المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

القناع «عوا» والوجه «إخوانى».. صاحب شعار «الإسلام هو الحل».. ومكفر سعد الدين الهلالى

محمد سليم العوا
محمد سليم العوا

كلما ظننت أن عجلة الزمن تدور إلى الأمام، حاملة معها فرص التغيير والتطوير فى أكثر الوجوه تشددًا فى صفوف الجماعات الدينية المتطرفة، تباغتنى صفعة الواقع المؤلم لتعيدنى خطوات إلى الوراء. المثال الأبرز هنا كان الدكتور محمد سليم العوا، الذى توهم البعض أن تقلبات الزمن ستجعله يعيد النظر فى إرثه المتخم بالتحريض الدينى وإثارة الفتن الطائفية، غير أن الرجل عاد ليذكرنا بأنه لم يتغير منذ خرج عبر قناة «الجزيرة» فى برنامج «بلا حدود»، مدعيًا أن المسيحيين فى مصر يخبئون أسلحة مهربة من إسرائيل داخل الكنائس، مفجّرًا أزمة طائفية كادت تعصف بالنسيج الوطنى حينها، قبل أن يتراجع تحت ضغط الغضب الشعبى زاعمًا أنه أسىء فهمه.

العوا، الذى ارتبط اسمه طويلًا بالدفاع المستميت عن الجماعات الإسلامية المتطرفة، ووقف فى ساحات المحاكم مدافعًا عن محمد مرسى ومحمد بديع وقيادات الإخوان المسلمين وخلايا حزب الله فى مصر، لم يتوانَ يومًا عن مهاجمة أصوات التنوير والعقلانية، ولم تثنه هزيمته فى مناظرته المجهولة مع الدكتور فرج فودة، التى سبقت اغتياله، من تكرار ذات الدور المسموم بلا مراجعة أو ندم.

اليوم، يعود العوا متسلحًا بذات العبارات المكرورة، ليستأنف هجومه على الدكتور سعد الدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الذى اجتهد وأبدى رأيًا فقهيًا فى قضية المساواة فى المواريث، فانهال عليه العوا بوابل من الاتهامات بالتكفير، مدعيًا أن الهلالى خرج عن الملة، مطالبًا شيخ الأزهر أحمد الطيب بإحالته إلى مجلس تأديب وإجباره على الاعتذار العلنى على نفس الشاشة التى أطلق منها هذه التصريحات، فى مشهد يذكرنا بمحاكم التفتيش التى ظننا أن زمنها قد ولى.

فى حديثه، استعاد العوا هوايته القديمة فى نسج نظريات المؤامرات، زاعمًا أن الهلالى ليس سوى أداة بيد أطراف خارجية تهدف إلى النيل من الإسلام، ولمّح إلى وجود جهات تدعمه وتوجهه، مهددًا السلطة السياسية بطريقة غير مباشرة بأنها تتحمل نفس أوزاره إذا استمرت فى دعمه أو السماح له بالظهور الإعلامى!، فيما يشبه ابتزاز السلطة وتحريضها على الهلالى!

الأكثر إثارة للدهشة أن العوا اعترف دون أى حرج بأنه لم يشاهد تصريحات الهلالى أصلًا، مكتفيًا بما سمعه ليبنى عليه جبالًا من التكفير والتحريض، دون أدنى محاولة للتثبت أو الفهم. وزاد على ذلك حين قلل من شأن الهلالى بدعوى أنه لم يقرأ له سوى مقال قديم عن حق السعاية، واعتبر نقل الهلالى لفتوى ابن عرضون فى هذا المقال مثالًا على الجهل وعدم المعرفة بأصل الفتوى نفسها!

المفارقة أن العوا استشهد بآية «فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» فى محاولة لإغلاق الباب أمام أى نقاش حول قضية المواريث، رغم أن هذه الآية نفسها وردت عقب آية الوصية التى اعتبرتها كتب الفقه منسوخة ومبدلة بآيات المواريث، وكأن العوا يناقض نفسه دون أن يدرك حجم التناقض الذى وقع فيه.

لم يكن حديث العوا خاليًا من مفاخرة بأدواره السابقة فى خدمة مشروع جماعة الإخوان، فقد زعم بكل فخر أنه أول من صاغ شعار جماعة الإخوان المسلمين الشهير: «الإسلام هو الحل»، موضحًا أنه شارك فى نحت هذا الشعار إلى جانب عادل حسين، وقال بلا مواربة: «هذا الشعار نحت من قبل شخصين، أنا وعادل حسين، أنا طرحت الفكرة، فأيدها». 

لكن الحقيقة التى تجاهلها العوا عمدًا، أن هذا الشعار لم يكن من ابتكاره، كما حاول أن يوحى، بل سبق استخدامه من قِبل خالد الزعفرانى، القيادى الإخوانى المنشق، الذى وضعه عنوانًا لكتابه «الإسلام هو الحل» الصادر عام ١٩٧٩، أى قبل الواقعة التى أشار إليها العوا بتسع سنوات كاملة. هذا العنوان تحوّل لاحقًا إلى شعار انتخابى شهير لتحالف الإخوان مع حزبى العمل والأحرار فى انتخابات ١٩٨٧، ثم استمر استخدامه فى كل الانتخابات التالية حتى صار الشعار الحصرى للجماعة بعد تجميد حزب العمل.

العوا تجاوز كل هذه الحقائق، متغافلًا عن أن هذا الشعار لطالما استخدم لبيع الوهم للبسطاء تحت ستار الدين، موحيًا بأن الدين يحمل حلولًا سحرية لكل مشاكلهم الحياتية من التعليم والصحة إلى الإسكان والطاقة والصرف الصحى، فى حين أنها فى الحقيقة مشاكل دنيوية يتطلب حلها العمل الجاد والبحث العلمى المستمر، دون ادعاء بامتلاك حلول سحرية لها فى أى دين من الأديان، إلا عند تجار الدين الذين يريدون استغفال الناس والتلاعب بمشاعرهم الدينية لتحقيق مكاسب سياسية.

واللافت أن العوا لم يشر إلى الشعار الأول الذى تبنته الجماعة فى الانتخابات، وهو شعار كان يحمل نبرة تكفيرية واضحة: «عودى يا مصر إسلامية»، وكأن مصر قد خرجت عن دينها! ذلك الشعار الذى وضع الجماعة حينها فى مأزق بالغ الحرج، دفعهم لاحقًا إلى محاولة التستر عليه بصياغة شعار بديل، وهو ما زعم العوا أنه قام به، ليؤكد مرة أخرى أننا أمام شخصية بارعة فى التجارة بالدين فى السياسة.

لقاء «العوا» لم يكن كاشفًا بدرجة غير مسبوقة عن وجهه الإخوانى المتطرف فقط، بل تجاوز ذلك ليُظهر انفصاله التام عن الواقع وإصراره على اجترار نفس الخطاب الممجوج حول ما يسميه «انتصار حماس» فى عملية السابع من أكتوبر، مدعيًا أن ما حدث يفوق فى أهميته وقوته حرب أكتوبر عام ١٩٧٣، فى تصريحات تعكس حالة انعدام قدراته العقلية على الفهم وتبلد قلبه من الإحساس بحجم الكارثة الإنسانية والسياسية التى خلفتها تلك العملية فى غزة، كارثة لا تزال تهدد بإغلاق ملف القضية الفلسطينية تمامًا.

لم يتوقف العوا عند هذا الحد، بل حاول تبرير مشاهد الدماء والدمار التى خلفتها العملية، زاعمًا أن «كل هذه الدماء لا تساوى شيئًا أمام استعادة الأمة جزءًا من كرامتها»!. فقط لمجرد انحيازه الإخوانى يغض الطرف عن معاناة أهل غزة، وعن خطر التهجير المحقق، بل وعن ضياع القضية الفلسطينية برمتها، حتى إن أحد قادة حماس أقر بأنه لو كان يعلم بهذه النتائج الكارثية لما أقدم على تلك العملية منذ البداية. ورغم ذلك، يواصل العوا الدفاع، متحدثًا باسم حماس، ومؤكدًا أنها لن تتخلى عن سلاحها أبدًا، بل وستعود لتقاتل من تحت الأرض إذا اضطرت.

المثير أن العوا لم يكتفِ بتبرير ما حدث، بل راح يحرض الشعوب العربية على حكوماتها، داعيًا الأفراد والجماعات إلى «الجهاد»، مؤكدًا أن هذا الواجب لا يسقط عن عاتق الفرد!. قالها بوضوح: «الجهاد لا يسقط عن عاتق الفرد! نعم واجب الجهاد ليس على مجموع الأمة فقط». معتبرًا «الجهاد أمر واجب وليس مجرد رخصة أو إذن أو إباحة»، فى تجاهل تام لتعقيدات الواقع السياسى، ومتطلبات المصالح الوطنية لكل دولة. ورغم ذلك لعب دور المحرض الذى كان يتركه للصف الثانى من الجماعة ودعا صراحة «من ليس بيده القرار أن يدفع الحكومات ومن بيده القرار من الحكام إلى الوقوف مع المقاومة فى مواجهة إسرائيل».

ولم يُلمح العوا فى حديثه إلى التحريض على الأنظمة العربية بشكل غير مباشر، بل صرح بمهاجمة دولة الإمارات، واتهمها صراحة بالتحالف مع إسرائيل، معتبرًا اعتقالها عبدالرحمن القرضاوى ابن صديقه الإخوانى يوسف القرضاوى، نوعًا من الظلم، معتبرًا تجاوزات وبذاءة وتحريض ابن القرضاوى مجرد «شطط شعراء»، فى حين اعتبر اجتهاد الدكتور الهلالى، الذى يتسم بالهدوء والعقلانية، نوعًا من الشطط الذى يستوجب المحاكمة والمحاسبة. يا للعجب، كيف تنقلب الموازين وتصبح الحكمة تهمة بينما يتحول الغلو والتطرف إلى مبرر ومسوغ!