مكتبتي..
شيخ المضيرة

من أكتر الحاجات المزعجة لـ الإسلاميين إنه يطلع «شيخ» درس دراسة دينية يقول كلام مختلف عن السردية الكلاسيكية اللى بـ يرددوها، أو يقول آراء مختلفة عن الفقه اللى بقى له قرون وقرون بـ يعاد إنتاجه.
أصلك لما بـ ييجى حد من بره المؤسسة، بـ يبقى سهل يطلعوا الرد التاريخى: دا مش متخصص، وزى ما هو ما ينفعش حد يعالج المرضى غير الدكتور، أو يبنى البيت غير المهندس، يبقى كمان محدش ينفع يتكلم فى الدين غير الدارس!
طيب أهو الدارس بـ يتكلم، هنا بـ يكون الانزعاج.

من أوائل الناس اللى عملت كدا، وسببت لغط كبير كان الشيخ محمود أبورية، اللى اتولد فى المنصورة سنة ١٨٨٩، ودرس فى الأزهر، لكنه كمان درس فى المدارس المدنية العادية، ثم إنه أخد خط غير المعتاد، وبدأ يتكلم فى السنة على غير هوى كل التيارات الإسلامية السنية بـ كافة أطيافها، وتقدر تعتبره بـ معنى ما «أبو القرآنيين».
صحيح إنه أبورية ما قالش صراحة إنه قرآنى، ولا صك التعبير، ولا حتى كتب ما يفهم منه إنه يدعو هذه الدعوة، لكن كتاباته فى السنة ما كانش ينفع تودينا غير لـ اللى راح له بعدين واحد زى أحمد صبحى منصور، والطابور اللى جه بعده حتى يومنا هذا.
الشيخ أبورية كتب الأول كتاب: أضواء على السنة المحمدية، ودا كان حجر أول فى بحيرة راكدة، اللى هو يا جماعة مين قال إنه السنة هى المدون فى كتب الأحاديث، وبين المشكلات اللى تقف فى وش اعتبار الأحاديث دى هى السنة بـ النص والحرف والكلمة.
هو هنا مش بـ ينكر السنة، ولا يدعو لـ تجاهلها، هو بس بـ يشاور على إنه لا يمكن معرفة السنة من كتب الأحاديث، مهما كان حرص مدونيها، ومهما بلغت درجة دقتهم، فضلًا عن التشكيك «أحيانًا» فى ذلك الحرص وتلك الدقة.
لكن كتاب «أضواء على السنة المحمدية» ما حققش الانتشار المتوقع من كلام خطير زى دا، فـ راح الشيخ أبورية عامل كتاب تانى هو «شيخ المضيرة»، ودا الكتاب اللى عمل بووووم كبيرة، وسبب كل الإزعاج اللى كلمتك عنه.
شيخ المضيرة بـ يتكلم فيه أبورية عن أبوهريرة أشهر راوى لـ الأحاديث، وأكتر واحد اتنقل عنه مرويات، والواقع إنه ما خلاش على جهده جهد إنه يبين ويوضح ليه ما ينفعش نعتمد على الاسم دا تحديدًا فى نقل السنة، ودا وقتها «فى خمسينات القرن العشرين» كان كلام جديد لانج فى الأوساط السنية.
اللى زود صعوبة وقع الكتاب هو تمكن أبورية من أدواته، ومعرفته الواسعة، فى زمن لا كان فيه إنترنت ولا حتى كومبيوتر، ودقته كمان فى ما نقله عن أبوهريرة من إنه مجرد شخص رسم له صورة كـ متسول يحب الطعام، وإنه كان بـ يروح ياكل من مضيرة معاوية «المضيرة نوع من الولائم» ثم يؤلف أحاديث عن النبى.
أبورية كان أول واحد ينبه إلى قصر مدة مصاحبة أبوهريرة لـ النبى مقارنة بـ حجم الأحاديث اللى رواها عنه، فضلًا عن نقل مرويات كتير كتير تخص شخصيته منذ قدومه إلى المدينة متأخر جدًا بعد فتح خيبر، وحتى انتقاله إلى البحرين بعد يدوب سنة وكسور.
كتاب «شيخ المضيرة» صحى كتاب «أضواء على السنة المحمدية»، وبدأت الكتابات فى الرد، والأهم إنهم ما اشتغلوش على اتهامه بـ إنه قرآنى، كون التوجه نفسه ما كانش لسه موجود، فـ اتهموه بـ إنه شيعى متخفى.
وبدأت العركة، اللى لسه مستمرة حتى يومنا هذا.