الأربعاء 24 سبتمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

درية شفيق.. «سيدة المارون جلاسيه» التى سحقها طه حسين

حرف

- طه حسين هاجمها بشدة بعد اعتصامها احتجاجًا على غياب التمثيل النسائى فى اللجنة التأسيسية للدستور

فى أجواء رمضانية مفعمة بأبعاد احتفالية معروفة جيدًا لكل من يقطن مدينة القاهرة، وبالتحديد فى 20 سبتمبر 1975 ميلادية، و15 رمضان 1395 هجرية، و10 توت 1692 مصرية، وعلى خشبة مسرح الحرية، وفى شارع الشيخ ريحان بجوار الجامعة الأمريكية، قلب الحى الهادئ جاردن سيتى بوسط القاهرة، وعلى حافة ميدان التحرير، الذى دارت على أرضه كثير من الاحتجاجات والتمردات الطلابية المجيدة، وكتب الشاعر الجنوبى الشاب أمل دنقل قصيدته الشهيرة «الكعكة الحجرية»، والتى ظلّت على مدى أجيال تلو أجيال يصدح بها الطلّاب فى أى مناسبة احتجاجية، آنذاك، وفى ذلك المناخ، كانت تتم البروفة النهائية «بروفة جنرال» لمسرحية كوميدية بطولة الفنان المصرى الأشهر عادل إمام «شاهد ما شفش حاجة»، وكان معه نجوم مسرحية مثل عمر الحريرى، ونظيم شعراوى، وهالة فاخر من فنانى الصف الأول، وكذلك سامى العدل وسعيد طرابيك من الفنانين الشباب، وكتب الأغانى للمسرحية الفنان الشامل صلاح جاهين، ورغم أن كل المعلومات التى تصر على أن المسرحية تم عرضها فى يونيو 1976، فإن كل الإعلانات التى حرصت على نشرها فرقة «الفنانين المتحدين» تؤكد أن المسرحية تم عرضها فى ذلك التاريخ الذى ذكرناه سلفًا، وعدا تلك المسرحية، كانت القاهرة تعرض مسرحيات أخرى للفنانين محمد عوض، وتحية كاريوكا، حيث إن شهر رمضان يصبح موسمًا وسوقًا مفتوحة لكثير من الفعاليات الفنية، فالجو خريف، ويسمح بكل ذلك.

على بعد اثنين كيلومتر فقط، وفى حى أرستقراطى عريق «حى الزمالك»، كان يشهد سقوط سيدة فى الثامنة والستين من عمرها من الدور الخامس تدعى درية شفيق، تلك السيدة التى كانت أشهر من نار على علم- كما يقال- فى عقدى الخمسينيات والستينيات، وأثارت جدلًا سياسيًا وفكريًا واسعًا آنذاك، لكنها منذ عام ١٩٥٧ تم تغييبها بشكل تعسفى وعنيف، عندما اعترضت على بعض ما يقوله ويصرح به الرئيس جمال عبدالناصر شخصيًا، تلك السيدة التى كانت زعيمة، وإحدى شهيرات المجتمع، لم يعد أحد يعرفها، ولا يهتم بها، ففى اليوم التالى لرحيلها، أى ٢١ سبتمبر، طلعت جريدة الأهرام بمانشيتات ضخمة وساخنة، حيث كانت الحرب الأهلية فى لبنان هى الشاغل الأهم للناس فى العالم العربى، وكان المانشيت الرئيسى: «الانفجارات تقطع الطريق على كل محاولة لإنقاذ بيروت من الدمار، رشيد كرامى يهدد بالاستقالة إذا أصرّت الوزارة على نزول الجيش، ٥٠٠ قتيل وآلاف الجرحى فى الحوادث الأخيرة»، ثم صورة كبير لأحد شوارع بيروت الكبيرة بعد التدمير، وجاءت الصفحة مزدحمة بأخبار أخرى لافتة ومثيرة، وفى ذيل الصفحة جاء خبر على استحياء وسط كل تلك الأخبار الضخمة والمثيرة مع صورة لدرية شفيق، يقول الخبر: «وفاة درية شفيق بعد سقوطها من شقتها بالزمالك»، أما بداية الخبر فجاءت هكذا: «لقيت الدكتورة درية شفيق، ٦٥ سنة، مصرعها فى الثالثة بعد ظهر أمس إثر سقوطها من شقتها فى الزمالك (الدور السادس بالعمارة رقم ٨ شارع صلاح الدين)، على أرض الممر الفاصل بين عمارتها والعمارة المجاورة، وقد فوجئ السفرجى أحمد طه الذى يقوم بخدمتها بأصوات استغاثة فى الممر، عندما كان يعد لها طعام الإفطار...»، تلك مقدمة الخبر التى نشرت فى جريدة الأهرام، أما بقية الخبر فجاءت فى صفحة ٩ عمود ٨، وفى صفحة الوفيات، ولم يأت الخبر على مسيرة الراحلة، ولم يعط أى صفة من صفاتها التى كانت الحياة الصحافية، والحركة النسوية تتداولها طيلة العقدين اللذين كانت درية شفيق فيهما، نجمة وقائدة ودكتورة، ومن أشهر الصفات التى كانت تلاحقها «سيدة المارون جلاسيه»، وهذا المصطلح كان يأتى كنوع من مدحها مرة، ومرة فى ذمها، هذا كان فى الماضى البعيد، أما بعد ذلك أصبحت نسيًا منسيًا، ولم أقرأ بعذ ذلك الخبر المقتضب فى جريدة الأهرام أى رثاء، ولا تنويه عن رحيلها، وأشار الدكتور محمد أبوالغار فى مقال له عن رسائل فى بريد قراء جريدة الأهرام، وقال إن مقالًا للكاتبة الصحفية فاطمة عبدالخالق جاء فى عمود بجريدة الأهرام فى ٢٢ سبتمبر ١٩٧٥، وبحثت، فلم أجد هذا ولا ذاك، وهذا يدل على أن درية شفيق كانت موجودة عندما كانت قوية وفاعلة، حتى أنها لاقت كثيرًا من الهجوم الكاسح عليها وعلى حركاتها، والتشكيك فى وطنيتها طوال الوقت، وكانت الفنانة إنجى أفلاطون تعمل على تأكيد ذلك الاتهام فى مقالات لها بمجلة «الكاتب» التى كان يرأس تحريرها الأديب يوسف حلمى. ولا أريد أن أتعرّض لمسيرة درية شفيق منذ نشأتها فى تلك السطور، لأن كتابًا جميلًا قد صدر عن المجلس الأعلى للثقافة، بالتعاون مع «نور» جمعية المرأة العربية، عام ١٩٩٩، للكاتبة سينثيا نلسون، وترجمته نهاد أحمد سالم، وكانت الكاتبة قد شرعت فى كتابته فى منتصف عقد الثمانينيات، وجاءت إلى مصر، والتقت ابنتيها عزيزة وجيهان، وحصلت منهما على كتابات نثرية وشعرية لوالدتهما، ومن خلال تلك الكتابات جاء كتابها «درية شفيق امرأة مختلفة.. مصرية طالبت بالمساواة بين الجنسين»، ورغم أن لى تحفظات كثيرة على طريقة الكتاب فى عدم التوقف عند محطات كثيرة ومهمة وحاسمة فى حياة درية السياسية، وسوف أتعرض لذلك لاحقًا فى كتابة أشمل، ولكن يهمنى هنا التوقف عند المعركة التى خاضتها درية عندما أرادت سلطة يوليو أن تضع دستورًا للبلاد فى عام ١٩٥٤، ولم يدر فى عقل تلك السلطة آنذاك، بأن ذلك الدستور يخص الرجال والنساء، ومن هنا أعلنت درية عن أنها ستقوم باعتصام قانونى فى نقابة الصحفيين حتى تستجيب اللجنة لمطالبها المشروعة.

وفى ١٢ مارس ١٩٥٤، أبرقت درية إلى اللجنة رسالة تلغرافية كالتالى: «قررت أن أبدأ ظهر اليوم، ١٢ مارس مارس ١٩٥٤، فى نقابة الصحفيين، الإضراب عن الطعام حتى الموت، احتجاجًا على تشكيل اللجنة التأسيسية المزمع إنشاؤها لوضع دستور جديد، إذ لم تضم امرأة واحدة، أنا أرفض الخضوع لدستور لم أشترك فى صياغته، وإنى لأقوم بهذا الإضراب فى نقابة الصحفيين، لأن الصحافة بطبيعتها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بكل حركات التحرر» والتوقيع: درية شفيق.

أثار الخبر كثيرًا من الجهات المعنية، وحدثت اتصالات كثيرة بين مسئولين كبار مع درية لكى تتراجع عن ذلك الإضراب، خاصة أن تلك الفترة «مارس ١٩٥٤» كانت تمر بصراعات طاحنة ومصيرية فى أعلى هرم السلطة، ويكاد مجلس قيادة الثورة أن ينهار بعد الانقسام الذى فجره صلاح سالم مع الرئيس محمد نجيب، ولم يقتصر عليهما فقط، بل شمل كل المجلس، وانقسم إلى مجموعة محمد نجيب، التى كانت مدعومة بكل أطراف العهد القديم «البائد» كما كان يقال، وبالطبع كانت جماعة الإخوان المسلمين تلعب دورًا كبيرًا فى تأجيج الصراع، وحسم السلطة المطلقة لمحمد نجيب، وكان الفريق الآخر، معظم ضباط المجلس، ما عدا سلاح الفرسان الذى كان يقوده خالد محيى الدين، وهو كان ينتصر بالطبع للديمقراطية، وليس مدفوعًا بأى شكل من مجموعة الحرس القديم، ولا جماعة الإخوان، وهذا باختصار المناخ السياسى الذى كان سائدًا، من هنا كانت المساعى لإيقاف ذلك الإضراب، ومحاولات ترضية شكلية، حيث لم تقدم اللجنة أى مجهودات مرضية لدرية، ومجموعة المعتصمات، بالتالى كثر اللغط، وكثرت التقولات، ولكن الضربة الأساسية جاءت من الدكتور طه حسين، ففى ١٦ مارس- أى بعد إعلان الإضراب بأربعة أيام-، إذ كتب مقالًا ناريًا وحادًا فى جريدة الجمهورية، وراح عميد الأدب العربى، ووزير المعارف الأسبق، يعرض مفردات الأزمة الوطنية التى تعيشها البلاد آنذاك، منذ أن كان الجيش البريطانى مستقرًا حول قناة السويس، ويفعل ببعض المصريين الأفاعيل، يقتل بعضهم، ويعتدى على مرافق بعضهم، واستفاض الدكتور طه فى عرض تلك الأخطار التى تحيط بالبلاد، واستطرد قائلًا: «.. فى أثناء ذلك كله تنشر الصحف فى مصر، ويحمل البرق والراديو إلى أقطار الأرض أن جماعة يسيرة من السيدات والأوانس، قد أزمعت أن تنصرف عن الطعام، حتى يقرر حق المرأة فى عضوية الجمعية التأسيسية، التى لم نعرف بعد ما هى!، وما عسى أن تكون! وعلى أى نحو من الأنحاء يمكن أن تكون، وكان الأجانب بالطبع أول من فطن لما فى هذا العبث من الفكاهة، فأرسل بعضهم إلى إحدى السيدات منهن، علبة من الحلوى، لتسرع إلى التهامها قبل أن تأخذ فى صومها المتصل الطويل الذى سينتهى بها وبصواحباتها إلى إحدى الحسنيين: فإما الفوز الذى يعطى المرأة حقوقها كاملة، ويشركها فى إقرار الدستور، وإما الاستشهاد فى سبيل الواجب...»، ولم يتوقف الدكتور عن ذلك التهكم، بل استعرض محاولات رئيس لجنة الدستور، ورئيس من رؤساء مجلس الشيوخ، وبعض الساسة والكتّاب «إلى الصائمات ينصحون لهن بالإفطار والإعراض عن صومهن هذا الذى لا يبيحه دين، ولا يراد به وجه الله، والله لا يحب صومًا يتصل فيه الليل بالنهار، والله لا يحب صومًا يقطعه شراب الليمون، والله لا يحب صومًا يراد به غير وجهه.. وإن كان وجه الغانيات الحسان»!!!! التعجب من عندنا، فضلًا عن أنه قد وصف ذلك الصوم بالسخيف، وأنهن بذلك الصوم «فقد أقمن الدليل القاطع والبرهان الساطع على أنهن لا يصلحن لممارسة الحقوق السياسية» !!!!، وبعد استخدام كل عبارات التسخيف، ينهى الدكتور مقاله بـ: «معذرة أيها القارئ، إنى لا أنكر شيئًا، ولا أشارك فى شىء، وإنما أنبه المصريين- رجالًا ونساءً، فتيانًا وفتيات، إلى أن للجد وقته، وللعب وقته، وما أحسب أن الأيام التى نعيش فيها تبيح للمصريين أن يسرفوا على أنفسهم فى اللعب».

خطاب شديد القسوة والعنف، ما كان يأتى من أعظم وأكبر قادة التنوير فى مصر والعالم العربى، خطاب يعمل على تقويض حق شرعى فى إطاره القانونى، ولكن تحت الظرف لا يسمح، من الممكن أن تساق كل العبارات والشعارات، ولا ننسى أن علاقة درية شفيق بثورة يوليو كانت وثيقة، وفاعلة، وهناك إشاعة تقول إن الدكتور طه حسين هو الذى أطلق مصطلح الثورة على ثورة يوليو، بعدما كانوا يقولون على لسان قادتها «الحركة المباركة»، وجمال عبدالناصر نفسه كتب سلسلة مقالات تحت عنوان: «كيف قمنا بالانقلاب»، أما مقال طه حسين فقد نشر فى مجلة التحرير فى أول ديسمبر ١٩٥٢، وكان عنوانه «روح الثورة»، وتم ترويج تلك الشائعة حتى ثبتت فى الأذهان، أما المفاجأة فهى أن درية شفيق كتبت مقالًا فى مجلتها «بنت النيل»، وذلك فى أول سبتمبر ١٩٥٢، وكان عنوانه «هذه الثورة»، ولكن خبره وموضوعه قد ضاع فى زحمة الأخبار التى تواترت، ثم تم عزلها، وما أريد أن أقوله إن درية شفيق كانت إحدى درويشات ثورة يوليو، وعندما اختلف بعض المسارات بين ما تطمح إليه، وتناضل من أجله، وتسعى إليه فى الحريات السياسية، وخاضت معارك ضارية فى سبيل ذلك من ناحية، وبين توجه ثورة يوليو نحو مسار لم يتفق مع ما ذهبت إليه، وكتبت عنه- بدأ الخلاف يشتد ويحتد ويحدث ما حدث.

بعد مقال الدكتور طه حسين فى جريدة الجمهورية «العابثات» فى ١٦ مارس، جاء فى اليوم التالى ١٧ مارس مقالان لكاتبين صحفيين كبيرين آنذاك، وهما حسين فهمى، وعميد الإمام، يعاتبان فيه الدكتور طه على ما ذهب إليه، وهو الأستاذ التنويرى العظيم، ولكنهما وصفاه بأوصاف لم تعجبه، مثلما قال حسين فهمى إنه جائر عن طريق الحرية الذى ألفه الدكتور وسار فيه وناضل من أجله، أما عميد الإمام فقد كتب بأنه عابث بحقوق المرأة السياسية، بل عابث بالحقوق السياسية كلها وبالحرية أيضًا، ولذلك كتب الدكتور مقالًا آخر فى ١٨ مارس، وكال للكاتبين صفعات عديدة، ولا تسمح المساحة بالاستفاضة فى عرض ما كتبه طه حسين، ولكنى أقتبس الجملة التى أنهى بها مقاله ساخرًا من الكاتبين، ومن درية شفيق، ومن كل ما قامت به قائلًا: «ما أكثر السخف فى مصر، وما أحوج مصر إلى أن تنفض عنها السخف، وتكذّب أبا الطيب مرة واحدة فى بيته المشهور: «وكم ذا بمصر من المضحكات، ولكنه ضحك كالبكا».

عند ذلك الحد كان من المفروض أن تتوقف المعركة، وتنطوى عملية الاشتباك الساخنة، ولكن فى مجلة روزاليوسف، وفى ٢٢ مارس كتب أحمد بهاءالدين مقالًا تحت عنوان «الصائمات»، وأيد بقوة ما ذهبت إليه درية شفيق، ولائمًا الدكتور طه على التجريدة التى شنها عليها، وقال فى نهاية مقاله بعد استعراضه مفردات ما حدث: «.. ففى مثل هذا المجال يجب أن نبحث عن أثر إعطاء المرأة حقوقها السياسية، وإلا أظن أن درية شفيق وصاحباتها قصدن بالصيام إرغام الحكومة إرغامًا مباشرًا على إعطاء المرأة حقوقها، ولكنهن قصدن إلى إثارة الاهتمام الجدى بهذه القضية، فى هذا الوقت بالذات، وفى حدود هذا الهدف نجح الصيام...»، وفى العدد ذاته كتبت درية شفيق مقالًا ردًا على الدكتور طه حسين، لكى تدافع به عن نفسها، وعن ما ذهبت إليه، وعن الإضراب الذى قامت به هى وزميلاتها، وكان عنوان المقال انفعاليًا، وربما لا يكون العنوان من وضعها، وهو «طه حسين... وعجائز الفرح»، لأن درية شفيق كانت تخاطب الدكتور طه طوال المقال بأستاذى الجليل، وليسمح لى سيدى الدكتور، وبدأت مقالها بعبارات رقيقة مثل: «كنت وما زلت من أشد الناس إعجابًا بالأديب الكبير طه حسين، ومن أكثر الناس اعترافًا بفضله على الأدب العربى، وعلى كثير من قضايا الحرية، وعلى الخصوص قضية المرأة المصرية..»، واستعرضت درية شفيق كل أفكارها التى تناولتها فى كتابيها المهمين «المرأة المصرية من الفراعنة إلى اليوم»، وكذلك الكتاب الذى يكاد يكون مجهولًا وهو «الكتاب الأبيض»، الذى رصدت فيه معاركها مع المشايخ الذين استنكروا حقوق المرأة السياسية، وبالتالى قالت إنها كان ولا بد أن تقوم بإضرابها الذى سخر منه الدكتور طه حسين، ولم تنس درية شفيق أن تشير إلى أن طه حسين قد خطب أمام الملك فاروق ومدحه، وأشارت إلى أن ذلك كان نوعًا من التمثيل لكى يظفر ببعض المكاسب العامة، ولم يمر الأمر بسلام، ولكن الدكتور طه حسين رد أعنف ما يكون الرد على درية شفيق، ولا بد أن ندرك بأن كل تلك المقالات دارت فى الوقت الذى كانت مصر فيه تتغير، وفى ذلك الشهر المحورى من تاريخ مصر، وهو مارس، وفى ذلك العام الذى كانت مصر تبحث فيه عن طريق للتحرر، ولكن على حساب كثير من الحريات، لذا كتب طه حسين رسالة إلى رئيس التحرير، ولم يكن مقالًا يرد به على درية شفيق، الذى جاء عنوانه: «لم أتوجه بكلامى إلى فاروق، بل للملك الذى صورته وصنعته لنفسى»، وفى ذلك المقال استخدم طه حسين كل عبارات التسخيف والتحقير لكاتبة المقال، وفى نهاية رسالته أو مقاله، استكثر عليها، وهى الدكتورة، وصاحبة أهم المجلات النسائية، أن تكتب مقالًا بسيطًا مثل هذا، ولكنه نوّه بمكر إلى أن أحدًا كتب لها ما كتبته، وأنهى مقاله قائلًا: «أما بعد.. فإنى أشكر لكاتب ذلك الكلام الطويل أن أتاح لى فرصة قلت فيها ما قلت، وأرجو أن تنصح السيدة التى أمضت ذلك الكلام أن تحسن اختيار الذين يكتبون لها».

أقسى الخطاب من أستاذ كبير، ورائد عظيم، وتنويرى فذ، أما عن درية شفيق فقد شدت الرحال بعدها فى جولة حول العالم، وهناك حديث آخر، ووثائق أخرى سننشرها قريبًا فى كتاب نعده عن الرائدة التنويرية الكبيرة.