الثلاثاء 19 أغسطس 2025
المحرر العام
محمد الباز

كتابى.. إنجازات ثقافية مستقلة وملهمة

حرف

- صاحب المشروع هو الكاتب والمترجم حلمى مراد والصحفى وكان من أشهر المترجمين بشكل أساسى

- من أول عدد أصبحت مطبوعات كتابى رائجة ومعروفة ومقروءة وقد صدر العدد الأول فى مارس 1952

لا أحد يستطيع أن ينكر أن نهضة ثقافية وأدبية وفكرية ومسرحية وفنية قد تصاعدت بشكل ملحوظ ومؤثر بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، حيث كان عقدا الخمسينيات والستينيات مسرحًا لتعاظم ظواهر قصصية وروائية وغنائية وفنية ومسرحية وشعرية، وعرف يوسف إدريس، ويوسف الشارونى، ونجيب محفوظ، ويحيى حقى، ونعمان عاشور، وعبدالحليم حافظ، وعلى الراعى، وإحسان عبدالقدوس، وتوفيق الحكيم، وحسين فوزى، ونعمان عاشور، وألفرد فرج، وغيرهم، طرقًا جديدة للتحقق والرواج عبر مؤسسات وقنوات جديدة، رغم كل أشكال الرقابة التى كانت تطل برأسها بين الحين والآخر لمنع فيلم من العرض مثلما حدث مع فيلم باب الحديد ليوسف شاهين، أو مصادرة كتاب مثل «الله والإنسان» للدكتور مصطفى محمود، أو حذف فقرات من كتب لا يرضى عنها المسئولون، ورغم تلك التدخلات السافرة، إلا أن هناك كانت نهضة قوية، تأسست فيها مؤسسات ثقافية جديدة، مثل المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، أو مصلحة الفنون وخلافه، ودعم الدولة لتلك المؤسسات بكثير من الدعم المالى.

لكننا لو تأملنا قليلًا عناصر تلك النهضة، لوجدنا أنها ليست وليدة اللحظة التى نشأت كيانات جديدة، أو ترعرعت وتطورت كيانات أخرى كانت موجودة، لكن الأمر يعود إلى عقود سلفت فى الأربعينيات على وجه الخصوص، فمنذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها فى مايو ١٩٤٥، لم تبق هناك أى حجة للاحتلال الإنجليزى أن يبقى، ومن هنا ثارت شعوب مستعمرات كثيرة فى العالم، وبالأخص فى مصر والهند، وبدأت تنمو ظواهر احتجاجية عارمة فى القوى السياسية المصرية، وكانت أول ذروة لها فى فبراير عام ١٩٤٦. ومع بروز احتجاجات تلك القوى السياسية، نشأت ظواهر ثقافية وإبداعية كثيرة، فعرفنا فى القصة القصيرة عبدالرحمن الخميسى، وعبدالرحمن الشرقاوى، وإبراهيم عبدالحليم، ومحمد يسرى أحمد، وصلاح حافظ، ويوسف إدريس، وأمين ريان، ومحمود البدوى، وسعد مكاوى، وغيرهم، وعرفنا فى الرواية، نجيب محفوظ، وعادل كامل، وعبدالحميد جودة السحار، وغيرهم فى كل مجالات الإبداع، وظهر فى السينما، كامل التلمسانى الذى ترك السيريالية، وراح يُخرج وينتج سينما واقعية، وهكذا كانت حركة جديدة وموارة.

على ضفاف هذه الحركة الجديدة، وتلك النهضة النشئة، برزت ظواهر صحفية جديدة، كانت تحلم وتتأهب لتقدم نفسها كبديل للمجلات التى استنفدت أغراضها الخطابية القديمة، رغم أن تلك المجلات القديمة حملت بذورًا من عناصر التغيير، مثل مجلة «الرسالة ١٩٣٣- ١٩٥٣»، التى راحت تستقبل إبداعات لكتّاب مصريين وعرب مثل سليمان فياض، ومحمد أبوالمعاطى أبوالنجا، ونزار قبانى، وسهيل إدريس وغيرهم، وكان الناقد الشاب أنور المعداوى هو الصرخة الجديدة فى عالم النقد الأدبى، والذى كان كثيرًا يرشد ويصوّب إبداعات كثيرة ترد إليه من كل حدب وصوب فى مصر، أو فى العالم العربى، وكذلك كان يكتب مقالاته النقدية دون أى هيبة من أساطير نقدية صاغتها العقود السابقة، فوجدناه يشتبك فى معارك نقدية مع أسماء مخيفة ومرعبة فى الحياة الثقافية، ولها حضور مهيب، وعلى رأسهم عباس محمود العقاد، والدكتور طه حسين. وفى عام ١٩٥١ أصدر أول كتاب له تحت عنوان «نماذج فنية من الأدب والنقد»، وكتب له مقدمة عنيفة جاء فيها: «قيل عنى يومًا أو قيل لى: إنك عامل هدم فى الحياة الأدبية ولست عامل بناء، لماذا؟، لأننى منذ تناولت قلمى لأكتب، تحول القلم فى يدى إلى معول ثائر، معول تنصب ثورته على بعض القيم والأوضاع!، ولم أضق بهذا الاتهام السافر الذى وجه إلىّ على صفحات (الرسالة)، لأننى قد طبعت على ألا أضيق بأى اتهام ما دمت قادرًا على الدفاع!».

لا أريد الاسترسال فى وصف الحالة التى كانت عليها مصر سياسيًا واجتماعيًا وفكريًا قبل ثورة يوليو ١٩٥٢، لأن هناك مَن سبق وشرح ورصد وحلل، لكن على المستوى الثقافى تم «طرمخة» المشهد، وتم إسناد الفضل الأول فى النهوض الثقافى للثورة، بينما كانت الحياة الثقافية تمور بالطموحات والآمال والإنجازات الوثابة، وسوف نسرد فى تلك الفصول من الكتابة، تلك المشاريع أو الإنجازات- لا التجارب- التى أسهمت فى إنضاج الحالة الثقافية المصرية آنذاك فى طور جديد، وعلى رأس تلك المشاريع، كان مشروع «كتابى» الذى سوف نسرد له تلك الحلقة، والذى صدر العدد الأول من تلك السلسلة فى مارس ١٩٥٢، أى قبل قيام الثورة بأربعة أشهر، كذلك كان نادى القصة الذى نشأ قبل قيام الثورة أيضًا، وسوف نسرد له الفصل القادم إن شاء الله.

إنها مشاريع ملهمة وعظيمة آنذاك، مهما كانت نهاياتها درامية، لأنها كانت مشاريع ابنة زمانها، وحاول المسئولون عنها تأبيدها فى أفكار قديمة، رغم أن الواقع يتم تطوره يومًا بعد يوم، فكيف يتم إبقاء كيانات قديمة فى ظل مناخات مختلفة تمامًا، دون إحداث تلك التطويرات المطلوبة؟، إنها فقط رغبة التملك العنيدة، وفقر الخيال الذى يعجز عن إبداع أشكال جديدة لاستيعاب كل ما هو حديث، إنها كيانات أحيلت بفعل على التقاعد، ولا بد من تجديد دماء الحركة الثقافية بكثير من الإبداع، وخاصة فى تلك المرحلة التى تهدد هويتنا بكل ما هو غريب وملغز.

ودون الاستطراد فى كل المؤشرات التى ظهرت وتبلورت قبل قيام ثورة يوليو، وكانت تنشد الرعاية، أو الاحتضان، أو توفير مناخ الجدية والمسئولية والدعم الذى برز مع قيام ثورة ٢٣ يوليو، حتى لو كان ذلك الدعم مشروطًا ببعض ظلال سياسية كثيفة، لأن الثقافة تحولت من أن تكون حرة تمامًا، إلى ثقافة مشروطة وموجهة ومحاطة ببعض التحفظ، ولولا العنفوان الذى كان عارمًا فى عقد الأربعينيات، ما استطاعت الثقافة والفنون أن تقدم ما قدمته فى الخمسينيات، والستينيات كذلك.

صاحب المشروع هو الكاتب والمترجم حلمى مراد والصحفى، وكان مراد فى ذلك الوقت من أشهر المترجمين بشكل أساسى، رغم أن كانت له إصدارات قصصية مؤلفة، وكانت مؤلفاته تصدر بشكل دائم عن دار الهلال، حيث أصدر فى ذلك الوقت ترجمات كثيرة، منها «قلوب تحترق» لستيفان زفايج، وأناى كارنينا لتولستوى، وكتاب عن أوسكار وايلد، كما صدرت له مجموعة قصصية عنوانها «عندما تحب المرأة»، وكان يكتب بشكل دائم فى مجلات المصور، والهلال، والاثنين، والكواكب، والبلاغ، والكتلة، والرسالة، والثقافة، والراديو، والحديث، وكلها كانت مجلات مرموقة للغاية.

حلمى مراد

ورغم انتشاره وتأثيره من خلال كل تلك المطبوعات وغيرها من صحف، كان طموحه أكبر، ففكر فى ذلك الإصدار العظيم الذى لعب دورًا كبيرًا فى حالة التثقيف الأدبى، ومن أول عدد أصبحت مطبوعات كتابى رائجة ومعروفة ومقروءة، وصدر عددها الأول كما ذكرنا سلفًا فى مارس ١٩٥٢، وفى إخراج مريح، وطباعة جميلة، وغلاف ملون، وقطع مختلف تمامًا عن كل المطبوعات الأخرى، وجاء الشعار أو اللوجو أو لوجو الكتاب عبارة عن رسمة تعبر عن شعلة الفكر عند الإغريق، وكتب حلمى مراد صاحب ورئيس السلسلة مقدمة تعريفية للسلسلة قائلًا تحت عنوان «هذا الكتاب»: «عزيزى القارئ دعنا نتبادل حديثًا صريحًا خالصًا، لعلك لم تألفه من سواى، عندما فكرت فى تنفيذ هذا المشروع الذى يلح على ذهنى منذ سنوات، قيل لى من كثيرين إن مشروعًا فى هذا المستوى الرفيع الأنيق الذى تلمسه بين يديك، لن يلقى منك التعويض الكافى عما بذل فيه من جهد ومال، سيما وهو لا يخوض فى السياسة، ولا فى سيرة زيد أو فى سيرة عبيد من الناس، ولا يقدم لك أنباء المجتمعات وأحاديثها المصورة، إلى آخر المواد الصحفية التى اتهموك- طلمًا فيما أعتقد- بأنك لا تحب سواها، ولا تقبل على سواها...».

وأفصح الكاتب فى مقدمته التى جاءت كبيان أولى لكى يقول: «من نحن، وإلى ماذا نهدف؟»، عن اعتزازه بالقارئ العربى والمصرى الذى يفضل الجيد عن الردىء فى مجال الثقافة، وإن كان القارئ فى ذلك الوقت يفضل الأدب عن السياسة، وقد وعد بأنه لن يحرم قارئه من أى سياسة، ولكنه سيقدمها من خلال قصص أو روايات أو سير ذاتية لأدباء وكتّاب من شتى أنحاء العالم، ومن كل اللغات، حيث إنه حشد رهطًا من المترجمين من عدد من اللغات الحية، هؤلاء المترجمون الذين كانوا متعطشين إلى عمل جاد وجديد، وكذلك وعد رئيس التحرير بأنه سيلبى أغراض الثقافة المعاصرة، وستقف السلسلة عند كل جديد يصدر فى العالم المترامى، ولن يقتصر الأمر على المادة المترجمة فقط، بل ستنشر السلسلة فى كل عدد قصة لأحد أعلام السرد فى مصر مثل نجيب محفوظ، أو يحيى حقى، أو إبراهيم المصرى، أو يوسف جوهر، وغيرهم من أدباء وكتاب مرموقين.

المقدمة طويلة نسبيًا، لكنها تنطوى على نقاط مهمة، وتوضيح للمشهد الثقافى فى مصر، وفى مرحلة جد تاريخية، بدليل أنها- أى المرحلة- كانت تضمر- سرّا أو علانية- ما سوف يحدث بعد شهور قليلة، ولا نستطيع إنكار أن ترجمة الأدب العالمى كانت مهملة فى الثقافة المصرية عمومًا، بل كانت مجلات كثيرة تنشر قصصًا لكتّاب عالميين، مثل مجلات الرسالة، والثقافة، والهلال، والمقتطف، والسياسة الأسبوعية، والبلاغ، وغيرها من مجلات وصحف سيارة، كانت تحرص على نشر نماذج من الأدب العالمى، ولكن الجديد هنا هو أن حلمى مراد كان مترجمًا متمرسًا عبر سنوات عديدة، وأنشأ تلك السلسلة الرشيقة بعد تفكير عميق أخذ منه سنوات كما أفصح سلفًا، وحشد كثيرًا من أصدقاء له، ومن مترجمين شباب لكى يتفانوا فى تقديم مادة أدبية وفكرية مختلفة، وبأسعار ليست مرتفعة، فكان الاشتراك السنوى عن ١٢ عددًا بثمانين قرشًا فى مصر والسودان، وهذا كان سعرًا معقولًا فى تلك الأيام.

باسترناك بريشة والده وهو فى الثامنة من عمره

جاءت مادة الكتاب الأول شيقة، إذ احتوى على قصة للمحرر، وبدت القصة رومانسية إلى حد كبير، متأثرة برومانسية الأدب الفرنسى، ثم تلخيص قصة تمثيلية لأوسكار وايلد، عنوانها «خطايا الحب»، وكان المحرر يكتب ملخصًا شديد الكثافة فى البداية، ثم يدخل على متن النص ذاته، وهذه عملية تحريرية دقيقة وممتعة لكل من يقوم بها، ومن هنا كانت السلسلة مدرسة لجيل من الكتّاب والمثقفين والمترجمين، تعلموا كثيرًا من الممارسات الثقافية والأدبية فى تلك المدرسة، وعلى رأسهم الشاب على شلش، والذى عمل فى السلسلة لسنوات عديدة، وجاءت بقية المواد لكتّاب من طراز فيكتور هيجو، وأجاثا كريستى وهكذا، وكان المحرر حريصًا على أن تكون لغة الترجمة بعيدة تمامًا عن التعقيد اللغوى والأسلوبى والتركيبى، ولذلك سرعان ما حققت السلسلة رواجًا كبيرًا فى الأوساط المصرية والعربية، وكانت السلسلة تصرف على نفسها من واقع عوائد التوزيع، ومن بعض الإعلانات التى كانت تنشر فى كل كتاب.

وأصبحت السلسلة رائجة إلى حد كبير بين كثير من المطبوعات الرسمية العملاقة، وكانت تجد قبولًا خاصًا بين القراء الذين كانوا ينتظرونها شهرًا بعد شهر، وهنا يحق لنا أن نسأل سؤالًا: هل فعلًا استطاعت السلسلة أن تنجو من فخّ السياسة كما وعد صاحبها؟، الإجابة: نعم، فقد استطاعت أن تنجو من السياسة الفجة، والتى تلغى المادة المتبعة فى النشر، لكى تخدم غرضًا سياسيًا مباشرًا، وبالطبع كانت كل المطبوعات رسمية وغير رسمية تخوض فى غمار تلك الأحداث والأغراض المباشرة، وكان رئيس التحرير ينشر قصصًا- على سبيل المثال- عن البطولة للمشاركة فى الأحداث الوطنية، لكن السلسلة لم تنزلق إلى الممالأة، أو الانحراف عن مسارها الطبيعى، وأقصى ما تفعله أن تنشر صورة للزعيم جمال عبدالناصر على غلاف الكتاب فى حدث وطنى عظيم مثل العدوان الثلاثى، ويكتب أحد محررى السلسلة الكبار مثل محمد بدر الدين خليل قصة «وطلع الفجر»، فيها الكثير من الحماس العام، وكذلك فيها الكثير من السرد الطبيعى الذى يمجّد انتصار الإنسان على الحرب المقيتة التى تهدد العالم بالفناء.

كتاب أدونيس الغامض والمجهول عن باسترناك
والمحذوف من سيرته الذاتية

وبالطبع تناولت الأعداد كثيرًا من لوحات الفنانين الكبار مثل الفنان محمود سعيد الذى حصل على جائزة الدولة عام ١٩٦٠، ولا تتوقف عند الفنانين المصريين، لكن الغلاف كان مجالًا شهريًا لاستعراض ونشر لوحات لفنانين عالميين مثل لوحة «البدوية الحسناء» للفنان الإيطالى سجونيا ميليو. ومَن يستعرض الأغلفة التى صدرت عبر سنوات عديدة، سيجد أن التنوع فى نشر الأغلفة، كان ثريًا وغنيًا للغاية، نشر ليس منحازًا لمدرسة معينة، أو لاتجاه بعينه، ولكنه نشر لجميع المدارس الفنية فى العالم.

وتقريبًا لم يفلت أى كاتب عالمى أو فيلسوف من ترجمة نصوص له فى السلسلة، بداية من أفلاطون وسقراط ونيتشة وتولستوى، وديستوفيسكى، وأنطون تشيخوف، وسومست موم، إلى جان بول سارتر وألبير كامى وفرانسواز ساجان، وعندما فاز ألبير كامى بجائزة نوبل، عملت السلسلة على إعداد ملف واسع عنه، وترجمة أهم رواياته مثل الغريب، وبعض النصوص النثرية الأخرى، وذلك الأمر يعد مواكبة ممتازة للأحداث العالمية.

ومما يحسب للسلسلة فى ذلك المجال، أى مواكبة الحدث لحظة بلحظة، عندما فاز الكاتب السوفيتى بوريس ليو نيدوفيتش باسترناك بجائزة نوبل، وقد أعلنت أكاديمية السويد فى ٢٣ أكتوبر عام ١٩٥٨ عن منح الأكاديمية السويدية الملكية جائزة نوبل للشاعر والروائى باسترناك، وفى الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر اليوم نفسه، أبرق السكرتير الدائم للأكاديمية إلى باسترناك يخطره بنبأ الشرف العالمى الذى أسبغته الأكاديمية عليه، ثم يدعوه باسمها للحضور إلى استوكهولم، وبصحبته زوجته لاستلام الجائزة، يوم ١٠ ديسمبر التالى.

وفى الساعة الخامسة من نفس اليوم، سعت وكالة أنباء سويدية للتواصل مع باسترناك تليفونيًا فى محل إقامته، ولكن عامل سنترال القرية التى كان باسترناك يقطن فيها، أبلغ الوكالة بأن باسترناك ليس لديه جهاز تليفون، ولكن فى اليوم ذاته أيضًا أعلن ميخائيلوف وزير الثقافة السوفيتى، عن أن باسترناك مترجم بارع، وشاعر مجيد، ولكنه- كناثر- ليس موهوبًا بصفة خاصة، وبدأت تعقيدات ما تحيط بالجائزة، وبالفائز، فحين حاول مراسل الصحيفة الفنلندية اليومية «يوسى سيومى» مقابلة باسترناك، أجابه ممثل لجنة العلاقات الثقافية بين الاتحاد السوفيتى، والدول الأجنبية، بالقول إن باسترناك مريض، وإنه لا يرغب فى مقابلة أحد من الصحفيين، وفى يوم ٢٥ أكتوبر أعلن راديو موسكو الجائزة، مهاجمًا رواية باسترناك التى حصل بسببها على الجائزة، واعتبر الراديو أن الرواية عمل أدبى متوسط الجودة، والجائزة ليست إلا إجراء سياسيًا موجهًا ضد الاتحاد السوفيتى، مما دفع باسترناك لكى يرسل رسالة غامضة إلى لجنة نوبل قال فيها: «أعرب لكم عن شكرى غير المحدود، وتأثرى، وفخرى، ودهشتى، وبلبلتى.....».

لا أريد الإطالة فيما انشغلت به كل الأوساط الثقافية والسياسية فى العالم كله بالجائزة، وبصاحبها، وفى العالم العربى كتب غسان كنفانى مقالًا شديد اللهجة، عاتبًا على الإدارة السوفيتية من خلط الأوراق السياسية بالأدبية، وكتب الشاعر السورى كتابًا يكاد يكون سريًا حيث حذفه من سيرته الذاتية، وترجم عددًا من أشعار باسترناك، ولكن مطبوعات كتابى، سارعت بتكليف نخبة ذات شأن ثقافى كبير لكى تقوم بالترجمة، وهم يحيى حقى، سامى داوود، حلمى مراد، محمد بدر الدين خليل، ثابت أمين، وكتب مقدمة طويلة للترجمة الدكتور طه حسين، ونشرت السلسلة ملفًا مصورًا عن كل ما يخص باسترناك.