مكتبتي..
العربجى حنفى أبومحمود مؤلفًا

فى النص الأول من القرن العشرين، كان فيه مجلة اسمها «الكشكول»، لـ صاحبها سليمان فوزى، والواقع إنه المجلة دى كانت محورية إذ إنها من بواكير الصحف اللى استخدمت الكاريكاتير، واعتمدت على الصورة المرسومة، لكن مش دا بس سبب أهميتها.
الكشكول دى كانت ماشية عكس التيار السائد فى الشارع فى سنوات ثورة ١٩١٩ وما تلاها، لـ إنها كانت ضد الوفد، اللى كان مكتسح جماهيريًا، وله شعبية طاغية فى الشارع، وكانوا بـ ينتقدوا رءوس حزب الوفد ورجاله بـ شكل لاذع وساخر وشخصى كمان، ودا اللى خلى مقر المجلة يتعرض لـ الهجوم أكتر من مرة، مش هجوم نقدى، هجوم يعنى يزقلوها بـ الطوب وكدا، وكانت فعلًا مجلة مثيرة لـ الجدل.
بعد ثورة ١٩١٩ بـ شوية، الكشكول دى هـ تبدأ تنشر مقالات تحت عنوان: «مذكرات عربجى»، المفروض يعنى كاتبها سواق حنطور اسمه «الأسطى حنفى أبومحمود»، والحنطور لو الجيل الجديد مش عارف كان وسيلة المواصلات الرئيسية، زى الأوبر دلوقتى، وهو عربية بـ يجرها حصان أو بغل، والعربية ليها شكل مميز يسمح لـ راكبها إنه ما يبقاش متشاف من المارة فى الشارع، علشان لو معاه ستات ولا حاجة.
الأسطى حنفى دا، بـ حكم مهنته، اطلع عن قرب على مشاهير السياسة ورجال المجتمع المرموقين، فـ بـ ينقل لـ القراء صورة عنهم غير الصورة الذهنية المتداولة من إنهم رجال بـ يدافعوا عن قضية ما، حتى لو القضايا مختلفة أو متناقضة كمان. وبـ يقدمهم بـ اعتبارهم غالبًا انتهازيين وصوليين آكلين على كل الموائد بـ يدبروا لـ بعض ولـ البلد مؤامرات هدفهم منها المكسب والسيطرة.
انتشرت المقالات دى، وكانت ناجحة، وكان القراء بـ يبعتوا رسايل لـ الأسطى حنفى ويرد عليها، ومرة رئيس التحرير رد بداله وقال إنه تعبان شوية الأسبوع دا، وكان فيه تعامل من المجلة على إنه الأسطى حنفى دا شخصية حقيقية، ثم إنه سنة ١٩٢٢ صدرت المقالات دى فى كتاب بـ اسم الأسطى حنفى وتقديم فكرى أباظة.
إنما ما كانش فيه حد خالص مصدق إنه اللى كاتب الكلام دا عربجى فعلًا، ولا إنه فيه حد اسمه حنفى أبومحمود، مش بس لـ إنه مهنة العربجى لا تتيح هذا القدر من الاقتراب ولا الاطلاع على أحوال مشاهير البلد وقادة السياسة، لكن كمان الأسلوب البديع لـ الكتابة واللغة الرشيقة بـ تقول إن اللى كاتب الكلام دا شخص متعلم تعليم عالى، حتى لو كان بـ يحاول يتنكر فى صورة ابن البلد.
ما عداش وقت كتير، وبقى معروف لـ الجميع تقريبًا إنه اللى كاتب الكلام دا هو سليمان نجيب «اللى فيما بعد بقى الممثل النجم المعروف» وقتها سليمان ما كانش بـ يمثل احترامًا لـ رغبة أمه، ومن ثم عائلته، لـ إنهم كانوا شايفين التشخيص لا يليق بـ عائلة عريقة، فـ أبوه هو مصطفى بيه نجيب الموظف الكبير فى وزارة الداخلية وفى الوقت نفسه أديب وشاعر معروف «أم كلثوم غنت من كلماته» وخاله هو أحمد باشا زيوار، سليل عائلة زيوار الشركسية الشهيرة، فـ سليمان كان شغال وقتها فى السلك الدبلوماسى، وكان فيه حرج ينشر الكلام دا بـ اسمه.
كان معروف إنه سليمان نجيب هو الكاتب لكن مش معلن، وما كانش معلن طول حياته، ثم إنه الكتاب نفسه طواه النسيان لـ فترة طويلة من الزمن، لـ حد ما رجع لـ الفضاء الثقافى فى التسعينات، لكن كان بـ يتقال مباشرة إنه لـ سليمان نجيب، ولما صدرت منه طبعات حديثة كان اسم مؤلفه الأصلى يزين الغلاف.