المسيح أكثر من مجرد نص.. تجسيد الإنسانية الدراما المسيحية تدخل حزام البيزنس

- أضواء وكاميرات وحركة.. عصر جديد للترفيه الدينى بمواصفات إنجيلية
- «المختار» جوهرة تاج الأعمال الدينية.. حقق أكثر من 120 مليون دولار
- «بيت داود» يجذب 22 مليون مشاهد على «أمازون برايم فيديو» ويحتل المركز الثانى على المنصة
- «ملك الملوك» فيلم رسوم متحركة يحقق 70.8 مليون دولار
خلال العقود القليلة الماضية، كان دائمًا ما يُنظر إلى صناعة الترفيه المسيحى على أنها نوع من الثقافة الدينية التى تشاهد بدافع الالتزام لا الإثارة أو الاستمتاع، وكانت الصناعة تشبه حفلات الكنيسة الجادة، لتخرج لنا أفلامًا منخفضة الميزانية وموسيقى تقليدية.
لكن خلال هذا العام، خرجت الصناعة من دائرة الكنيسة واحتلت الصدارة، ولأول مرة منذ زمن طويل، يشاهدها أشخاص عاديون غير ملتزمين دينيًا، لتسجل هذه النوعية من المسلسلات والأفلام الدينية المعتمدة على قصص الكتاب المقدس أرقامًا قياسية وإيرادات ضخمة فى هوليوود، مع حالة انتعاش للإيمان والتعبير عن الدين فى جميع أنحاء أمريكا.
ومن الدراما إلى صناعة النشر، يتجاوز الإنجيل كونه مجرد نص دينى إلى حجر زاوية لأرباح كبيرة، فهو دائمًا الكتاب الأكثر مبيعًا على مر العصور، وتحفة ثقافية تحقق مليارات الدولارات، خاصة على مدار السنوات الست الماضية، ما استعدت له دور النشر بمجموعة من الطبعات الجديدة العصرية للكتاب المقدس، بدءًا من الخريف المقبل.

على الإطلاق:
رواية شاهد عيان
فى محجر صخور جنوب أثينا، اليونان، انتظر أكثر من 100 ممثل، يرتدون زى جنود جيش قديم، أمرًا بالهجوم. يمتزج الغبار المتصاعد بأعمدة بيضاء من آلات دخان اصطناعية. يتحرك ثلاثون حصانًا تحت فرسانها المسلحين بسيوف ودروع. فى مواجهتهم، يقف جيش صغير آخر: طاقم الإنتاج الذى يحوّل إحدى أشهر القصص فى تاريخ البشرية، داود ضد جالوت، إلى عرض تليفزيونى مذهل.
فالكتاب المقدس وقصصه أصبحت هذا العام محرك ربح أكبر بكثير من كونه الكتاب الأكثر مبيعًا على مر العصور، وتجاوزت إصداراته الأساسية صناعة النشر، لتقود صناعة الدراما والمنصات الرقمية، وتخلق سوقًا مزدهرة تحقق مليارات الدولارات.

جيل جديد يبحث عن
الدين
فبعد الأرقام القياسية التى سجلها فيلم «آلام المسيح» عام ٢٠٠٤، والتى بلغت ٦١٢ مليون دولار فى جميع أنحاء العالم، بدأت صناعة الترفيه المسيحى تحولًا كبيرًا، لتخرج من الإطار التقليدى، وتذهب إلى الجمهور العام وليس المتدين فقط.

المسيحية وخلق إنجلترا
التحول جاء فى نظرة هوليوود أولًا للقصص المستوحاة من الكتاب المقدس، وكانت المهمة الأولى والأخيرة هى إيجاد الجانب الإنسانى فى القصة، ليتمكن الناس من رؤية أنفسهم فيها، أو بمعنى آخر تجسيد الإنسانية، وتناول القصص المألوفة مع إضفاء ثقل عاطفى عليها، خاصة مع وجود حالة من انتعاش الإيمان والتعبير عن الدين فى جميع أنحاء أمريكا، وتأكيد إيرادات شباك التذاكر أن الجمهور يتوق إلى قصص مبنية على الإيمان.
وهو ما أدى إلى تعهد المستثمرين بإنفاق ملايين الدولارات على الأفلام الدينية، ثم ضخ ميزانيات أعلى من أى وقت لإنتاج مزيد من الإصدارات الناجحة من المسلسلات والأفلام المبنية على محتوى الإنجيل.
لكن هذه المرة مع إضافة عنصر الجودة، فالتمثيل ليس جامدًا والنصوص ليست وعظية. وبعد أن كانت هوليوود تقلل من قوة القصص الدينية، خاصة أنها كانت توجه دائمًا لفئة معينة أو تكون منفصلة عن الثقل الدينى، أدركت الصناعة أنه إذا أردت أن يشاهدك الناس، فعليك أن تقدم لهم شيئًا يستحق المشاهدة.
ومن هنا دخلت الدراما المسيحية العالمية حزام البيزنس، فهى ليست استغلالًا رخيصًا للأموال ولا محاضرة لاهوتية، ولكن مسلسلات وأفلام تعطى الأولوية لسرد القصص على الوعظ.

تعريف الروح القدس
للباحثين عن روحانية
تجريبية
ويعتبر المسلسل الأمريكى «المختار» هو جوهرة التاج لطفرة الأعمال الدينية الحالية، وهو مسلسل متعدد المواسم يروى حياة المسيح ورسالته، والذى قلب موازين الإنتاج التليفزيونى التقليدى رأسًا على عقب، بتجاوزه الاستديوهات الكبرى، وتمويل مواسمه من خلال التمويل الجماعى كنموذج فريد.
المسلسل من تأليف وإخراج ومشاركة المخرج دالاس جينكينز، وتدور أحداثه بشكل رئيسى فى اليهودية والجليل فى القرن الأول الميلادى. ويصور حياة المسيح من خلال عيون من تفاعلوا معه، بمن فيهم رسله وتلاميذه، وقادة دينيون يهود، ومسئولون حكوميون وعسكريون رومانيون، وعامة الناس.
يشارك فى بطولة المسلسل جوناثان رومى فى دور المسيح، إلى جانب شاهار إسحاق، وإليزابيث تابيش، وباراس باتيل، ونوح جيمس، وجورج هـ. زانثيس، بالإضافة إلى نخبة من الممثلين الآخرين. وتم إصدار خمسة مواسم، ومن المقرر إصدار سبعة مواسم أخرى.

المسلسل فى بدايته وفى الموسم الأول عام ٢٠١٩ كان مجانى المشاهدة، واستخدم نماذج أعمال وأساليب توزيع متنوعة. حيث تم تمويل الموسم الأول من خلال التمويل الجماعى، حيث جمع أكثر من ١٠ ملايين دولار من المشاهدين، ليصبح أنجح مسلسل تليفزيونى ممول جماعيًا فى التاريخ.
وذلك بعد أن اقترحت الشركة المنتجة «أنجل ستوديوز» زيادة الميزانية عن طريق التمويل الجماعى من الجمهور، من خلال الشبكة الواسعة من الداعمين المسيحيين. وجمعت دعوة لجمع التبرعات، بأكثر من ١١ مليون دولار من أكثر من ١٨ ألف داعم.
وصور الموسم الأول من المسلسل عام ٢٠١٨ فى تكساس «كبديل لكفرناحوم، على بحر الجليل، عام ٢٦ ميلاديًا»، بميزانية معلنة بلغت ١٠ ملايين دولار، أما الموسم الخامس الحالى، باسم «المختار: العشاء الأخير»، فقد بلغت ميزانيته المعلنة ٤٨ مليون دولار.

نبوية لعصر الغضب
تم عرض الموسمين الثالث والرابع من المسلسل لأول مرة فى دور السينما، قبل إصدارهما على منصات البث المختلفة، بما فى ذلك Amazon Prime Video وNetflix وFacebook وYouTube.
لكن فى هذا العام أعلن عن صفقة مع Amazon MGM Studios لعرض حلقات المواسم ٥ و٦ و٧ فى دور السينما، تليها نافذة حصرية لمدة ٩٠ يومًا على Amazon Prime Video، قبل إتاحتها مجانًا.
واعتبارًا من شهر مايو الماضى حقق المسلسل أكثر من ١٢٠ مليون دولار فى إصداراته السينمائية، متفوقًا على بعض أفلام هوليوود الكبرى. حيث شاهد العرض ما يقدر بنحو ٢٨٠ مليون شخص حول العالم، ثلثهم من غير المتدينين. وترجم إلى ٥٠ لغة، وهو رقم قياسى.
وفاز المسلسل بجائزتى GMA Dove، وجائزتى K-Love Fan، وجائزة Epiphany من Movieguide.

المفارقة أن الشركة المنتجة للمسلسل تكتسب أهمية خاصة، فهى تأسست فى ولاية يوتا الأمريكية على يد الأخوين مورمون هارمون، وأطلقت فى البداية باسم VidAngel عام ٢٠١٤، وكان هدفها الأساسى هو فرض رقابة على محتوى هوليوود للمشاهدين المسيحيين من خلال استبعاد المشاهد التى تعتبر مسيئة، مثل تلك التى تتضمن عنفًا أو ألفاظًا بذيئة أو عريًا.
وبعد أن اتخذ عدد من الاستديوهات إجراءات قانونية بشأن انتهاك حقوق الطبع والنشر عام ٢٠١٦، أعادت الشركة تسمية علامتها التجارية عام ٢٠٢١ باسم Angel Studios ، وبدأت فى إنتاج محتواها الخاص.
الأمر لم يقف عند هذا الحد من النجاح، بل تم تحويل المسلسل إلى سلسلة روايات من تأليف جيرى ب. جينكينز، وسلسلة من الروايات المصورة من تأليف Corvus Comics، ومواد دراسية للكتاب المقدس مصاحبة نشرها ديفيد سى. كوك.
من أبرز الإنتاجات الأخرى التى حققت نجاحًا كبيرًا خلال الفترة الماضية مسلسل «بيت داود» التاريخى الأمريكى، وهو مستوحى أيضًا من الكتاب المقدس. ومتعدد المواسم ويتناول حياة «داود»، من تأليف وإخراج وكتابة المخرج السينمائى جون إروين، لمنصة «أمازون برايم فيديو».

تدور أحداث المسلسل فى إسرائيل عام ١٠٠٠ قبل الميلاد، حيث يصور صعود داود، متتبعًا رحلته من كونه راعيًا إلى معركته ضد جالوت، وصولًا إلى ملكيته مع بيت داود خلفًا لبيت شاول.
يؤدى مايكل إسكندر دور «داود»، إلى جانب على سليمان، وستيفن لانج، وأيليت زورير، وإندى لويس، وإيثان كاى، ومارتين فورد، وغيرهم الكثير.

بدأ نجاح المسلسل عندما عرض لأول مرة فى ٢٧ فبراير ٢٠٢٥، مع إتاحة الحلقات الثلاث الأولى على «أمازون برايم فيديو»، تلتها إصدارات أسبوعية حتى ٣ أبريل ٢٠٢٥.
خلال أول ١٧ يومًا من عرضه اجتذب المسلسل ٢٢ مليون مشاهد، واحتل المركز الثانى على المنصة، متفوقًا على أفلام ذات ميزانيات ضخمة مثل «إنفينسيبل» فى ١٨ مارس ٢٠٢٥، وقبل نهاية الموسم الأول أعلنت «أمازون برايم فيديو» عن تجديدها لموسم ثانٍ.

كن مع يسوع. كن مثله.
افعل كما فعل
بدأ إنتاج الموسم الجديد فى اليونان خلال عطلة عيد الفصح «عيد القيامة» عام ٢٠٢٥. وحظى المسلسل بردود فعل إيجابية لجودة إنتاجه العالية وتصويره المحترم للتقاليد اليهودية والقصة التوراتية.
ومن المسلسلات إلى الأفلام، حيث صدر فيلم «ملك الملوك» فى أمريكا فى ١١ أبريل الماضى، وهو فيلم رسوم متحركة مسيحى، من تأليف وإخراج سيونج هو جانج، ومستوحى بشكل غير مباشر من رواية الأطفال «حياة ربنا» لتشارلز ديكنز.
الفيلم من بطولة أصوات كينيث براناه، وأوما ثورمان، ومارك هاميل، وبيرس بروسنان، ورومان جريفين ديفيس، وفورست ويتيكر، وبن كينجسلى، وأوسكار إسحاق. وحقق إيرادات بلغت ٧٠.٨ مليون دولار.
ومن الأفلام التى حققت إيرادات ضخمة أيضًا، خلال الأعوام الماضية، فيلم «ثورة يسوع» عام ٢٠٢٣، بإيرادات بلغت ٥٢ مليون دولار، وفيلم الرسوم المتحركة الكوميدى «النجمة» عام ٢٠١٧، والذى حقق إيرادات ٦٢.٨ مليون دولار.
ومن المقرر أن يعرض فيلم «صفر ميلادى» فى ١٩ ديسمبر المقبل، وهو فيلم إثارة توراتى ملحمى، تدور أحداثه خلال مذبحة الأبرياء، كما وردت فى إنجيل متى.

دليل للفضوليين
حيث أمر الملك هيرودس الكبير بذبح جميع الأطفال الذكور فى بيت لحم، الذين تقل أعمارهم عن عامين. جاء هذا الأمر ردًا على إعلان المجوس عن ولادة ملك لليهود، ولتجنب فقدان هيرودس عرشه. نجا المسيح من المذبحة بعد هروب عائلته إلى مصر بعد تحذير ملاك ليوسف النجار.
ومن الدراما إلى الموسيقى، ترى شركة «بروفيدنت» للترفيه، وهى شركة تابعة لشركة سونى متخصصة فى الموسيقى المسيحية، أن هذا هو الوقت الأكثر إثارة للموسيقى المسيحية، وموسم من الفرص. حيث تظهر أغانى العبادة «الترانيم» على قوائم تشغيل «سبوتيفاى» الشائعة، ويتصدر فنانون مثل فوريست فرانك وبراندون ليك قوائم الأغانى إلى جانب فنانين علمانيين.

فهم عهد الله الراسخ مع
شعبه وأرضهم
وفاز مغنى الراب المسيحى المستقل «نوبيجديل» بجائزة مرموقة فى مسابقة «تاينى ديسك» التى تنظمها الإذاعة الوطنية العامة «NPR» فى أمريكا لعامين متتاليين.
وقال «نوبيجديل» لمجلة «ريليفانت» المسيحية الأمريكية: «أعتقد أن الناس لديهم بالفعل تحيز بأن الموسيقى المسيحية ستكون دون المستوى المطلوب من حيث اللحن، والتوزيع، والإيقاع، والتقديم. لذا، بمجرد أن يروا عملًا ممتازًا، يفترضون أنه جيد، هذه ليست موسيقى مسيحية، لأنها جيدة. لكننا نريهم أن الموسيقى المسيحية كانت ممتازة، لكنهم ببساطة لم يكونوا يستمعون إليها».
وتعتبر فرقة «إليفيشن وورشيب» قوة مؤثرة فى المشهد الموسيقى المسيحى المعاصر، حيث تشتهر بعروضها الحماسية وتقيم الحفلات الموسيقية فى جميع أنحاء الولايات المتحدة فى عطلات نهاية الأسبوع.