النسخة الأصلية، فقد أكد «بيصار» أن البورتريه من مقتنيات مؤسسة «عبلة» للفنون.
مضيفًا: كان «سينتيس» أستاذًا للفن، وأحد رواد فن الكاريكاتير المشاكس، عاش فى مصر لأكثر من أربعين عامًا، وترك بصمة فريدة فى الصحافة المصوّرة. ومن خلال هذا اللقاء والمعرض، سعينا إلى تسليط الضوء على العلامة الأولى فى فن الحفر بمدرسة الفنون الجميلة، والعلامة الأولى فى فن الكاريكاتير.
واختتم قائلًا: نأمل فى إعادة الاعتبار لحضوره الفنى، فقد كان حاضرًا فى الوجدان المصرى، خصوصًا من خلال مجلة «جحا» الناطقة باسم حزب الوفد، وداعمًا للحركة الوطنية خلال الاحتلال الإنجليزى، ولا تزال هناك صفحات مجهولة من سيرته الفنية والثقافية، وسنجتهد لكشفها تقديرًا لقيمته الرفيعة.
عبدالله الصاوى: أسلوبه يختلف عن الأعمال الأصلية للفنان

فى سياق التحقيق حول دقة «البورتريه» المطروح فى معرض خوان سينتيس، كشف الباحث عبدالله الصاوى عن سلسلة من الأخطاء التاريخية التى وردت فى كتيب المعرض بخلاف الشكوك حول نسبة «البورتريه» للفنان الإسبانى.
وقال «الصاوى»: الناقد صلاح بيصار أخطأ عندما ذكر أن محمود مختار عمل مع «سينتيس» فى مجلة «الكشكول المصور» بعد عام من صدورها، وأن له زاوية خاصة باسم «الزغلوليات».
وأضاف: الحقيقة التاريخية تؤكد أن «مختار» انضم للمجلة من العدد ١٦ فقط، ولم يكن له عمود خاص، وكان يوقع أعماله فى المجلة بحرفى «MM» متلاصقين، وهى أعمال قليلة محفوظة الآن فى متحفه.

كما انتقد تصريحات «بيصار» حول حياة «سينتيس» قبل مجيئه لمصر، قائلًا: ذكر «بيصار» أن «سينتيس» كان يعيش فى فرنسا واستدعاه الأمير يوسف كمال عام ١٩٠٨، بينما الوثائق تثبت أن الفنان جاء إلى مصر بغرض السياحة مع أسرته فى ذلك العام، وتم تعيينه فى مدرسة الفنون الجميلة بعد إعجاب الأمير والعاملين بالمدرسة بموهبته. وتابع كشفه للأخطاء: من المغالطات التاريخية أيضًا زعم «بيصار» أن «سينتيس» ترك المدرسة عند انتقالها لوزارة المعارف، بينما الحقيقة أنه عمل بها من ١٩٠٨ حتى ١٩٢٧ عندما قررت الوزارة عدم تجديد عقده، وكان قد بدأ العمل الصحفى فعليًا منذ ١٩٢١.
وكشف أن: الوثائق تثبت أن «سينتيس» بدأ العمل فى مجلة «الكشكول المصور» عام ١٩٢١ وليس ١٩٢٧ كما ادّعى «بيصار»، مضيفًا: «الفنان استمر فى الجمع بين التدريس بالمدرسة والعمل الصحفى لمدة ست سنوات».
وأشار «الصاوى» إلى أن: عدم تجديد عقد «سينتيس» مع وزارة المعارف قد يكون مرتبطًا بصعوبة الجمع بين العملين بعد أن أصبح أشهر رسام كاريكاتير فى ذلك العصر.
فى انتقاد لاذع، وجّه «الصاوى» اتهامات للفنان محمد عبلة قائلًا: ارتكب المنظم خطأين فادحين: الأول زعمه أن «سينتيس» أول من أدخل الكاريكاتير للصحافة المصرية، وهذا غير صحيح تاريخيًا، مضيفًا: الكاريكاتير دخل الصحافة المصرية قبل مجىء «سينتيس» بمدة، ولا يوجد أى مصدر موثوق يدعم هذا الادعاء.
ووصلت الأزمة ذروتها مع اتهام «الصاوى» للمنظمين بعرض بورتريه مزور للفنان، حيث قال: «ما لا يمكن السكوت عنه هو عرض بورتريه كاريكاتيرى مزوّر كعمل رئيسى فى المعرض»، مضيفًا: هذا التزوير واضح لأى متابع عادى، فالأسلوب الفنى يختلف تمامًا عن أعمال «سينتيس» المعروضة بنفس المعرض. وأثار «الصاوى» تساؤلات حول إجراءات التحقق قائلًا: «كيف لم تكتشف مؤسسة عبلة هذا التزوير قبل العرض؟ كان يجب فحص كل قطعة بعناية قبل عرضها على الجمهور، خاصة عندما يتعلق الأمر بفنان بحجم سينتيس».
محمد عبلة: رسمه فى مرحلة متأخرة من حياته وملامحه واضحة عليه

قال الفنان التشكيلى الكبير محمد عبلة إن ما طرحه «الصاوى» يحمل جانبًا من الحقيقة، وأن ما ذُكر عن خوان سينتيس تخلله بعض الأخطاء التاريخية، وهو أمر وارد وطبيعى، خصوصًا أننا نتحدث عن فنان لا تزال قصة حياته وتفاصيلها غير موثّقة بشكل كامل.

وأكمل «عبلة» أن أغلب ما نعرفه عنه اجتهادات، وحتى الفنانون ومؤرخو الحركة التشكيلية لا يملكون معلومات مؤكدة عنه، متابعًا: «نحن جميعًا فى طور البحث لاكتشاف المزيد من التفاصيل حول حياته، أما مسألة توقيت ممارسته الرسم، سواء بدأ مبكرًا أو متأخرًا، فلا يجب أن تتعارض مع تكريم تجربته». وواصل: الغرض من المعرض لم يكن توثيقًا تاريخيًا شاملًا، بل بمثابة مقدمة ومحاولة لإلقاء الضوء، ودعونا من لديه معلومات موثقة أن يشاركنا بها، فهذا أمر نرحب به بشدة، لأن ما يهمنا هو كشف دور «سينتيس» الفنى والإنسانى، متابعًا: لا أختلف مع «الصاوى»، وإذا كان يمتلك معلومات دقيقة وموثقة، فليتفضل بتقديمها. أما ما ذكره صلاح بيصار عن «سينتيس»، فلا يمكننى الجزم بدقته.
وفيما يخص البورتريه موضع الجدل، أردف «عبلة»: «فليخبرنا الأستاذ عبدالله لمن يعود البورتريه إذا كان يرى أنه لا يمت بصلة إلى خوان سينتيس، صحيح أن العمل غير ممهور بتوقيع، لكنه يعود للفنان الإسبانى فى مرحلة متأخرة من حياته، وملامحه واضحة فيه، وعدم وجود توقيع لا يعنى بالضرورة أن البورتريه مزوّر، وإذا كان كذلك، فليحدد لنا الصاوى من صاحبه حتى نستفيد جميعًا». وحول ما أشار إليه «بيصار» من أن المعلومات التى قدّمها موثقة بمصادر معتبرة ككتاب «بدر أبوغازى»، علّق «عبلة» قائلًا: «أعتقد أن تلك المصادر وحدها لا تكفى، فقد تكون هناك معلومات أخرى بحوزة باحثين آخرين. الموضوع يستحق مزيدًا من الدراسة والتقصى».
وأشار إلى أنه علم بعد انتهاء الندوة بأن الكاتب الكبير الراحل يحيى حقى كتب مقالة عن «سينتيس»، مضيفًا: لو استطعنا الوصول إلى تلك المقالة أو ما نُشر عنه فى أعداد قديمة من مجلة «الهلال»، ستكون خطوة مهمة لفهم جوانب خفية من حياته. واختتم «عبلة» قائلًا: ما ذكره «الصاوى» فيه جانب من الصحة، وإذا كان يعرف هوية صاحب البورتريه فليخبرنا، لا أحد لديه مصلحة فى التزوير، هذا العمل كان من بين مجموعة أعمال لـ«سينتيس» اقتنيتها قبل خمسة عشر عامًا، ولا نعرف لمَ يُعتبر تزويرًا لمجرد أنه غير موقع. فلنُركز على ما هو مفيد.