الأحد 01 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مصطفى نصر.. «حارس الثغر» يقاوم حتى اللحظة الأخيرة

- استقرار الحالة الصحية للروائى الكبير بعد دخوله فى غيبوبة

يعانى الروائى المصرى الكبير مصطفى نصر، صاحب الروايات الشهيرة مثل «ليالى غربال»، من أزمة صحية طاحنة بسبب مرض الكلى الذى لازمه لسنوات، وعلى الرغم من أنه كان ينشر بانتظام على صفحته الشخصية بموقع «فيسبوك» عن معاناته مع المرض وآلامه، إلا أن أحدًا من الوسط الثقافى أو المؤسسات المعنية لم يبدِ اهتمامًا بحالته أو يقدم له العون.

وفى الأيام القليلة الماضية فقط، بعد تدهور حالته الصحية ودخوله فى غيبوبة، بدأت حملات على مواقع التواصل الاجتماعى تطالب وزارة الثقافة والجهات الرسمية بالتدخل لعلاجه. 

لكن هذه الحملات تجاهلت تمامًا دور اتحاد كُتاب مصر الذى يفترض أن يكون أول من يهتم بأعضائه، كما غفلت عن الإشارة إلى الوديعة الكبيرة التى قدمها حاكم الشارقة قبل سنوات لمساعدة الكُتاب المصريين والتى تبلغ قيمتها 20 مليون جنيه، والتى لا يعرف أحد مصيرها حتى الآن.

وحسب تصريحات من أسرة الكاتب، فإن الحالة الصحية لمصطفى نصر قد تحسنت بعد إجراء غسيل كلى، حيث أفاق من الغيبوبة وسمح الأطباء لأفراد أسرته بزيارته، وهو الآن فى وضع أفضل، لكن تبقى التساؤلات حول مدى صحة الادعاءات بتقصير المؤسسات الثقافية تجاه الروائى الكبير، وهو ما ترصده «حرف» خلال السطور التالية.

الحالة الصحية

رفضت أسرة مصطفى نصر، الانتقادات التى يتم ترديدها على مواقع التواصل حول تقصير المؤسسات الثقافية فى رعاية الروائى الكبير، وأكدت «رانيا» زوجة نجله الأكبر «محمد»، أن المسئولين أدوا واجبهم بشكل كامل تجاهه.

وكشفت أن وزير الثقافة، الدكتور أحمد فؤاد هنو، تواصل مع الأسرة منذ اليوم الأول للأزمة، وأجرى اتصالًا مباشرًا مع نجله للاطمئنان على حالته الصحية وتذليل أى عقبات قد تواجههم.

وأضافت «رانيا» أن الفريق الطبى وإدارة مستشفى العمال قدموا مستوى عاليًا من الرعاية الطبية، مشيرة إلى أنه لم يحدث أى تقصير فى متابعة حالته الصحية، مؤكدة أن حالته الصحية تشهد تحسنًا ملحوظًا الآن، حيث يُسمح لأفراد الأسرة بزيارته فى غرفة العناية المركزة لمدة نصف ساعة يوميًا، ينقلون له خلالها رسائل المحبين والأصدقاء مما يبعث السرور فى نفسه.

بدوره، كشف «محمد» نجل الروائى الكبير أن حالة والده الذى يرقد حاليًا بمستشفى العمال بالإسكندرية، قد استقرت بعد تحسن ملحوظ، قائلًا: «والدى يتلقى رعاية طبية متكاملة ولم يحدث أى تقصير فى علاجه، والحمد لله تحسنت حالته بعد ضبط معدل البولينا الذى تسبب فى الأزمة الصحية الأخيرة، وهو الآن بخير ويتواصل معنا».

وأضاف: «أتحدث إليكم الآن من خارج غرفة العناية المركزة بعد أن سمح لنا الأطباء بزيارته وقضاء وقت معه، لقد أفاق تمامًا ويمكنه الحديث معنا بشكل طبيعى»، لافتًا إلى اتصال وزير الثقافة، الدكتور أحمد فؤاد هنو بالأسرة.

وقال: «تواصل معنا الوزير منذ يوم الجمعة الماضى للاطمئنان على صحة والدى، واستفسر عما إذا كنا بحاجة إلى أى دعم أو خدمات طبية إضافية. ولكن الحمد لله، والدى يحصل على أفضل رعاية ممكنة».

وأكمل: «كل ما يتم تداوله على فيسبوك عن تقصير فى الرعاية غير صحيح بالمرة، ولو كان هناك أى تقصير من المستشفى أو الأطباء، كنا نحن أبناؤه أول من يتحركون، ولكن الحقيقة أن والدى يتلقى رعاية طبية ممتازة منذ اللحظة الأولى».

الإسكندرية سبب حزنى

تمسك مصطفى نصر بالبقاء فى الإسكندرية، ما أدى لذيوع اسمه فى الأوساط الثقافية مقارنة بكُتاب سكندريين نزحوا إلى القاهرة، وهو ما تحدث عنه لمحررة «حرف» فى دردشة هاتفية ذات مرة، قائلًا: «هذه مشكلتى».

وقال مصطفى نصر: «فى حوارى مع جريدة (القاهرة زمان)، عبرت عن هذه الأزمة بمرارة، فلامنى أستاذى خيرى شلبى، وقال لى: (لماذا، فنحن نحبك، أتريد أن تكون نجمًا؟!). قلت: (كل ما أريده أن يتسع اسمى بحيث يُنشر لى كل ما أرسله من قصص وكتب ومقالات)».

وأكمل: «كتب المرحوم جمال الغيطانى فى مقالة بـ(أخبار الأدب) عن سبب عدم نيلى المكانة التى أستحقها، وقال: (أكيد بقاؤه فى الإسكندرية وبُعده عن القاهرة- مركز الضوء الثقافى- هو السبب). وسأحكى هنا عن موقفين يؤكدان ما أقوله: الأول عندما وافقوا على تعيين صديقى محمود قاسم فى (دارالهلال)، وكنت وقتها معه فى هيئة الكتاب».

مصطفى نصر، الموظف فى شركة الورق بالإسكندرية، رصد تحولات مدينة الثغر من مدينة كوزموبوليتانية، امتزجت فيها الأجناس والأعراق، والديانات والألوان واللغات، فى روايته: «إسكندرية ٦٧»، و«ليالى الإسكندرية»، و«ليالى غربال» و«ظمأ الليالى»، لتتحول فى زمن الصحوة الإسلامية إلى معقل للتيار السلفى.

عن هذه الأزمة، يقول: «أنا حزين لما آلت إليه الأمور فى الإسكندرية، أجمل وأهم مدينة فى العالم، أهلها يمتازون بالرقى والتحضر، الجاليات الأجنبية جعلت شعب الإسكندرية محبًا للفنون. وورث شعب الإسكندرية من أجداده السكندريين القدامى، القدرة على السخرية. كل الساخرين سكندريون: أحمد رجب وجلال عامر وغيرهما. لكن الغزوة الوهابية أطاحت بتاريخ السنين».

وكتب مصطفى نصر، «يهود الإسكندرية» التى سطرها فى الفترة من ٢٠٠٣- ٢٠٠٥، ووثق فيها الوجود اليهودى فى مدينة الإسكندر الأكبر، وبطلتها «جوهرة» حفيدة الرسام اليهودى السكندرى «مخلوف»، وهى على عكس بقية أبطال الرواية من اليهود، فلم تحفظ لمصر والإسكندرية تحديدًا أنها البلد الوحيد الذى أكرمها.

ولم تدرك معنى أن تحتضنها أسرة الأسطى «محسن»، وتتعهدها بالرعاية والتربية، كابنة لها مثلها مثل ابنها البيولوجى «كمال»، الذى ترك لها شقة العائلة حينما تزوج من «عايدة»، ابنة حسن بدوى باشا، وتربصت به لتفرقه عن زوجته التى أحبها وأخلص لها، فـ«جوهرة» مثال حى على الصهيونى معتنق اليهودية، وولائه لإسرائيل فقط، وإن كانت أصوله تنتمى لبلدان أخرى.

وكأنما الراوى وهو يختتم روايته تعمد تلك النهاية الدائرية لروايته، والتى بدأت بـ«الأبعادية» التى منحها الوالى سعيد لـ«جون»، وتنتهى بتوغل وتغول «جوهرة/إسرائيل» على حياة سكان منطقة الطابية، ونزعها لبيوتهم بحجة ضريح «جون» فى إسقاط وتوازٍ مع خرافة «هيكل سليمان».

وحسب الرواية اليهودية، فإن «داود» هو الذى أسس لبناء الهيكل، ولكنه مات قبل أن يشرع فى بنائه، وأن ابنه «سليمان» هو الذى قام ببناء الهيكل فوق جبل موريا، المعروف باسم هضبة الحرم، وهو المكان الذى يوجد فوقه المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، وللهيكل منزلة خاصة فى قلوب وعقول اليهود، فإنهم يزعمون أنه أهم مكان للعبادة، وأن سليمان بناه لهم ولديانتهم.

أعشق إسماعيل ياسين

السينما فى حياة مصطفى نصر، طقس رئيس لديه، وعنها كتب روايته «سينما ألدرادو»، وكتب عن نجومها وبعض المواقف التى جمعته ببعضهم. 

يقول «نصر»: «تغلغلت السينما فى حياتنا كلها، فكنا نقلد الأفلام التى نشاهدها، ونعيش فى داخل الشخصيات السينمائية، فيقول الولد الصغير لزميله: يقدر أبوك يغلب فريد شوقى؟».

ويكمل: «كان فريد شوقى بالنسبة لنا رمزًا للقوة. يتمنى كل منا أن يصير والده فى قوته، وأن نكون مثله عندما نكبر. وأحببنا إسماعيل ياسين الذى ولد بمدينة السويس فى ١٥ سبتمبر ١٩١٢ وجاء إلى القاهرة وعانى طويلًا لكى يحقق حلمه بأن يكون ممثلًا ومغنيًا مشهورًا. وشاهدناه- ونحن صغار- فى شاطئ كامب شيزار؛ قريبًا جدًا من مسرح والده بالإسكندرية، وكان نجله الطفل ياسين فى حراسة شاب أخرس- بودى جارد- فاقتربنا منه فى الماء فرحين لأننا نرى ونلمس ابن إسماعيل ياسين الذى نعشق أفلامه».

ويتابع: «بعد أن كبرنا؛ فكرنا من جديد فى موقفنا من إسماعيل ياسين، نمط الأداء شديد الفقر، يرتكز على المبالغة والإكثار من حركة الجسم وبأسلوب غير موضوعى فى النطق. وتأثرنا بكلام بعض الرافضين له، فأذكر أن المخرج أحمد كامل مرسى فى حديث تليفزيونى، قال إنه لا يمثل، وتحدث عنه بالتقليل من شأنه كممثل، وكثيرون تحدثوا عنه هكذا، لكن إسماعيل ياسين ظل كما هو، الأيام تجعلنا نتعلق به أكثر».

ويحكى أن الحديث الذى كان يدار ويدعو للسخرية؛ فى حجرات مبنى الإدارة فى الشركة التى كنت أعمل بها؛ عن زميل لنا طويل وعريض، ويشغل وظيفة رئيس قسم، كان يغيب عن العمل كل يوم خميس، من أجل أن يشاهد أفلام إسماعيل ياسين التى تعرض فى القناة الثانية فى ذلك اليوم، وكان غيابه يسبب له مشاكل فى العمل، وعند خروجه على المعاش لم يصرف بدلًا نقديًا للإجازات التى لم يقم بها، مثل غيره من موظفى الشركة، فحبه لأفلام إسماعيل ياسين، جعله لا يفكر فى مثل هذه الأشياء.

ويتابع: «يحكى أصدقائى الذين حضروا حرب اليمن، أن القوات المسلحة المصرية، كانت تقيم شاشة كبيرة فى الخلاء، وتجمع اليمنيين، فيجلسون متراصين، ويعرضون لهم أفلام إسماعيل ياسين، فيتابعونها فى صمت، وكانوا سعداء به، ويحاول بعضهم تقليده».

ويضيف: «إسماعيل ياسين من الفنانين الذين حققوا شعبية لمصر بين البلاد العربية، وكانوا سببًا فى انتشار فن السينما المصرية بين العرب، لدرجة أنها سميت بالسينما العربية»، ويكمل: «أنا أرى أن إسماعيل ياسين تقرأه بقلبك أولًا. بل إن معظم أفلام السينما المصرية القديمة يرفضها العقل، وقد سمعت المخرج الكبير كمال الشيخ يتحدث عن السينما المصرية، فقال: (إن عددًا كبيرًا من أفلامها كان يفتقد المنطق)، وبعد أن كبرنا وزادت الهموم، لم يعد فى الإمكان مشاهدة إلا الأفلام الكوميدية خاصة أفلام نجيب الريحانى وإسماعيل ياسين».

ويتابع: «إننى أمسك مؤشر التليفزيون، وأدعو الله أن أجد فيلمًا لنجيب الريحانى، أو لإسماعيل ياسين. وهذا ما قاله لى الصديق سعيد سالم، وسمعت الدكتور عزت أبوعوف يقول فى حديث تليفزيونى: إننى أشاهد فيلمًا لإسماعيل ياسين قبل أن أنام، وذلك لأنام فى هدوء. وأعتقد أننى فى حاجة إلى هذا، لكى لا تطاردنى الكوابيس».

مقابلة مع نجيب محفوظ

من حكاياته التى ينوى إصدارها فى سيرته الذاتية، كما كان قد أفصح من قبل لمحررة «حرف»، تفاصيل لقائه مع نجيب محفوظ.

عن هذا اللقاء يقول «نصر»: «أتذكر أول مرة قابلت فيها نجيب محفوظ، كان يجلس مع الشاعر عبدالله الوكيل فى حديقة فندق سان ستيفانو. وكان عبدالله الوكيل يحكى له عن تجربته فى إنتاج الأفلام العربية».

ويكمل: «كان نجيب محفوظ وقتها فى أسوأ أوقاته، فقد كان تأييده لكامب ديفيد مؤثرًا على علاقاته بالبلاد العربية التى رفضت دخول كتبه لبلادها، ما اضطر صناع السينما- فى مصر- أن يحولوا بعض رواياته لأفلام دون أن يكتبوا فى إعلاناتهم أنها مأخوذة عن رواياته، فهذا سيؤدى لعدم دخول الأفلام لبلادهم».

ويتابع «رغم هذا ترك نجيب محفوظ، عبدالله الوكيل- الذى ضاق بوجودى- وسألنى عما نفعل، قلت له: المفروض أن نفعل كما فعلت سيادتك، أن نتجه للكتابة للتليفزيون فسيادتك كتبت فترة للسينما، فقال لى: لا أعتبر هذه الفترة ضمن تاريخى الأدبى، فاندهشت وقلت: كيف هذا وسيادتك كتبت فيلم (درب المهابيل)، وهو فيلم فى غاية الجودة».

ويواصل: «صمت نجيب للحظات ثم قال مجاملًا لى: (أيوه الفيلم ده كويس). وأنا مازلت فى دهشة من رأى نجيب محفوظ هذا، وقد سألت المخرج السكندرى الكبير توفيق صالح- فى لقاء فى دائرة مستديرة عن الرواية والسينما، وقلت له: لماذا يقول نجيب محفوظ هذا، رغم أن تجربته فى الكتابة للسينما أفادته كثيرًا فى كتابة الرواية، فقد تأثر بفكر صلاح أبوسيف وتوفيق صالح والسيد بدير وغيرهم، ووظف الإمكانات السينمائية فى كتابة الرواية عندما عاد إليها، فأعماله الروائية بعد فترة توقفه عن الكتابة الروائية لسنوات- كانت أعلى فنًا، فقد استخدم فيها تيار الوعى، واعتمد أكثر على الصورة، وخلت رواياته من الزيادات التى كانت تُصاحب رواياته الأولى».

ويواصل: «حينها قال لى توفيق صالح: (أصل نجيب محفوظ كان مهذبًا للغاية، فبعد أن ينتهى من كتابة سيناريو فيلمه، تتصل به البطلة أو أى إمرأة أخرى تعمل فى الفيلم، وتطلب منه أن يزيد فى حجم دورها، فيضطر للعودة ثانية لكتابة السيناريو)».

ويستطرد: «ارتبط نجيب محفوظ بصناع السينما، فبعضهم كان من الحرافيش رفاق جلسته: مثل الممثل أحمد مظهر، وكذلك المخرج السينمائى السكندرى توفيق صالح، وارتبط بصداقة عميقة مع المخرج صلاح أبوسيف- الذى وجد فى نجيب محفوظ قيمة عالية فى كتابة سيناريو الأفلام- وأزعم أن خبرات نجيب السينمائية معظمها مستمدة من فكر صلاح أبوسيف».