آية جيم

بـ الورقة والقلم والمسطرة والمسطرين، المفروض إنى ما أحبش أشعار وقصائد حسن طلب، لكنى أحبها كثيرًا.
الفكرة هنا إننا لو حسبناها بـ المنطق، وبـ تفضيلاتى الشعرية، فـ طلب بـ يكتب نصوص ذهنية مهندسة، بـ تعتمد على الشكل من المعجم اللى بـ يختاره، والوزن والقافية، لـ صياغة موضوعات فيها رائحة أيديولوجية قوية، ودى الحاجات المفروض تنفرنى من الشعر طبقًا لـ ذائقتى الشخصية، لكن فى حالة طلب هذا لا يحدث، بـ العكس بـ ألاقينى متيم بـ حاجات كتير عملها، على راسها «زبرجدة الخازباز» من ديوان «زمان الزبرجد».
المهم، طلب فى عنايته بـ الوزن والقافية والألفاظ والأجواء العامة من معجم وخلافه، بـ يجنح أحيانًا كتيرة، وبـ يخوض ما يمكن اعتباره مغامرات، وفى سبيل دا بـ يتعرض لـ هجوم يصل أحيانًا لـ عواصف، والعواصف دى بـ تبقى من تيارات مختلفة وأحيانًا متعارضة، لكنها بـ تتفق فى لحظة على مهاجمة طلب وقصائده، لكنها كانت بـ تعدى، المرة الوحيدة اللى ما عدتش، كانت لما أصدر «آية جيم».
«آية جيم» ديوان أصدره أوائل التسعينات، وبـ مجرد ما طلع حصلت حالة من الهجوم، وفى بحر أسبوع كان صدر قرار بـ منعه، المنع اللى استمر سنين طويلة قبل ما تقدم الحكاية، ويطلع منه طبعة جديدة لكن فى هدوء، بعد ما اتغيرت معطيات كتير فى النشر، خلت الطبعة التانية تعدى من غير عاصفة.
لكن إيشمعنى «آية جيم» اللى ما عداش؟
فى الواقع، الموضوع مالوش علاقة بـ الشعر ومعاركه، ولا الخلاف حوالين وزن أو لغة أو أيديولوجية «وأنا بـ أعتبر دا أضعف دواوين حسن من الناحية دى» إنما الأمر كان له علاقة بـ الدين، وحضرتك عارف لما الدين بـ يدخل فى الموضوع، انسى!
طلب استخدم فى ديوانه تكنيك التناص مع النصوص المقدسة الإسلامية، والتناص دا أكتر حاجة بـ تعفرت إخواننا الأصوليين، مع إنى بـ أشوفهم المفروض يعملوا العكس، لكنهم بـ يفكروا بـ منطق العصور الوسطى، فلا يسمحون به مطلقًا.
إيه هو التناص؟
إنك تستخدم تركيبات أو ألفاظ أو جمل من نص معروف، وتعمل عليها معنى جديد يناسبك، ودى حاجة بـ تحصل يوميًا من ساعة ما قالوا يا كتابة، وفى كافة أشكالها، زى أمل دنقل مثلًا ما ياخد «العهد القديم» و«العهد الجديد»، ويسمى ديوان ليه «العهد الآتى»، أو زى أفلام كتيرة ما تتسمى بـ كلمتين من قصيدة، أو حتى تاخد عنوان فيلم قديم وتغير فيه كلمة وهكذا.
طلب مثلًا عمل قصيدة مطلعها: «أعوذ بالشعب من السلطان الغشيم»، المستندة إلى الجملة الشهيرة اللى بـ يستخدمها المسلمين عند افتتاح التلاوة القرآنية: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
المفروض، التناص دا عمومًا لا ينال من هيبة أو حتى قدسية النص اللى إنت بـ تستند إليه، إنما بـ يخليه أثبت على اللسان وأكثر حضورًا فى الأذهان، وبـ يقرب لك أكتر معانيه، ويستفزك لـ البحث عنها، وكل دى أمور إيجابية، لكنهم فى الأغلب لا يلتفتوا إليها، وبـ يفكروا فى حاجة واحدة بس.
بـ يفكروا إنه التناص معناه أحد أمرين أو كليهما: تحريف لـ النص الأصلى، وسخرية منه. والحاجتين دول مش حاصلين خالص، لـ إن التحريف يحصل لو إنت ادعيت إنه تعديلك اللى إنت عملته منسوب لـ النص الأصلى، ومفيش عاقل يقول كدا، والسخرية ليها اشتراطات، منها إنك تقدمه بـ شكل كاريكاتورى، ودا كمان مش حاصل، لا فى حالة طلب ولا فى غيرها من الحالات.
لكن هـ تقول لـ مين؟ إذا كان الرقابة رفضت تسمية فيلم لـ علاء ولى الدين بـ «الناظر صلاح الدين»، علشان شافت التناص مع اسم الفيلم القديم سخرية من صلاح الدين الأيوبى، فـ هـ يقبلوا تناص مع القرآن؟
يا راجل! كبر مخك!