الخميس 31 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

عزيزى الكاتب.. الخلطة السرية للإبداع

حرف

- كتاب يقسّم الإبداع إلى 10 عناصر أساسية ويوفر أدوات لفنون الكتابة والحياة

- كتاب يقدم دليلًا لجعل الكتابة سهلة وساحرة فى آنٍ واحد!

يمكن تعريف الإبداع بأنه استخدام الخيال فى إيجاد حلول مبتكرة وإقامة روابط بين الأشياء التى تبدو مختلفة تمامًا، والنظر إلى العالم بطرق مختلفة وجديدة، وتحويل هذه الأفكار الخيالية إلى واقع ملموس.

وفى كتابها «عزيزى الكاتب: محاضرات تحفيزية ونصائح عملية للحياة الإبداعية» تسلط الكاتبة ماجى سميث الضوء على الإبداع وفن الكتابة من خلال دليل عملى، استنادًا إلى خبرتها التدريسية الممتدة لعشرين عامًا، ونشرتها الإخبارية الأكثر مبيعًا «من أجل حياة عزيزة» على منصة Substack.

تقسم «سميث» الإبداع إلى عشرة عناصر أساسية: الانتباه، والتساؤل، والرؤية، واللعب، والمفاجأة، والضعف، والقلق، والمثابرة، والتواصل، والأمل، وتستكشف كل عنصر من خلال مقالات قصيرة وملهمة تركز على الحرفة، تليها محفزات للكتابة الإبداعية. 

الكتاب صدر فى أبريل الماضى، عن دار نشر «واشنطن سكوير برس» الأمريكية، فى ٢٧٢ صفحة، وتأتى أهميته فى أنه يوفر أدوات يمكن للمبدعين، من جميع مستويات الخبرة، تطبيقها فى ممارساتهم الإبداعية الخاصة، ونقلها معهم إلى جميع الأنواع الأدبية ومجالات الحياة.

ماجى سميث هى مؤلفة «نيويورك تايمز» الأكثر مبيعًا والحائزة على جائزة نيويورك تايمز لتسعة كتب شعرية ونثرية، بما فى ذلك «بدلة أم حقيبة»، «عزيزى الكاتب»، «يمكنك جعل هذا المكان جميلًا»، «عظام جيدة»، «العصا الذهبية»، «استمر فى الحركة»، و«أفكارى لها أجنحة». 

حصلت عام ٢٠١١ على زمالة الكتابة الإبداعية من الصندوق الوطنى للفنون، كما حصلت على العديد من المنح والجوائز، نشرت أعمالها على نطاق واسع، حيث ظهرت فى مجلة «نيويوركر»، و«باريس ريفيو»، و«ذا نيشن»، و«أتلانتيك»، وأفضل شعر أمريكى، وغيرها.

المغير العظيم

تقوم الفكرة الرئيسية الكبيرة للكتاب على أننا جميعنا مبدعون، لأن صناعة حياتنا هى أسمى درجات الإبداع. وتكمن القيمة المجتمعية لتكريس الذات لحياة إبداعية، فى حاجتنا الإنسانية الأساسية للأمل والشفاء، والبحث عن إجابات حول عالمنا وأنفسنا، وسط بحر من الغموض.

ترى الكاتبة أن عمل المبدعين ليس حل مشاكل العالم، بل التعبير عنها. ليس الإجابة عن كل سؤال، بل استخدام الأمل الجامح للسؤال والاستمرار فى السؤال. 

تكتب المؤلفة فى المقدمة: «الإبداع هو الموسع العظيم»، مشيرة ليس فقط إلى الكتابة، بل إلى بناء حياة رحبة، وتصر على أن الإبداع ليس موهبة نادرة يمتلكها قلة، بل حق مكتسب لنا جميعًا. تضيف: «أؤمن بأن الإبداع حق لنا كبشر. نعم، جميعنا. الإبداع يغير الحياة، وجميعنا نستحق هذا النوع من التحول».

تقول: عندما تقرأ قصيدة أو تستمع إلى أغنية أو تشاهد مسرحية، لن تعود الشخص نفسه. بعد ذلك، يعاد ترتيبك قليلًا. حمضك النووى لا يزال هو نفسه. بصماتك لا تزال هى نفسها. تبدو كما أنت فى المرآة، لكنك لست تمامًا كما كنت. كن حذرًا. قد أقول لشخص ما وأنا أسلمه كتابًا أو تسجيلًا: «ستكون مختلفًا بعد هذا». السنوات التى تقضيها مع الفن هى سنوات تقضى فى شرنقة تلو الأخرى، تخرج منها دائمًا متغيرًا

منهج شخصى

تتحدث الكاتبة عن أسباب تأليفها الكتاب، فتشير إلى أنها عندما تخرجت فى المدرسة الثانوية لأنها كانت مولعة بالكتابة، فكرت: «أود أن أكتب عن الكتابة يومًا ما».

تضيف: الآن، فى هذه المرحلة من حياتى، أعتقد أننى اكتسبت أخيرًا ما يكفى من الخبرة والمعلومات لأتمكن من نقلها إلى شخص آخر. كان من دواعى سرورى أن أجمع كل هذه الخبرة فى التدريس وأفكر فى الكتابة بين دفتى كتاب.

تغوص المؤلفة فى عقلية المبدع: شخص يركز، ويطرح أسئلة عميقة، ويسعى جاهدًا لالتقاط الجمال أو معالجة الألم من خلال عملية الإبداع. 

وانطلاقًا من هذه العقلية، تنصح بتطوير «منهج شخصى» للنصوص وتقنيات للإلهام والمراجعة، وتشارك، عبر ٢٠ مقالًا، كيف أن العالم يتوسع بلا حدود للكاتب، وتشجع الكتّاب على الثقة بأنفسهم وهم يستكشفون هذا الاتساع بالإبداع والتواصل. 

استراتيجيات بديلة

لا تعتقد الكاتبة أن الكتابة اليومية ضرورية لتكون كاتبًا. هل تحتاج إلى هذا الإذن؟ تقدمه فى الصفحات الأولى من كتابها. وبشكل أكثر تحديدًا، تنتقد أى إصرار على ممارسة الكتابة اليومية، باعتبارها اقتراحًا مفرطًا «يتجاهل واقع المرأة تحديدًا»، أى واجبات المنزل ورعاية الأطفال وجميع المهام الأخرى التى تثقل كاهلها. 

وهى نصيحة قيمة لمن يكتب أو يرغب فى الكتابة، ولكنه أيضًا يوازن بين التزاماته العائلية والمهنية. فالحياة لا تسمح لنا دائمًا بالجلوس يوميًا فى وقت محدد وكتابة عدد معين من الكلمات، والمؤلفة تقر بذلك وتقدم استراتيجيات بديلة تتيح لكل كاتب حرية اختيار إيقاعه الخاص، تقول: «عندما أكتب لا أدقق فى مكان أو زمان الكتابة.. عادةً ما أكتب بخط اليد أولًا، فى دفتر ملاحظات (فارغ، منقط، مسطر) أو على ورقة رسمية».

بدلًا من ذلك، تطلب سميث من الكتّاب أن يفكروا فى هذا: «أن يكونوا حساسين، متسقين، وواعين، هذه الأشياء لا تحسن كتابتهم فحسب، بل تحسن حياتهم أيضًا». 

إن جوهر نصيحتها الملهمة والإرشادية فى الكتاب هو أن نبطئ وتيرة حياتنا، بما يكفى لنعاود إدراك العالم من حولنا، ربما حتى بدهشة طفولية «إذا استطعنا التوقف عن تصفح هواتفنا لفترة كافية».

تقول: مع تقدمنا فى العمر، قد نصبح مشتتين وغير حساسين. علينا أن ننتبه بشكل أفضل، ولكن الأهم من ذلك، علينا إيجاد طرق لجعل المألوف غريبًا مجددًا، أن نرى الاستثنائى مختبئًا فى المألوف.

تشدد الكاتبة على أهمية استخدام جميع حواسك وليس فقط البصر والسمع، وتدوين الكلمات والأفكار فور ورودها؛ قلم ودفتر، هاتف- لا يهم ما تستخدمه- اكتب على ذراعك إن احتجت!

مراقبة العالم

يحدد مبدأ الاهتمام إيقاع الكتاب بأكمله. تكتب المؤلفة: «الاهتمام شكل من أشكال الحب»، مذكرة إيانا بأن مهمة الكاتب الأساسية هى مراقبة العالم بعناية وفضول. 

هنا، تتجلى خلفيتها كشاعرة فى قدرتها على إيجاد الجمال فى الأشياء العادية. وهو ما ظهر فى روايتها عن «حالات طوارئ الجمال»- تلك اللحظات العابرة التى تتطلب اهتمامًا فوريًا- بعمق ككاتبة وكإنسانة تخوض غمار عالم يزداد تشتتًا.

تقول: أنا وأطفالى نبذل قصارى جهدنا للتركيز على الجمال. فى منزلنا، ليس من غير المعتاد أن نسمع أحدنا يصرخ «حالة طوارئ جمالية!»، حالة الطوارئ الجمالية هى ما نسميه شيئًا يوقفك فى مساراتك، شيئًا يجب أن تنظر إليه على الفور قبل أن يختفى. قد يكون شروق الشمس ورديًا وبرتقاليًا ناريًا أو سنجابًا فى شجرة الجميز أو رقاقات الثلج التى تبدو وكأنها تتساقط بحركة بطيئة. إذا أخذت وقتك فى الوصول إلى النافذة، فقد يكون شروق الشمس خوخيًا باهتًا. قد يكون السنجاب الأبيض قد اختفى. 

الدهشة هى المفتاح هنا، لا إبداع بدونها. الدهشة نقيض السخرية، إنها دافئة ومتحمسة. تضيف سميث: يتطلب الإبداع منا الانتباه والنظر إلى العالم بدهشة.. لم أتمكن من كتابة العديد من قصائدى، إلا لأننى خصصت وقتًا للنظر إلى محيطى: أصغى إلى الريح والطيور، ألمس الأوراق لأتعرف على ملمسها، أتنفس بعمق لأصف رائحة هواء الخريف. 

ترى أن الاهتمام يأتى أولًا من بين عناصر الإبداع الأساسية لسبب وجيه، هو أنه لا يوجد شىء أهم للكاتب أو الفنان من أن يكون أداة حساسة ودقيقة فى العالم. تقول: ارفعوا رءوسكم عاليًا.. نحتاج منكم أن تكونوا منخرطين بكل ما أوتيتم من قوة.

تعتقد الكاتبة أن الاهتمام لا يتطلب قلمًا ولا ورقة ولا ألوانًا ولا لوحة رسم ولا أى شىء، فقط وعيك. قد تكون يداك فارغتين، لكن يجب أن يكون عقلك منفتحًا.

تؤكد المؤلفة أن الكتابة، وإن كانت غالبًا ما تكون فردية، لا تحدث فى عزلة. تذكرنا بأن الإبداع يزدهر فى التواصل، مشيرة إلى أهمية المجتمع الأدبى وإيجاد قرّاء موثوق بهم. وكما كتبت: «لا شىء يبدعه أى منا أو يحققه، يحدث دون مجتمع. نحن بحاجة إلى بعضنا البعض».

تقر سميث بوجود دروس يمكن استخلاصها من الداخل بغض النظر عن مهنتك، فالكتابة، «حساسية، وتناغم، وملاحظة».

وعن عملية الإلهام تقول: أعتقد أن مصدر الأفكار، وكيفية ترابط الأشياء، تلك الصدف التى تحدث عندما ترى طريقة لربط شيئين مختلفين، بطريقة تضفى على العمل طعمًا خاصًا، كل ذلك يبقى سحرًا. ولا أعلم إن كنت سأتمكن يومًا ما من النظر خلف الكواليس بما يكفى لفهمه حقًا، ولا أرغب فى ذلك حقًا. لكن الحرفة، بالنسبة لى، تجيب عن السؤال: ماذا بعد؟ تأتيك هذه الفكرة الساحرة، أو تلاحظ هذا الارتباط الصدفى، وهذا الاهتمام بالحرفة، هو ما يمكنك من أخذ تلك الفكرة وتحويلها إلى عمل فنى مميز.

تصف العملية حين تشير إلى أن أنشطة الحياة اليومية تحدث سكونًا، همهمة مستمرة من المسئولية والأخبار والتذكيرات واللقاءات. مهمتنا هى تجاوز هذا السكون لسماع الصوت الهادئ بداخلنا. وهو الذى يطلق عليه البعض اسم «الإلهام». يمكنك تسميته ما شئت.

تقبل الأصالة

تشير الكاتبة إلى أنها عندما تفكر فى تقبل الأصالة والنقص- فى الحياة والإبداع على حد سواء- فإن الاستعارة التى تعود إليها باستمرار هى «كينتسوجى»، والتى تترجم إلى «النجارة الذهبية». 

كينتسوجى هو فن يابانى عريق فى إصلاح الخزف المكسور بالذهب. ربما رأيتم أمثلة، سواء عن قرب أو فى الصور: أوعية خزفية مصلحة بالذهب؛ وحسب مكان الكسر، تبدو وكأنها معرقة به.

ترى المؤلفة أن المبدع لا يخفى الشقوق، بل يملأها بطلاء مغبر بمسحوق الذهب أو الفضة أو البلاتين، ليشع بريقه فى مكان تجميعه. يكرم المبدع تاريخ القطعة الفنية؛ ما مرت به لتصبح ما هى عليه الآن، بما فى ذلك الكسر. ويعطيها حياة جديدة.

فماذا يعنى إذن تكريم تاريخ قطعة فنية؟ إذا كنت مثلى، فقد تمر قصيدتك أو مقالتك بما بين مئتى مسودة ومئتى مسودة، قبل أن ترضى عنها بما يكفى لتعلنها «مكتملة» وترسلها. 

فى الوضع الأمثل، تقربنا كل مراجعة من العمل الذى نشعر بوجوده، العمل الذى سينجز العمل النفسى أو الروحى الذى نريده. لكن كل مراجعة قد تبعدنا أيضًا عن الشرارة الأولى التى دفعتنا إلى الصفحة. هذا التوتر، هذا الشد والجذب، هو ما يجعل المراجعة ديناميكية ومثيرة: نبحث عن شىء ما، لكننا لسنا متأكدين تمامًا من شكله أو كيفية العثور عليه.

يمكننا تكريم تاريخ القطعة الفنية بإظهار عملية الكسر. بهذه الطريقة لا يكون الكسر حدثًا وقع بعد الانتهاء من القطعة الفنية، بعد تشكيل الوعاء وحرقه وتزجيجه. الكسر جزء من عملية الكتابة، جزء من قصة القطعة الفنية. ربما لم تكن القطعة الفنية قد اكتملت، ولم تكتمل تمامًا، إلا بعد الكسر.

تلفت سميث إلى أنه ربما يكون الكينتسوجى فى الكتابة هو عندما يرتكب الكاتب خطأ ثم يصر على الاحتفاظ به، بل ويلفت الانتباه إليه، مركزًا على الأخطاء- سوء الفهم، سوء القراءة، وحتى الأخطاء المطبعية- ويملأ الفراغات بالذهب. 

أحيانًا، قد يفضى الخطأ فى كتابة كلمة ما أو طباعتها إلى فهم جديد، لم يكن متاحًا من قبل. فما قد يبدو خطأً قد يكون فى الواقع أهم نقطة فى القصيدة، حيث يكتشف الشاعر آفاقًا جديدة، أو الجزء الذى تعرفه القصيدة على موضوعها.

تستكمل: القصيدة ليست مجرد تجربة زمنية، بل تجربة إنسانية، ونحن لسنا كاملين. بسماحنا للعيوب فى قصائدنا- بإظهار بعض العيوب والإصلاحات- فإننا نسمح أيضًا لإنسانيتنا بالتسلل إلى قصائدنا، ونسمح بنوع مختلف من الألفة بين القارئ والكاتب.

تقول المؤلفة: أقرأ القصائد والمقالات لأشهد على عقل شخص آخر وهو يعمل، وهذه اللحظات من الخطأ أو الانكسار، هذه المنعطفات، تساعدنى على رؤية ذلك العمل. بمعنى ما، فإن الذهب الذى «يصلح» الفجوات فى عملنا، هو المادة التى صنع منها: اللغة. 

تشدد سميث فى نهاية كتابها على أنه على الكاتب أن يحب صنع الشىء، فعل صنعه، أكثر من حبه للشعور الذى يشعر به فى النهاية، حين ينظر إلى الوراء ويقول: «يا إلهى، لقد صنعت هذا الشىء». 

تقول: عليك أن تستمتع بالعملية أكثر من استمتاعك بالثناء على امتلاكك منتجًا من صنعك. أعنى، أكثر ما يمتع هو صنع الشىء. بمجرد أن أنتهى من الكتاب، أكون مستعدة لإرساله والبدء بشىء آخر. لأننى أريد أن أشعر بذلك مرة أخرى.

تختتم المؤلفة بتأكيد قوى يجسد روح الكتاب: «أؤمن بأن الكلمات ستستمر فى الوصول. إذا لم تأتِ الكلمات الآن، لأى سبب كان، فثق أنها ستعود.. إنها تعود دائمًا».