الأربعاء 08 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

عاشوا فى مصر1.. «البياتى» .. العراقى الذى اختار مصر وطنًا لا منفى

البياتى
البياتى

- جاء إلى مصر وهو يحمل فى جوانبه روحًا عفيًة ووثّابة وثورية خاصة أنه من المجددين فى الشعر العربى آنذاك

- هو الذى قدم الشاعر سيد حجاب فى ديوانه الأول «صياد وجنية» الذى صدر عن دار ابن عروس عام 1966

تتردد فى تلك الأيام التى نعيشها الآن كثير من الصيحات الجاحدة بالنسبة لدور مصر المحروسة تجاه الأشقاء العرب، وحول مسألة إقامتهم واحتضانهم ورعايتهم، وأنها تعمل على طردهم والتخلص منهم بكل السبل المتاحة وغير المتاحة، وعدم توفير جميع أشكال الحياة فيها، وهذه الصيحات التى ترتفع من قلوب وعقول وحناجر مغرضة، تنسى أن مصر كلها كانت تستقبل وترعى كثيرًا من العرب النازحين من بلاد الشام، ليست محافظة القاهرة، أو محافظة الإسكندرية فحسب، بل فى كل محافظاتها، ومن يراجع دوريات الزمن السابق، سيجد رسائل وأخبارًا عديدة، وأخبارًا عديدة، فى كل المحافظات مثل بنى سويف والدقهلية، حتى المحافظات المتطرفة جغرافيًا فى الجنوب سنجد لهم وجودًا، أى أنهم كانوا موجودين بقوة فى جميع مجالات العمل، أما ما يعنينا هنا، هو المجال الأدبى والفكرى والفنى والثقافى والسياسى، وهى مجالات اقتسمها الشوام مع المصريين، وقدموا فيها إنجازات ما زالت آثارها ماثلة للعيان بيننا، على سبيل المثال، جريدة الأهرام التى أسسها الأخوان تقلا، والتى أصبحت عبر أكثر من قرن، أهم مؤسسة صحفية فى مصر والعالم العربى، ومجلة الهلال التى ظلت منذ أن بدأت عملها وتأسيسها فى العقد العاشر من القرن التاسع عشر على يد جورج زيدان الشامى أيضًا، تقدم أجيالًا من الكتاب والمبدعين، وصنعت نهضة ثقافية قوية التأثير فى كل مجالات الثقافة.

ولم يقتصر الأمر على إنشاء الصحف والمجلات فى مصر فحسب، بل عندما كانت السلطة العثمانية تعمل على تضييق الخناق حول هؤلاء الشوام، وكانوا قد أصدروا مجلات وصحفًا فى بلادهم، وتمت مطاردتهم، فهرعوا إلى القاهرة بمثابة الراعى فى كل شئونهم، وعلى سبيل المثال الكاتب والدكتور يعقوب صروف، الذى أصدر من مجلته «المقتطف» عام ١٩٧٥، وكان معه الكاتب فارس نمر الذى هاجر معه وأتيا إلى القاهرة، وقد أصدر «نمر» جريدة «المقطم»، وكانت مجلة «المقتطف» تعنى بشكل جاد وعميق بجميع شئون العلم الفيزيقية، وكذلك شئون الأدب والثقافة والتربية وعلوم الاجتماع، كانت مزيجًا رائعًا ورائدًا من كل تلك المجالات، وتكونت حول المقتطف فى غضون عقدين، أى فى نهايات القرن التاسع عشر، مجموعة من الكتاب والأدباء والمفكرين، الذين أحدثوا آثارًا عميقة فى الثقافة المصرية والعربية، وظلّت المجلة تصدر إلى نهاية عقد الأربعينيات، ولم تتوقف عند رحيل مؤسسها دكتور يعقوب عام ١٩٢٨، ولكن تولى تحريرها شقيقه فؤاد صروف، وظلت تثرى جميع جوانب الحياة الثقافية والأدبية والفكرية والعلمية فى مصر، وذلك بأقلام مصرية وعربية كبيرة، وضربت نموذجًا فى التوحد العربى على أرض مجلة ناجحة ومتوازنة.

ولا أريد الاستطراد فى عرض أشكال التعاضد بين المثقفين والكتّاب والأدباء العرب على أرض مصر طوال أكثر من قرن من الزمان دفعةً واحدةً، لكننى سأعرض لذلك على مدى حلقات، ومن خلال شخصيات عاشت فى مصر، على مدى أكثر من مائة عام من الزمان، وفى فترات مختلفة، وفى ظل مناخات فكرية وثقافية وسياسية ذات طوابع متعددة ومتغيرة، وأحيانًا متناقضة، فمن الذى يستطيع أن يطابق عهد فاروق الأول الملكى منذ عام ١٩٣٧، والعهد الذى جاء بعده نتيجة ثورة قادها جيش وضباط أحرار، وظل مناخ ذلك العهد مهيمنًا حتى رحل قائده جمال عبدالناصر، وجاء بعده الرئيس محمد أنور السادات، وقد أحدث تغييرًا نوعيًا فى البلاد على كل المستويات الاجتماعية والثقافية والفكرية، وأعتقد أن كل مبدع أو كاتب أو مفكر، عاش فترة ما من الزمان فى مصر، وتحت أى ظرف أو مناخ من تلك المناخات، وتواءمت ظروفه الخاصة، أو سعى ذلك المبدع أو الكاتب إلى إحداث تلك المواءمات على المستويات الثقافية والفكرية والسياسية، وفى ظنى أن الشاعر العراقى عبدالوهاب البياتى، هو أكثر المبدعين والمثقفين والكتّاب الذين تنطبق عليهم فكرة المواءمة التى يسعى إليها كل مبدع عربى، أو تسعى إليه مع المكان الذى يعيش فيه، بكل الملابسات السياسية والثقافية والفكرية التى تتزاحم على ذلك المكان الذى يختار أن يعيش فيه ذلك الكاتب أو المثقف.

ومن المتعارف عليه تاريخيًا أن مصر فى عقد الخمسينيات قد تعرضّت لجملة متتالية ومتلاحقة من الضربات الاستعمارية من قبل الغرب، ونشأ ما أطلق عليه آنذاك «حلف بغداد» بقيادة نورى السعيد فى العراق، وكان نورى السعيد يعمل على التنكيل بمناضلى ومثقفى العراق، وكان الشاعر عبدالوهاب البياتى على رأس مثقفى بغداد الذى تم اضطهاده والتنكيل به، والحكم عليه بالسجن، وكان ينطوى تحت لواء مجموعة من الشعراء الإنسانيين فى العالم والشرق العربى، ولد فى بغداد عام ١٩٢٦، ودرس فى مدارسها، ودخل دار المعلمين العالية، وتخرج فيها عام ١٩٤٩-١٩٥٠، وحصل على شهادة الليسانس فى اللغة العربية، واشتغل فى التدريس خمس سنوات، ثم فُصل من وظيفته عام ١٩٥٤، ليس لأى جريمة سوى أنه يحب وطنه، ولم ينقطع عن نظم الشعر، وكان قد شارك فى تحرير مجلة الأسبوع العراقية التى صودرت، ومجلة الثقافة الجديدة، ولنشاطه الطليعى البارز، تم اضطهاده والتضييق على حريته، لذلك كما كان يفعل كل أشقائنا العرب الذين اضطهدوا فى بلادهم، أن يأتوا إلى القاهرة، ولا أقول هربوا، أو نزحوا، أو هاجروا، بل أتوا وجاءوا إلى بلدهم الثانى كما كانوا يرددون دائمًا، وجاء شاعرنا وهو يحمل فى جوانبه روحًا عفيًة ووثّابة وثورية، خاصة أنه من المجددين فى الشعر العربى آنذاك، والذى كان رفيقه بدر شاكر السياب قد أصبح نجمًا ساطعًا فى سماء الشعر العربى، وخاض خطوات قوية فى تطور قصيدة التفعيلة، وكذلك سبقته بفترة وجيزة الشاعرة العراقية ابنة بلاده نازك الملائكة، جاء البياتى لكى يقاوم بقصيدته من بلده الثانى مصر، وهنا التقى رفاقه الشعراء والكتاب والمثقفين قاعدتين، الشعر كان واحدة من هاتين القاعدتين، والثانية: اليسار، ذلك الذى ارتبط به بقوة على مدى عمره، وظل منفيًا كثيرًا من سنوات حياته فى بلاد كثيرة، وإن كانت مصر لم تصبح منفى له، بل أصبحت وطنًا، الوطن الذى اطمأن له ولأهله، ولناسه، وأصدر ديونًا يتلوه ديوان آخر، وحتى لو لم يصدر ديوان له فى القاهرة، فهو يجد رعاية مصرية خالصة، مثل ديوانه «أباريق مهشمة» الذى صدرت طبعته الأولى فى بغداد عام ١٩٥٤، ثم صدرت طبعته الثانية عام ١٩٥٥ فى بيروت، وكتب له المقدمة الناقد الأدبى المصرى، وأستاذ الرياضيات فى الوقت نفسه، أقصد الدكتور عبدالعظيم أنيس الذى كان مشغولًا بقضايا الأدب والثقافة، وكان قد أصدر بالاشتراك مع رفيقه الناقد الطليعى محمود أمين العالم كتابًا فى غاية الأهمية، عنوانه «فى الثقافة المصرية»، وصدر فى بيروت، وكتب له مقدمة نقدية صارمة، الكاتب والمفكر حسين مروة، وقد أحدث ذلك الكتاب المهم جدلًا واسعًا وعميقًا إن لم أقل كان له صدى حتى الآن، ونال أنيس نفسه أهمية فكرية وثقافية كبيرة، ومكانة كبيرة فى الثقافة والفكر العربيين، لذلك اعتبر أكثر من ناقد أن كتابة مقدمة بقلم عبدالعظيم أنيس للشاعر الشاب عبدالوهاب البياتى حدث ثقافى ذو شأن، رغم أن عبدالعظيم نفسه كما أوضح فى المقدمة، بأنه لا يحب المقدمات ولا كتابتها، ولم يكتب مقدمة من قبل، ولكنه وافق ليكتب تلك المقدمة، رغم أنه يعترف بأن البياتى لا يحتاج إلى أى تعريف للقارئ، فهو قد ملأ الدنيا بأشعاره، وكتب عنه نقاد كثيرون، ويرى أنيس أن معظم ما كتبه النقاد، جانبه الصواب، إذا كان ذلك النقد مدحًا أو ذمًا، وموافقته لكتابة المقدمة لكى يوضح أوجه ملاحظاته، ويقرر ثلاث حقائق قبل أن يخوض فى متن الشعر، وقال: الأولى أن شعر عبدالوهاب يمثل ثورة على الشعر العربى الكلاسيكى، ثورة فى المضمون والشكل معًا، والحقيقة الثانية، إن عبدالوهاب يؤمن كذلك أن هناك فرقًا بين النظم والشعر، فالنظم جسد ميت، أما الشعر فهو تجربة إنسانية صادقة حية، أما الحقيقة الثالثة أن عبدالوهاب يؤمن أن رسالة الكلمة فى الشعر، تختلف عن رسالتها فى النثر، واسترسل الدكتور أنيس فى تقديم البياتى باعتباره أحد أنبياء القصيدة فى العصر الحديث، فى مواجهة من ذهبوا إلى تعظيم وتمجيد جوانب أخرى مثل التعبير باللغة والصورة فقط، على حساب أى معنى أو مضمون، فالبياتى واحد من هؤلاء الشعراء الذين يحملون الشعر على أجنحة الصورة واللغة والفكرة والبناء المعمارى دفعة واحدة، وهو لذلك يرقى لكى يكون أحد الأركان العظيمة فى تجديد الشعر شكلًا ومضمونًا، وهذه كانت المصافحة الأولى بين البياتى وبين مثقف وناقد مصرى كبير، له شأن عظيم فى الثقافة العربية.

أما المصافحة الثانية، فجاءت عام ١٩٥٦، وكان البياتى قد جاء لكى يعيش جنبًا إلى جنب مع رفاقه الشعراء والمثقفين المصريين، وأصدر ديوانه الأهم والأشهر، وهو ديوان «المجد للأطفال والزيتون» عن دار الفكر، وكتب له مقدمة مهمة الشاعر والروائى عبدالرحمن الشرقاوى، وأعدّ له الغلاف أحد كبار الفنانين، وهو الفنان حسن، الذى صمم الغلاف، وكل رسوم الديوان فى الوقت نفسه، ورسم «برورتريه» رائع للرئيس جمال عبدالناصر بمصاحبة قصيدة للبياتى عنوانها «أغنية من العراق. إلى جمال عبدالناصر»، يقول فى مطلعها:

«باسمك فى قريتنا النائية الخضراء

فى العراق

فى وطن المشانق السوداء

والليل والسجون

والموت والضياع

سمعت أبناء أخى، باسمك يلهجون

فدى لك العيون

ياواهب الربيع للقفار

ومنزل الأمطار فى قريتنا الخضراء

باسمك ياجمال

سمعت أبناء أخى القتيل:

-فى رصاص

عصابة الأذناب

فى العراق- 

سمعتهم باسمك يلهجون

فدى لك العيون

يا صانع السلام والرجال

ياجمال...»

وبعد صدور الديوان احتفت به الجماعة الثقافية كلها، لا خلافات ولا مزايدات ولا كل أشكال النزق المتعمدة فى تسفيه شاعر، وتقزيم شعره، فالوقت لم يكن وقت خلاف، مصر كانت فى مواجهة أعداء غادرين، فكانت الوحدة، وكان التعاضد، وتحققت كل أشكال التضامن بين الشعراء والمثقفين المصريين والعرب، وأصدرت مجلة الآداب فى تلك الأثناء عددًا تضامنًا مع مصر والمصريين قيادة وشعبًا ومثقفين، لا تسفيه ولا تقزيم، ومن هنا كتب الشاعر الشعبى- كما كانت الصحف والمجلات تصفه- صلاح جاهين، قصيدته التى نشرها فى جريدة المساء بتاريخ ١٠ مايو ١٩٥٧، وأثناء ارتفاع قوس الوطنية إلى أعلى سماء، وحمل عنوان القصيدة اسم الشاعر عبدالوهاب البياتى، إذ جاء: «أغنية إلى عبدالوهاب البياتى»، مع بورتريه للشاعر، ومقدمة كتبها محرر الجريدة تقول: «الشاعر العراقى عبدالوهاب البياتى، واحد من الأحرار الكثيرين الذين كرمهم نورى السعيد باضطهاده وإرهابه الغادر لهم، فغادر العراق مكرمًا، بعد أن فُصل من عمله، وظل يتجول بين سوريا ولبنان يغنى للقومية العربية والسلام والمحبة والأطفال والزيتون، والذين قرأوا قصائد عبدالوهاب، يذكرون بلا شك قصيدته الرائعة المسماة «أغنية إلى جمال عبدالناصر»، وقد حضر الشاعر أخيرًا إلى مصر ليقيم بها معززًا بين أهله وأحبابه الكثيرين، ومن بينهم الشاعر والرسام المصرى المعروف صلاح جاهين، وهذه القصيدة التى ننشرها هنا للشاعر جاهين، هى بمثابة رد على قصيدة «أغنية إلى جمال عبدالناصر»، وما أروعه من رد وتحية».

وتبدأ القصيدة بمطلع يعبر عن الحيرة قائلًا:

«الشعر شارد فى الجبل منى

عملت أنا هجان ورحت وراه

قلبى دليلى يطير ويغنى

عصفور جناحه بدمه متحنى

لففنى لففنى الجبل ولا تاه

تسفى الرياح وزنا وراه سواح

والشعر شارد فى الجبل منى»

إلى آخر القصيدة، والتى باتت معروفة ومشهورة جدًا من بين قصائد جاهين الرائعة، ورغم أن اسم البياتى تردد أكثر من مرة فى القصيدة، إلا أنه عندما أصدر جاهين ديوان «القمر والطين»، حذف اسم البياتى من عنوان القصيدة، وجعله «أغنية إلى صديق»، وهذا التغيير سيجعل الفقرات التى جاء فيها اسم «بياتى» دون الألف واللام ما يوحى بأنه يقصد اللحن «بياتى»، كما بالطبع حذفت المقدمة التى تؤكد أن القصيدة لشاعر العراق عبدالوهاب البياتى، والأكثر ألمًا وإدهاشًا هو حذف المقطع الأخير فى القصيدة الذى يقول فيه جاهين:

«ياساكنين الواح.. صباحكو رباح

صابرين.. ما فيكو حزين ولا شاكى

غنّوا مع البياتى يا ولاد مصر

هزّوا شواشى النخل ساعة النصر

يازارع الصحرا.. ياباب النصر

ياجمال ياعبدالناصر.. انصرنا

زيح السلوك الشوك عن سورنا

لما الليالى الجد تعصرنا

ما تلاقى غير إخلاص لمصر

والفجر فى صدورنا بشير بصباح»

أعتقد أن الفقرة الأخيرة فى القصيدة، تلك التى حذفت، هى قلبها وغرضها ومرماها الأهم، خاصة فى صرخته المؤلمة، «ياجمال ياعبدالناصر... انصرنا»، وجاهين رأى أن القصيدة لا بد أن تكون صرخة للزعيم، الوحيد القادر على إنقاذ من كانوا خلف السلوك الشوك، التى يتمنى جاهين بإزاحتها، وفى الوقت نفسه ينادى جاهين ولاد مصر الذين فى الواحات، وهو يقول: يا ساكنين الواح، ذلك المقطع الذى تم حذفه وإلغاؤه للأبد هو صرخة صلاح جاهين الواضحة والموجعة لجمال عبدالناصر لكى يزيح السلوك الشوك.

واجتهادى فى تفسير ذلك، أن القصيدة كتبت ونشرت قبل ثورة يوليو العراقية بقيادة عبدالكريم قاسم عام ١٩٥٨، وكان المصريون قيادة وسلطة وشعبًا قد أيدوا وتضامنوا تضامنًا كبيرًا وعميقًا للثورة العراقية، وعندما شاع أن الشيوعيين العراقيين قد هيمنوا على الثورة العراقية وعبدالكريم قاسم نفسه، بل أشيع أنهم هم الذين يحكمون بدلًا عنه، والأدهى من ذلك شاع أن الشيوعيين المصريين تضامنوا مع العراقيين الشيوعيين لكى يحدث ذلك، ونشأت أزمة معقدة بين القيادة المصرية، وعلى رأس تلك الأزمة جمال عبدالناصر نفسه، وتم شن حملة كبيرة ضد الشيوعيين فى مصر، وكذلك العراق، بالتالى حدثت عملية تصفية الشيوعيين فى مصر، والقبض عليهم فى كل المجالات، وذلك مطلع عام ١٩٥٩، ومن ثم أفهم ذلك الحذف الذى يمدح البياتى فى قصيدة، والبياتى أحد الشيوعيين العراقيين، رغم أنه من الشيوعيين الذين كانت السلطة المصرية راضية عنهم.

لذلك واصل البياتى حياته فى مصر، وكان يعيش فى أمان ورعاية، وينشر قصائده فى عديد من الصحف والمجلات، خاصة مجلة الكاتب، وجريدة الجمهورية التى كان يكتب فيها بعض مقالاته، كما أنه هو الذى قدم الشاعر سيد حجاب فى ديوانه الأول «صياد وجنية» الذى صدر عن دار ابن عروس عام ١٩٦٦، وكتب له تدشينًا قال فيه: «سيد حجاب من شعراء الطليعة القلائل الذين كتبوا بلغة الشعب البسيطة، واستطاعوا أن يخترقوا جدار الصوت، لينفذوا إلى جوهر الأشياء الصغيرة المتلألئة..»، ولم يمر عام حتى صدر كتاب فى القاهرة عن البياتى، شارك فيه عدد كبير من نقاد مصريين مرموقين مثل غالى شكرى ورجاء النقاش، وفى مجلة جاليرى ٦٨، كتب عنه الناقد خليل كلفت ثلاث دراسات مهمة نشرها فيما بعد فى كتابه «خطوات فى النقد الأدبى» ثم طورها فى كتاب صدر بعد ذلك فى بيروت.

ها هو واحد من أعلام الشعر والثقافة فى العالم العربى، عاش فى مصر واحتضنته سنوات كثيرة دون أى صيحات تفسد تلك المودة التى عرفتها مصر من أزمنة بعيدة.