السبت 15 نوفمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

الأستاذ مرة أخرى

حرف

هيكل له كتابين عن حرب السويس، هم «قصة السويس» و«ملفات السويس». بـ نفس الطريقة كان له كتابين حرب أكتوبر. المشهور منهم هو «السلاح والسياسة»، إنما قبله بـ١٨ سنة كتب «الطريق إلى رمضان».

ليه كاتب يصدر عملين لـ نفس الموضوع؟

فيه أسباب كتير، منها إنه العمل التانى «اللاحق» كان فى إطار مشروع كبير لـ تسجيل رؤية أشمل لـ رسم الصورة الكبير عما أسماه «حرب الثلاثين سنة»، أو صراعنا مع إسرائيل، بـ التالى «المفروض» إنه يقدم تحليلات أعمق عن مجرد تقدم سردية مبسطة ومباشرة لـ الحدث «ودا عمله فى الأجزاء التلاتة الأولى من الرباعية».

إنما فيه سبب تانى مهم، وهو إنه بعد هذه السنين الـ١٨ ما بين إصدار «الطريق إلى رمضان» «١٩٧٥» و«السلاح والسياسة» «١٩٩٣» ظهرت معطيات كتير أمكن لـ هيكل «وأحيانًا لـ غير هيكل» الاطلاع عليها، زى مذكرات كتير من الأطراف المشتركة، ووثائق أُفرج عنها، وكتب غربية درست الموضوع، تخلى السردية «المفروض» أكثر إحكامًا من مجرد المعايشة المعاصرة، فـ كما نعلم «المعاصرة حجاب».

لكن، هل دا حصل؟ هل شفنا فارق ملموس بين الكتابين؟

يؤسفنى أقول لـ حضرتك لأ.

يعنى الفارق بين «قصة السويس» و«ملفات السويس» مهول فى الرؤية والمعلومات والتحليل والموضوعية والدقة وحتى على مستوى لغة الكتابة، إنما دا مش حاصل خالص فيما يخص الفارق بين «الطريق إلى رمضان» و«السلاح والسياسة».

الكتاب التانى يكاد يكون هو الكتاب الأول، موسعًا، ومدعمًا بـ مقتطفات من مذكرات هنا أو وثيقة هناك، تدعم وتؤكد ما كان يريد قوله سنة ١٩٧٥!

معقولة! هل كل ما اطلع عليه الأستاذ ما اداش أى فرصة لـ تطوير الرؤية والسردية؟

تقديرى الشخصى هنا إنه هيكل شكّل سرديته عن حرب أكتوبر منذ الأيام الأولى نتيجة لـ موقف شخصى من السادات «الله أعلم بـ أبعاده» وظل طول السنين متمسك بـ هذا الموقف، من ثم كان يثبت الرؤية والسردية اللى بـ يحمل من خلالهم السادات أمر خطير جدًا هو إنه «السادات» أضاع النصر العسكرى اللى تحقق فى الأيام الأولى لـ الحرب بـ خطوات سياسية تتسم بـ الرعونة أو التواطؤ أو كليهما.

هل كان نفسى إن الكاتب الأهم فى تاريخنا الصحفى ينصف السادات بعد مرور السنين، خصوصا إنه انتقل لـ رحاب الله قبلها بـ ١٢ سنة؟

فى الواقع لأ، ولا يعنينى خالص تقييم الزعماء والرؤساء والكُتّاب والشخصيات العامة، ولا يشغلنى الإنصاف من عدمه، فضلًا عن أن تقييمى العام لـ الرئيس الراحل أنور السادات مش إيجابى أوى، إنما أنا بـ أفكر فيما كان يمكننا الاستفادة منه وما حصلش.

إمكانيات محمد حسنين هيكل لم نشهد لها مثيلًا قبله أو بعده فى الصحافة العربية، بل الكتابة السياسية عمومًا بـ شكل أوسع من الصحافة، ودا بـ حكم تراكم مقومات ما كانش بـ إمكان غيره حيازتها أهمها اطلاعه الواسع على بواطن الأمور، سواء من خلال الوثائق أو الاتصال المباشر من خلال شبكة علاقات دولية مهولة، ووزن يتجاوز بـ كتير دوره كـ إعلامى.

من هنا كنت أتمنى إنه يتحرر من نقطة ضعفه الأبرز «كراهيته لـ السادات» ويقدم لنا رؤية نتفق معها أو نختلف لكنها تتسم بـ الموضوعية، زى ما عمل فى الثلاثية اللى قبلها خصوصًا ملفات السويس، إنما دا ما حصلش، وطول صفحات الكتاب اللى زادت عن ٨٠٠ صفحة تحس إنه عايز يقفز لـ النتيجة اللى قلناها سابقًا، وهو دا نفس اللى عمله فى الطريق إلى رمضان بـ الظبط.

خسارة إن حربنا الأعظم فى التاريخ الحديث تتعامل هذه المعاملة من كاتبنا الأهم.

يالا، هـ يروحوا من ربنا فين؟