الخميس 14 أغسطس 2025
المحرر العام
محمد الباز

طارق هاشم يكتب: كخطأ فادح

حرف

فى عالم تنهشه الرقابة

كيف لى أن أحبك 

كيف لى أن أمرر حروف يدى

حرفًا حرفًا

فى مدائن جسمك

دون أن أشعر بالخوف

بالرعشة التى اغتالت مواعيدك؟

كيف يمكننى أن أسحبك إلى أرض قاحلة

وأفردك على الأرض 

كرغيف ضائع

خرج من البيت

كى يبحث عن جائع

فاكتشف أن الجوع صار مدينة

تلتهم الأقرب والأبعد؟

سأمدك فى هذه الصحراء

ليتمكن سيفى من اختراق بلادك

حتى تصبح خضراء

ستقولين الله ما أجمل التحامنا

وسيعبر إعصار يزلزل وحدتنا

آه كم أشعر بالعجز

وأنت تتأوهين

لماذا لم أكن رحيمًا

وأتركك تعانقين هذا الصمت الممتد

إلى ما لا نهاية

فى هذا العالم الذى يكويه الحصار؟

لم أعد أرى وجهك 

إلا خائفًا

مذعورًا

فمنذ أن خلفتنا الحياة 

كآثار حرب مدمرة

لم أضبط نفسى ولو مرة واحدة

إلا باكيًا

وكيف لباكٍ أن يحب

الباكون كلهم خذلهم الحب

مزق أناشيدهم 

واغتال الشفاه

فلم يعد شيئًا 

إلا وفرمته الهزيمة

أنا المهزوم يا ليلى

هل فكرت يومًا 

أن تحبى مهزومًا؟

هل مر ببالك أن تجبرى خاطره

ولو بالمجاز

أن تزرعى فى باطن كفيه وردة

للسنين الغامضة

فى هذا العالم

الذى يرسم حدوده القراصنة 

والمحتالون

والقتلة

وقطاع الطرق؟

كيف سأقول لك أحبك

وما جدوى ذلك

فالكلمة لم تعد تصنع شيئًا 

حتى كلمة أحبك صارت عادية

صارت لا تبنى مدرسة فى حينا الفقير

لم تعمر مصنعًا 

لم تحمِ بيتًا من اللصوص

لم ترشد الصيادين إلى مكان السمك

لم تساعدنى كى أساعدك

حتى كلمة أحبك تعلمت الرقابة

صارت تراقبنا فى الليل

وتحاصرنا نهارًا

حملت بندقية وراحت تبحث

عن فريسة أخرى

هاجمنا الحب يا جميلة

كما يهاجم السرطان فوضى المناعة

صرنا كخطأ فادح

فى هذا العالم الذى يحكمه 

العزل من الرحمة

صار بوسعنا أن نحزن

لا شىء سوى الحزن 

فى خانة الجنسية

فسامحينى 

إذا لم أخذك فى حضنى

فالطائرات تحلق فوق عناقنا

والهزيمة كيد بلا رحمة

تعرف الطريق إلى بيتنا الصغير

فلننتظرها معًا.

أبى

منذ ثلاثين عامًا

ألقيت أبى من النافذة

خرج مع الرياح

والهواء والرمل

خرج هكذا بخفة ملاك

صورته التى أربكت أمى لسنوات طوال

ما زالت تعدو 

ما بين الصالة والمطبخ

أمى

التى لم تنم

منذ ثلاثين عامًا

أدركت خطيئتها

حين أخبروها أن أبى

لم يترك امرأة ولا رجلًا

إلا وحكى لهما

عن المرأة الطيبة

التى كان يخونها كل مساء

وأنا أحمل جثته ﻷلقى بها

خارج رأسى

اعترضت سيدة فى آخر الممر

المؤدى إلى بيتنا الصغير

فى حى اﻷزهار

البيت الذى قام

على دمعة من دموع أبى

لم يعد يسكنه سوى اﻷشباح

التى تركها تنعى ذكرى نذالته

أبى مات

حين بكت نادية سالم

دون مراعاة لجيرانها

الذين جفت دموعهم

من أثر الحرب

الدموع التى فرت وراء رجالهم

دون أن تعود

فى هذه اللحظة فقط

مات أبى ﻻ ريب

اﻷخبار التى حملتها جرائد الصباح

صحيحة مئة بالمئة

صورته أسفل الخبر

تخبر كل الذين تعلقوا بها

أنها اﻵن

بلا إطار يحفظهم

بل يحفظه هو

اليوم فقط مات

وجدوه ساكنًا وحزينًا

دون روح.