الخميس 18 سبتمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

مكتبتي..

منتصف الليل فى القاهرة

رافاييل كورماك
رافاييل كورماك

رافاييل كورماك، باحث وكاتب إنجليزى ارتفعت أسهمه هنا فى السنين الأخيرة، بعد مسيرة حافلة فى الاهتمام بـ مصر، رغم صغر سنه نسبيًا، فـ هو لسه ما حصلش الأربعين، لكن نتاجات أبحاثه وشغله بـ تغطى مساحات مهمة من تاريخ مصر فى القرن التسعتاشر والقرن العشرين، وبـ تقول الجديد غير المكتشف عن الفترة دى، بـ غض البصر عن النتايج اللى بـ يوصل لها، واللى هو عمومًا مش بـ يقولها صراحة.

كورماك اشتغل رسالة الدكتوراه بتاعته عن المسرح المصرى، وتأثير أوديب عليها، لكن المهم هنا مش هو بـ يقول إيه؟ لكن بـ يشتغل إزاى؟ والواقع إنه عند دراسة تاريخ المرحلة دى من أى جانب، فـ الناس عادة بـ تلجأ لـ الكتب، خصوصًا المذكرات الشخصية، زى مذكرات روز اليوسف وغيرها، إنما دا بـ يفضل إعادة إنتاج لـ كلام اتقال بـ الفعل، وانطبع، ومتداول، وفى الأفضل الأحوال الكاتب بـ يعيد ترتيبه، لـ ذلك أهمية كورماك إنه اشتغل على الكنز المهمل، اللى مش بـ نبذل جهود كفاية فى اكتشافه وتنظيمه ومحاولة معرفة ما يحتويه.

الكنز المقصود هنا هو أرشيف الصحافة المصرية العملاق، مش بس الجرايد والمجلات العريقة زى الأهرام وروز اليوسف وغيرها، لكن القاهرة كانت مركز إطلاق ونشر مئات الدوريات متفاوتة المستوى متباينة الاهتمام مختلفة فى درجة نجاحها وقتها، لكنها دايمًا مصدر مهم لتتبع أهم الملفات وأخطرها، إذا كنت تمتلك الدأب اللازم، والرؤية، وعارف كويس إنت بـ تدور على إيه؟

اللى اشتهر لـ كورماك مؤخرًا مش رسالته لـ الدكتوراه ولا مقالات الكتير فى الدوريات العالمية المرموقة المختلفة، إنما كتابه الممتع: «منتصف الليل فى القاهرة»، وهو أحد أكبر الكتب الخادعة اللى ممكن تقراها فى العقود الأخيرة.

هو خادع لـ إنك تظن فى الأول إنك قدام كتاب حواديت، والنوع دا فى حد ذاته ممكن يحمل قيمة ويكون مهم، حسب درجة وعى وثقافة الحكاء، فـ يفتح لك سكك لـ البحث والتأمل والمعرفة، لكن كتاب كورماك مش واقف عند الحتة دى خالص، إحنا بـ نتكلم عن أكاديمى تقيل، بـ يستغل قدرته الأكاديمية فى صياغة شعبية لـ تمرير رؤى أقل ما يقال عنها إنها انقلاب.

ما يجوز ما نقدرش هنا ودلوقتى نتتبع كل ما يثيره الكتاب من زوابع، وهو يفعل ذلك بـ نعومة شديدة، لكن مهم نشاور على نقطة محورية، وهى إعادة التأريخ لـ النسوية المصرية، بعيدًا عن المحفوظات اللى بـ نرددها على مدار قرن من الزمان وأكتر، وبـ نختلف حوالين مدى تأثير اسم هنا أو جمعية هناك. لأ، هو مدى بعد تانى خالص لـ الموضوع.

تقديرى إنه بـ ينطلق من فرضية بسيطة، وهى إنه الحراك النسوى لا يمكن اختزاله فى مقال أو كتاب أو خطبة أو جمعية أو حركة أو أى جهد «ذهنى» يصب إجمالًا فى خانة التنظير، وإنما علينا النظر أولًا لـ الحراك على الأرض وفى سياق الواقع، حتى لو كان المؤثر مش على وعى أو حتى علم إنه بـ يخوض حراك نسوى، يعنى القصدية مش مهمة، قد ما المهم النتايج، أو بـ عبارة أخرى «الكورة إجوان».

من هنا، بـ يقدم لنا سير كتير لـ نساء من فئات لا تحظى بـ اعتراف ثقافى عالى، زى فنانات «حتى مش المشهورات منهن» ونساء لمعن فى عالم الليل، بـ اعتبار إنه دول اللى حركوا ملفات كتير تخص المرأة من غير ما يكون عندهم الإطار النظرى لـ دا، هم بس امتلكوا الحس النسوى، ودا كان كفاية.

ملفات الكتاب دا كتير، ويبدو إنه هـ يودينا لـ سكك جديدة فى البحث والتأليف وصياغة الكتب، جميل!