الجمعة 09 مايو 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

رجل البوكر.. محمد سمير ندا: كدت أفقد الثقة فى كتاباتى عندما رفضت دور نشر مصرية «صلاة القلق»

محمد سمير ندا
محمد سمير ندا

- أسدد ضريبة فوزى برحابة صدر لأننى أعرف كيف يُدار وسطنا الثقافى

- ردى على «فوزك بسبب الهجوم على عبدالناصر»: «لكل قارئ حرية التأويل»

- أى أعمال روائية تصل إلى قوائم الجوائز لا يمكن أن تكون «دون المستوى»

- كل ما أثير عن الجائزة منذ سنوات «محض افتراضات لا ترتكن إلى منطق»

منذ اللحظات الأولى لإعلان فوز الكاتب محمد سمير ندا بجائزة الرواية العالمية للرواية العربية «البوكر»، عن روايته «صلاة القلق»، الصادرة عن دار «مسكيليانى» التونسية، شهدت الساحة الثقافية جدلًا ونقاشًا يكاد يصل إلى حد الاتهامات.

انطلقت شرارة المعركة الكلامية بين أهل الأدب والثقافة حول نَسب فوز «ندا» بالجائزة لمصر أم للبلد الذى ينتمى إليه ناشر الرواية؟ أم له هو فقط دون بلده أو بلد النشر، خاصة فى ظل تصريحات أطلقها صاحب الرواية عن رفض أكثر من 4 دور مصرية نشر الرواية حينما تقدم بها إليها.

تعددت الآراء وتباينت، بين من يرى أن الفوز بالجائزة يُنسب إلى كاتبها فقط، محمد سمير ندا، خاصة أن ناشر الرواية، دار «مسكيليانى» التونسية هى مَن تقدمت بالرواية إلى أمانة الجائزة، بعد رفضها من دور النشر المصرية، وبين الدور نفسها التى دافعت بأن لكل دار سياسات نشر، خاصة مع الارتفاع المستمر لتكاليف النشر.

وقال أصحاب دور النشر إنه مع ارتفاع هذه التكاليف، تبقى لكل دار الحرية فى عدم النشر لكاتب لن تحقق رواياته رواجًا أو مبيعات، خاصة إذا ما كان كاتب لم يُسبق له النشر، مقابل اختيار كاتب ذائع الصيت عبر وسائل التواصل الاجتماعى ولديه الآلاف من المتابعين والمعجبين بكتاباته، أيًا كانت هذه الكتابات، أو حقق اسمًا ومكانة أدبية، لأن الأمر فى النهاية يتعلق بصناعة عليها أن تغطى تكاليفها وتحقق هامش ربح لتستمر دون توقف.

حول هذه المعركة، وكواليس ظهور الرواية منذ كانت فكرة حتى حصولها على «البوكر»، بعد غياب مصر عن نَيلها لمدة 16 عامًا كاملة، يدور حوار «حرف» التالى مع الفائز بجائزة الرواية العالمية للرواية العربية، محمد سمير ندا.
 

محمد سمير ندا

■ فى ثالث إصدار لك تفوز بجائزة «البوكر».. كيف تلقيت الخبر، من أول الوصول إلى القائمة الطويلة، مرورًا بالقائمة القصيرة ثم الجائزة الكبرى، لتصبح ثالث مصرى تفوز بها بعد بهاء طاهر ويوسف زيدان؟

- هى سلسلة من المفاجآت، ظهور الرواية فى القائمة الطويلة كان المفاجأة الأولى، واستقبلته بانفعال عاطفى، كانت لحظة المخاض للحلم، الحلم الذى بدأ ينمو، ويتشكل فى هيئة ضبابية، حتى حانت لحظة الإعلان عن القائمة القصيرة، وكان ما يعرفه الناس.

فى إثر ذلك، شعرتُ بحالة تكاد تتطابق مع أقدار الشخوص كما رسمتها فى «صلاة القلق»، سبعون يومًا من الترقّب والتفكير والتوتر، فترة عصيبة لم أستطع أن أكتب خلالها حرفًا واحدًا. لكننى انشغلت بقراءة أعمال القائمة القصيرة، ثم كان الإعلان عن الفوز فى اللحظة التى فقدت فيها كل أملٍ، وربما كان تبخر الحلم نتيجة لطول فترة الترقب.

طبعًا فكرة مجاورة العظيمين بهاء طاهر ويوسف زيدان شىء يشرفنى كثيرًا. ولكن لكى أكون واقعيًّا، ورغم حصولنا على نفس الجائزة، أمامى الكثير جدًا لكى أكون جديرًا بالمقارنة بأى منهما.

■ متى بدأت فكرة «صلاة القلق»؟ وكم استغرقت كتابتها؟

- الفكرة على ما أذكر ولدت فى عام ٢٠١٧ أو ٢٠١٨. أما زمن الكتابة فقد استمر من ثلاث إلى أربع سنوات، علاوة على قرابة عام ونيف من التحرير والمراجعة.

■ ما أبرز كواليس نشر الرواية منذ كانت فكرة حتى وصولها إلى «البوكر»؟

- مشوار طويل ومرهق، لكن فيما يخص النشر خارج مصر فهو أمر لم أختره، وهذا الموضوع يُساء فهمه عن قصد حسب اعتقادى. كلامى كان واضحًا، وليس من خلقى أو مما تربيت عليه أن أخرج الآن لتصفية الحسابات، لمجرد أننى بتُّ - مؤقتًّا- فى موضع قوة كما قد يعتقد البعض.

الموضوع قديم، ذكرته فى لقاء مع الأستاذ إبراهم عيسى، وكان فى إطار رد على سؤال عن سبب عدم نشر الرواية فى مصر ونشرها مع دار تونسية، فأجبت بأننى لا أعرف، وهذا السؤال يُوجَه للدور التى أرسلت لها النص، فرفضته أو تجاهلت الرد علىّ، وهو أمر أكدت أنه جرى مع أكثر من دار مصرية وعربية.

ثم عدت فى حوارات أخرى لأؤكد أننى ما شكوت إلا الدور التى تجاهلت الرد علىّ. ولكن من البديهى أن لكل دار نشر الحق فى رفض أى عمل يُقدم لها، وكان من الأخلاقى كذلك أن تلتزم الدور بالرد على من يقدم لها نصوصه، لأن تجاهله يشعره بالإساءة، وربما يفقده الثقة فى جودة كتبه، وهو ما كاد يحدث معى.

■ هل سبق وتناقشت مع ناشر أو مُحرر أدبى فى مقترحات أو تعديلات بخصوص نصك الأدبى؟ وهل تقبلها أم ترفضها؟ ولماذا؟

- المناقشات ظلت مستمرة، وكانت هناك نقاط اتفاق وخلاف، ومن البداية كانت الأمور واضحة، فالكلمة الأخيرة للكاتب كما أكد الناشر مع كل خلاف. ولكن فى النهاية، ومن باب رد الفضل لأصحابه، استفدت كثيرًا من مراحل التحرير، فقد بات النص إلى درجة كبيرة، بفضل مراحل التحرير، خاليًا من الشوائب.

■ كيف ترى علاقة الناشر بالمُبدع إذن؟ وإلى أى مدى أنت راضٍ عن تجربتك فى النشر؟

- الناشر هو الراعى لأى موهبةٍ، والناشر الحق يستثمر فى الموهبة التى يؤمن بها. من هنا أجيبك عن الشطر الثانى من السؤال. أعد نفسى محظوظًا بالنشر وبالتعاون مع شوقى العنيزى، الذى أحسبه مغامرًا إلى حد الجنون، إذ نشر من خلال داره «مسكيليانى» رواية أولى للكاتب الليبى الموهوب محمد النعاس ففازت بـ«البوكر»، ثم راهن علىّ، وقد كان اسمى غير ذائع فى الأوساط القرائيّة والثقافيّة، ووفّر لى محررين ومدققين محترفين فور أن آمن بنص، وآمن أن لدىّ ما أقوله من خلال الأفكار والأسئلة التى طرحتها «صلاة القلق». لكم أنا سعيد ومحظوظ بالتعاون مع هذا الرجل، الذى رأيت دموعه فور إعلان فوز رواية «صلاة القلق» بـ«البوكر»، وفى إثر الكلمة التى ألقيتها عن أبى.

■ ما تعليقك على الضجة التى صاحبت فوزك؟ وبمَ تفسرها؟

- ليس لدىّ أى تعليق، لكل جائزة ضريبة، وهو ما أسدده الآن بكل رحابة صدر، لأننى أعرف جيّدًا كيف تُدار الأمور فى الوسط الثقافى المصرى.

■ ما ردك على أن الجائزة تخصك وحدك ككاتب وليس لمصر؟

- لا تعليق، هذه الآراء لا يمكن أن أتناولها، لأن هذا يؤكد أن الأمر قابل للتأويل، بينما هو واضح وضوح الشمس، مثلًا نشر نجيب محفوظ رواية «أولاد حارتنا» فى لبنان، فهل «أولاد حارتنا» رواية مصرية أم لبنانية؟ وهل نجاحها ينسب لـ«مُحفوظ» ولا يُنسَب للأدب المصرى؟ طبعًا أنا هنا لا أعد مقارنة بينى وبين «محفوظ»، إنما أعقد مقابلة بين الأمرين!

■ وما تعليقك على ما يُقال بأن فوز «صلاة القلق» جاء لما حوته من هجوم على جمال عبدالناصر واجترار سرديات قُتلت بحثًا وأدبًا عن نكسة ١٩٦٧؟

- لا تعليق، لكل قارئ وناقد حرية التأويل، شريطة أن يقرأ العمل!

■ فى رأيك لماذا غاب الإبداع المصرى عن «البوكر» ١٦ سنة؟

- الأدب المصرى متجدد ومتميز. أما ما يخص أسباب الغياب، فأرى أنه يعود إلى أمرين، أولهما غياب دور المحرر الأدبى المحترف، وثانيهما عنصر التوفيق. أنا على سبيل المثال، وفقت إذ وقعت «صلاة القلق» بين يدى هذه اللجنة على وجه الخصوص. من واقع تجربتى، وأنا أعرف أن شهادتى ستكون غير مقنعة للكثيرين بحكم فوزى بالجائزة، وجدت أن كل ما أثير عن الجائزة منذ سنوات، هو محض افتراضات لا ترتكن إلى منطق.

■ هل ينتظر المبدع جائزة ليشعر بالتحقق؟

- ليس بالضرورة بطبيعة الحال، هذا لا يقلل من نشوة الجوائز، لكن المعيار الأهم هو المقروئية الواسعة داخل وخارج مصر. أما التحقق الأعظم الذى يود الكاتب لو يصيبه، فهو كتابة نصوص تعمّر فى هذه الدنيا أطول منه.

■ إلى أى مدى تضع عنيك على المتلقى؟ وهل رقيبك الداخلى يتدخل فى عملك الإبداعى؟

- هذا السؤال هو ما خشيت أن يطرح علىّ منذ إعلان الفائز بالجائزة، والحقيقة التى قد أُلام وأجرّم بسببها، هى أننى أستمتع باللعبة بالأساس، أعنى لعبة خلق العوالم، والنشوة التى تخلّفها، وعندما أستشعر الرضا، أشرع فى تفكير فى مدى سهولة أو صعوبة الأمر على المتلقى، وتتوالد الأسئلة حيال قدرتى على استيلاد الأسئلة فى عقله، ونقل الأفكار والهموم التى تشغلنى له. فى ما يخص الرقيب الداخلى، فقد قتلته منذ شرعت فى الكتابة.

■ إلى أى مدى صارت مقولة «الجمهور عاوز كده» حاكمة لحركة الإبداع والنشر؟

- هذا السؤال يوجه إلى الناشرين الذين يكون عدد متابعى الكاتب على مواقع التواصل الاجتماعى أحد المحددات الرئيسية لتقرير مصير العمل المقدم لهم.

■ وماذا عن دور «مجموعات» القراءة وتأثيرها فى حركة النشر والتلقى؟

- تؤثر بدرجة كبيرة جدًا، ولكنه أمر تتساوى فيه الإيجابيات مع السلبيات.

■ هل الجوائز الأدبية الكبرى خلقت ذائقة قرائية بعينها أو أسهمت فى انتشار أعمال لا تستحق؟

- أسهمت فى انتشار أعمال أدبية، الجودة هنا نسبية. كما أنها أسهمت فى إعادة تشكيل الذائقة بمعناها الإيجابى، من خلال إلقاء الضوء على الكُتاب والنصوص. لكن أى أعمال روائية تصل إلى قوائم الجوائز، لا يمكن أن تكون دون المستوى، طبعًا تتفاوت جودة هذه الأعمال، وتختلف الانطباعات عنها لاختلاف ذائقة المتلقى، والواقع أن الجائزة، كل جائزة، تسهم بشكل إيجابى فى نشر الأدب الجيد، وتوسعة خرائط القراءة لدى قطاع كبير من القراء، ولا يمكن القول أنها تسهم فى نشر أدب لا يستحق.