الأربعاء 08 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

إبراهيم عبدالفتاح يكتب: الراء

حرف

كأنما اخترع الإنسان الأبجدية فقط

ليجد مكانًا يليق بالراء.

كل الحروف تجر أذيالها فوق الورق،

بينما الراء تقفز مثل راقصة فلامنكو

تدق الأرض بكعبها

وتترك الشرر يتطاير فى عيون السطر.

لا أعرف كيف مضيت عمرًا كاملًا

وأنا أكتب

من دون أن ألاحظ هذا الجرس،

هذه الزلزلة الصغيرة

التى تهز جدار الحلق

فتوقظ الكلام من سباته.

الراء ليست حرفًا،

إنها مزمار خفى،

نافورة تدور حول نفسها

ثم تتناثر فى الفضاء.

جرب أن تنزعها من كلمة «حرية»

تصبح شيئًا مبتورًا.

جرب أن تمحوها من «روح»

فتغدو الجثة بلا نفس.

الراء امرأة

تغنى وهى تمشط شعر الليل،

تخفى فى ارتجافتها وعدًا بالرجوع،

وحنينًا لا يهدأ.

لو أن الأبجدية مملكة،

لكانت الراء ملكتها:

تجلس على العرش

وتدير المعنى بحركة لسان واحدة

الراء ليست حرفًا،

إنها تذكير بأن كل شىء يمر فينا ويرتجف ثم يختفى.

كلما نطقتها شعرت بالزمن،

وهو يتقافز بين الحلق واللسان،

ككرة صغيرة من هواء

لا تمكث فى مكان.

الراء فلسفة الارتجاف:

لا تستقر، ولا تهدأ،

تعلن أن الثبات وهم،

وأن اللغة مثل الكائن

تحتاج إلى رعشة كى تحيا.

لو اختفت الراء

لاختفت معها فكرة «الدوران»،

ولما عرفنا معنى «الرجوع»،

ولا صدقنا أن «الروح»

تقيم فى حرف صغير

تفتح فمك ليعبر،

ثم يتركك وحيدًا.

الراء درس فى الفقد:

ما أن تنطقها

حتى تتبخر من فمك

وتبقى ذاكرتها فقط

كارتداد داخلى

يصعب الإمساك به.

أفكر أحيانًا:

هل اخترع الإنسان الأبجدية

ليخبئ قلقه فى صوت مرتعش؟

هل كان يحتاج إلى الراء

ليقول للعالم:

أنا موجود، لكننى عابر؟