الخميس 31 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

مكتبتي..

حكيمدار بوليس العاصمة

حرف

سنة ١٨٨٢ الإنجليز دخلوا مصر كـ محتلين، وزى أى احتلال كان تطويع الجهاز الإدارى للدولة أول أهدافهم السياسية من خلال حزمة قوانين ووضع مفتشين فى كل مديرية ووزارة.

الداخلية بـ الطبع كان ليها النصيب الأوفر من الاهتمام والتطوير لـ أهميتها وعمق امتدادها فى المجتمع المصرى. علشان كدا الإنجليز أعادوا هيكلة جهاز الشرطة بـ شكل كامل، وحظروا على المصريين الانضمام لـ صفوف البوليس، فـ كانت معسكرات الشرطة فى القاهرة والإسكندرية بوابات العبورلـ الضباط المغامرين، الذين جم يدوروا عن مجد فى المستعمرات الجديدة.

توماس راسل كان واحد من دول، بـ مجرد تخرجه من جامعة كامبريدج، جه مصر فى رحلة انتهت بعرض عمل، وافق عليه فورًا، وهكذا بقى مفتشًا لـ الداخلية وكان تعيينه ١٩٠٣. وخلال السنين الأولى فى الأقاليم اكتسب كل ما يحتاجه شاب من شغل متنوع ومهم ومغامرة وصيد وحياة منفتحة وإلخ إلخ.

سنة ١٩١٠ هز الشارع السياسى المصرى عملية اغتيال رئيس الوزراء بطرس باشا غالى. قبلها ما كانتش الاغتيالات السياسية مألوفة فى البلاد، لكن من اللحظة دى استمرت على الأقل ١٤ سنة كمان، ودا كان تحدى لـ الشرطة ينضاف لـ الملفات التى هـ يتولى توماس راسل متابعتها، خصوصًا مع توليه منصب الحكمدارية فى ١٩١٨. ثم إنه راسل ما يكملش سنة فى الحكمدارية فـ تطلع ثورة ١٩، وكل الأحداث اللى إحنا عارفينها.

لكن راسل ما كانش سياسى، هو رجل أمن دوره مكافحة الجريمة، لـ ذلك تقاطع مع أمور كتير تخص المجتمع المصرى، وكان انطباعه العام زى ما سجله نصًا:

«يبدو الفلاح المصرى، وقد التقيتهم خلال جولاتى فى قرى مصر وحقولها، شخصًا مسالمًا يحترم القانون ويعمل بجدية ولديه إحساس عظيم بالفكاهة، وآخر شىء يمكن أن تتهمه به هو أن يكون مجرمًا».

لكن الانطباع العام دا ما يمنعش ملاحظة تانية سجلها برضه: «بعد أيام قليلة من الإقامة فى الريف، يمكن اكتشاف مدى تعقد الشخصية الهادئة المسالمة التى قد تتحول فى لمح البصر إلى قاتلة»، وقال كمان إنه «كثير من هؤلاء القتلة هم نتاج للثأر، وهى عادة لا يمكن لأحد التهرب منها».

راسل خد باله برضه من انقسام الطبقات الاجتماعية فى مصر فى تلك الفترة، وقال إنه انقسام حاد غير طبيعى. وقال إن الملاك كانوا بـ يختاروا المدن لـ السكن ومحدش منهم بـ يهتم بـ رفع جودة الحياة فى القرى اللى الفلاحين بـ يشتغلوا فيها، فـ الفقر مخيم على حياة الريف، ناهيك عن ضعف الرعاية الصحية وانتشار أمراض هددت قوة العمل فى البلاد زى البلهارسيا.

لكن مشكلة راسل الكبيرة كانت المخدرات اللى قال عنها: «كانت القرى السعيدة والهادئة التى أفتش عليها مليئة بالمخدرات ولم تُتخذ إجراءات رادعة لمنع ذلك. وعندما جمعت أرقامًا موثوقة تمكنت من الحصول عليها ومقارنتها بإجمالى عدد السكان، أدركت أن هؤلاء قد أصبحوا الآن عبيدًا لإدمان المخدرات، وهم العمود الفقرى للأرض وأدركت أن هناك عملًا يجدر القيام به».

تقارير وزارة الصحة سنة ١٩٢٧ التى قدمها راسل قالت إنه حوالى ٦ مليون من أصل ١٤ مليون، اللى هم سكان مصر وقتها، جربوا الهيرويين أو الكوكايين. كانت تجارة مربحة فوق الوصف، اللى بـ يتكلف إنتاجه فى أوروبا ١٠ جنيه بـ يتباع فى مصر بـ١٢٠، وعقوبة التجارة كانت تافهة، أسبوع حبس مثلًا، وغرامة مالية صغيرة. ودا اللى خلى راسل يؤسس مكتب مكافحة المخدرات ١٩٢٩.

كل دا وأكتر كتير سجله راسل فى مذكراته اللى ظهرت أول مرة ١٩٤٩، ظهرت فى لندن تحت عنوان «فى الخدمة المصرية»، بعد ٣ سنوات من إنهائه خدمته فى مصر.

لكن تخيل يا مؤمن إنه الكتاب، الذى سجل فيه راسل تجربته الممتدة ٤٤ سنة، تأخرت ترجمته أكتر من نصف قرن، لـ حد ما صدر فى القاهرة تحت عنوان «مذكرات حكمدار القاهرة»، ترجمة مصطفى عبيد اللى قدم لنا خدمة جليلة، كتر خيره والله.