أحمد الشهاوى يكتب: ماذا لو متُّ وحيدًا فى الليل؟
لا يزال الشاعر الكبير احمد الشهاوى يواصل عطاءاته فى عالم الكتابة الشعرية، فى إطار مشروعه الشعرى ذى الطبيعة الخاصة، والذى يحمل صبغة جمالية عرفانية تمزج بين الواقع الأرضى والإشراق الصوفى.
فى قصيدته «ماذا لو مت وحيدًا فى الليل؟»، التى تنشرها «حرف» فى السطور التالية، يعود أحمد الشهاوى للإبحار فى مسارات شعر التفعيلة، لكن بمسحة تأخذ من روح قصيدة النثر وإيقاع اليومى والعادى والنفسى، ليعبر النص عن موقفه من الحياة ومن الموت ومن الواقع المحيط بتفاصيله الدقيقة والمضطربة.

لمَّا أدخُلُ بيتى
لا اسمَ هناك سينتظرُ على البابِ
- لى أو لِوُجُوهِى المُتعدِّدةِ الأخرى-
ولا قِطط الماضى سوف تعُودُ لتسألَ عنى
فليس سوى ضغطٍ مُرتفعٍ يجلسُ فوق الكرسىِّ
وليس سوى قلَقٍ يتأرجحُ فى كرسىٍّ ثانٍ
وليس سوى شِعْرٍ ناشفْ.
ومنذُ الآنَ صارَ على مِثلى أن أضبطَ نفسِى
كى لا ينفجرَ الرأسُ من الأسئلةِ
وكى لا يتجلَّطَ مُخِّى
فى لحظةِ سَرَيانِ الشكِّ إلى بحْرِ الرِّيبةِ
وكى لا تنصابَ دِماغُ الشَّاعرِ بالسكْتةِ
أو تنصَبَّ كُراتُ الدَّمِ على صخرةِ بحرِ النيل.
ماذا لو متُّ وحيدًا فى الليل؟
منْ سيكفِّنُ لُغتى
ومنْ سيكفكفُ دمعَ الكُتبِ الصَّاحيةِ على رأسِى
ومنْ سيلقِّنُ شِعْرِى
شهادةَ أنِّى كنتُ بلا أشجارٍ تنبتُ فى كفِّىَّ
ماذا لو ضرَبُ الضغطُ دِماغى
هل تختلُّ موازينُ الأرضِ
تمُوتُ طيورٌ كانت تحيا من إيقاعِ كلامى
ماذا لو جَرُؤَ الموتُ وجلسَ على رُكبةِ كُرسىٍّ لى
وخطَّ خطابَ وفاةٍ لا رحمةَ فيهِ ولا استمهال
من سيمدِّدُ لوْحًا محفُوظًا فوق الصَّدرِ
ومن سيهيِّئُ سَفرَى للنسيانِ الأبقى؟
ليسَ سوى عينيْنِ من الظلِّ
وليسَ سوى طَللٍ لروائح ذكْرَى
وليسَ سوى أرَقٍ لا يسمعُ صوْتَ نُعاسى
وليسَ سوى رِيحٍ لا تحملُ فى جُعبتِها
أملًا لشفاءٍ من ضغطٍ مُرتفعٍ للدَّم
هل سيكونُ لدى الشَّاعرِ وقتٌ ليتمَّ كتابتَهُ
أو ينهى سيرتَهُ عن دوْرَةِ دُودِ القز؟
لا أجدُ سوى صُلبانٍ تحملُ جُثثًا للكلمات
وزُهُورٍ تفنَى
وفَرَاشٍ يذهبُ نحو طريقٍ للموت
ونساءٍ عُدْنَ ليدخُلنَ الأكفانَ وحيداتٍ
يضبطنَ الإيقاعَ على وزْنِ الدَّمِّ المدفُوق
ليس سوى أشجارِ الدَّم
أجلسُ تحت ثمارٍ تتساقطُ منها ولا ينقطعُ الدفقُ
كأنِّى آدمُ يخرجُ من جنَّتِها
أو قُلْ: كأنِّى هابيلُ بلا امرأةٍ
توقدُ ورْدتَها قبل مَسيلِ الدَّم.
من سيخبِّئُ عن أيدى الناسِ خَزَائِنَ أسرارٍ لى؟
رأسى مضغوطٌ
وقلبى أكثرُ ضغطًا
وسمائى شلَّالٌ من كلماتٍ قُصَّتْ فيها الأفعالُ
وغابتْ عنها مفاتيحُ الأسماء
لمَّا أدخلُ بيتى
يمشى نملٌ فى مُخى
تجرِى من تحتى النار
ويقطع منشارٌ صدِئٌ أنسجةً فى رأسى
ينزَعُ منِّى الليلُ نياشينى
وأبقى فى التيه كملكٍ معزُولٍ يسرقُ منِّى النحوَ
وأخطُو عُرْيَانَ بلا أسرارٍ من أخيلتى
لا حولَ ولا قوةَ لى
غير قيراطيْنِ من اليأسِ
وفدَّانٍ من أشجارِ دمِ الأخويْنِ
وغير سلالٍ ملأى بحرُوفِ العطْفِ
وتلكَ حرُوفٌ لا أتقنُ توظيفَ مواسمِها فى النَّص.
قرأت يوم الخميس فى الأمسية الشعرية الكبرى بصالون الجزائر الدولى للكتاب



