قوانين الاستعمار الأربعة.. عن نوبل والأوسكار والمونديال

فى أوائل أكتوبر من كل عام يتوقف المشهد الثقافى فى العالم مترقبًا ومتوقعًا الفائز بجائزة نوبل للأدب ومثلها فى كل المجالات تقريبًا، ليبدو أن هذا الفائز سيكون هو نجم العام فى مجاله، وليست نوبل فقط التى يترقبها الجميع، بل أيضًا أوسكار فى السينما وكأس العالم فى كرة القدم وغيرها الكثير من الجوائز والألقاب التى باستقرائها سنجد أنها جميعًا جوائز غربية تمنحها جهات أوروبية أو أمريكية بناء على قواعد تتسق فى كثير من جوانبها مع فكرة الإنجاز العلمى الممكن قياسه فى المجال، لكنها فى جوانب أخرى تعد تمثيلًا للفكرة الغربية عن مفهوم الإنجاز، وتبعًا للمعايير التى تضعها الثقافة الغربية لنفسها وإنجازها بوصفها هى الثقافة التى تعد نفسها معبرة عن روح الحضارة الحديثة.
فى الحقيقة هذه الجوائز تعد حلقة مهمة فى سلسلة قوانين الاستعمار الغربى فى تاريخه الممتد عبر القرون الماضية، وهى القوانين التى سميتها سلفًا بقوانين صاحب الكرة الذى يتحكم فى قواعد اللعبة لصالحه لمجرد أنه يملك الكرة التى يتم اللعب بها، فهى تلك القوانين التى تمت صياغتها لضمان سيطرة الغرب على مقدرات وثروات الشعوب فى الأساس، والتى حاولت إقناع أبناء المستعمرات بعدد من القواعد التى من أهمها:
أولًا: بأنهم أقل ثقافة ورقيًا من الرجل الأبيض، فهو الذى وضع أسس الفنون والآداب الحديثة، وهو الذى يحدد معايير الجودة لكل هذه المجالات ويضعها فى إطار ما سماه بالعالمية، ذلك المصطلح الذى يخفى تحت عباءته رؤية خاصة بالغرب فقط، فأنت ستصبح فنانًا عالميًا أو أديبًا عالميًا فقط لو كنت تحسن الحديث بلغة من لغات الغرب، ويمكنك التعامل حسب تلك القواعد التى رسمها هو.
والأمر الثانى يرتبط برسم ما يمكن اعتباره مثلًا أعلى يتجلى رد الفعل عليه فى بعض التسميات التى تنتشر- ربما بحسن نية لكثير من نجومنا- بداية من تسمية القاهرة بهوليوود الشرق، وهند رستم بمارلين مونرو الشرق، لنجد لدينا لاعبى كرة بأسماء ميسى ومارادونا وتريزيجيه، وهو الأمر الذى يوضح مدى نجاح الغرب فى الترويج لنفسه فى مجالات اخترعها هو بمعايير وضعها هو، وكيف أننا بأنفسنا قد ذهبنا فى الطريق إلى أقصى مدى فيه، حتى تمثل هذه الأمور إحساسًا بالدونية المضمرة التى يبثها الغربى فى أهل مستعمراته القديمة؛ ليضمن بها تبعية دائمة إن لم تكن على المستوى السياسى فتبقى على المستوى الاقتصادى.
وهو ما يرتبط بالجانب الثالث الذى يرسخ فكرة أن أهل المستعمرات لن يستطيعوا الإفادة من مواردهم إلا بالاستعانة بالرجل الغربى وخبراته فى استخراج هذه الموارد وتصنيعها وتسويقها، فى سوق تقوم فى الأساس على استهلاك المستعمرات، بما يضمن كامل التبعية الاقتصادية واستدامتها، ليبدأ فى ترسيخ حالة جديدة تعتمد على اعتبار أن الثقافة المحلية هى ثقافة أقل رقيًا وأن الحضارة القديمة هى أقل تأثيرًا وتبقى من ضمن حفريات التاريخ التى يعيب علينا التمسك بها.
ويزيد على ذلك الجانب الرابع الذى يتمثل فى أنه يقنع هؤلاء بأنه أقرب إليهم من أقرانهم من أبناء الحضارات القديمة، وأن كل واحد من هؤلاء الإخوة لن يتقدم أو يترقى إلا بالتقرب إليه على حساب إخوانه، بل إن العداء بين الإخوة ربما يكون من وجهة النظر هذه ضمان أمان ثم تقدم وازدهار حسبما يدعى، وهى السياسة التى عرفناها عند الإنجليز بعبارة «فرق تسد» وعلى الرغم من معرفتنا بها فإننا نجد آثارها واضحة ولا نستطيع مقاومتها إلا فى حدود ضيقة وربما يحضرنى مثل التنافس على بطولات كرة القدم الإقليمية، التى ربما نجد فيها مثلًا فرقًا عربية تناصب لفرق عربية أخرى عداء غير مبرر، وربما تستمرئ الهزيمة من فرق غير عربية لمجرد إقصاء الإخوة.
هذه القوانين الأربعة التى اخترعها المستعمر الغربى لضمان استمرار استعماره حتى بعد رحيله عن الأرض، ولضمان سيطرته على وعى الشعوب التى استعمرها، هى ذاتها القواعد التى يبنى على أساسها شكل تعامله مع جوائز وبطولات يحاول ضمان السيطرة الدائمة فيها، وإلا فلماذا لا تعتمد اللجنة الأولمبية الدولية مثلًا لعبة التحطيب، بحجة أنها لعبة قتالية عنيفة فى حين أنها تعتمد ألعابًا مثل الملاكمة والمصارعة بأنواعها، فقط لأنها لعبة شرقية فى الأساس ولأنهم لم يحسنوها، وبالتالى فإن بطولتهم فيها مشكوك فى حدوثها.
الأمر ثقافى فى المقام الأول، لكن أثره على الوعى بالذات ينسحب على جوانب متعددة تؤثر فى الاقتصاد وفى المواقف السياسية وربما أيضًا فى الثقة فى قدرتنا على الفعل والنجاح فيه، وهو الأمر الذى يستلزم وقفة متأملة تنتج مواقف تستطيع مقاومة تلك قواعد من أجل استحداث بطولاتنا الخاصة التى تخرجنا من أسر تلك القواعد، وربما تكون بعض الجوائز العربية لو أحسن استغلالها وجعلها تعبر عن معاييرنا الخاصة وسيلة لذلك، وربما يكون استحداث جوائز وبطولات شرقية وسيلة أخرى للخروج من أسر فكرة العالمية الغربية، وخلق رؤيتنا الخاصة التى سيكون لها بالتأكيد أثرها الكبير الواضح على وعينا بذاتنا وقدراتنا خارج قوانين المستعمر التى مازال لها وجود واضح تجب مقاومته.