الجمعة 03 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

خيـوط الإمبراطورية.. تاريخ العالم فى 12 سجادة

حرف

- كتاب يقدم نافذة على الثقافة والتاريخ والسياسة العالمية من منظور السجاد

- من أقدم سجادة فى سيبيريا إلى سجادة من القرن

- الـ21 فى باكستان.. الدور السياسى والاقتصادى والثقافى للسجاد المنسوج يدويًا

- السجادة الأقدم «بازيريك» تعود للقرن الثالث الميلادى.. وعُثر عليها فى سيبيريا خلال الحقبة السوفيتية عام 1949

سجادات رائعة، آسرة، غامضة، تتبع القوة، يتوق إليها الأباطرة والسلاطين والملوك والساموراى كرموز للهيمنة الدنيوية. ويرغب فيها الشامان والكهنة لاستحضار العالم الروحى وكدليل على المكانة الاجتماعية المرموقة. 

ومع ذلك، تصنع هذه القطع على يد نساجين فقراء وأميين، باستخدام أبسط المواد والحرف؛ نباتات الأسوار للصبغ، وألياف الحيوانات الأليفة، ومهارات نسج السدى واللحمة والعقد التى تعود إلى آلاف السنين.

وفى كتابها «خيوط الإمبراطورية: تاريخ العالم فى اثنتى عشرة سجادة»، تروى لنا المتخصصة فى السجاد دوروثى أرمسترونج، القصص المحيطة باثنى عشر من أكثر السجاد إثارة للاهتمام فى العالم.

وتستكشف كيف نشأت هذه المنسوجات ثم تحوّلت مع انتقالها عبر الجغرافيا والزمان فى أعقاب العظماء. وتبيّن سبب انجذاب أقوياء العالم إليها، لكنها تتساءل أيضًا عمّا كان يحدث فى حياة النساجين، وكيف تأثّروا بالأحداث فى العالم خارج خيمتهم أو قراهم أو ورشهم. 

الكتاب الذى يقع فى ٣٦٨ صفحة، صدر فى منتصف يونيو الماضى، عن دار نشر «سانت مارتن» العالمية، ويأتى فى المرتبة الأولى للكتب الأكثر مبيعًا فى المنسوجات والسجاد العتيق والمقتنيات، والمرتبة الثانية للكتب الأكثر مبيعًا فى أشغال السجاد.

الدكتورة دوروثى أرمسترونج مؤرخة للثقافة المادية، مع اهتمام خاص بغرب ووسط وجنوب آسيا. ركزت أبحاثها الأخيرة على ما يسمى بالسجاد الشرقى، واستخدامه فى دعم أنظمة القوة والقيمة والذوق الأوروبية والأمريكية الشمالية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.

رمسترونج هى زميلة زائرة فى برنامج ماى بيتى لدراسات السجاد فى متحف أشموليان للفنون والآثار بجامعة أكسفورد، حيث تعمل على بناء معرفة حول السجاد الآسيوى فى أواخر القرن العشرين، وآثاره الثقافية والسياسية. عملت سابقًا محاضرة ومعلمة فى برنامج تاريخ التصميم فى كلية الآداب والعلوم الإنسانية فى الكلية الملكية للفنون ومتحف «فيكتوريا وألبرت» بلندن.

تلقت تعليمها فى جامعة كامبريدج، وكلية الدراسات الشرقية والإفريقية، والكلية الملكية للفنون، ومتحف فيكتوريا وألبرت.

قصص خاصة

تكتب أرمسترونج: «يميل العالم تحت أقدامنا إلى أن يكون أقل وضوحًا من العالم الذى نراه على مستوى العين. فبمجرد أن نبدأ بالنظر، نرى سجادًا فى كل بيئة تحتفى بالقوة». 

وتضيف: «حتى عندما يستخدمه العظماء والأقوياء كأدوات، يجد السجاد طرقًا لسرد قصصه الخاصة، التى تقوض أحيانًا وتعقد دائمًا التواريخ المتداولة».

تبحث المؤرخة فى الدور السياسى والاقتصادى والثقافى للسجاد المنسوج يدويًا، ويركز بحثها الدقيق على ١٢ سجادة، بدءًا من سجادة ذات وبر معقود من سيبيريا، يعود تاريخها إلى القرن الثالث أو الرابع قبل الميلاد، وصولًا إلى سجادة من القرن الحادى والعشرين، منسوجة فى باكستان للتصدير التجارى. 

تصف مكان وزمان صنع كل سجادة، ومن صنعها، ولمن صنعت، ثم تتقصى حياتها بعد وفاتها عند أقدام من امتلكوها. يمتد الكتاب حول العالم، مع تركيزه بشكل خاص على الشرق الأدنى، حيث أنتج معظم السجاد، وأوروبا وأمريكا الشمالية، حيث انتهى بها المطاف.

تم تصنيع هذا السجاد فى قوس يمتد من مصر عبر ما كان يعرف بالإمبراطورية العثمانية، إلى إيران، وسهول آسيا الوسطى، ثم إلى الهند.

وتكشف الكاتبة عن استغلال صانعى السجاد الذى لا يزال مستمرًا حتى يومنا هذا. فسجاد القرن الحادى والعشرين المباع فى المتاجر الكبرى، غالبًا ما يصنعه «لاجئون منهكون فى مخيمات مؤقتة» يصنعون منتجات للتجارة الدولية وفقًا لمواصفات التصميم واللون، ويتم تسويقها من خلال شركات التصدير.

رمز السلطة

تمثل كل سجادة فرصة للتأمل فى زمان ومكان، عادة إمبراطورية، وعلاقتها بالسلطة، حيث تجادل الكاتبة بأن السجاد كان فى كثير من الأحيان رمزًا ليس فقط للثروة، بل للسلطة أيضًا. 

إن «الإمبراطورية» فى «خيوط الإمبراطورية» مقصودة. التقط تشرشل وستالين وروزفلت صورة يالطا الشهيرة على السجاد. كانت لدى هتلر نسخة من سجادة «أردبيل».

فى أحد فصول الكتاب، تظهر المؤلفة كيف استخدمت إنجلترا الفيكتورية سجادة فارسية من القرن السادس عشر كرمز للإمبراطورية البريطانية، مستعيرة هيبة الإمبراطورية الصفوية الراحلة. 

وفى فصل آخر، تتناول كيف استخدم الموحد اليابانى «تويوتومى هيديوشى» سجادة فارسية مختلفة من القرن السادس عشر لمعطف الساموراى الخاص به. ويتناول فصل ثالث تأثير الحرب العالمية الثانية على سجادة فارسية مختلفة من القرن السادس عشر معروضة فى متحف ألمانى.

زمن طويل

تشير أرمسترونج إلى أنه إذا لم تكن الصلة بين السجاد والسلطة مألوفة تمامًا، فقد لوحظت العلاقة بين الوقت والمنسوجات منذ زمن طويل. 

فى الأساطير اليونانية، تحمل الأقدار الثلاثة خيط الحياة البشرية: غزل، وقياس، وقطع. فى الأوديسة، تنسج بينيلوبى يوميًا. وقد أقر خاطبوها بالوقت المقدر الذى يجب أن تستغرقه لإكمال عملها كوحدة زمنية مقبولة لها للحداد على زوجها المفقود. 

غير راغبة فى المضى قدمًا، تفك نسجها كل ليلة، متمسكة بأمل أوديسيوس الذى يمتد عبر السنين. 

يسافر الزمن والمنسوجات معًا. تروى أحزمة وامبوم الأمريكية الأصلية قصصًا فى خرزها المنسوج بدقة. تروى الألحفة تاريخ العائلة. فى فيلم «مطلوب» لعام ٢٠٠٨- الشهير بمشهد الرصاصة المنحنية- تستجيب مجموعة من القتلة لأوامر أصدرها «نول القدر».

أقدم سجادة

تفتتح المؤلفة كتابها بأقدم سجادة، وهى سجادة من القرن الثالث أو الرابع الميلادى صنعت لزعيم سكيثى «شعوب بدوية إيرانية الأصل تعرف بالسكيثيين، ازدهرت فى العصور القديمة فى سهوب أوراسيا، خصوصًا فى جنوبى روسيا وأوكرانيا الحديثتين». 

وتوضح أنها ربما تكون موجودة، إذ حفظت لأنها دفنت كهدية قبر فى مرتفعات ألتاى المتجمدة «سلسلة جبال تلتقى فيها روسيا والصين ومنغوليا»، حيث استخرجت من تلة على حافة القطب الشمالى السيبيرى، عام ١٩٤٩. حفظت فى الجليد الموحل جثتى زعيم منغولى موشوم ورفيقه.

وتضيف: عندما عثر عالم الإثنوغرافيا سيرجى رودينكو على سجادة «بازيريك» الشهيرة ملفوفة فى «كرة جليدية» فى حجرة دفن سيبيرية خلال الحقبة السوفيتية، تغير تاريخ ما قبل التاريخ لشعوب آسيا الوسطى الرعوية وشعوبها الألطية إلى الأبد، وقفز العصر الذهبى ألف عام إلى الوراء.

وتلقى هذه البطانية السرجية من العصر الحديدى، المحفوظة الآن فى متحف الإرميتاج «فى روسيا»، ضوءًا ساطعًا على «السكيثيين، الغامقين والمتألقين فى آن واحد، البدو الرحل، لكنهم مرتبطون ارتباطًا وثيقًا... بالسهوب «مناطق واسعة من الأراضى العشبية والمروج التى تتميز بخلوها من الأشجار الكثيفة». 

وكما كتبت أرمسترونج: «ينظر إلينا ٢٨ فارسًا وهم يجوبون بلا هوادة حول قطعة قماش مربعة». ضاع بعضهم فى زاوية ممزقة، لكن «البقية يتقدمون إلى حاضرنا من عالمهم القديم».

أماكن غير محتملة

تصف المؤرخة السجاد بأنه مسافرون فى الزمان والمكان، لكن تاريخه العالمى العاصف يعود مرارًا وتكرارًا إلى المناطق الجغرافية الثلاث لطريق الحرير- غرب ووسط وجنوب آسيا- حيث صُنع أعظم السجاد، مع غزوات للمؤسسات العظيمة فى «الشمال العالمى» التى كانت متعطشة لها: متحف بيرجاموم فى برلين ومتحف فيكتوريا وألبرت فى لندن، حيث عملت الكاتبة لمدة سبع سنوات.

يعرض كل فصل سجادة واحدة- ليست «الأفضل»، بل «الأكثر شهرة»- وهى مثبتة على كلمة واحدة، على سبيل المثال «زعيم» أو «شاهنشاه» كلمة فارسية تعنى «ملك الملوك» أو «الملك الأعظم» أو «ساموراى». 

ظهر العديد من السجاد المميز فى أماكن غير محتملة، سواء كان سجن لاهور فى عهد الراج البريطانى أو خيمة بدوية على هضبة الأناضول. ويخبرنا بقاؤه بالكثير عن عالمنا المتحضر. مع السجاد المعقود، الذى يعد دائمًا رفاهية، فإن القوة ليست بعيدة أبدًا. ويقف نسج الكليم على الشق بين العالم البدوى والعالم المستقر.

أمر نادر

تسلط الكاتبة الضوء على صعوبة تأريخ السجاد وتحديد مكان صنعه، لافتة إلى أن سجادة «أردبيل» تحمل نقشًا وسنة صنعها على أحد حوافها، بالإضافة إلى تدوينة للبلاط الذى خدمه النساج. 

تكتب: «إن نسج هذا الكم من المعلومات فى سجادة أمر نادر للغاية». تأريخ الكربون مكلف ولا يمكنه تحديد الموقع الجغرافى؛ كما أن للتحليل الكيميائى للأصباغ حدوده الخاصة. بدلًا من ذلك، عادة ما يحدد خبراء السجاد المنسوجات من خلال الفحص البصرى، بفحص أنماط السجادة وزخارفها، بالإضافة إلى عقدها ونسجها».

وتوضح المؤلفة أن هذه السجادة تعتبر على نطاق واسع أروع مثال على تقاليد صناعة السجاد الفارسى، والمعروضة اليوم فى متحف «فيكتوريا وألبرت» بلندن. حيث يبلغ طولها ٣٣ قدمًا وعرضها ١٧ قدمًا، وهى نموذج عملاق من فن النسج اليدوى. 

تشير إلى أن السجادة، التى يبلغ عمرها قرابة ٥٠٠ عام، تجسد «فارسية راقية تتميز بالوضوح الفكرى والإبداع البصرى الذى لا يضاهى». ومع ذلك، فإن تفرد السجادة وحالتها الممتازة من الحفظ يتأرجحان عند النظر إليها. 

كانت السجادة فى الأصل واحدة من قطعتين متطابقتين، لكن السجادة الأخرى تعرضت للتشويه فى مرحلة ما لترميم حواف سجادتها الشقيقة المتضررة. «أما النسخة التالفة، التى لا تزال تعد كنزًا ثمينًا، فقد وجدت فى مجموعة قطب النفط (جيه. بول جيتى)».

أصحاب النفوذ

تدلل أرمسترونج على أن حالة قطب النفط ليست الوحيدة، حيث إن لقرون ارتبط السجاد بالأثرياء والنافذين: اعتبر أصحاب السلطة والنفوذ، والزعماء، وأباطرة النهب، وجامعو التحف، اقتناء السجاد الثمين انعكاسًا لمكانتهم. 

كما أن نسب صنع السجادة ومصدرها يرتبطان بالسلطة. فقد أدى الجمال المذهل لسجادة معينة فى مجموعة متحف «فيكتوريا وألبرت» إلى افتراض أنها صنعت على يد فريق من الرجال.

تشير المؤرخة إلى أن هذا الاستنتاج «كان مناسبًا لوجهة نظر غربية فى القرن التاسع عشر، والتى كانت ترى أن الشىء إذا كان فنًا، فهو من صنع الرجال، وأن ما تمارسه النساء هو شكل أدنى من الإبداع يوصف فى الغرب بالحرفة». 

وكانت تقنية صناعة السجاد الدقيقة قد تطورت إلى شكل فنى ناضج، يرجح أن البدو مارسوها. تؤكد الكاتبة أن النساء كنّ نساجات السجاد منذ أقدم العصور، حيث صقلن مهاراتهن فى التمشيط والغزل والصباغة والعقد وضبط السدى واللحمة وتصميم أو إعادة إنتاج الأنماط.

قطع فنية

تلفت الكاتبة إلى أن الفنانين أبهروا العملاء المحتملين بتجسيد ألوان ولمعان السجاد المنسوج، فى عصر النهضة الأوروبية، وكانت لدى رسام البورتريه «هانز هولباين» الأصغر مجموعة سجاد خاصة به. 

تستخدم لوحة لورينزو لوتو «صدقات القديس أنطونيوس» «حوالى ١٥٤٠- ١٥٤٢» سجادة أناضولية معروضة بشكل بارز، لتسليط الضوء على ثراء الكنيسة الكاثوليكية وقوتها. 

توضح المؤلفة أن «الأسئلة الأساسية حول متى ولماذا وأين ومَن صنع السجاد غالبًا ما تبقى دون إجابة». يسهم هذا فى غموض السجاد الفاخر، الذى قد يعود تاريخه إلى قرون، ويزيد من جاذبيته لدى من يحبونه كقطع فنية بحد ذاتها.

موكب نابض

تقدم أرمسترونج موكبًا نابضًا بالحياة، من سجادة «أردبيل» فى متحف «فيكتوريا وألبرت» فى علبتها الزجاجية، رمز الإمبراطورية المتجسد، إلى الساموراى الذى يبرز درعه المرعب بمعطف كليم صفوى رقيق من القرن السادس عشر.

فى «القس»، تجوب ثلوج ترانسلفانيا فى براشوف «مدينة فى رومانيا» لتتأمل عشق البروتستانت للسجاد التركى، الذى لا يزال معلقًا كطوابع بريدية لامعة فى الظلام البارد الشاسع. 

أما «المهيمن» فيدور حول السجادة التى وقف عليها تشرشل وروزفلت وستالين فى يالطا عام ١٩٤٥، «كثلاثة منبوذين»- الرجال الثلاثة الذين قسموا أوروبا حتى قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية.

فى «المهاجر»، تستحضر المؤرخة باخ عند تحليلها فكرة الغول التى يصقلها التركمان، «فنانو النسيج البدوى العظماء». تتبع حكايتهم الحزينة إلى مخيم لاجئين ضخم فى باكستان فى القرن الحادى والعشرين، حيث ينتجون الآن بكميات كبيرة سجادًا بخاريًا رخيص الثمن. 

فى «مفقود»، تروى سجادتان مجروحتان الدمار المروع الذى خلفه قصف برلين. إحداهما الآن قطعة متفحمة، يمكنك شم رائحتها فى معرض «الحلم والصدمة» بمتحف الفن الإسلامى بالمدينة. ومن المفارقات أن لها قطعة أخرى، واحدة غطت مذبح كنيسة وستمنستر خلال حفل التتويج عام ١٩٥٣.

سجادات الصلاة

تشرح الكاتبة كيف ولماذا انتهى المطاف بالعديد من سجادات الصلاة التى صنعها المسلمون فى الكنائس، كسجاد لتدفئة أبناء الرعية وأحيانًا كأشياء على المنبر أو المذبح. 

وتأخذنا إلى طليعة اللوثرية «فرع مسيحى بروتستانتى نشأ فى القرن السادس عشر على يد المصلح الألمانى مارتن لوثر» وكنائسها البسيطة فى كارباتيا «غرب أوكرانيا» فى القرن السادس عشر، والتى نختبرها من خلال قصة يوهانس هونتروس والكنيسة السوداء. 

ومن هناك، نتتبع ساكسون ترانسلفانيا، واللوثرية المحلية، عبر القرون والإمبراطوريات المتعاقبة. ونتتبع سجاد الصلاة فى رحلته من الإمبراطورية العثمانية كسلع تجارية، ثم فى القرون اللاحقة، خارج كارباتيا إلى مجموعات خاصة، حيث تم تهريبه من الكنائس، وغالبًا ما كان يُباع دون إذن.

هواة الجمع

تتناول عدة فصول هواة جمع السجاد. لطالما أبهر السجاد أصحاب النفوذ عبر التاريخ. توضح المؤلفة كيف أصبح جمع السجاد كتحف فنية رائجًا فى القرنين التاسع عشر والعشرين، مما حقق ثروات طائلة خلال الثورة الصناعية، ومع إنشاء المتاحف العامة للاحتفال بغنائم الإمبراطورية وحفظها. ومع ارتفاع الأسعار، انخرط المحتالون والمخادعون فى هذا النشاط.

لا يصاحب السجاد الفاخر سوى القليل من التاريخ الحقيقى. فكثيرًا ما أسىء تفسير موطنه الأصلى عند صنعه. ورافقت الأساطير العديد من قصص الأصل، إلى أن كشفت الأبحاث العلمية الحديثة عن الافتراضات الخاطئة حول هذه القطع وتاريخها الحقيقى المحتمل.

تتناول أرمسترونج تزوير السجاد، كاشفة الأساليب التى استخدمها رجال الثقة لتسويق السجاد المعاصر على أنه تحف. غالبًا ما كانت هذه التزويرات نماذج مثالية لفن النسيج، كان من الممكن اعتبارها فنونًا راقية، لو لم تكن تحمل تاريخًا زائفًا.

دوروثى أرمسترونج

جواهر الأمنيات

تروى المؤرخة قصة سجادة مزيفة حدثت فى صباح السابع من نوفمبر عام ١٩٣٣، عندما غادر تاجر أعمال فنية من فيينا، يُدعى بول بيرليفتر، مسكنه فى فندق بارك لين الفاخر بلندن، حاملًا سجادة ملفوفة تحت ذراعه. بلغ طولها حوالى ١١٧ بوصة وعرضها ٧٥ بوصة عند فردها. كان بيرليفتر فى طريقه إلى متحف «فيكتوريا وألبرت» لمقابلة أمين قسم المنسوجات، سيسيل تاترسال.

أثار عرض بيرليفتر لتاترسال حماس أمين المتحف، لدرجة أنه كتب فى نفس اليوم إلى نائب أمين المنسوجات فى متحف «فيكتوريا وألبرت»، أ. ب. وايس، يحث المتحف على شراء السجادة. وفى غضون يومين، وصل الطلب إلى مكتب مدير المتحف، إريك ماكلاجان. وبمجرد أن اطلع ماكلاجان على القطعة، وافق على الشراء. وبينما كانت معظم عمليات الاستحواذ مكلفة، استغرقت هذه العملية أكثر بقليل من أسبوع من البداية إلى النهاية.

دفع متحف «فيكتوريا وألبرت» لبيرليفتر ٣١٠ جنيهات إسترلينية، أى ما يعادل ٨٠٠٠ جنيه إسترلينى اليوم، أى ما يزيد قليلًا على ١٠٠٠٠ دولار. مثّل هذا المبلغ ٢٥٪ من إجمالى ميزانية الاستحواذ فى المتحف لذلك العام. فى مراسلاتهما، أقرّ وايس وماكلاجان بـ«استنزاف» متحف «فيكتوريا وألبرت»- إذ وضع الكساد الكبير المتحف تحت ضغط شديد- لكنهما أكدا قناعتهما بأن التكلفة مبررة حتى «فى ظل الوضع الراهن».

تصف الكاتبة السجادة بأنها كانت عاجية اللون، بنمط متكرر مميز من ثلاث دوائر منظمة على شكل هرم، يبرزها خطان متموجان، يشكلان صفوفًا منتظمة تمتد على طول السجادة. عقدت الزخارف والحواف باللون الأحمر والأزرق والأسود ودرجات أخرى من اللون الكريمى أو الصوف الطبيعى. يعتقد أن هذا النوع من السجاد نشأ فى غرب الأناضول فى القرن السادس عشر. 

تسجل سجلات الأسعار العثمانية المعاصرة سجادًا أبيض اللون مشابهًا ببقع وخطوط من نوع «سلندى»، مما يشير إلى أنه ربما نشأ فى قرية تحمل الاسم نفسه، غرب مركز صناعة السجاد الكبير فى أوشاك.

كانت هذه البقع والخطوط زخارف مفضلة لدى الصنّاع والتجار العثمانيين، حيث انتشرت القطع التى تحمل هذا التصميم فى جميع أنحاء أراضى الإمبراطورية المتنامية طوال القرن السادس عشر. ويمكن العثور عليها على بلاط من ذروة إنتاج الخزف العثمانى فى إزنيك، ونسجها فى المخمل والديباج لصنع قفطانات ملكية فاخرة. 

ويرى بعض المفسرين المعاصرين أن الدوائر تمثل الدور الثلاثى للسلاطين العثمانيين كزعيم ومحارب وإمبراطور. ويرى آخرون أن الدوائر الثلاث والخطين المتموجين رمز للقارات الثلاث والبحرين اللذين حكمهما السلاطين- أوروبا وآسيا وإفريقيا، والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود.

فى عام ١٩٠٢، اقترح الباحث فيلهلم بود أنها مشتقة من رمز بوذى أقدم لثلاث جواهر محاطة بالنار. فسر بود الدوائر الثلاث على أنها جواهر سحرية بوذية تلبى جميع الرغبات المادية والروحية، بينما فسر الخطين المتموجين على أنهما نسخة منمقة من اللهب.

أطلق على الزخرفة اسمًا سنسكريتيًا «لغة هندو- أوروبية قديمة نشأت فى الهند وتعتبر من أقدم اللغات الموثقة»: تشينتامانى، أى «جواهر تحقق الأمنيات». وتعرف السجادة التى تحمل هذا الرمز باسم تشينتامانى حتى يومنا هذا.

استعان علماء آخرون بالفولكلور الإيرانى وشعوب آسيا الوسطى لفهم معنى هذه الزخارف، مقترحين أن البقع والخطوط ربما كانت تشير إلى جلود الفهود والنمور التى كان يرتديها المحاربون القدماء فى تلك الثقافات. 

اشتهر رستم، بطل ملحمة «شانما: كتاب الملوك» الإيرانية فى القرن الحادى عشر، بارتداء سترة من جلد النمر. قاتل المحارب العملاق ذو الشعر الأحمر الديف الأبيض ذا الرءوس السبعة لإنقاذ شاهه، كاى كافوس، الذى أسره زعيم الشياطين وأعمى بصره.

احتاج رستم إلى قطع كبد الديف ليحرقه ويلطخ رماد عينيه لاستعادة بصره. فى النسخ العديدة المزخرفة ببراعة لهذه الحلقة من «شانما»، يظهر رستم مرتديًا سترة من جلد النمر، وأحيانًا تكون مكتملة بمخالبه.

تشير المؤلفة إلى أن لمدة ثلاثين عامًا، ظلت سجادة «بيرليفتر» معلقة بسلام على جدار المتحف، تُسعد الزوار بجمالها وألوانها غير العادية وزخارفها الغامضة وأصداء إمبراطورياتها الأربع.

ثم، فى أحد أيام مارس عام ١٩٦٢، تلقى جورج وينجفيلد ديجبى، أمين قسم المنسوجات فى متحف «فيكتوريا وألبرت»، رسالة من شخص يُدعى نسيم كوهين. كان السيد كوهين، تاجر أعمال فنية وخبير سجاد فى الولايات المتحدة، يعتقد أن قماش شوارزنبرج شينتامانى، الذى يعود تاريخه إلى قرون مضت، قد نُسج منذ عقود قليلة فقط. 

غالبًا ما يتلقى أمناء المتاحف معلومات من الجمهور تشير إلى تواريخ بديلة للقطع المعروضة فى المتحف، وفى البداية، رفض طلب السيد كوهين باعتباره مجرد هاو. لكنه رفض الاستسلام، واستمر فى مراسلة المتحف كل ستة أشهر لمدة عامين. كتب ديجبى: «أنا فى حيرة من أمرى إزاء إصرار السيد كوهين الاستثنائى».

التفت ديجبى وتنبهت شكوكه منذ البداية. تشير ورقة تحليلها إلى وجود ثلاثة خطوط حمراء بين صوف «الأصفر/ الجملى» المستخدم فى السدى الطولى «الخيوط التى تربط على النول كخطوة أولى فى صنع السجادة». بدا هذا «أشبه بالأنيلين»- وهى عائلة من الأصباغ الاصطناعية التى لم تدخل مجال إنتاج السجاد على نطاق واسع إلا فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر.

عندما حللت صبغة السدى الحمراء كيميائيًا عام ١٩٦٤، تبين أنها مزيج من البربورين، الذى أنتج لأول مرة عام ١٨٦٧، والكريسوفينين، الذى صُنع لأول مرة عام ١٨٨٥. كانت الخيوط المصبوغة بالأنيلين جزءًا من البنية الأساسية للسجادة؛ ولم يكن من الممكن إضافتها كجزء من عملية ترميم. لا بد أن السجادة صُنعت بعد عام ١٨٨٥ وليس فى القرن السادس عشر. سُحبت السجادة بهدوء من المعرض ووضعت فى المخزن.