الإثنين 30 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز

الفيلسوف نيتشه: لن يتغير شىء فى العالم إلا من خلال الموسيقى

حرف

- عالمنا المعاصر يجهض كل تناغم راق الإنسانية

قال جبران خليل جبران 6 يناير 1883- 10 أبريل 1941: «المرأة التى يصفو مزاجها بتناول القهوة والشِعر والموسيقى، هى امرأة لا يقهرها أو يهزمها شىء».

ومن حسن حظى أننى أنام وأصحو فى مدن القهوة وموانئ الشِعر وشواطئ الموسيقى، ومن حسن حظى أننى منذ بدأت رحلة الاعتكاف قد زهدت كل المتع إلا القهوة والشِعر والموسيقى.

٢١ يونيو، هو اليوم العالمى للموسيقى، حيث تحتفى الشعوب بواحدة من عجائب الدنيا التى تحمينا من بؤس العيش وعبث الأقدار.

الرحيل عن هذه الحياة، نعيم ما بعده نعيم، لمنْ كشف النوايا المستترة للبشر، فض غشاء الكذب والزيف، ورأى الوجه العارى للحقيقة، مهما تجملت وتحايلت.

ومع ذلك، سأظل متشبثة بالحياة، ليس حبًا فى العيش. ولكننى أكره الرحيل دون أن أسدد ديونى. وأنا «مدينة» لها، حتى النفس الأخير، وإلى آخر قطرة فى دمى.

«أفضالها عليا».. «مغرقانى بكرمها».. «أنقذتنى من إغواء الرذائل».. «تصد هجمات الأرق النائمة» على وسادتى.. «تعد لى قهوة الصباح».. عند المرض تعطينى الدواء.. «تحملنى بعيدًا عن أعاصير الضجر».. وفى سرادقات العبث تصبح هى العزاء.. ما يؤلمنى حقًا، أننى سأعيش وأموت دون تقديم «الامتنان الذى تستحقه».. وفى محاولة متواضعة، حتى لا ننسى، اختير ٢١ يونيو، ليكون يومها العالمى.

الأعجوبة الساحرة، تحول الممكن إلى مستحيل، واليأس إلى رجاء، والتراب إلى ذهب، والوحش المفترس إلى حمل وديع».. «الموسيقى».

«الموسيقى» هى منْ تصاحبنى، بعد فراق الأحباء، والنزف لا يلتئم من قسوة الرحيل.

أنقذتنى «الموسيقى» من الجنون، والانتحار، والنزول حافية إلى الشارع، بصرخات وآهات تقطع سكون الليل، أتسول لقمة من الود والحنان.

ما سر الموسيقى، الذى يفهمه كل الناس، ولا يحتاج إلى ترجمة؟ هل بسبب أن «شكلها»، هو «مضمونها»؟

إنها اللغة بدون لغة، والكلمات دون حروف. إنها البرق، والرعد، وقطرات المطر، وهى الهدوء والسَكينة وزوال الخطر. هى نبضات القلوب، ودقات القدر، ربما تكون الوطن، والأرض، وقد تكون الطيران وأجنحة السفر، تذيب جلمود الصخر، وتفلق صلابة الحجر.

عشاق الموسيقى من النساء والرجال، بالضرورة، لهم «جينات» خاصة جدًا، تظهر فى انفتاح التفكير، ورقى السلوكيات، ورحابة الثقافة، واحترام تعددية الأصوات، والنفور من انتهاك خصوصيات الآخرين، ورفض أى نوع من الوصايا على البشر.

حسب كلمات فريدريك نيتشه، ١٥ نوفمبر ١٨٤٤– ٢٥ أغسطس ١٩٠٠، فيلسوف القوة الذى أعشقه، «الموسيقى تمجدنا، تحررنا، تقود أفكارنا إلى الأسمى».

لا عجب أن أصحاب الأفكار الظلامية، المتعصبة، المتطرفة، أحادية التفكير، رافضة التنوع والاختلاف والتعددية، مخترعى الإرهاب الدينى الدموى، أو إرهاب التشنج، والزعيق، والتشويح بالأيدى، وبالشتائم، لا يكرهون شيئًا مثل الموسيقى، بعد كراهيتهم النساء.

عالمنا المعاصر يجهض كل تناغم راق الإنسانية، ولا تطربه إلا النغمات «النشاز».

والنتيجة أنه عالم تعس، ضلّ الطريق إلى ما يطهر النفوس من عزلتها الموحشة، وإلى ما بإمكانه أن يعيد للبشر تواصلهم، بعد حصار الكذب، والشهوات الزائلة، والجشع.

والتغيير لن يحدث، إلا إذا تحولت الموسيقى، من مجرد سلعة للاستهلاك المؤقت، أو مهنة فى سلم الوظائف، أو أداة للترفيه، أو مناسبة لعقد المهرجانات، إلى «عادة» نفسية، واجتماعية يومية، نمارسها دون جهد، مثل التنفس، والحركة، والاشتياق إلى الحرية، والعدالة.

إن المعزوفة الموسيقية، أسعدتنا، لأنها كشفت الموسيقى التى بداخلنا.

إن الإقبال على الحياة، الذى تصنعه معزوفة موسيقية، معناه أننا أصبحنا أكثر اقترابًا، من طاقة الحياة بداخلنا. وهكذا نصبح «خطرًا» على منْ يريد أن يقمعنا، ويخمد طاقة الحياة التى أوجدتها الموسيقى، أو الفن بشكل عام.

قرأت فى المواقع الإسلامية على الإنترنت، أن أهل العلم قد أفتوا بتحريم الموسيقى، لثلاثة أسباب: أولًا، لأن الاستماع إلى الغناء وأصوات الآلات الموسيقية، وسيلة إلى الزنا، لأنها تحرك كوامن الشهوة فى النفس. ثانيًا: أنها تشغل عن ذكر الله، فلا يجتمع فى قلب المؤمن حب القرآن، وحب كلام الشيطان. ثالثًا: الغناء تحديدًا ينبت النفاق فى القلب.

ما هذا التفكير، ونحن فى القرن الواحد والعشرين؟

من بستان قصائدى 

لن أشهد الشهادة الزور 

ولو حياتى هى الثمن 

لكنهم لا يتوقفون عن مطاردتى 

فى السر والعلن 

يهددون بزرع الألغام حول بيتى 

وإحراق أوراقى 

سيرقصون فوق بقايا جثتى 

وأن نهايتى فى الأرض البور

قلت أنتم واهمون

فما أنتم 

إلا موتى فى القبور

لن أشهد لتبقوا فوق رقابنا

لن أُطيع أوامركم

وأدخل الطابور

الفارق كبير بين شهد النحلة

والسم القاتل فى لدغة الدبور.