الخميس 27 نوفمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

تعيشى يا بلدى

حرف

١٢ يونيه ١٩٦٧، بعد أسبوع بـ الظبط من ٥ يونيه، الإذاعة المصرية بثت أغنية. الأغنية مالهاش أى علاقة من قريب أو بعيد بـ «اللى حصل»، ولا بـ تتكلم عن اللى المفروض يحصل، وبعيدة تمامًا عن الأحداث. يعنى لا فيها «بلدنا ع الترعة بـ تغسل شعرها جانا نهار ما قدرش يدفع مهرها» اللى هو وصف ما حدث، ولا فيها «ابنك يقول لك يا بطل هات لى نهار» بـ اعتبار ما يجب أن يحدث.

كلمات أغنيتنا اللى كتبها محمد العجمى «كان شاب تحت العشرين لسه» بـ تقول: «تعيشى يا بلدى يا بلدى تعيشى/ تعيشى يا بلدى وزرعك أخضر ومندى/ تعيشى يا بلدى وعلمك مرفوع على يدى».

الغنوة كمان مش بـ صوت مطرب معين، إنما غناها كورال، ولما كان دا بـ يحصل كنا بـ نقول غناء «المجموعة»، فـ خلينى أكلمك عن المصطلح دا:

وأنا صغير كنت فاكر «المجموعة» دى يعنى ناس معينين، خمسة ستة عاملين فرقة يعنى، ما كنتش أعرف إنه أى كورال اسمه كدا، صحيح كان فيه بعض «المجموعات» معروفين «على الأقل بـ النسبة لـ السميعة» زى عبدالحليم فاروز وعمر الشنتورى وغيرهم، لكن أى غناء جماعى كان اسمه المجموعة، والإذاعة المصرية فى تراثها أغنيات كتيرة وعظيمة خرجت كدا، من غير مطرب معين، يمكن أشهرهم «باسم الله».

المهم يعنى، فى تقديرى، غنوة «تعيشى يا بلدى» دى كانت مهمة جدًا لـ إنها خرجت بينا، ولو جزئيًا ومؤقتًا، من دايرة التفسير والتبرير، أو النواح، أو حتى الإصرار على التجاوز، لأ، هى نفسها ساعدتنا على أول خطوة فى التجاوز من غير ما تقول دا.

بعدتنا عن الحدث كله، فصلتنا منه، خليتنا قادرين نشوفه بـ اعتباره، مهما كان ضخم، فـ هو عابر وإحنا هـ نتجاوزه. ما كانش واضح، وما كانش ممكن يكون واضح ساعتها، هـ نتجاوزه إزاى؟ بـ التالى كان الغنا فى سكة التحدى بـ يسبب التوتر ولو جزئيًا، وبـ يخلق ولو قدر ما من اليأس.

كان ضرورى نرتفع فوق الهزيمة، لـ إنها كانت ساحقة، وصعبة، وما كانتش تخطر حتى فى بال أكتر المتشائمين وبـ الصورة دى، كلنا عارفين إن المزاج العام قبل الحرب كان متفائل قد إيه، وإنه عبدالناصر مش هـ يضرب إسرائيل بـ القاهر والظافر سوا علشان ما ياخدش حتة من لبنان، كفاية عليهم القاهر بس.

المهم، غنوة «تعيشى يا بلدى» عملت الدور دا، وغسلت القلوب شوية، والسر فيها، من وجهة نظرى، هو اللحن السلس اللى عمله إبراهيم رجب.

إبراهيم من الملحنين اللى نفسى اسمه يبقى معروف أكتر من كدا، لـ إن أعماله حتى لو ما كانتش كتير، فـ معظمها من اللى فضل فى موقع مميز من ذاكرتنا، هو ملحن يا بيوت السويس، ويا بلدنا لا تنامى، ويالا بينا تعالوا «من فيلم الكيت كات»، وأنا عايز صبية «اللى إذاعة الأغانى بـ تذيعها كل يوم»، وأنا بيه «أحمد زكى فى البيه البواب»، ومجنون لـ أحمد عدوية، وغيره وغيره.

رجب من القليلين اللى اشتغلوا مع الأبنودى وجاهين وحداد وسيد حجاب وكان قريب منهم كلهم.

«تعيشى يا بلدى» فضلت لـ عقود طويلة من الأعمال المتصدرة فى الإذاعة والتليفزيون، اللى بـ تتعرض بـ استمرار، علشان كدا أكتر من مطرب ومطربة غنوها فى حفلاتهم، فـ سمعناها بـ صوت شريفة فاضل وماهر العطار، بس تفضل نسخة المجموعة هى الأقرب لـ قلبى، خصوصًا ناى رضا بدير وبزق محمد الصعيدى، والأصوات اللى تداخل الرجالى فيها مع النسائى، وتحسهم فعلًا عيلة مصرية واحدة قاعدين ع الطبلية.