اليوم التالى.. دليل ميليندا جيتس لمواجهة تحولات الحياة

- ثامن أقوى 100 امرأة فى العالم تروى فى مذكراتها أصعب لحظات حياتها
- كتاب يتأمل فى فترات التغيير فى حياة ميليندا جيتس بدءًا من الأمومة ووصولًا إلى فقدان الأحباء
- من طلاقها من بيل جيتس إلى زيادة وزنها 36 كيلو أثناء الحمل.. كتاب يرصد أهم التحولات فى حياة ميليندا جيتس
- مذكرات المليارديرة وأشهر فاعلة خير فى العالم تكشف الخيانة بعد زواج دام 27 عامًا
كل واحد منا، بغض النظر عن هويته أو مكانه فى الحياة، يتجه نحو تحولاته الخاصة. وفى نافذة نادرة على بعض اللحظات المحورية فى حياتها، تستقى «ميليندا فرينش جيتس» من قصص لم ترو من قبل، لتقدم منظورًا جديدًا لمواجهة تحولات الحياة.
ولأن التحولات أو الانتقالات هى لحظات نخرج فيها من محيطنا المألوف إلى عالم جديد- فهى مساحة يخيم عليها، لدى الكثيرين، الحيرة والارتباك والخوف والتردد.
تأخذنا ميليندا جيتس سيدة الأعمال متعددة المواهب، التى صنفتها مجلة «فوربس» فى المرتبة الثامنة على قائمتها لأقوى 100 امرأة فى العالم فى 2024، فى كتابها الشخصى للغاية «اليوم التالى: التحولات، التغيير، والمضى قدمًا»، فى رحلة إلى اللحظات التى شكلت شخصيتها- الأمومة، والحزن على فقدان إحدى صديقاتها المقربات، والتعامل مع دروس العمل الخيرى التى اكتسبتها بشق الأنفس.
تقول ميليندا جيتس عن فكرة كتابها: «لا يمكنك أن تبلغى سنى دون أن تخوضى جميع أنواع التحولات. بعضها تقبلته، وبعضها لم تتوقعيه أبدًا. بعضها تمنيته، وبعضها ناضلت فيه بكل ما أوتيت من قوة».

الكتاب صدر فى منتصف أبريل الماضى، عن دار نشر «فلاتيرون بوكس» التابعة لدار ماكميلان الإنجليزية، فى ١٧٦ صفحة، ويقدم إرشادات حول كيفية الاستفادة القصوى من الوقت بين النهاية والبداية الجديدة، وكيفية المضى قدمًا نحو اليوم التالى، عندما تتغير ظروف الحياة.
ميليندا فرينش جيتس فاعلة خير، يبلغ صافى ثروتها ٣٠.٧ مليار دولار فى ٢٠٢٥، وناشطة عالمية فى مجال حقوق المرأة والفتاة. سبق لها أن أسست وشاركت فى رئاسة مؤسسة جيتس، حيث حددت لأكثر من عقدين توجهات وأولويات أكبر مؤسسة خيرية فى العالم.

وهى أيضًا مؤسسة شركة «بيفوتال فينتشرز»، وهى شركة استثمار وحاضنة تعمل على دفع عجلة التقدم الاجتماعى للنساء والأسر فى الولايات المتحدة وحول العالم.
نشأت فى دالاس، تكساس. حصلت على درجة البكالوريوس فى علوم الحاسوب من جامعة ديوك، ودرجة الماجستير فى إدارة الأعمال من كلية فوكوا التابعة للجامعة. أمضت العقد الأول من مسيرتها المهنية فى تطوير منتجات الوسائط المتعددة فى شركة «مايكروسوفت» قبل أن تترك الشركة، للتركيز على عائلتها وعملها الخيرى.
تتأمل ميليندا، فى الكتاب لأول مرة، بعض أهم التحولات فى حياتها، بما فى ذلك إنجاب طفل، ووفاة صديق عزيز، ورحيلها عن مؤسسة بيل جيتس. وتشارك بكل صراحة قصصًا عن الأوقات التى كانت فيها بحاجة إلى الحكمة، وتضىء الطريق عبر المساحة المفتوحة الممتدة أمامنا جميعًا.
وتأتى أهمية الكتاب فى أن القصص التى يرويها، تلقى الضوء على دروس عالمية، حول التخلص من قيود الكمال، ومساعدة الأصدقاء على تجاوز أوقات الأزمات، وتقبل عدم اليقين، وغيرها الكثير.

أوقات صعبة
تقول جيتس إنها شعرت برغبة ملحة فى كتابة هذا الكتاب الصغير، بعد إلقائها خطاب التخرج فى حفل تخرج ابنتها الصغرى «فيبى» من جامعة ستانفورد فى يونيو الماضى، حيث لمحت إلى مواضيع الكتاب حول كيفية التعامل مع التحولات، وأهمية أفعالك بعد تلك اللحظة الحاسمة.
«كتبت هذا فى منتصف الطريق»، تقول المؤلفة: «مررت ببعض الأوقات الصعبة، وبدلًا من الكتابة بسلام من الجانب الآخر، أردت الكتابة عن تلك التحولات».
وتضيف: «لم أتوقع يومًا أن أكتب شيئًا كهذا، ولكن هناك الكثير مما حدث فى حياتى مؤخرًا لم أكن أتوقعه. على مدار السنوات القليلة الماضية، أتيحت لى فرص كثيرة للتفكير فى التحولات وكيف يمكننا الاستفادة منها، حتى من تلك التى لم نطلبها».
«وعندما ألقيت خطابًا فى حفل تخرج ابنتى أدركت أن هؤلاء الشباب يواجهون نفس تحديات التغيير التى أواجهها. هذا الموضوع مهم لنا جميعًا، لذا فكرت أنه من خلال الكتابة عما أفادنى خلال التحولات التى مررت بها، ربما يمكننى تقديم شىء مفيد لأولئك الذين يمرون بمرحلة انتقالية خاصة بهم».
تدمج ميليندا، فى جميع أنحاء الكتاب أفكارًا وكتابات لمجموعة واسعة من الشعراء والمؤلفين والقادة الدينيين وخبراء علم النفس الذين لجأت إليهم، طلبًا للتوجيه والإرشاد، ومنهم عالمة النفس ومعلمة اليقظة الذهنية الأمريكية «تارا براش».
وتفتتح كتابها بإحدى قصائدها المفضلة، «الرحلة» للشاعرة الأمريكية «مارى أوليفر». تدور القصيدة حول سماع صوتك الداخلى واستنباط الشجاعة اللازمة لاتباعه، وهو أمر تشير إلى أنه بالغ الأهمية بالنسبة لها فى رحلتها الشخصية.

إنها تمارس التأمل، وتشجع العلاج، وتحث القراء على عدم السعى وراء الأهداف بشكل صارم أو السعى إلى الكمال.
وتحكى «جيتس» فى كتابها قصصًا عما وصفته بأصعب قرار فى حياتها: «نهاية زواجها الذى دام ٢٧ عامًا من بيل جيتس، المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت».
كما يتناول الكتاب الالتحاق بالجامعة، والأمومة، والشعور بالذنب، وخروجها من مؤسسة جيتس العام الماضى، ولماذا كانت «أليكسيس كارينجتون» من مسلسل «دايناستى» الأمريكى قدوة فى طفولتها.
تتذكر المؤلفة مشاهدة مسلسلى «دايناستى» و«دالاس» المسائيين، اللذين كانا يعرضان على التوالى.
تقول: «كانت «أليكسيس كارينجتون» شخصية بها عيوب. كانت حادة الطباع. كانت قاسية. لكننى أحببت كونها سيدة أعمال فى عالم الرجال. لم تكن هناك الكثير من الشخصيات النسائية التى تمثل سيدات أعمال على التليفزيون».
«كانت أيضًا أمًا، لكن ما أعجبنى فيها هو أن النساء الأخريات كن يرتدين ملابس أنيقة للعشاء، وكانت ملابسهن جميلة، بينما كانت هى فى الواقع تشارك فى كل يوم. كانت تنافس. اعتقدت أن هذا كان أروع شىء على الإطلاق. وفكرت: «أريد أن أكون امرأة عاملة مثلها».

الصوت الداخلى
تكتب المؤلفة فى فصل بعنوان «التقط صوتك الداخلى»، الذى يروى نهاية زواجها الذى دام قرابة ٣٠ عامًا: «أحببت بيل. ليس هذا فحسب، بل كنت أقدر حياتنا العائلية بعمق، وشعرت بمسئولية جسيمة تجاه الأساس الذى أسسناه معًا. هل كنت سأدمر كل ذلك؟ هل كنت سأتخلى عن المستقبل الذى تخيلناه طويلا؟».
كانت «جيتس» أكثر عقلانية وهدوء فى قرار انفصالها عن بيل جيتس، الذى شكل شخصيتها، لذا شعرت بأنها فى حاجة إلى تناوله فى الكتاب. تقول: «أتناول الأمر من منظورى الشخصى لما كان مفيدًا لى، على أمل أن يكون مفيدًا للآخرين الذين يمرون به».
تحكى ميليندا أنها بحلول نهاية عام ٢٠١٩، كانت قد بدأت ترى بانتظام كوابيس حول انهيار منزل جميل من حولها، وهى رؤى كانت تؤدى إلى استيقاظها مذعورة.
فى النهاية، تحولت أحلامها إلى رؤية للزوجين آنذاك وأطفالهما الثلاثة على حافة جرف، بينما كانت تسقط فى الفراغ. وتعلق: «على الرغم من دراماتيكية الأمر، أدركت فى تلك اللحظة أننى سأضطر إلى اتخاذ قرار، وأننى سأتخذه بمفردى».
تحكى ما شعرت به: «كان هناك همس يتردد. كنت أعلم أن الأمور ليست على ما يرام... عندما ظهر أو انكشف المزيد من الأمور لاحقًا، فى حالتى، كنت أتمنى لو ابتعدت عنها. كان ذلك أسهل وأكثر ملاءمة».

وتضيف: «لكن كان هناك همس فقط. هذا ليس مقبولًا. كنت أعلم فى لحظة ما، فى أعماقى، أننى سأخون نفسى إن لم أعر هذا الهمس اهتمامًا على الأقل. ما كان الهمس يقوله لى هو أنك بحاجة إلى الانفصال لفهم الأمر».
وأشارت إلى أن عقلها الباطن أو صوتها الداخلى كان «واضحًا بعض الشىء»، وتكتب «أقر بيل علنًا بأنه لم يكن وفيًا لى دائمًا»، مشيرة إلى مقال «مقلق للغاية» نشر فى ذلك الخريف، عندما تزايدت التقارير حول لقاءات بيل السابقة مع «جيفرى إبستين»، الممول والمعتدى الجنسى.
مؤخرًا وصف بيل تلك اللقاءات بالخطأ، وقال إنه «كان من الحماقة قضاء أى وقت» مع إبستين، مؤكدًا أنه كان يسعى للحصول على دعم خيرى، وكان جيتس قد اعترف علنًا بعلاقة غرامية خارج إطار الزواج مع موظفة فى مايكروسوفت، ما أدى إلى تحقيق داخلى عام ٢٠١٩.
وبعدها استعانت المؤلفة بمحامين متخصصين فى قضايا الطلاق، لتبدأ رحلتها المصيرية.

رحلة مصيرية
على الرغم من محاولة جيتس فى البداية تجاهل مخاوفها، فإنها عندما لم تفلح، دعت بيل إلى رحلة إلى «نيو مكسيكو» فى فبراير ٢٠٢٠.
حاولا التعامل مع الأمر «كأى عطلة أخرى»، لكن فى الليلة الأخيرة، أخبرته بأنها تريد البدء بالعيش بشكل منفصل، مع بقائها فى منزلهما مع ابنتهما الصغرى «فيبى» التى كانت آنذاك طالبة فى السنة الأخيرة من المدرسة الثانوية.
كتبت ميليندا: «كانت واحدة من أكثر المحادثات رعبًا التى خضتها»، متذكرة أن بيل كان «حزينًا ومنزعجًا» ولكنه كان أيضًا «متفهمًا ومحترمًا».

فى منزلهما فى سياتل، واصلا العمل مع مؤسسة جيتس، بينما كانا يعيشان منفصلين سرًا- حتى إنهما كانا يظهران معًا، وهو ما تشير إليه بأنه قد يكون محرجًا.
فى شهر أغسطس من ذلك العام، أخبرت «جيتس» «بيل» برغبتها فى الطلاق، ودار بينهما حديث طويل، بل و«حنون» أحيانًا، كما كتبت.
وتتذكر فى كتابها: «ثم ركبت السيارة عائدة إلى المنزل. فى طريق العودة، أوقفت السيارة فى موقف السيارات وشغلت أغنية (Always on My Mind)، لويلى نيلسون، التى كنا نستمع إليها معًا. صرخت باكية وأنا أبكى على عجلة القيادة».
«كان اليوم التالى أغرب»، تتابع: «عدت بالسيارة إلى خارج سياتل لأطمئن على بيل، ولنبدأ بالحديث عن كيفية إخبار أبنائنا. فى النهاية شعرنا بالجوع، فخرجنا لشراء البرجر».
«كان مشهدًا تكرر مئات المرات بيننا. لكن هذه المرة كنا نتحدث عن كيفية فصل حياتنا».
بمجرد أن اتفقا على الطلاق بنهاية عام ٢٠٢٠، أدركت المؤلفة أن الأشهر المقبلة ستكون صعبة. وتعلق: «يشتهر بيل بأنه من أصعب المفاوضين فى العالم». وبدأت تعانى من نوبات هلع.

تقول ميليندا: «لم أكن أعرف حتى إن كان الأمر حقيقيًا، ولم أتوقع حدوثه لى قط. ولكن بمجرد حدوثه، كلما بدأت بالتحدث مع أصدقائى عنه قليلًا، أدركت أن عددًا أكبر من الناس يعانون منه أكثر مما كنت أعتقد».
وتضيف أن نوبات الهلع كانت طريقة جسدها فى محاولة إخبارها بشىء ما، إشارة إلى أن عقلها وقلبها غير متوافقين.
ورغم أن عملية إنهاء إجراءات الانفصال كانت «مرهقة» وطويلة بشكل مفاجئ، إلا أن الأمور سارت بسرعة بمجرد التوصل إلى الاتفاق. ولم تعلن الكثير من التفاصيل بعد؛ ومع ذلك، فقد تقاسم الزوجان السابقان ثروة بيل المقدرة بـ١١٥ مليار دولار.
خصصا عطلة نهاية أسبوع لإخبار بعض المقربين من مؤسستهما، وفى اليوم التالى، ٣ مايو ٢٠٢١، أصدرا بيانًا مشتركًا. عندما انتشر الخبر، كانت ميليندا فى المنزل مع ابنتها فيبى، التى كانت تبلغ من العمر ١٨ عامًا آنذاك، والتى عرضت على والدتها بعض الصور الساخرة حول الإعلان.
تقول جيتس: «لقد ضحكنا قليلًا، لكننى لم أكن فى مزاج احتفالى حقًا»، ومنذ ذلك الحين اكتسبت ميليندا القوة من خلال العلاج النفسى، الذى كتبت عنه: «مكننى من مواجهة الخيانة فى زواجى دون أن أخون نفسى فى المقابل».

فيديو الزفاف
فى مرحلة ما من الفصل المخصص لطلاقها، تتأمل المؤلفة فى فيديو من حفل زفافهما، كانت تشاهده كل عام تقريبًا، فى ذكرى زواجهما.
فى المقطع، تقف هى وبيل أمام كعكة زفافهما المتدرجة، ولكن، كما كتبت ميليندا، «بيل لا يعرف ما يفترض به أن يفعله».
«بدلًا من أن يقطع قطعة واحدة ويطعمنى لقمة واحدة كأى عريس فى التاريخ، ظن أنه من المفترض أن يقطع قطعة للجميع»، تتابع: «عندما أدركت ما كان يفعله، انفجرت ضاحكة لدرجة أننى لم أستطع الكلام».
مع أنه بدا مرتبكًا فى البداية «لأنه أدرك أنه أخطأ فى شىء ما»، إلا أنه بدأ يضحك هو الآخر فى النهاية، لمجرد أنها كانت كذلك. تقول: «إنه يلتقط العديد من الأشياء التى أحببتها فيه»، مشيرة إلى أن «مشاهدته الآن تجعلنى أبكى».
تحكى جيتس عن اكتسابها وزنًا أثناء حملها فى ابنتها جينيفر- التى تبلغ من العمر الآن ٢٨ عامًا وأم لطفلين، لأنها كانت المرة الأولى التى تشعر فيها بتحرر تام من الكمال، ومن الضغط المجتمعى المستمر للظهور بمظهر معين.
حيث زاد وزنها ٧٩ رطلًا، أى أكثر من ضعف ما توصى به الكلية الأمريكية لأطباء التوليد وأمراض النساء، أى حوالى ٣٦ كيلوجرامًا، تعلق: «كان هذا الوزن بمثابة انعكاس خارجى لشىء بدأت أشعر به بمجرد أن رأيت علامة الزائد على اختبار الحمل: الحرية».
لم تتفق هى وطبيبها حول هذا الأمر فى البداية، ولكن بمجرد أن تأكدا من أن صحتها- وصحة الطفل- ليست فى خطر، أخبرته أنها «لا تريد سماع كلمة إضافية واحدة» حول هذا الموضوع، وانتهى الأمر.

تجربة الولادة
تحكى المؤلفة عن يوم ولادة ابنتها جينيفر، فتقول: «كنت أشعر بأن هناك خطبًا ما حتى قبل أن أفتح عينى. كان ذلك فى ٢٦ أبريل ١٩٩٦ حوالى الساعة الرابعة صباحًا، وكانت ملاءاتى مبللة. استغرق الأمر منى لحظة لأدرك ما حدث: انفجر كيس الماء. ها هو، أخيرًا، اليوم الذى انتظرته طوال حياتى. سأصبح أمًا».
«سيحدث هذا»، قلت لبيل وأنا أدفعه ليستيقظ. قبل أن أتصل بالطبيب، قضينا لحظة معًا، نضحك على الفكرة الغريبة والرائعة بأنه قبل أن ينتهى اليوم سنكون ثلاثة.
لكن عندما وصلت هى وبيل إلى المستشفى، علمت أنها ليست مستعدة للولادة، وناقش الأطباء إعادتهما إلى المنزل.
كتبت: «فى النهاية اتفقنا على حل وسط. بقيت فى المستشفى، وذهب بيل. قبل أن تغضبى، تذكرى أنه لم يكن لديه ما يفعله بعد. بالإضافة إلى أننى كنت أحمل كتابًا جيدًا معى».

وأضافت: «فى النهاية، قضيت معظم ذلك اليوم الرائع بمفردى، سعيدة».
فى ذلك المساء، بدأ مخاضها النشط، وذهب بيل إلى المستشفى، وطلبت منه ميليندا «أن يخلع سترته لأن رائحتها كانت تشبه رائحة الهامبرجر الذى تناوله فى الطريق، وكنت أشعر بغثيان شديد لا أستطيع تحمله».
«ولكن بعد ١٤ ساعة ونصف الساعة من المخاض تلاشى كل ذلك. لأنه فى الساعة ٦:١١ مساء يوم الجمعة ولدت ابنتى، جينيفر. كنت منهكة للغاية. وكنت بحاجة إلى الكثير من الغرز. ولكن عندما سلمونى الطفلة، كنت سعيدة بشكل لا يصدق».
قبل وصول جينيفر، واجهتها مشكلة فى وضعية ولادة الجنين، وفى النهاية، وفى محاولة لتجنب عملية قيصرية، وافقت ميليندا على «محاولة مؤلمة لسحب الجنين باستخدام شفاط تفريغ».
وهى محاولة انتهت، كما كتبت، بصرخة الطبيب: «أطفئوه!»
تقول جيتس: «عرفت طوال حياتى أننى أريد أن أصبح أمًا. وفى ساعات الغسق من ذلك المساء الربيعى، بينما كنت مستلقية هناك مع طفل صغير رطب مغطى بالدهن يتلوى على صدرى، بدأ فصل جديد».

ترك الوظيفة
كان هناك تجلٍ آخر أكثر جرأة لشعور المؤلفة بالحرية، هو ترك وظيفتها.
تقول ميليندا: قررت ترك «مايكروسوفت» فور حملى تقريبًا، وخططت لمغادرتى لأكون متقاعدة عند ولادة جينيفر. كان لدى سببان، أولًا، كنت أعلم أننى سأحب الأمومة، وشعرت أننى محظوظة جدًا لكونى قادرة على تكريس نفسى لها بدوام كامل.
ثانيًا، كانت مسئوليات بيل فى مايكروسوفت تعنى أنه كان يعمل لساعات طويلة ويسافر كثيرًا. أردت التأكد من أن يكون لهذا الطفل «وأى أطفال فى المستقبل» أحد الوالدين على الأقل، يسعى إلى أن يكون حاضرًا معهم، كما كانت والدتى حاضرة معى.
لدى الكثير من الذكريات السعيدة من تلك الأيام الأولى. عندما ولدت جينيفر، كنا نعيش على بعد ستة منازل فقط من شاطئ بحيرة. فى معظم صباحات أشهرها الأولى كنت أضعها فى عربة الأطفال، وأعلق ألعابها على مقبض، وأعلق غداءنا على مقبض آخر، ثم ننزل إلى الماء. ولأول مرة فى حياتى كشخص بالغ أصبحت أتحكم بوقتى تمامًا.

تضيف: لحسن الحظ سرعان ما رزقت بطفلين آخرين لأهتم بهما. انضم ابنى، رورى، إلى عائلتنا عام ١٩٩٩، ولحقت به ابنتى فيبى عام ٢٠٠٢. بين ولادتيهما أسست أنا وبيل مؤسسة «بيل وميليندا جيتس».
لكن أصعب لحظة كانت: كنت أعلم يقينًا أننى سأترك وظيفتى فى مايكروسوفت لتربية أطفالى؛ كان هذا قرارى. كنت أعلم أننى سأعود إلى العمل، لكن لم أشعر بذلك إلا بعد أن تركت وظيفتى بالفعل.
شعرت فجأة وكأننى: يا إلهى، من أنا بدون عمل؟ أنا أم، وهو ما لطالما رغبت فى أن أكونه، وأحب هذا. لكننى لا أعمل. هل أنا عضو منتج فى المجتمع؟ كنت أرى العمل منتجًا، والبقاء فى المنزل غير منتج، وهو أمر يبدو سخيفًا الآن عندما أفكر فيه. لكن فى تلك الأوقات، على الأقل بالنسبة لى، كانت تصبح أشبه بأزمة. كان الأمر شيئًا أحتاج إلى قضاء بعض الوقت فيه، ومعالجته، وإدراكه: «هذا تحول كبير.. ستتجاوزينه».
تعلق جيتس: «التخلى عن شىء ما يفسح المجال لشىء آخر. أحيانًا يخرج الناس من حياتك. أنت لا تحسن معاملتهم أو هم لا يحسنون معاملتك. هذا يفسح المجال لصديق جديد أو لتخصيص وقت لنفسك».
بعدها لم أكن أخطط للعودة إلى العمل بهذه السرعة، ولكن فجأة وجدت نفسى هناك، أشعر بالحاجة إلى حضور اجتماعات متتالية، وقراءة الكثير لأطلع على أحدث المستجدات فى القضايا، والسفر حول العالم لأشاهد أعمال المؤسسة على أرض الواقع.

تسمية الابن
عندما حان وقت تسمية ابنها أدركت ميليندا أنها تريد تكريم صديقها «جون نيلسون»، الذى توفى بعد ولادة ابنها بفترة وجيزة.
تكتب المؤلفة: «أخبرت جون ذات مرة أنه بجانب أطفالنا وعائلاتنا، نعتبر أنا وبيل علاقتنا بجون وإيمى من أهم الأشياء فى حياتنا. بطريقة ما، نشأنا معًا».
وعندما شخص نيلسون بسرطان الغدد الليمفاوية، شعرت ميليندا، الحامل بابنها آنذاك، بالعجز، فقد دخل جون دار رعاية مسنين، عندما تجاوزت شهرها التاسع من الحمل، وبعد اتخاذها قرار تسريع المخاض، أرادت أن تزوره تحسبًا لأى طارئ.
كتبت جيتس: «لم أرد أن أفوت فرصة وداعه». ووصفت محادثتهما بأنها «قصيرة لكنها مؤلمة». أخبرته أنها تحبه وأنها «ستطلق اسمه على ابنها».
لم يمت جون فى تلك الليلة، وفى الكتاب، كتبت المؤلفة أن آخر صورة لهما معًا التقطت على شرفته، حيث كان يجلس معها، بعد مغادرتها المستشفى بعد ولادتها.
«هناك فرح فى هذه الصورة»، كتبت: «لأنه فى حضنه، يحمل ابنى، رورى جيتس».
ترى المؤلفة أنه يجب التحرر من السعى إلى الكمال، فتقول: ما كنت بحاجة إلى تعلمه- ولم أتعلمه بعد- هو أن شعورى بالذنب لعدم كونى أمًا مثالية لم يكن يفيد أحدًا، لا أطفالى، ولا عملى، ولا نفسى. كان تشتيتًا- بل أسوأ من ذلك، تساهلًا- ركز انتباهى على ذاتى، بدلًا من التركيز على من أحبهم وعملى.

كنت أجعله يدور حولى، بينما كان ينبغى أن يدور حولهم. ما كنت بحاجة إليه هو إطار عمل جديد، إطار عمل يسمح لى بالتصالح مع كونى أقل مثالية بدلًا من الهوس بأخطائى وإخفاقاتى. فى النهاية، وجدت هذا الإطار فى مفهوم الوالد «الجيد بما فيه الكفاية».
عندما توقفت عن محاولة الوصول إلى الكمال، وبدأت أسعى إلى «الجودة الكافية»، أصبحت فى الواقع أمًا أفضل. لذا نصيحتى هى أن تتوقفى عن سؤال نفسك عن شكل الكمال، وأن تركزى على «الجودة الكافية» بدلًا من ذلك.
تضيف: بعد كل هذه السنوات ما زلت آخذ عملى على محمل الجد. نعم، ما زلت أستعد للاجتماعات بكثافة. لكن هذه الأيام لم أعد أشعر بنفس الشعور بعدم الأمان. أؤمن أخيرًا بأنه لا بأس إن لم أستطع استحضار الإحصائية الصحيحة فورًا لإثبات وجهة نظرى، أو إن انكشفت حدود معرفتى.
الآن، وقد أصبحت أخيرًا على ما يرام مع نفسى، لم أعد أعتبر كل موعد فى جدولى استفتاء على استحقاقى للحضور. إنها طريقة حياة ألطف بكثير. كنت أتمنى لو كنت أعرف سر التغلب على المخاوف، والشكوك الذاتية، وإيجاد الراحة فى الذات.
لكن خلال السنوات القليلة الماضية أدركت أخيرًا أن «السر» قد لا يكون سوى الوقت، الوقت والخبرة.
أينما كنا فى الحياة علينا أن نجد طريقة للنظر إلى نسخنا السابقة من أنفسنا، لا بخجل أو ندم، بل بعطف ورحمة. يستحق منا من كنا عليه أن نتذكر أنهم كانوا يعرفون أقل بكثير، وعاشوا أقل بكثير، وكانوا يبذلون قصارى جهدهم بما لديهم.

متعة حقيقة
تقول ميليندا، التى أنجبت طفلها الأول فى أوائل الثلاثينيات من عمرها، إن أحد الأمور التى لم تتوقعها فى هذه المرحلة من حياتها،هو أن تصبح جدة قبل بلوغها سن الستين.
وتضيف: «فى سن ٥٨، أى فى وقت أبكر بكثير مما توقعت، أصبحت جدة». وعلى الرغم من دهشتها، إلا أنها تقبلت هذا الدور بصدر رحب.
أصبحت جدة لأول مرة فى فبراير ٢٠٢٣، عندما رزقت ابنتها الكبرى بطفلتها «ليلى»، البالغة من العمر عامين، من زوجها «نايل نصار». أصبح الزوجان الآن والدين لابنتهما «ميا»، البالغة من العمر ٦ أشهر.
تعلق المؤلفة أنها «لم تكن تتخيل» كم سيكون «رائعًا» أن تصبح جدة، وتضيف:
«أى وقت أقضيه مع هاتين الفتاتين الصغيرتين يكون بمثابة متعة حقيقية».
احتفلت جيتس بعيد ميلادها الستين بإجازة. لكن كان هناك بعض البحث عن الذات من جانبها. تقول: «بمجرد أن تتجاوز الخمسين لا يمكنك تجاهل أنك فى النصف الأخير من الحياة، ببساطة لا يمكنك ذلك».. «لكن هناك شيئًا ما يتعلق ببلوغ سن الستين، وإنجاب الأحفاد، وهو ما جعلنى أفكر بشكل لا يصدق فى (ما نوع العالم الذى نتركه وراءنا؟)»، تؤكد المؤلفة: «لم أتخيل يومًا أننى عندما أبلغ الستين سأكون بهذه الحيوية والرغبة فى العمل وخوض تجارب جديدة. إنه لأمر مثير حقًا».
وتضيف أن الأهم من ذلك كله هو تخصيص الوقت فى هذه اللحظات المتغيرة، وعدم التسرع.
«أن تكون مستعدًا للجلوس هناك، عندما يكون الوضع غير مؤكد أو قلقًا، فهذه هى الأوقات التى تنمو فيها. عليك أن تذكّر نفسك: سأتعلم شيئًا هنا. غريزتنا تدفعنا إلى التسرع فى الخطوة التالية».

«لقد رأيت الكثير من الناس يرتكبون هذا الخطأ عندما يتركون مسيرتهم المهنية لبدء شىء جديد. يسارعون إلى الخطوة التالية ويختارون الخيار الخطأ. ثم، سيضطرون إلى تغيير مسارهم بعد عامين؛ بدلًا من الاستمرار وتحديد ما تريد فعله، حتى لو كان الأمر غير مريح».
«اجعل نفسك تتوقف قليلًا وتنظر إلى الأفق. ما الذى أرغب حقًا فى فعله تاليًا؟» وتضيف: «علينا أن نكون عازمين بما يكفى للسماح بفترة الاستراحة، دون أن نخشى منها، ونندفع نحو الجانب الآخر».
الآن، تتطلع ميليندا إلى المستقبل بإيجابية. قالت: «يتطلب بناء حياة مختلفة شجاعة. عندما تغير مسارك، تدرك أن هناك فرصة كبيرة».
كتبت جيتس فى نهاية كتابها: «لم أصل بعد إلى الجانب الآخر. لكن هذه الرحلة جددت إيمانى بأنه حتى فى أحلك أيامنا وأصعبها، فى أعماقنا، تتشكل بداية جديدة بهدوء».
تلخص الأمر ببلاغة: «فى النهاية، التحولات مربكة ومقلقة. إنها تفسد كل تخطيطنا الدقيق وتجبرنا على التشكيك فى افتراضاتنا وطموحاتنا، بل وحتى هوياتنا نفسها. لكننى أدركت أن هذا جزء من سحرها».