الجنس الأقــوى.. ما يخبرنا به العلم عن جسد الأنثى

- كتاب جديد يتحدى الخرافات الثقافية والمعلومات الصحية المغلوطة حول أجساد النساء
- النساء تتمتع بميزة فى الرؤية الليلية واكتشاف الحركات وإدراك تدرجات الألوان الدقيقة
- أجساد النساء أدوات قوية مطورة لتسجيل الفروق الدقيقة والتفاصيل والتغيير
- الكتاب يكشف القوى الجسدية الخفية التى تطيل عمر النساء عن الرجال
- سحر الأستروجين.. أفضلية للنساء فى رياضات التحمل.. ومزايا مناعية.. وحماية للأذن
لعقود، قيل لمعظم النساء- إن امتلاك جسد كجسد المرأة يعنى أن تكون أضعف من الرجل، ومثل كثيرات من النساء، نصدق ذلك فى الغالب. لكن لم يعد الأمر كذلك، فبعد نصف عقد من البحث فى أحدث العلوم، اتضح أن أجساد النساء قوية ومرنة وقادرة على الصمود بشكل لا يصدق، على عكس أجساد الرجال.
وتكشف ستارى فارتان الكاتبة العلمية، فى كتابها: «الجنس الأقوى: ما يخبرنا به العلم عن قوة جسد الأنثى»، كيف تتفوق النساء على الرجال فى القدرة على التحمل والمرونة والمناعة وتحمل الألم، وحتى فى الاختبار الأصعب لجسم الإنسان: طول العمر.
وتفند فارتان خرافات متتالية لتؤكد أن النساء هن المنتصرات فى معركة القوة بين الجنسين، وذلك بعد مقابلات مع عشرات الباحثين فى علم الأحياء والأنثروبولوجيا وعلم وظائف الأعضاء وعلوم الرياضة، بالإضافة إلى حوارات معمقة مع عدائين وسباحين ومصارعين وقاطعى حطب ومتنزهين ورجال إطفاء وغيرهم.
الكتاب صدر فى منتصف يوليو الماضى عن دار نشر «سيل برس» النسوية التابعة لدار هاشيت الفرنسية، ثالث أكبر دار نشر فى العالم، فى 384 صفحة، وتأتى أهميته فى أنه يدمر الأفكار القديمة حول أجساد النساء ويحتفل بقوة المرأة.

أعراف ثقافية
ترى المؤلفة أن رغم النظرة التى تعتبر النساء الجنس الأضعف، لكن أجسادهن تتفوق على أجساد الرجال فى جوانب لا تُحصى، بما فى ذلك المناعة والمرونة وطول العمر.
فهى كما تعلمت مبكرًا أن نقاط قوة النساء كثيرة، حيث نشأت مع جدتها، التى علمتها الرماية وكان هدفها المفضل السناجب التى تأكل بذور الطيور، مشيرة إلى أن أجساد النساء «لم تدرس جيدًا ولم يفهم منها الكثير».
لكن الأبحاث المتاحة تلقى الضوء على دور الممارسة والتدريب فى تطوير الرياضيين وكيف تؤثر الأعراف الثقافية على نظرة المجتمعات للنساء على مر الزمن.
تضيف الكاتبة أن بين الصيادين وجامعى الثمار، كان الرجال متفوقين فى القوة مثل رمى الرمح والسرعة فى المسافات القصيرة، بينما تفوقت النساء فى التحمل ودقة الرماية.
وفى العصر الحديث، يمكن أن ترجع قوة الرجال المتفوقة فى الرمى، على سبيل المثال، إلى مقدار التدريب الذى يحصل عليه الأولاد والرجال فى شبابهم، وليس إلى المهارة أو القوة أو هرمون التستوستيرون.
تشير فارتان إلى أن الأبحاث تلفت إلى أن «مجرد إخبار مجموعة من النساء بأنهن يستطعن التفوق على الرجال... قد حسن نتائجهن». كما تؤكد أن «اللغة المهينة» حول الدورة الشهرية والأعضاء التناسلية للمرأة مرتبطة «بعدم الاهتمام بدراسة أجساد النساء على نطاق أوسع».
تعتقد المؤلفة أن فهم القوة على أنها تحريك «أثقل وزن يمكن للمرء التعامل معه فى جهد واحد» يعلى من شأن الأنشطة التى يتفوق فيها الرجال، بينما يقلل من شأن مآثر التحمل التى غالبًا ما تتفوق فيها النساء على الرجال.
وتوضح أن هرمون الأستروجين يساعد النساء على تخزين الدهون التى تحول لاحقًا إلى طاقة طويلة الأمد، بينما يعتمد الرجال على الكربوهيدرات غير الفعالة نسبيًا، ما يمنح النساء أفضلية فى العديد من رياضات التحمل.
على سبيل المثال، تشير إلى أن أسرع ١٠ نساء سبحن حول «مانهاتن» كن أسرع بنحو ١٣٪ من أفضل ١٠ رجال. وأثبتت رسالة الدكتوراه لساندرا هانتر فى جامعة ماركيت أن هناك قدرة تحمل أكبر للتعب فى عضلات النساء من عضلات الرجال.
وتلفت إلى أن عظام أسلافنا تروى قصة مختلفة تمامًا. فقد فحصت دراسة أجريت عام ٢٠١٧ بقايا نساء من أوروبا الوسطى يعود تاريخها إلى ٧٣٠٠ عام، وقارنتهن بالنساء المعاصرات، بما فى ذلك بطلات التجديف فى جامعة كامبريدج.
وأظهرت نتائج القياسات أن أذرع نساء ما قبل التاريخ أقوى بنسبة تصل إلى ١٦٪، وقد عزز البقاء اليومى هذه القوة: حرث التربة، وحصاد المحاصيل، وطحن الحبوب بالحجارة الثقيلة. ولآلاف السنين، كانت عضلات النساء تعنى البقاء. وكانت جدات أجدادنا يسخرن من أى إشارة إلى ضعف متأصل.
وقد ظهرت هذه الأسطورة عندما بدأت الثقافة تقدر الرقة على القدرة، وتهيئ فجوات فى الخبرة، وتسميها طبيعة.
من ناحية أخرى، تفند الكاتبة بمهارة المعتقدات البالية، عندما تلفت إلى أنه على عكس الإرشادات الطبية الراسخة «بتقليل التمارين والجهد أثناء الحمل»، فقد أظهرت الأبحاث أن الحوامل اللاتى يمارسن الرياضة بانتظام يتمتعن بفترات مخاض أقصر.
تفترض فارتان أن التكيف والتنوع هما القاعدة فى أجسام البشر، وليست الصور النمطية الشائعة عن الرجال الأقوياء والنساء الضعيفات، مشيرة إلى أن القوة البدنية تقاس بطرق عديدة، وغالبًا ما تفيد أجسام الرجال. ومع ذلك، يلعب الطول والوزن والتدريب دورًا أكبر فى الأداء الرياضى عن النوع.
بيانات البقاء
توضح المؤلفة أن جميع من عاشوا مجاعة البطاطس الأيرلندية، والاستعباد فى ترينيداد «دولة جزرية فى أقصى جنوب البحر الكاريبى»، وأوبئة الحصبة الأيسلندية يشتركون فى شىء واحد: أن النساء يعشن أطول من الرجال فى ظروف قاسية.
وذلك لأن جسد الأنثى مصمم على الصمود وطول العمر، فعلى الرغم من أن أعضاءها التناسلية أكثر تعقيدًا، وما يصاحبها من وظائف شاقة، بل ومميتة أحيانًا، كالحيض والحمل والولادة والرضاعة الطبيعية- إلا أن أجساد النساء تميل إلى أن تعيش أطول من أجساد الرجال.
وهذا صحيح على الرغم من أن الفتيات فى أجزاء كثيرة من العالم يحصلن على موارد أقل، مثل الغذاء والرعاية الطبية، مقارنة بالفتيان.
وهو ما وجدته فيرجينيا زارولى، الأستاذة المشاركة فى علم الديموغرافيا بجامعة بادوا الإيطالية، عندما حللت بيانات البقاء على قيد الحياة عبر سبع مجموعات سكانية تاريخية عانت من المجاعات والأوبئة والاستعباد.
فى ظل هذه الظروف القاسية، عاشت النساء عمرًا أطول من الرجال فى جميع الأعمار والأماكن تقريبًا، بما فى ذلك بين الفئات السكانية «ذات معدلات الوفيات المرتفعة» التى واجهت المجاعة فى أوكرانيا وأيرلندا والسويد؛ والعبودية فى ترينيداد؛ وأوبئة الحصبة فى أيسلندا، وفقًا لدراستها عام ٢٠١٨، المنشورة فى مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم «PNAS».
حتى الإناث حديثات الولادة فى هذه البيئات، كان لديهن معدل بقاء أعلى من الذكور حديثى الولادة- وهو ما يشير إلى أن ميزة بقاء الإناث متجذرة فى علم الأحياء.
تظهر القوة الأساسية للإناث اليوم أيضًا فى الأماكن التى تتعرض فيها النساء لضغوط بدنية شديدة أقل بشكل عام. قالت زارولى: «عندما نحلل البيانات التجريبية، يتضح بالنسبة للإنسان المعاصر أن معدلات وفيات الرجال أعلى منها لدى النساء، فى جميع الأعمار تقريبًا».
ورغم أن بعض العلماء يجادلون بأن نمط الحياة والثقافة يسهمان بشكل كبير فى قلة طول عمر الرجال، حيث يميل الرجال، كفئة سكانية، إلى التدخين أكثر، وشرب الكحول أكثر، وممارسة أنشطة أكثر خطورة من النساء، كما يميلون إلى استبعاد معظم النساء من الوظائف الأكثر خطورة جسديًا- إلا أن زارولى أكدت أن الدراسات التى ركزت على ما يحدث عندما تتبنى النساء بعض العادات غير الصحية التى يرجح ممارستها بين الرجال، مثل التدخين، لا تزال تظهر أن النساء يعشن أطول من الرجال.
«فى الفئات السكانية التى يتشابه فيها نمط الحياة بين الرجال والنساء، لا يزال هناك فرق فى معدل الوفيات- حيث كان متوسط العمر المتوقع للنساء أعلى من متوسط العمر المتوقع للرجال».
تشير الكاتبة إلى أن إدراك هذه الاختلافات القائمة على الجنس والبناء عليها، يمكن أن يساعد فى تحويل كيفية تعاملنا مع الرعاية الصحية، بما فى ذلك علاجات السرطان وبروتوكولات اللقاحات- مما يجعل الطب أكثر دقة وشخصية وفعالية، وخاصة بالنسبة للنساء.

تفوق جينى
تشرح فارتان أن الأشخاص الذين ولدوا كإناث لديهم كروموسوم XX، وهى ميزة جوهرية على كروموسومات XY التى يحملها الذكور عند الولادة. ويرجع ذلك إلى أن كروموسوم X أكبر بكثير، ويحتوى على جينات أكثر بعشر مرات تقريبًا.
بالتالى، تتمتع أجسام الإناث بمجموعة أوسع من الجينات المناعية، مما يجعل نظامها الدفاعى قويًا ومتنوعًا بشكل ملحوظ. وكما كتب عالم الأعصاب وعالم الأحياء التطورى الدكتور شارون معلم فى كتابه «النصف الأفضل: حول التفوق الجينى للنساء»، الذى يتناول فيه ميزة الكروموسوم XX، «لقد تطورت النساء مناعيًا لتتفوق على الرجال فى الطفرات».
وبما أن الفيروسات والبكتيريا دائمًا ما تتطور، فإن الجهاز المناعى القادر على التكيف بسرعة يكون أكثر مرونة. كما أن هرمون الأستروجين، الذى يوجد بشكل عام بكميات أكبر فى أجسام النساء، يمنح مجموعة متنوعة من المزايا المناعية.
نتيجة لذلك، تتمتع إناث الثدييات- بما فيها البشر- بأجهزة مناعية أكثر جهوزية، سواء فى استجاباتها الفطرية العامة أو فى استجاباتها التكيفية المتخصصة. كما تتميز أجسام الإناث بتعداد أعلى من العدلات النشطة، وهى النوع الأكثر شيوعًا من خلايا الدم البيضاء التى تحارب العدوى.
ووجد العلماء أيضًا أن أجسام الإناث تتمتع بنشاط أقوى للخلايا البائية- وهى وظيفة خلايا الدم البيضاء التى تتكيف لمحاربة الفيروسات أو البكتيريا. قد تعود هذه الميزة جزئيًا إلى هرمون الأستروجين، ويحاول الباحثون التمييز بين ما تحدثه الهرمونات، وما يتأثر بالجينات، وما قد يرجع إلى أسباب أخرى.
تنتج النساء أجسامًا مضادة أكثر تركيزًا لمكافحة العدوى، كما يحتفظن بذاكرة مناعية لفترة أطول، مما يجعل أجسامهن أكثر قدرة على الاستجابة للعدوى فى المستقبل، وفقًا للباحثين.
ويؤدى كل هذا إلى «الظاهرة المعروفة وهى أن الذكور أكثر عرضة للإصابة بالعديد من الأمراض من الإناث- وإن لم يكن ذلك فى جميع الأمراض أو جميع الأفراد، بالطبع»، كما قالت مارلين زوك، أستاذة ريجنتس وعالمة الأحياء التطورية فى جامعة مينيسوتا فى سانت بول.
تلفت المؤلفة إلى أنه بما أن أجسام النساء تتمتع بدفاعات مناعية أقوى، فإنها عادة ما تتمتع باستجابة أقوى للقاحات والفيروسات، وقدرة أكبر على مكافحة تسمم الدم، وانخفاض خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان.
إلا أن الجانب السلبى لهذا النظام القوى هو أن النساء يصبن بأمراض المناعة الذاتية مثل «السكر- التهاب المفاصل- الذئبة الحمراء» أكثر من الرجال. كما أن النساء أكثر عرضة للتعايش مع أمراض مزمنة بعد نجاتهن من أمراض كانت ستقضى على أجسام الرجال.
تضيف الكاتبة أن الميزة التى تتمتع بها النساء لا تقتصر على العوامل الوراثية والهرمونية، وفقًا لبحث جديد: فهى موجودة أيضًا فى بنية أجسام النساء.
فى جامعة ولاية كارولينا الشمالية، أجرى فريق بقيادة عالمة البيئة الميكروبية إيرين ماكينى وعالمة الأنثروبولوجيا الشرعية أماندا هيل، دراسة بارزة لقياس أطوال الأمعاء الدقيقة فى الجثث لأول مرة منذ عام ١٨٨٥.
اكتشف الفريق أن الأمعاء الدقيقة لدى النساء أطول بكثير من تلك لدى الرجال، وهى ميزة تمكن النساء من استخلاص المزيد من التغذية من نفس كمية الطعام.
قد يتم تفسير هذه النتيجة، التى نشرت فى مجلة PeerJ فى ورقة بحثية عام ٢٠٢٣، بالمتطلبات الإضافية على أجساد النساء على مدار التاريخ البشرى: «الغالبية العظمى من العناصر الغذائية التى تحتاجها لتجديد نظامك- وخاصة أثناء التكاثر والرضاعة، مثل البروتين والدهون- هى ما تمتصه الأمعاء الدقيقة»، كما قالت هيل.
قد يكون هذا جزءًا أساسيًا من «فرضية التخفيف الأنثوى»- وهى فكرة أن بيولوجيا الأنثى تطورت لتتحمل الضغوط البيئية والفيسيولوجية بشكل أفضل- وفقًا لهيل.
العنصر الحاسم
تشير فارتان إلى أن فى منتصف ثمانينيات القرن الماضى، اكتشف لأول مرة أن البويضة هى فى الواقع العنصر الحاسم فى عملية الإخصاب. تقوم البويضة بذلك باستخدام منطقتها الشفافة «غلاف بروتينى سميك يحمى خلية البويضة» للالتصاق كيميائيًا بالحيوان المنوى، واختباره، ثم رفض حمضها النووى أو إدخاله إلى البويضة.
لا يستطيع الحيوان المنوى، الذى يتحرك ذهابًا وإيابًا، كسر رابطة كيميائية واحدة، بينما تستطيع البويضة ذلك. وقد دعمت الأبحاث فى تسعينيات القرن الماضى هذه الفكرة، وهى مقبولة على نطاق واسع.
تضيف: ومع ذلك، وعلى مدار العشرين عامًا الماضية، يواصل العلماء «اكتشاف» هذه الحقيقة. عام ٢٠١٧، نشرت مجلة كوانتا مقالًا عن باحث تحدى عمله هذه الفكرة الشائعة، وهى أن «البويضة ليست الخلية الخاضعة والطيعة التى طالما اعتقدها العلماء».
وفى عام ٢٠١٩، ذكرت مقالة فى مجلة جامعة فرجينيا: «انتهت الفكرة القديمة القائلة بأن البويضة شريك سلبى لدخول الحيوان المنوى. بل وجد الباحثون وجود عناصر جزيئية على سطح البويضة ترتبط بمادة مقابلة على الحيوان المنوى لتسهيل اندماجهما». ووصف الكاتب هذا بأنه «اكتشاف غير متوقع».
وفى عام ٢٠٢٤ تناول مقال نُشر فى مجلة Ms عن إيفلين فوكس كيلر، رائدة الفلسفة النسوية للعلوم، هذا «الاكتشاف الجديد» للمعلومات العلمية المعروفة سابقًا حول تفاعل البويضة والحيوان المنوى.
لم تمح فكرة البويضة السلبية/ الحيوان المنوى النشط، حتى فى المجلات نفسها التى نشرت البحث الذى ينفى صحتها. «كانت إحدى النتائج الرئيسية لفوكس كيلر أن الافتراضات المحايدة ظاهريًا فى علم الأحياء يمكن فى الواقع أن تكون (مجندنة). وقد مهد تحليل كيلر الاجتماعى المستنير للعلوم الطريق لمقاربة العلم كظاهرة ثقافية».
ترى المؤلفة أن تكرار الباحثين والصحافة العلمية لنفس «الاكتشافات» لعقود يظهر مدى رسوخ الأفكار المجندنة فى الثقافة، وقد تعوق تقدم العلم.
وتضيف: تشير أحدث الأدلة إلى أن البويضة لا تقرر فقط أى الحيوانات المنوية تريد قبولها، بل قد تجذب أو تنفر حيوانات منوية مختلفة حتى قبل وصولها إلى البويضة.
كتب الباحثون أن التواصل الكيميائى الحسى بين البويضات والحيوانات المنوية يسمح «باختيار الإناث وتوجيه عمليات الإخصاب نحو ذكور محددة». لكن ما هى معايير البويضة؟ الأمر غير معروف حتى الآن.
قد يكون اختيار حيوانات منوية عالية الجودة أو حيوانات منوية أكثر توافقًا وراثيًا بطريقة ما. صرح أحد الباحثين لموقع لابروتس: «هذا يظهر أن التفاعلات بين البويضات والحيوانات المنوية البشرية تعتمد على الهوية المحددة للنساء والرجال المعنيين». وأضاف أن اختيار الحيوانات المنوية يعود بالكامل للبويضة.
تقول الكاتبة إن العلم أيضًا يظهر أنه على عكس بعض الروايات الثقافية، فإن الدورة الشهرية حساسة للغاية للحفاظ على الطاقة؛ فالبويضات تخوض صراعًا كل شهر حتى يبقى الأقوى فقط؛ وترسل البويضة الفائزة إشارات «تعال إلى هنا» إلى الحيوانات المنوية التى تفضلها؛ ثم تختار أى الحيوانات المنوية تتحد معه لتكوين إنسان جديد محتمل.
هذا فى الوقت الذى صور المجتمع لقرون الدورة الشهرية على أنها فوضوية، وغير منطقية، وغير موثوقة- واعتبرها «مشكلة شهرية» تجعل أجساد النساء معقدة للغاية بالنسبة للعلم، ومتقلبة للغاية بالنسبة للجهود البدنية الجادة.
ولكن بعيدًا عن كونها عبئًا، تعمل هذه الدورة كواحدة من أذكى أنظمة التغذية الراجعة فى الجسم. تقول: تخيلها كعلامة حيوية خامسة، قيمة كنبض القلب أو ضغط الدم.
يشير تقلبها إلى تقارير صحية آنية. عندما يواجه الجسم إجهادًا كبيرًا أو سوء تغذية أو مرضًا، تتغير الدورة أو تتوقف. يتخذ الجسم قرارات تنفيذية عبقرية هنا، مدركًا الموارد الشحيحة ومحولًا الطاقة بذكاء من التكاثر إلى البقاء.
هذه القدرة على التكيف تعرف المرونة نفسها- إدارة متطورة للموارد يصفها المجتمع خطأ بالضعف.
حساسية أكبر
تدلل فارتان على ميزة أخرى تتمتع بها أجساد النساء منذ المراحل الأولى من الحياة وهى حساسية اللمس الأكبر، ففى دراسة أجريت عام ٢٠٢٣ من قبل جامعتى بادوا وتوركو، قام باحثون بمسح أدمغة أطفال حديثى الولادة أثناء مداعبتهم برفق- محاكيين اللمسة الحنونة.
وبينما استجاب كلا الجنسين، أضاءت أدمغة الأطفال الإناث فى خمس مناطق مميزة، وأظهرت روابط أقوى بين نصفى الكرة المخية. فى الماضى، لم يكن من الممكن رؤية هذه الاختلافات، ولكن الآن، مع تقنية التصوير بالرنين المغناطيسى الوظيفى، بدأنا اكتشاف هذه الاختلافات الجنسية الهادئة والعميقة.
تلفت المؤلفة إلى تفصيل آخر غير مقدر: الأيدى الصغيرة «الأكثر شيوعًا لدى النساء» والتى ليست أقل حساسية- بل هى أكثر حساسية. ولأن عدد المستقبلات الحسية ثابت، فإن أطراف الأصابع الصغيرة، تعنى أن هذه المستقبلات مكتظة بكثافة أكبر.
فى دراسة نشرت عام ٢٠٠٩ فى مجلة علوم الأعصاب، وجد الباحثون أن الأشخاص ذوى الأصابع الصغيرة يتمتعون بحاسة لمس أدق. لم يكن الأمر متعلقًا بالجنس بحد ذاته، بل بالحجم- والنساء، فى المتوسط، يستفدن من ذلك. تظهر راحة يد النساء، على وجه الخصوص، حساسية حرارية أكبر، ما يعنى أنهن يكتشفن الفروق الدقيقة فى درجات الحرارة بشكل أكثر دقة.
تشير الكاتبة إلى أن قبل قرن من الزمان، لوحظ هذا التفوق الحسى بشكل غير متوقع. فى كتاب «الجنسان فى العلوم والتاريخ» الصادر عام ١٩١٦، تروى الكاتبة إليزا بيرت جامبل، كيف تمكنت النساء العاملات فى وزارة الخزانة الأمريكية من التعرف على الأوراق النقدية المزيفة باللمس فقط- وغالبًا ما يكن مغمضات الأعين.
وتكتب: «إذا شعرت بشىء خاطئ، فإنهن يشيرن فى نصف دقيقة إلى أوجه التناقض فى العملة المزيفة». كان التمييز اللمسى لهؤلاء النساء مفيدًا وأساسيًا.
تضيف: فى العديد من المنازل (ومنزلى أيضًا)، تتولى النساء اختبار الشم، حيث يطلب منهن تحديد متى تكون الأطعمة أو المشروبات فاسدة. وتدعم الدراسات هذه القدرة: إذ تتفوق النساء بشكل روتينى على الرجال فى إدراك الشم والتذوق.
وفى تحليل إحصائى أجرى عام ٢٠١٩ لدراسات الشم التى شملت أكثر من ١٢ ألف شخص، خلص الباحثون إلى أن «النساء يتفوقن عمومًا على الرجال فى القدرات الشمية» فى جميع الأبعاد المختبرة: التحديد والتمييز وعتبة الكشف. بعبارة أخرى، النساء ليس فقط أفضل فى اكتشاف روائح معينة، بل هن أفضل فى كل ما يتعلق بالرائحة.
ترجع فارتان بعض هذه القوة إلى علم الأعصاب: فقد وجدت دراسة أجريت عام ٢٠١٤ لتحليل أدمغة بشرية بعد الوفاة أن النساء لديهن، فى المتوسط، خلايا أكثر بنسبة ٤٣٪، وخلايا عصبية أكثر بنسبة ٥٠٪ تقريبًا فى بصيلات الشم لديهن- وهى هياكل الدماغ المخصصة للشم.
وأظهرت الأبحاث التى أجراها بول بريسلين فى جامعة روتجرز ومركز مونيل للحواس الكيميائية، أنه يمكن تدريب النساء قبل انقطاع الطمث على اكتشاف رائحة أقل تركيزًا بما يصل إلى ١١ ضعفًا من نظرائهن من الرجال. وهذا ليس فرقًا بسيطًا- بل قوة خارقة.
يحكى التذوق قصة مماثلة. تحتوى ألسنة الإناث عمومًا على عدد أكبر من الحليمات- وهى هياكل على شكل فطر تستضيف براعم التذوق- مما يؤدى إلى زيادة كبيرة فى خلايا مستقبلات التذوق.
ونظرًا لأن كل حليمة تستضيف عدة براعم، وكل برعم يحتوى على ٣٠ إلى ١٠٠ خلية مستقبلة، فإنه حتى الاختلافات الطفيفة فى كثافة الحليمات تضيف آلافًا من الخلايا الحسية.
وتظهر هذه الحساسية المتزايدة بشكل خاص فى الكشف عن المرارة، والتى ربما تكون بمثابة حماية بيولوجية للحمل وتربية الأطفال- إذ تشير المرارة غالبًا إلى السمية فى النباتات.
وتوضح المؤلفة أن الأبحاث تؤكد أيضًا أن الفتيات يتفوقن على الأولاد فى تمييز النكهات الأساسية الخمس- الحلو والحامض والمالح والمر والأومامى «طعم لاذع لطيف».
وقد وجدت دراسة أجرتها جامعة كوبنهاجن على ما يقرب من ٩٠٠٠ تلميذ فى المدارس الدنماركية، أن الأولاد يفضلون الأطعمة ذات الحلاوة والحامضة الشديدة أكثر من البنات- على الأرجح لأنهم يحتاجون إلى مزيد من التحفيز للوصول إلى نفس الإدراك.
بين البالغين، هناك فئة فرعية من السكان تعرف باسم «المتذوقين الخارقين» الذين يتذوقون النكهات بشكل أكثر كثافة من غيرهم- والنساء أكثر عرضة بشكل ملحوظ ليكونوا من بينهم. ووفقًا للباحثة ليندا بارتوشوك من جامعة ييل، فإن حوالى ٣٥٪ من النساء يصنفن على أنهن «متذوقات خارقات»، مقارنة بـ١٥٪ فقط من الرجال.
السمة المحددة
تقول الكاتبة إن البصر أمر معقد القياس، وتعتمد أفضلية الإناث هنا على السمة المحددة التى يتم قياسها. حيث تتمتع النساء بميزة فى الرؤية فى الإضاءة الخافتة «الرؤية الليلية»، وفى اكتشاف الحركات الدقيقة- مثل تغير تعبير وجه صديق فى الغرفة. بينما يميل الرجال إلى التفوق فى الصور عالية التباين، وفى تحديد التفاصيل الدقيقة بسرعة.
وعندما يتعلق الأمر بإدراك الألوان، تتفوق النساء بلا منازع. تعتمد رؤية الألوان على الخلايا المخروطية، اثنتان منها «مخروطيات L وM» مركزتان على الكروموسوم X.
ولأن النساء لديهن كروموسومى X، فلديهن نسخة احتياطية مدمجة- مما يعنى أن حوالى ٠.٤٪ فقط مصابن بعمى الألوان، مقارنة بحوالى ٨٪ من الرجال من أصول شمال أوروبا. «تختلف المعدلات، ولكنها أقل عمومًا بين الرجال من أصول أخرى».
كما أن النساء أكثر قدرة على إدراك تدرجات الألوان الدقيقة، حتى إن بعض النساء يحملن أربعة أنواع من الخلايا المخروطية، مما يمنحهن شكلًا من أشكال رباعية الألوان الطبيعية التى تسمح بإدراك ألوان أكثر ثراء.
حاجز عازل
وفقًا لما ذكرته دراسة مراجعة أجرتها جامعة تكساس عام ٢٠٢٢، منذ الطفولة فصاعدًا، تميل أجسام النساء إلى التفوق على أجسام الرجال فى العديد من مقاييس حدة السمع.
من بين الباحثين فى مجال السمع، من المسلم به منذ زمن طويل أن «الإناث كمجموعة لديهن حساسية سمعية أكبر»، كما كتب الدكتور دينيس ماكفادن، عالم الأعصاب الفخرى بجامعة تكساس، فى مقال نشر عام ١٩٩٨.
كما تميل النساء إلى إظهار استجابات سمعية أسرع فى جذع الدماغ واستجابات قوقعة الأذن، مما يشير إلى أن آذانهن أكثر حساسية وأسرع فى معالجة الصوت.
توضح فارتان أن الرجال يميلون إلى التفوق على النساء فى مجالين أساسيين: تحديد مصدر الصوت فى غرفة صاخبة «وهى مهارة تعرف باسم (تأثير حفلات الكوكتيل)»، واكتشاف الأصوات منخفضة التردد جدًا.
لكن بشكل عام، تتفوق النساء، ويحتفظن بها لفترة أطول. فى حين يفقد معظم الناس بعضًا من سمعهم مع التقدم فى السن، يتراجع سمع الرجال بشكل أسرع وأكثر حدة من النساء، ويعود ذلك جزئيًا إلى التعرض البيئى- كالوظائف الصاخبة، وقلة سدادات الأذن، وازدياد التدخين- ولكن ليس كليًا.
تؤكد المؤلفة أن للهرمونات تأثيرًا؛ وتحديدًا، يبدو أن هرمون الأستروجين يساعد فى الحفاظ على البنية الدقيقة للأذن الداخلية. وقد وجد الباحثون، لدى كل من البشر والقوارض، أن ارتفاع مستويات الأستروجين يرتبط بسمع أفضل وتقليل الضرر الناتج عن الضوضاء العالية.
وفى دراسة لافتة للنظر، فقدت إناث الفئران التى أُعطيت كمية إضافية من الأستروجين بعد التعرض المفرط للصوت خلايا أقل بكثير من خلايا الأذن الداخلية مقارنة بالفئران التى لم تعط جرعة زائدة. ويبدو أن الهرمون يوفر الحماية- كحاجز عازل لقوقعة الأذن.
وبحلول الوقت الذى يصيب فيه فقدان السمع كلا الجنسين فى سن الشيخوخة الشديدة، تصبح النساء أكثر عرضة لارتداء المعينات السمعية- ولكن قد لا يحتجن إليها بنفس السرعة.
فهم خاطئ
ترى الكاتبة أن ما يجمع كل هذه القوى هو قدرة محسنة على إدراك العالم والاستجابة له. ومع ذلك، غالبًا ما تفسر الحساسية لدى النساء على أنها ضعف. فى الثقافة الشعبية، وحتى فى الطب، لا يزال هذا المصطلح يحمل دلالات الهشاشة والتقلب والمبالغة فى رد الفعل.
هذا فهم خاطئ تمامًا. تضيف: إن إدراك المزيد لا يعنى الضعف، بل هو ضبط دقيق. وتر الكمان أكثر حساسية من الشريط المطاطى؛ والمسبار الفضائى المحمل بأجهزة استشعار أكثر استجابة من المطرقة. لا نسمى هذه الأدوات ضعيفة، بل نسميها متخصصة ودقيقة.
أجساد النساء أبعد ما تكون عن كونها نسخًا خاطئة من أجساد الرجال. إنها أدوات قوية، مطورة لتسجيل الفروق الدقيقة والتفاصيل والتغيير. ومع ذلك، ولأن هذه القوى لا تتناسب مع أفكارنا الموروثة عن القوة- الصاخبة، السريعة، القوية- غالبًا ما تهمل فى سياقها.
تعتقد فارتان إن إعادة صياغة مزايا حساسية جسد الأنثى البشرية، تتطلب تحولًا علميًا وثقافيًا. وهذا يعنى تصميم أبحاث أفضل لا تتعامل مع الفروقات بين الجنسين على أنها مجرد ضوضاء يجب استبعادها. ويعنى أيضًا تعليم الفتيات والأولاد أن إدراك العالم بعمق ليس عيبًا- وليس «مبالغة». إنه هبة.
الحساسية تغذى التعاطف والتواصل والإبداع، فهى تساعد موظف الخزانة على اكتشاف التقليد، والمصمم على إيجاد درجة اللون الأخضر المناسبة، والمتجول فى وقت متأخر من الليل على استشعار الخطر فى الشارع، والطبيب على معرفة أن المريض فى طريقه إلى الشفاء بنظرة ولمسة. من نواحٍ عديدة، تمثل هذه الحساسية المحرك الخفى وراء ما نسميه غالبًا «حدس المرأة».
وتختتم كتابها: يجب التخلص من فكرة أن الحساسية تجعل شخصًا ما «أقل من». بدلًا من ذلك، يجب أن ننظر إليها على حقيقتها: شكل من أشكال القوة.
اقرأ أيضًا:
ستارى فارتان: الرحم أقوى عضلة فى أجساد الإناث.. و6% فقط من أبحاث الرياضة درست النساء