الإثنين 07 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

الحسين يودع شهداء الحرب.. تجليات عاشوراء الحسين فى «إيران المنتصرة»!

حرف

- يحاول النظام أن يُقدم فى هذه المرحلة الحرجة خطابًا حسينيًا شديد الاتساع

- شكل النعوش المستخدمة فى مسيرات الشهداء لا تختلف عن النعوش الرمزية التى تستخدم فى احتفالات كربلاء السنوية

تكاد تكون حادثة كربلاء، ومقتل سيد الشهداء الحسين بن على، من أكثر الأحداث التاريخية التى تقبل إعادة الإنتاج والاستهلاك السياسى، خاصة فى إيران، فقد تم تحميل الحسين بكل الأزمات السياسية التى مرت على تاريخ الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها 1979. بداية من عهد الخُمينى مؤسس الثورة، والخطاب السياسى فى إيران، يوحد بين عاشوراء الحسين وموقفه ضد يزيد بن معاوية، وبين موقف الخمينى ضد قوى الاستكبار المتمثلة فى أمريكا، وتشبيه الثورة الإسلامية بنهضة الحسين ضد الظلم والحكم المستبد.

إشكالية حادثة كربلاء أنها قضية ذات حدّين، فهى من جانب تؤكد على الهزيمة، وتمنحها شرعية المظلومية والفداء. ومن جانب آخر ترمز إلى المقاومة والثورة والثبات على الموقف، كما ثبت الحسين بمبادئه أمام ظلم يزيد وبطشه. والحقيقة أن الخطاب السياسى الإيرانى استطاع أن يستخدم الجانبين بامتياز، حسب الظرف التاريخى. فنجاح الثورة الإسلامية هو انتصار للحسين وثباته ضد الظلم، وفى المقابل اعتبر الإيرانيون أن أزمة الحرب العراقية هزيمة لكنها مثل هزيمة الحسين فى كربلاء، سقوط يصل إلى الخلود. فالتقاطع بين ما هو سياسى ومذهبى يُعد أمرًا أصيلًا فى الفكر السياسى الشيعى عمومًا، وإيران الثورة على وجه الخصوص.

امتدت رمزية كربلاء فى إيران بتنوع رموزها وتعقيدها إلى اللحظة الراهنة، بعد حرب الـ١٢ يومًا مع إسرائيل، وأصبح لزامًا على النظام فى إيران، بعد تلك الأزمة التى كادت أن تُسقطه بشكل مدوٍ، لولا قدرته على التجييش والحشد الشعبى، أن يُقدم كربلائية جديدة للمجتمع، خاصة أن هذه الأيام هى مُحرم، وبداية أيام عاشوراء لدى الشيعة فى إيران وخارجها. بحيث تزامن وقف إطلاق النار مع إسرائيل، مع بداية شهر محرم، ومواكب العزاء فى إيران، والتى تحولت بشكل إرادى إلى مواكب توديع شهداء الحرب الأخيرة، الذين تم اغتيالهم، وعلى رأسهم القيادات العسكرية من الصفين الأول والثانى، بالإضافة إلى أهم العلماء المؤسسين للمشروع النووى الإيرانى.

سنحاول فى هذا المقال أن نرصد مساحة الاستغلال السياسى لحادثة كربلاء، والتوحيد بين مواكب وطقوس العزاء الحسينى، ومسيرات توديع الشهداء. فكربلاء هذا العالم مختلفة من حيث العمق الدينى والسياسى.

رايات النصر والانتقام 

أغلب الرايات المرفوعة فى تلك المسيرات بجانب علم الجمهورية الإيرانية، راية «يا لثارات الحسين»، وهى الشعار المركزى لمأساة كربلاء كاملة، فالثأر من قَتَلة الحسين ومن والاهم يعتبر هو الركيزة المحركة للمذهب الشيعى، بعمقه السياسى والعقيدى. وانسحب ذلك الرمز بوضوح على مسيرات توديع شهداء الحرب، فراية الحسين بجانب العلم الوطنى وصور الشهداء والأعلام السوداء. فقد أراد النظام الإيرانى أن يُرسل رسالة مفادها الانتقام المؤكد من أمريكا وإسرائيل، ولكنه مؤجل بطبيعة الحال، فكل ملامح إصلاح العالم مؤجلة فى التشيع لحين قدوم المهدى.

ولا ننسى أنه فى بدايات المعركة تم تعليق راية الثأر الحمراء «يا لثارات الحسين» على مسجد «جمكران» فى مدينة قُم، وجدير بالذكر أن هذه هى المرة الثالثة التى يتم فيها تعليق العلم الأحمر، بعد اغتيال قاسم سليمانى ٢٠٢٠، ثم بعده إسماعيل هنية ٢٠٢٤. والمرة الثالثة بعد العدوان الإسرائيلى، وعمليات الاغتيال المختلفة. مسجد جمكران له دلالة مقدسة عظيمة مرتبطة بالإمام المهدى المنتظر. فتبعًا للروايات الشيعية فقد ظهر الإمام فى هذا المكان قبل تحويله إلى مسجد، وذلك أثناء غيبته الصغرى، قبل أن يغيب غيبته الكبرى إلى الآن.

سرديات النصر الكربلائى

أتى بداية بيان «الحرس الثورى» لدى ضربة القاعدة الأمريكية فى «العديد» بقطر، والتى تمت قبل شهر محرم بيومين تقريبًا، بيانًا عقائديًا بامتياز، حيث أكد على الجانب المقدس للعملية العسكرية، مستخدمًا مصطلحات تخص الحسين وكربلاء، مستدعيًا بركة الإمام الحسين، كأننا أمام إعادة استنساخ لكل رمزية كربلاء فى مواجهة القوة الأكثر بطشًا فى العالم وهى أمريكا، يزيد العصر الحديث من وجهة النظر الإيرانية. فمنح العملية العسكرية المتفق عليها حسب كل التقارير القطرية والأمريكية طابعًا مذهبيًا، يخاطب به التجييش الشعبى فى الداخل، ليؤسس خطابًا عقائديًا يستطيع استخدامه فى مراحل متقدمة.

الأمر امتد إلى رئيس الجمهورية «مسعود بزشكيان» الذى استخدم تيمة الحسين فى خطابه السياسى بعد الحرب، حيث قال: «نتعلم من الإمام الحسين الصمود والمواجهة وعدم التراجع»، مشيرًا بشكل ضمنى إلى خطاب «على خامنئى» مرشد الثورة، الذى ألقاه بعد المعركة، حيث أكد أن التراجع ليس من ضمن الثقافة الإيرانية. 

لكن الأخطر هو تحويل كل ما يتعلق بسياق المفاوضات والحرب، إلى ملحمة كربلائية بامتياز، فحسب الخطاب السائد على العديد من مواقع الحوزة الدينية، وكذلك موقع المرشد، وما تم تسريبه إلى الشارع، فإن العقوبات المفروضة على إيران من وجهة النظر تلك هى مثل منع الحسين بن على من الماء أثناء كربلاء، كما أن المفاوضات مع الولايات المتحدة تعادل محاولات جيش يزيد استمالة الحسين لمبايعته، ومع رفض الحسين محاولات الإغواء السياسى، وكذلك التجويع والعطش، قرروا الهجوم عليه وقتله، وهذا مثلما حدث مع إيران فى حربها الأخيرة مع إسرائيل وأمريكا، بل إن الأمر ممتد فى هذا الخطاب وصولًا إلى الحرب العراقية الإيرانية، حيث حاول جيش يزيد أن يُضعف إيران منذ سنوات طوال، حتى لحظة المواجهة، التى انتصر فيها الحسين على أمريكا حتى وإن قُتل، ولكن بشهادته وصل إلى الخلود.

يحاول النظام أن يُقدم فى هذه المرحلة الحرجة خطابًا حسينيًا شديد الاتساع، بحيث يضمن السيطرة على الشارع فى اتجاهين متعارضين، فلو تعامل مع فكرة النصر، تتحول الدولة إلى امتداد لمعركة الحسين القديمة، وأن الثأر قد تم أخذه، وإن رفض المجتمع خطاب النصر، وقرر تبنى مروية الهزيمة أمام إسرائيل وأمريكا، فإن الحسين بجلالة قدره قد استشهد، ولكنها شهادة فتحت الطريق لانتصار أنصاره والآئمة من بعده. خطاب مزدوج الدلالة من الصعب السيطرة عليه.

طقوس عاشوراء

دعونا نتعمق قليلًا فى مسيرات توديع الشهداء، وكيفية استغلال الرموز الحسينية بشكل واضح، بداية من شكل النعوش التى تحمل جثامين الشهداء، وصولًا إلى مواكب اللطامة وأشعار قوالى «مداحى» العزاء، ولمن لا يعلم، فإيران لديها مؤسسات تتبع الدولة، تشرف على ما يسمى بالحسينيات، وهى أماكن مخصصة لإقامة طقوس عاشوراء، ومسارح العزاء، والمنتشرة فى كل محافظات إيران. فبالإضافة إلى شعبية المشهد، وارتباط طقوس العزاء بالجانب الشعبى فى إيران منذ قديم الأزل، إلا أن الدولة بعد الثورة أصبح لها حضور قوى فى قيادة تلك المواكب سنويًا، حتى إن قوالى ومداحى أشعار العزاء لا بد أن يتم تسجيلها بشكل رسمى فى الدولة، والموافقة عليها، وأغلب تلك الهيئات تتبع المؤسسات الخيرية المنتمية للحوزة الدينية فى قم وبعضها يتبع المرشد «الولى الفقيه» مباشرة، والتى رغم استقلالها النسبى ماديًا وإداريًا، إلا أنها فى عمقها لديها توافقات قوية مع الحرس الثورى وقوات التعبئة.

وسنحاول أن نرصد الفكرة فى مشاهد متتابعة:

المشهد الأول: شكل النعوش المستخدمة فى مسيرات الشهداء، لا تختلف من حيث الشكل والعبارات المكتوبة عليها عن النعوش الرمزية التى تستخدم فى احتفالات كربلاء السنوية، للدلالة على شهداء آل البيت، خاصة ما يُسمى «النخل»، وهى عبارة عن تكوين متفاوت الأحجام، يُصنع من «جريد النخل» ما يشبه الخيمة الكبرى ترمز إلى خيمة نساء آل البيت فى كربلاء، والتى تم إحراقها أثناء المعركة. و أثناء طقوس عاشوراء يتم حمل ذلك «النخل» ويُطاف به فى الميادين، كرمزية على مظلومية وفدائية آل البيت، بالإضافة إلى أن شكل النعوش والألوان المستخدمة والتى تنحصر فى اللونين الأسود والأخضر، لها دلالة مذهبية على الحزن المرتبط باستشهاد الأئمة الشيعة، والأحمر لون الثأر والانتقام، ومكتوب عليها من كل الاتجاهات «يا حسين».

المشهد الثانى: صور الأطفال الذين استشهدوا فى الحرب بعد استهداف مناطق سكنية فى طهران إعادة صياغة لصور أطفال كربلاء وقافلة السبايا التى يتم تداولها شعبيًا فى العزائيات، خاصة بعض التصاوير الشعبية التى ترمز إلى «على بن الحسن» الذى تقول المرويات الشيعية، أنه كان طفلًا فى كربلاء، وتم قتله بواسطة جيش يزيد، ويُطلق عليه «قمر بنى هاشم»، وكذلك بعض الصور الرمزية التى تم حملها أثناء مسيرات توديع الشهداء، «لعلى الأصعر» ذلك الرضيع، ابن الحسين، الذى حمله أمام أعدائه ليطلب له شربة ماء، بعد منع جيش الحسين من الوصول إلى نهر الفرات، ليصيبه سهم فى كبده بدلًا من الماء. تلك التصاوير المذهبية منها والشعبية كانت حاضرة فى مواكب الأطفال الذين تم قتلهم بواسطة هجمات الكيان الصهيونى، وهم حوالى أربعة أطفال، ما منح قداسة مهيبة للمشهد، وتوحيدًا رمزيًا بين قتلى اليوم من الأطفال وشهداء كربلاء.

المشهد الثالث: البكائيات واللطامة من أهم مظاهر مسيرة الشهداء، من ضمن ما نشر من فيديوهات، تظهر وزير الخارجية الإيرانى، عباس عراقجى، وهو فى حالة بكاء حاد وانهيار، أمام نعش «حسين سلامى» قائد الحرس الثورى، الذى اُغتيل فى اليوم الأول من الهجوم الإسرائيلى، وكذلك بكاء أمهات الشهداء على الجثامين، وقد عُصبت رءوسهم بالراية الحمراء المكتوب عليها «يا فاطمة»، ولكنه ليس مجرد بكاء أُم على فقديها، الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك. فلم يظهر مشهد واحد دون لحظة بكاء وعويل على رءوس نعوش القادة والعلماء و حتى صغار العناصر من الحرس الثورى والجيش.

الحقيقة أن فكرة البكاء رغم أنها تليق بمشهد شعبوى عظيم كما مر على طهران هذه الأيام، ولكنها كذلك تعكس فكرة عميقة فى تراث عاشوراء، والفكر الشعبى الإيرانى بشكل عام. فى طقوس كربلاء كلما ازداد الممارس بكاء ونحيبًا، كلما زادت فرصته فى مغفرة الذنوب، بل إن فى جلسات قوالى العزاء، خاصة فى الأبيات التى تركز على مقتل الحسين، تزداد حدة حالات البكاء التى قد تصل إلى الإغماء أحيانًا، وفى بعض العادات الشعبية يُطاف على البكائين هؤلاء بخرقة من قماش، لتجفيف دموعهم، ويتم عصر تلك الدموع فى زجاجة، تستخدم بعد ذلك فى التبرك والتشافى من الأمراض، ببركة دموع النادمين الناحبين. فالدموع جزء أصيل من الثقافة المذهبية فى إيران، خاصة أثناء عاشوراء. فكل ما تم نشره من بكائيات على نعوش القتلى، لم يتعد فكرة طقوش عاشوراء بكل ما تحمله من دلالات ورموز.

كذلك تم نشر العديد من الفيديوهات، التى يضرب الحاضرون صدورهم بأيديهم خلف نعش الشهيد أو ما يُعرف بالفارسية «سينه زنى» أو ضرب الصدور أو اللطامة، مثل المشهد الذى يظهر فيه تشييع جنازة العسكريين من الحرس الثورى، سعيد أصلانى وفرهاد عباسى فى مدينة الرِى، جنوب شرق طهران العاصمة. حيث يضرب المعزيون وعدد بالآلوف صدورهم على أنغام أشعار العزاء الحسينى. وقد تكرر هذا المشهد خلف أغلب نعوش القادة بقيادة آيات الله من الحوزة الدينية، وكذلك القيادات السياسية والعسكرية. وفكرة اللطامة أو ضرب الصدور هى فكرة أصيلة فى الطقوس العاشورائية، وترمز إلى شكل من أشكال تعذيب الذات بعد مقتل الحسين، وكأن شيعته قد قصروا فى حقه وقت كربلاء، وهو ذنب مُحمل به الجماعة الشيعية إلى الآن. وكلما زادت حدة ضرب الصدور أو اللطامة، كلما ازدادت إمكانية نيل شفاعة الحسين وأبيه على بن أبى طالب يوم القيامة، فالشفاعة فى التشيع ليست حكرًا فقط على النبى، بل هى ممتدة إلى بقية الأئمة، خاصة الإمام الحسين.

التوحد الذى أنتجه النظام الإيرانى، بين مشاعر الذنب المرتبطة بطقوس عاشوراء وبين اغتيال القيادات العسكرية والعلمية، وزع الحمل السياسى والخطأ الاستخباراتى الذى لا يُغتفر بين النظام والمجتمع، وأصبح المجتمع من حيث لا يدرى شريكًا فى الخطأ الاستراتيجى الذى تسبب فيه العديد من الأزمات داخل بنية النظام فى إيران. فالهم واحد والذنب مشترك، وكل هؤلاء الشهداء هم أبناء المجتمع الذى تحمل ذنب اغتيالهم كما تحمل ذنوب مقتل الحسين تاريخيًا.

المشهد الرابع: ظهرت زوجات الشهداء، فى خطب رثائية شبه رسمية، ليودعن أزواجهن أمام شاشات التلفاز، والجموع الغفيرة التى تملأ كل ميادين وشوارع طهران وغيرها من المدن، ولكن الملفت فى الأمر هو المحتوى الذى تضمنته تلك الخطب، وتمحورها حول أمرين: الأول، هو اعتبار هؤلاء الشهداء قتلى فداء للإمام الحسين، وليسوا فقط فداء للوطن أو للنظام، فكل هؤلاء القتلى هم شهداء كربلاء، بل إن الأمر تجاوز بإحداهن أن شبهت الولى الفقيه مرشد الثورة بالإمام الحسين مباشرة، وأن الحرب الأخيرة هى كربلاء، وأن روح زوجها فى رعاية السيدة فاطمة الزهراء، لأنه من شهداء نهضة الحسين وثورته ضد الظلم.

لكن الظاهرة الملفتة فى كل ما سبق، هم المداحون أو قوالو العزاء، هؤلاء كانت لهم قيادة المشهد العزائى/ السياسى بامتياز، فجميع جلسات العزاء التى تتم بشكل منظم وفى غاية الإتقان داخل الحسينيات على رتم موسيقى تصاعدى سواء باستخدام الطبول أو الموسيقى الصاخبة أحيانًا، أو الاكتفاء برتم ضرب الصدور أثناء إنشاد العزائية، وكذلك فى الشوارع العامة، أمام الزحف العظيم من المشيعين- كانت موجهة بشكل مباشر للهجوم على أمريكا وإسرائيل، بل إن أحيانًا يتم تبديل وتغيير فى أشعار العزاء لتتضمن جملًا مثل «الموت لأمريكا» أو «الموت لإسرائيل».

فقد ظهر مداحون لهم شهرتهم الكبيرة فى الأوساط الشيعية، مثل «ميثم مطيعى» الذى استخدم جملة الحسين فى كربلاء «هل من ناصر ينصرنى؟»، وهى من العبارات الأيقونية فى التاريخ الحسينى، ليحولها إلى ما ترجمته: «إذا تعالى الهتاف هل من ناصر ينصرنى فإن إيران حاضرة بالتأكيد، فهذه الحرب هى بداية نهاية الكافرين»، وذلك فى خضم حالة من ضرب الصدور وتكرار الأصوات العالية، فى مشهد معقد يصعب وصفه، ولكنه وحد على المستوى الشعرى/ الشعبى بين نصرة الحسين وحرب الـ١٢ يومًا. فإيران هى التى سوف تقضى على الكافرين، أو ذكره فى إحدى عزائياته لـ«أمير على حاجى زاده» قائد القوة الجوفضائية والمشرف على سلاح المسيرات، الذى تم اغتياله فى الحرب الأخيرة، فيقول ما ترجمته «كل عام سوف نضرب صدورنا على (حاجى زاده) ونسكب الدموع عليه، فهو حبيب الحسين». وأمثال «ميثم مطيعى» الكثيرين، مثل المداح «سيد مجيد» صاحب الحضور الأقوى فى جلسات العزاء، لاستخدامه أداء أكثر حداثة وسرعة، ليحقق تواجدًا جيدًا بين أوساط الشباب. وكذلك أشهرهم «مهدى رسولى» الذى ينشد العزائيات بأربع لغات مختلفة الفارسية والتركية والعربية والأذرية، وله شهرة واسعة فى إيران، فأنشد أثناء طقوس عاشوراء أشعارًا يمزج فيها بين الحسين وعاشوراء والظرف السياسى الحالى، قائلًا بالفارسية: «ما والله برتين ها اى يهوديان ما از نسل حيدريم»، ما ترجمته: «نحن والله الأعلين أيها اليهود، نحن من نسل حيدر (على بن أبى طالب)».

تلك الأشعار التى تم تأليفها بمناسبة الحدث، أو تم دمجها بأشعار عزائية شعبية قديمة، ستظل تتردد طوال العام الحالى حتى عاشوراء الجديدة، وستنسج فى المخيال الشعبى مفاهيم الفدائية المتربطة بالنصر حتى فى حال الهزيمة.

الحقيقة، يصعب الإلمام بكل تفاصيل الحالة الإيرانية فى تلك اللحظة التاريخية المعقدة، فهناك العديد من المشاهدات التى تحتاج إلى شرح تفصيلى، أو على الأقل إلى المشاهدة والمعايشة، فأحيانًا تعجز الكلمات عن وصف المشهد السياسى أو الاجتماعى بالتفصيل، ولكن من المؤكد أن إيران الآن تحاول أن تحافظ على خطاب النصر، وتمنح هامشًا لمفهوم السقوط أو الهزيمة، والمصادفة التاريخية هى التى جمعت بين عاشوراء الحسين والحرب مع إسرائيل وأمريكا، ولكنها مصادفة أجاد النظام استخدامها بمهارة فائقة، فما بين انتصار الحسين واستشهاده شعرة معاوية.